القدم العراقية بين عقليتين!

د. نضير الخزرجي

إنشغلت الصفحات الرياضية للصحافة العراقية الورقية والالكترونية بشرط الجنسية العراقية للمرشحين لرئاسة اتحاد كرة القدم العراقية للانتخابات المزمع عقدها في بغداد يوم 7/6/2011م بعد أن أعطى (الفيفا) موافقته.

ولم أشأ الكتابة في هذا الموضوع، لا لأنه موضوع رياضي له أهل ورواده مع أني مدمن على مشاهدة البرنامج الأسبوعي لكرة القدم من القناة البريطانية الأولى (Match of the Day)، لكن الموضوع برمته قد أعطى فيه الدستور العراقي رأيه وأجاز حمل الجنسيتين ضمن الفقرة ألف من المادة 46 ومنعها ضمن المادة باء من المادة نفسها على من يتولى منصبا سياديا أو أمنيا.

ولم يثر وضع شرط الجنسية العراقية ضمن ترشيحات رئاسة كرة القدم العراقية استغرابي، لأن مفاهيم حقوق الإنسان ظلت لعقود بل لقرون غائبة عن العقلية العراقية وتعمَّقت سياسة التهجير والإبعاد والحديث عن الجنسية العثمانية والتبعية وجنسية ألف وباء، كما أن مفاهيم التعددية والحرية وباختصار (الديمقراطية) سلعة جديدة على السوق العراقية لم تستطع إلى الآن اختراق جدار السياسة الإقصائية المتجذرة في النفسية العراقية التي حوّلت المواطن في المدينة الواحدة إلى أصلي ولايتي (من أهل الولاية أو المدينة القديمة) ولِفُوَّة قريتي (من أهل القرى والأرياف النازح إلى مركز المدينة) حتى انتقل هذا الصراع في العراق الجديد إلى مجالس المحافظات العراقية نفسها فبتنا نشاهد  صراعا بين المحافظ (رجل التنفيذ) ومجلس المحافظة (مجلس التقنين والتشريع)، فالأول من أهل المدينة والثاني من سكان القرية أو من القضاء، أو بالعكس، ويصل الصراع إلى كسر العظم والضرب تحت الحزام.

أقول لم أشأ الكتابة في هذا الحقل لولا رسالة وصلت لي مطلع شهر أيار مايو الجاري (2011م) من نادي واتفورد (Watford Football Club) لكرم القدم- من فرق الدرجة الممتازة  في الدوري الإنكليزي- الذي يلعب فيه ابني علي الخزرجي ضمن فريق الناشئة وفق عقد لموسمين (2010-2011م/ 2011-2012م) قابل للتجديد، تطلب الرسالة بيان جنسية ولدي الأوسط ومحتده، وعند استفساري من رئيس أكاديمية واتفورد لكرة القدم السيد نك كوكس (Nick Cox) عن الغرض من ذلك، أجاب: هذه سياستنا في معرفة أسماء اللاعبين المتعاقدين مع نادي واتفورد لكرة القدم ممن يرجعون إلى أصول غير انكليزية حتى يكون لدى إدارة النادي علم فيما لو فاتحتها اتحادات كرة القدم من بلدان أخرى للسؤال عن اللاعبين المتعاقدين والمحترفين من الذين يرجعون بالأصل إلى تلك البلدان.

من المفارقات أن دولاً غير قليلة عربية وغير عربية عملت على تجنيس بعض اللاعبين الأجانب حتى يُتاح لها الاستفادة من خدماتهم لإنجاح فريقها دوليا، ومثال ذلك أسطورة الخمسينات والستينات ألفريد ودي ستيفانو الأرجنتيني الجنسية الذي لعب دوليا مع فريق الأرجنتين وكولومبيا وإسبانيا.

لا مشاحة أنَّ المشكلة ليست في فلان وفلان أو كما يحاول الإعلام العراقي تحويلها إلى قضية شخصية أو طائفية، وإنما في منهج الإقصاء الذي لم يُنتزع من النفوس حتى الآن، فمتى ما قفز العراقي على النعرات بأنواعها وتمكن من التجانس والتعايش مع أخيه العراقي في داخل المدينة وخارجها، في داخل العراق وخارجه، في داخل المذهب وخارجه، في داخل القومية وخارجها، ومتى ما آمن الجميع أن البشر كل البشر من آدم(ع) وآدم(ع) من تراب، حينذاك نُبشِّر أنفسنا بغد مشرق لكرة القدم العراقية بخاصة وللعراق بعامة في المناحي كافة.

آهة: في نهاية عام 1979م - قبل أن أغادر العراق عام 1980م إلى سوريا خائفا أترقب- تركت هواية لعب كرة القدم لا رغبة وإنما مُنعنا من اللعب في الساحات الترابية العامة واشترطوا علينا الانتماء للحزب الحاكم مقابل استخدامها، ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على ذلك بيد أنَّ النهج الإقصائي لازال قائما ولكن بمسميات أخرى، ولذلك فإن العقلية بحاجة إلى مراجعة جديدة للفظ سياسة التخالف وإحلال سياسة التحالف وإشاعة منهج العفو والتسامح.

حسرة: تفتخر العاصمة البريطانية لندن بأنها عاصمة الثقافات المتعددة، حيث يتحدث أهلها 300 لغة حيّة ومحلية، وفي مقاطعتي انكلترا وويلز من المملكة المتحدة فإنَّ 9.1 مليون (تسعة ملايين ومائة ألف) هم من أصول غير انكليزية لهم حق المواطنة وحمل جنسيتين أي 1 من 6 من عدد السكان!

بالمناسبة فإن القانون البريطاني يبيح للمواطن الانكليزي والمتجنس حمل اكثر من جنسية كما يسمح له حمل جوازين بريطانيين في آن واحد الى جانب جواز الدولة الأصل.

عبرة: تجري الحكومة البريطانية احصاءا عاما إجباريا للسكان (Sensus) كل عشرة سنوات، ولأول مرة أدخلت في إحصاء عام 2011م حقل "عربي" للسؤال عن الأصل، حيث اعتادت من قبل على وضع المواطن الانكليزي من أصول عربية  في حقل "آسيوي" أو "أفريقي".

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/آيار/2011 - 18/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م