الحاج حواسم

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كنت في سيارة (الكيّا) العراقية وهي الميكرو في الدارجة المصرية والسرفيس في دارجة اهل الشام (سوريا ولبنان وفلسطين)، ولا اعرف ان كانت الأردن تتبع هذا التصنيف الجغرافي، فهي منذ زمن بعيد تعرف بشرق الأردن وحتى ان هواها انكليزي هي وفلسطين مثلما ان سوريا ولبنان هواهما فرنسي ويعود ذلك الى أيام الإحتلالين الفرنسي والانكليزي.

أعود بعد هذا الاستطراد الى الكيّا العراقية وهي بالمناسبة منبر من لا منبر له على حد تعبير فضائية الجزيرة سيئة الصيت او حسنته تبعا للجمهور الذي يشاهدها.

مرة أخرى ابتعد عما أردت قوله والحديث عنه... كان يجلس أمامي احد الركاب وكان في كلامه مع مجموعة من أصدقائه يحاول ان يكون لطيفا ومازحا في ساعات الصباح تلك، اتصل بأحد أصدقائه عبر الموبايل، انتقده أولا على النغمة التي سمعها عند اتصاله لأنها لإحدى الأغاني الشبابية وكان يفترض به ان يضع اية قرآنية او دعاءا من الأدعية، ثم قال له وانقل نص كلام الراكب في الكيا العراقية منبر من لا منبر له: "عيوني ابو علي، تعرف محمود في باب الشيخ؟ فدوة كلّمه حول الحج القادم، اطلب منه إدخال اسمي بأي طريقة كانت، أنا مستعد لطلباته وما يريده.. ما راح اقصّر معه.. لا تنسى ذلك.. ماذا يريد.. يدّلّل..لا تنسى غيّر هذه النغمة.

للوهلة الأولى تعجبت من كلامه، إلا أني سرعان ما مسحت هذا التعجب حين عدت بذاكرتي الى البعض من قصص الحجيج في العراق بعد العام 2003، وأيام الفرهود الذي سمي بالحواسم تبعا لتغير الأمور والاحوال في العراق الجديد، وعدت بذاكرتي أيضا الى سنوات وجودي في سوريا وبعض قصص الحجيج العراقيين الذين اعرفهم او سمعت بهم.

في البداية احب تقديم بعض الفذلكة كي يقال عني اني افهم في الكثير من الامور، كلمة حواسم المرافقة لكلمة الحاج في العنوان تعني عند العراقيين نهب ما يمكن نهبه من ممتلكات الدولة عند حدوث الاضطرابات والقلاقل والحروب وسقوط سلطة الدولة.

رأينا ذلك بعد دخول القوات الامريكية الى بغداد وسقوط النظام الحاكم فيها، لم تسلم مدرسة او مستشفى او مؤسسة خدمية او صناعية او وحدة عسكرية من عمليات السرقة لموجوداتها، ولك ان تتخيل نوع المواد التي سرقت من تلك المؤسسات والتي لم تسلم منها ايضا المتاحف ودور الفنون وغيرها.. وهو ما جعل العراقيين يتذكرون أيام الفرهود القديمة قبل عقود طويلة.

وقد سلطت الفضائيات العربية أضواءها الكاشفة بصورة فضائحية على ما حدث من سلب وسرقة ونهب وذهبت التحليلات الى مدى بعيد وظهرت نظرية المؤامرة في ما جرى ويجري، في الأحداث الأخيرة للثورة المصرية شعر الكثير من العراقيين برد الاعتبار وهم يشاهدون المصريين يقتحمون متاحفهم ومؤسساتهم لسرقة ما خف حمله وغلا ثمنه.

الحاج المفترض في مكالمته مع صديقه لا زال متأثرا بتلك العقلية عقلية استباحة الغنائم وهذه المرة ليس بصورة مجانية انه مستعد كي يدفع اي مبلغ (رشوة) يطلبه ذاك الشخص الذي يستطيع إدراج اسمه في قائمة المستحقين للحج هذا العام... كيف سيذهب الى الحج لمقابلة خالقه ولم تتسنّ له تلك المقابلة الا عن هذا الطريق الملتوي؟

في التفكير الجمعي للمسلمين في عهودهم المتأخرة عهود الانحطاط والتردي، جميع الوسائل شرعية ومحمودة للذهاب الى الحج حتى لو كان فيها تعدّ على حدود العباد ورب العباد، المهم انه سيذهب الى هناك ويغتسل في بحر المغفرة الإلهية ليتخلص من آثام ودنس السنوات السابقة لحجه المبرور هذا..وكأن الله سبحانه وتعالى محتاج لوقوف مثل هؤلاء الحجيج على بابه وإعادة وصل ما انقطع بينهم وبينه.

عقلية الحواسم تفترض ان ما يتم سرقته من أموال الدولة التي هي أموال جميع أفراد المجتمع في النهاية يمكن ان تمحى من الذاكرة الالهية اذا تم التبرع بقسم منها لعمل خيري او بناء مسجد وجامع.. عقلية الحواسم تريد ان تقدم الرشوة حتى لرب العباد معتقدة انها سوف تنجح في ذلك ويعود الراشي والسارق والزاني كما ولدته أمه دون النظر الى شرط رئيسي من شروط الحج وهو الطلب ممن أسأنا لهم إساءات مادية ملموسة إبراءنا الذمة عما لحق بهم من قبلنا، وهو شرط لا يتحقق الا عن طريق الاعتراف للآخرين بما جنينا بحقهم.

الحاج حواسم لدينا الكثيرين منه في حياتنا.. وأتوقع انه سينجح في مسعاه ويطوف حول الكعبة ثم يعيد الكرة من جديد كل عام ليصبح الحج عادة وليس عبادة من أرقى العبادات الإسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/آيار/2011 - 19/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م