شبكة النبأ: يعطي الإمام الراحل، آية
الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، لقضية التعمير
والإسكان وتجميل المدن، إهتماما واضحا في مؤلفاته وأفكاره التي تشمل
مناحي الحياة كافة، فقد أكد الإمام الشيرازي في كتابه القيّم الموسوم
بـ (فلسفة التأخّر)، على أهمية تجميل المدن والقرى والأرياف، وضرورة
الاهتمام الرسمي الحكومي أولا، بهذا الجانب، مضافا الى أهمية أن تشترك
الجمعيات الخيرية في هذا المجال.
ويعتبر حق السكن وتجميل المدن من الحقوق المهمة الواجب توفيرها
لعامة الناس، بيد أن هذا الأمر يتطلب حاكما عادلا، وحكومة تقدم مصالح
الشعب على مصالحا، أما اذا حدث العكس (وهذا ما يحدث في الغالب في ظل
الأنظمة القمعية) فإن مشكلة الاسكان وإهمال المدن والقرى والارياف،
تبقى قائمة بسبب ظلم الحكومات.
يقول الإمام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه المذكور: (إنّ جملة من
حكّام المسلمين اعتادوا الاستبداد، والاثرة، وهضم حقوق الآخرين، وسجن
الناس، وتسفيرهم، وتعذيبهم، والتكلم مع الناس باستعلاء وغرور، والفساد
والإفساد، كما أن جملة من حكام غير المسلمين هم كذلك).
في حين أن الحاكم وهو من فصيلة بني الإنسان، ينبغي أن يهتم بشؤون
الناس أولا، ومن بينها توفير السكن، ومن ثم تجميل هذه الاماكن لكي تليق
بكرامة الانسان، وحقه في العيش الرغيد، وقد أكد الإمام الشيرازي على
هذا الجانب قائلا: (ورد في الحديث الشريف: "إنّ الله جميل يحب الجمال"،
وذلك يجري في كل شؤون الحياة، والتي منها المُدُن، والنظافة نوع من
الجمال، بالإضافة إلى أنها صحة وانشراح للنفس).
لكن المشكلة التي تعاني منها الشعوب الاسلامية، هي طبيعة أنظمتها
الحاكمة، حيث غالبا ما تكون هذه الانظمة تابعة لغيرها من الدول (الكبرى)،
فتمنح الحكومات الضعيفة هذه الدول امتيازات اقتصادية على حساب مصلحة
الشعب، والاسباب واضحة مجملها لكي يبقى هؤلاء الحكام على عروشهم، بدعم
من حلفائهم على حساب مصلحة الشعب، ويؤكد الإمام الشيرازي في هذا المجال
قائلا بكتابه نفسه: (إن البلاد الإسلامية حيث توزع ثورتها بين الحكومات
الأجنبية التي جاءت بها أو المساندة لها، فلهذه الحكومات الإستعمارية
حصة الأسد من ثروات الشعب، وما بقى من الفريسة تكون لحكومات هذه البلاد،
وغالباً ليس للشعب أيّ شيء من الثروة الطبيعية، بل الضرائب المرهقة
تفقر الشعوب). ويضيف الإمام الشيرازي قائلا: (لذا فالمصالح العامة في
المدن الكبيرة تبقى بدون إنجاز، فكيف بالقرى والأرياف؟).
وهكذا غالبا ما تتخلى مثل هذه الحكومات التابعة، والحكام الذين
يفضلون الدول الاجنبية على شعوبهم، غالبا ما يتخلون عن مسؤولياتهم في
توفير السكن اللائق للمواطن، ناهيك عن إهمال المدن وانتشار أكوام
القمامة، كدليل قاطع على عدم إهتمام هذه الحكومات النفعية بعامة الشعب،
وإنما تصب جل اهتمامها بمصالحها ومنافعها وحماية مناصبها، وتفضيل الدول
الاجنبية على شعوبها، وهذا الكلام مأخوذ من الوقائع التأريخية
والحاضرة، إذ توجد هناك حكومات وحكام لا يشغلون أنفسهم بمصالح الشعب،
ولا بتوفير احتياجاته وصيانة كرامته وحقه بالعيش الكريم.
وهذا ما يتطلب تحركا فعليا وقويا للجمعيات الخيرية الأهلية، بعيدا
عن جهد الحكومات والحكام الفاسدين ومعاونيهم، وذلك لسد هذا النقص
الكبير، وهناك تجارب فعلية أثبتت قدرة مثل هذه الجمعيات الخيرية، على
معالجة أزمات السكن، بالاضافة الى دورها في التنظيف وتجميل المدن وحتى
الارياف.
يقول الإمام الشيرازي في كتابه الثمين بهذا الخصوص: (من المهم أن
تشكل جماعة من المهندسين والمحامين والأطباء، جمعيات لأجل البنايات
الخيرية، ودور الفقراء والمساكين، مجاناً، قربةً إلى الله تعالى، فإن
مثل ذلك بالإضافة إلى ما فيه من المثوبة والأجر، يرد ثقة المجتمع إلى
نفسه، ويكون لمثل هذا المجتمع من السمعة الطيبة، والصيت الحسن، ما
يرفعه إلى مصاف الأمم المتحضرة).
وهكذا أثبتت التجارب الحاصلة فعلا في هذا المجال، أهمية مثل هذه
الجمعيات الخيرية ليس لسد النقص في جانب الاعمار والسكن، ولا في جانب
التجميل والتنظيف المطلوب، سواء في المدن أو في الارياف، وإنما تُسهم
مثل هذه الفعاليات - كما أشار الى ذلك الإمام الشيرازي- تٌسهم في تطوير
الوعي الجمعي، وتزيد من ثقة المجتمع بنفسه، وتحثه على إظهار وتحريك
طاقاته الكامنة، سواء في مجال السكن وتجميل المدن أو غيرها من
الميادين، وهذا الامر يشكل ضغطا بليغا على الحكومة والحاكم الذي لا
يهتم بشؤون الناس، فيدفعه الى احترام شعبه واعادة حساباته بالصورة التي
يستحقها هذا الشعب. |