العنف يفقد ثورة الياسمين أريجها

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: عادت المظاهرات الى شوارع تونس، وعادت معها الدبابات ورجال الأمن والاسلاك الشائكة لتحاصر الالاف المطالبة بعودة الثورة الى مسارها الصحيح وعدم سرقت منجزاتها من قبل المتربصين به، وقد تنوعت اسباب التظاهرات بين المطالبة بتحقيق الوعود وبين عدم كبت الحريات خصوصاً الصحفية منه، ومع ان الحكومة قد تجاوبت مع بعض هذه المطالب وحققتها كاستبعاد بعض المحسوبين على النظام السابق من الحكومة او الترشح للانتخابات القادمة الا ان التونسيين متخوفون من عودة الظلم والبطش من قبل الحكومة بعد ان شاهدوا عودة العناصر الحكومية المسلحة الى الشارع واستخدامهم العنف المفرط في تفريق التظاهرات االسلمية.

كما ان هناك مشكلة اخرى برزت على السطح وهي تنامي النفوذ السياسي للحركات الاسلامية في تونس العلمانية واحتمال تحقيقها لنسب فوز عالية في الانتخابات القادمة الامر الذي رشح وبقوة تأجيل الانتخابات وعلى لسان الحكومة مما ادخل العملية السياسية في وادي جديد، وبينما تعاني تونس من تفشي ظاهرة البطالة بشكل كبير (وهو احد الاسباب الرئيسية الذي ادى الى اشتعال الثورة) وتدهور الاقتصاد واستشراء الفساد الحكومي، نجدها ترزح تحت وطئة المطالب الشعبية صاحبة الثورة في تحقيق امالها المنشودة في الانتعاش الاقتصادي وتحقيق انتخابات حرة ونزيهة والتخلص من الحكم البوليسي القاسي وتوفير الحريات العامة وعدم احتكار السلطة من قبل فئة معينةز

تونس وعدالة ما بعد الثورة

فبعد 23 سنة من نظام بوليسي يراقب السكان ويمارس التعذيب، يفترض على السلطات الانتقالية انتهاج طريق معتدل بين مطاردة كل المتورطين مع بن علي مهما كانت درجة مسؤولياتهم (الذين مارسوا التعذيب ورجال السياسة والذين اكتفوا بالاستفادة من النظام) وتحرك صارم قد ينظر الى بطئه على انه تواطوء، وبعد ثلاثة اشهر من سقوط الرئيس السابق زين العابدين بن علي يبحث القضاء عن طريقة يحاكم بها من شارك في النظام السابق وفي الوقت نفسه تجنب كل رغبة في الانتقام بينما يطالب "الشارع التونسي" بمحاسبة عدد من كبار المسؤولين السابقين، وعادت المسالة الى الواجهة نظرا لما يجري في مصر التي اعقبت ثورتها تونس وحيث تسارعت الاجراءات القضائية لملاحقة الرئيس المصري وابنيه وزوجته، وقد تمكن بن علي وزوجته ومقربون منه من الفرار بينما يقبع نحو عشرة من اقاربه ومقربيه وراء القضبان في حين لا تزال شخصيات اخرى من النظام السابق حرة طليقة، ورفعت 18 قضية ضد زين العابدين بن علي اللاجئ في السعودية ومنذ الثامن من نيسان/ابريل حظر على وزرائه ومستشاريه السابقين مغادرة البلاد وكذلك الاشخاص المتورطين في قضايا فساد، واعتقل محمد الغرياني اخر امين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي الذي حظر في اذار/مارس) في 11 نيسان/ابريل وبعد يومين جاء دور الامين العام السابق ووزير النقل سابقا عبد الرحيم الزواري وتعرض الى الملاحقة بتهمة "اختلاس اموال عامة" واستغلال النفوذ.ويتم تداول لائحة اشخاص يتوقع اعتقالهم سرا. بحسب فرانس برس.

وصرح رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي "لا أؤمن بمحاكمة الناس بالجملة وبالتسرع" لتطهير الجهاز القضائي الموروث عن النظام السابق بل دعا الى "غربلة" عادلة، وقال مؤخرا لمجلة فرنسية ان القضاء "لا يسير بالسرعة المرجوة لكنني افضل ذلك على ارتكاب مظالم"، وقد اقيل عشرة قضاة محسوبين على نظام بن علي مؤخرا كما قال وزير العدل الازهر القروي الشابي، لكن كيف التحقيق وملاحقة مرتكبي الجرائم والتجاوزات المرتكبة في عهد بن علي بدون رغبة في الانتقام واحترام حقوق الانسان والدفاع؟، ففي الاونة الاخيرة عكف مسؤولون سياسيون ومحامون وقضاة تونسيون ودوليون في تونس على دراسة مفهوم "العدالة الانتقالية" بعنوان "التطرق الى الماضي وبناء المستقبل"، وقال توفيق بودربالة رئيس اللجنة المستقلة للتحقيق في الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة منذ 17 كانون الاول/ديسمبر (بداية القمع الذي استمر حتى 14 كانون الثاني/يناير) ان هذه اللجنة "لا يمكن باي شكل من الاشكال ان تعوض المؤسسة القضائية" وان هدفها الاساسي هو "البحث عن الحقيقة"، لكن مختار اليحياوي القاضي الذي شطب من سلك القضاء سنة 2001 لانه تجرأ على مطالبة بن علي كتابيا باستقلالية القضاء، قال ان القضاء لا يزال غير مستقل وان "كل شيء يدفع الى ابقائه تحت وصاية السلطة التنفيذية وقبل التحدث عن عدالة انتقالية يجب التحدث عن عدالة باختصار"، ويرى المحامي امين بن خالد ان المطالبة بمحاكمات منصفة لكبار اقطاب النظام السابق "في غياب حد ادنى من القانون قد يحول الرياح الثورية الى اعصار يطيح بالعملية الانتقالية الديمقراطية الهشة"، واكد اليحياوي انه "يجب ان لا تخيف العدالة الفقراء بل الذين يتولون الحكم، لقد عهدنا السواد ونحن نسير الان نحو البياض".

كما تظاهر عشرات الصحافيين في وسط تونس تنديدا باعمال العنف الاخيرة التي تعرضوا لها اثناء تغطيتهم التظاهرات في العاصمة، وهتف الصحافيون "حرية، حرية" أمام الشرطة التي شكلت طوقا امنيا حول جادة الحبيب بورقيبة القريبة من وزارة الداخلية المحاطة بأسلاك شائكة ودبابات منذ أشهر، ورفع الصحافيون لافتات كتب عليها "صحافة حرة ومستقلة" و"لا للتعرض الى الصحافيين" و"لا ديموقراطية بلا صحافة حرة"، في التظاهرة التي شاركوا فيها استجابة لدعوة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، وقال النقابي زياد الهاني "انها حركة احتجاج لنقول للحكومة اننا نرفض اعذارها ونطلب تعهدا حازما بالمحافظة على حرية الصحافة في البلاد ونعرب عن رفضنا اغلاق وسائل اعلام"، وقدمت وزارة الداخلية في بيان "اعتذاراتها الى الصحافيين والمواطنين الذين تم التهجم عليهم من دون قصد" مؤكدة "احترام العمل الصحافي"، وتعرض 15 صحافيا يعملون في وسائل إعلام دولية لمعاملة قاسية من الشرطة في أثناء تغطيتهم للتظاهرات في العاصمة، وأثارت أعمال العنف هذه وهي الاولى منذ سقوط نظام بن علي المخاوف من العودة إلى الممارسات القمعية التي مارسها النظام السابق الذي ضاعف ترهيب الصحافيين وتهديدهم واستجوابهم، وسار المتظاهرون في جادة بورقيبة وانضم اليهم عشرات المتظاهرين قبل ان يتوجهوا الى مقر صحيفة "لا بريس" حيث تعرض صحافيون للضرب الجمعة في مقر الصحيفة، وأكد مصدر في وزارة الداخلية لصحيفة "لا بريس: التعرف إلى بعض العسكريين الذين ضربوا الصحافيين في جادة بورقيبة مشددا على مواصلة التحقيق لتحديد المسؤوليات.

الثورة بين الشكوك والمحاذير

وتدهور الوضع فجأة في تونس، وعادت الشرطة إلى القمع واختارت الصحافيين أهدافا لهراواتها واضطرت السلطة إلى فرض حظر للتجول في إقليم العاصمة، كما تتكرر التظاهرات المطالبة بإطاحة الحكومة الانتقالية رغم أن هذه أقرت في اليوم نفسه الاقتراح الذي تقدمت به "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة" بشأن شروط الترشح للانتخابات ومن أبرزها استبعاد المسؤولين في العهد السابق، فهل صحيح أن السبب المباشر للتدهور كان ما صرح به وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي عن انقلاب عسكري محتمل بتواطؤ مع حكومة الباجي قايد السبسي؟، حيث يذكر ان الجميع في تونس يلقي اللوم على هذه التصريحات التي شكلت إشاعة تفاعل معها الشارع، وما لبث الراجحي أن اعتذر عنها قائلا إنه كان ضحية معلومات خاطئة، لكن لعودة التونسيين إلى الاحتجاج أسبابا أخرى كثيرة، فالمرحلة الانتقالية لا تزال مفعمة بالشكوك والمحاذير.

ثم أن الوضع الاقتصادي محبط مع ندرة السياح وجمود الاستثمارات وطبعا الأمن منفلت ثم أن الحرب الدائرة في ليبيا ساهمت في تسميم الأجواء، وفوق ذلك بدأ الخوف يكبر من فوز إسلاميي حركة "النهضة" في انتخابات 24 تموز/ يوليو المقبل، وثمة معلومات عن أن الجهات التي تنظم التظاهرات الحالية هي في الواقع أحزاب صغيرة تخشى أن تنكشف في الانتخابات، بالإضافة إلى قوى أخرى قد تكون من بقايا النظام السابق تعتبر أن هذه الانتخابات في موعدها تبدو مفصّلة وفقا لاستعدادات حركة "النهضة" في غياب أي حزب أو أي ائتلاف وسطي يمكن أن يقيم التوازن السياسي في البلاد، ومعلوم أن الحديث عن انقلاب عسكري ترافق بمقارنة بين الوضع التونسي الحالي والوضع الجزائري عشية فوز "جبهة الإنقاذ الإسلامي" في انتخابات أوائل العام 1992 التي ألغى الجيش الجزائري نتائجه، والواقع أن "النهضة" التونسية لا تبدو مبالية بالمخاوف التي تتسبب به، فالانتقادات تنامت أخيرا لنهمها في السيطرة على جمعيات ومساجد واستعادتها الخطاب الديني، ولعل ممارساتها هي التي جعلت حكومة قايد السبسي تطرح احتمال تأجيل الانتخابات لمنح كل الأحزاب فرصة التأهل للمنافسة.

موعد الانتخابات

من جهتها قد تغرق تونس التي تشهد بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي اضطرابات متزايدة، في مرحلة من التشكيك في الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة الانتقالية الباجي قائد السبسي للمرة الاولى عن احتمال تأجيل انتخابات المجلس التأسيسي، وفي خطاب متلفز الى الامة القى رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي الذي كلفت حكومته ادارة شؤون البلاد حتى ذلك الاستحقاق، بظلال من الشك حول احترام الموعد المقرر في 24 تموز/يوليو بحجة "التأخير" في الاعمال التحضيرية، وقال ان "الحكومة اختارت موعد 24 تموز/يوليو، نحن متمسكون بهذا التاريخ لكن اذا قالت الهيئة العليا انه هناك مشاكل فنية او لوجستية فعندها يمكن النظر في تاريخ آخر"، واضاف "صحيح ان هناك بعض التاخير لكن الهيئة العليا لحماية اهداف الثورة مستقلة عن الحكومة التي تكتفي بتقديم الدعم المادي واللوجستي لها"، وانتخب مجلس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي، ابرز هيئات الانتقال الديموقراطي في تونس، اعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ستشرف على انتخاب مجلس وطني تأسيسي في 14 تموز/يوليو المقبل، وستشرف هذه الهيئة على العملية الانتخابية العامة التي ستجري في 24 تموز/يوليو القادم لانتخاب مجلس وطني تأسيسي يتولى صياغة دستور للجمهورية الثانية في تونس المستقلة ليحل محل دستور سنة 1959، وتشهد الساحة السياسية في تونس انقساما بين الاحزاب السياسية التي يدعو بعضها الحكومة الى اجراء انتخابات المجلس التاسيسي في موعدها المحدد وبين هذه الاحزاب بالخصوص حزب التجديد (الشيوعي سابقا) والحزب الديموقراطي التقدمي اللذان كانا شاركا في حكومة رئيس الوزراء السابق محمد الغنوشي، ومن الاحزاب الداعية الى تاجيل انتخابات المجلس التاسيسي الى الخريف هناك بالخصوص حزب الوحدة الشعبية وحزب العمال الشيوعي التونسي الذي كان دعا لتنظيم الانتخابات في تشرين الاول/اكتوبر. بحسب فرانس برس.

اما رئيس حزب النهضة الاسلامي راشد الغنوشي فقال ان "الوضع في تونس خطير" وان التونسيين "يشكون في مصداقية الحكومة" الانتقالية، وقال ايضا ان "رد فعل الحكومة حيال ما حدث خلال التظاهرات كان وحشيا والشرطة ردت بقسوة شديدة، انهم يرفضون ادراك ما حدث من تغييرات وان من حق التونسيين التظاهر"، في وقت تجري تظاهرات مناهضة للحكومة بشكل منتظم في تونس العاصمة منذ الخامس من ايار/مايو، كما تشهد احياء فقيرة في العاصمة التونسية اعمال عنف ونهب، ودعا السبسي الى انهاء اعمال العنف، قاطعا بذلك صمت السلطات بشأن هذه الاحداث، وشهد حي التضامن الفقير الواقع في احدى ضواحي تونس العاصمة اعمال شغب جديدة كما افاد شاهد عيان بالرغم من حظر التجول الذي المفروض في العاصمة لفترة غير محددة، وروى عبد الرزاق حويني احد سكان هذا الحي قائلاً "لقد تكرر هذا الليل ما حصل في الليل السابق واستمر الامر حتى الخامسة صباحا وكان بمثابة لعبة الهر والفأر" بين قوات الامن ومجموعات من الشبان "في حال سكر شديد رغم حظر التجول"، واضاف حويني ان "احد الشبان صعد الى سطح احد المنازل هربا من الشرطة التي تلاحقه وسقط"، مضيفا انه "سمع ان الشاب مات"، وتعذر تاكيد الخبر على الفور، ومضى يقول "هؤلاء الشبان الفقراء كانوا يشربون كميات كبيرة من البيرة ولا ادري من الذي يمدهم بالمال، لذلك لا اعلم من يقف وراء كل هذا"، واندلعت اعمال عنف اثناء مباراة ضمن دوري ابطال افريقيا قرب العاصمة التونسية احرق خلالها مناصرون تونسيون مقاعد في الملعب والقوا زجاجات مياه على عناصر الشرطة وضربوا الحكم وبعض اللاعبين ما تسبب بحركة ذعر وتعليق المباراة، بينما تظاهر عشرات الصحافيين في جادة الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة تنديدا باعمال العنف الاخيرة التي تعرض لها خمسة عشر منهم اثناء تغطيتهم التظاهرات، من جهة اخرى، اعتقلت الشرطة 12 شابا ضالعين في اعمال عنف وتخريب في ضاحية تونس بحسب مانقل عن مصادر امنية، وفي هذه الاجواء المضطربة، دعت احزاب سياسية عدة الحكومة الانتقالية الى التحلي بالشفافية لاستعادة ثقة الشعب والعمل من اجل استقرار الوضع في البلاد.

المبالغة في الامال

الى ذلك حذر الرئيس الدوري لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا وزير الخارجية الليتواني اودرونيوس ازوباليس التونسيين من المبالغة في الامال، وذلك قبل اشهر من اول انتخابات في عهد ما بعد الثورة، وقال ازوباليس ان "المسؤولين الذين التقيتهم وكذلك المنظمات غير الحكومية لديهم رغبة قوية في القيام بتغييرات ديموقراطية لكن الناس يعتقدون ان التغييرات يمكن ان تحصل بين يوم وآخر، وان البطالة يمكن ان تختفي بين ليلة وضحاها"، واضاف "رسالتي هي، وخصوصا في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات، كونوا صادقين باكبر قدر ممكن لانه اذا لم تفعلوا قد تتلقون لاحقا صفعة هائلة"، وينتخب التونسيون في 24 تموز/يوليو مجلسا تأسيسيا سيتولى صياغة دستور جديد للبلاد يرسي دعائم الجمهورية الجديدة لحقبة ما بعد الرئيس زين العابدين بن علي الذي اطاحت به ثورة شعبية في 14 كانون الثاني/يناير الفائت، واضاف ازوباليس الذي كان في السابق صحافيا وهو قيادي في حزب الاتحاد الوطني الليتواني انه "في ليتوانيا راح حزبنا يطلق الوعود تلو الوعود وفي غضون ثلاث سنوات خسرنا ثقة الامة وعاد شيوعيون سابقون".كما دعا الوزير الليتواني التونسيين الى ان يكونوا "شديدي الحذر" في كيفية التعاطي مع الاشخاص الذين دعموا نظام بن علي، وقال "ليست لدي نصائح اقدمها ولكن اعلم ان هذا تحد كبير"، والتقى الوزير الليتواني خلال زيارته الى تونس وزير الخارجية التونسي مولدي الكافي ومسؤولين في منظمات غير حكومية ونائبة رئيس مجلس حماية مكاسب الثورة لطيفة الاخضر. بحسب فرانس برس.

بينما اعلنت نحو 50 منظمة غير حكومية ونشطاء مستقلون في تونس مؤخراً تشكيل جبهة اطلقوا عليها اسم "لم الشمل"، وذلك بهدف توحيد الصفوف و"التصدي للقوى المضادة للحداثة"، وقال منجي بن سليمان احد مؤسسي الجبهة الجمعة في مؤتمر صحافي انها "اطار مفتوح يهدف الى تجاوز تشتت قوى وفعاليات المجتمع المدني وخاصة تلك التي رات النور بعد 14 كانون الثاني/يناير" في اشارة الى الثورة التونسية التي اطاحت بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وتشكلت الجبهة "وفق ارضية عمل مشتركة بناء على حد ادنى من الثوابت والمبادىء التي لا جدال حولها" حسب ما اوضح بن سليمان، مشيرا الى تمسك هذه المبادرة "الشديد بالثوابت والمبادىء والقيم الكونية الواردة في المنظومة العالمية لحقوق الانسان"، واكدت الجبهة ان مهامها "الملحة" تتمثل بالخصوص في "ارساء نظام جمهوري وقيم الحداثة واحترام الحريات العامة والفردية والمساواة الكاملة بين المراة والرجل وفصل الدين عن الدولة واحترام الهوية الثقافية والحضارية" لتونس التي تعود الى اكثر من 3000 سنة، واعلنت عن "وضع خارطة طريق تجمع مختلف الانشطة المزمع تنظيمها وفق روزنامة موحدة ليكون صداها اوسع وعلى مدة ابعد"،  ورأت الجبهة ان "الرهان الانتخابي الذي انخرطت فيه البلاد بعد ثورة الياسمين يعد مرحلة فارقة في تاريخ تونس سترسم ملامح تونس الجديدة وستقرر مصير الاجيال القادمة".وكانت السلطات التونسية دعت، تحت ضغط الشارع، لانتخاب مجلس تأسيسي في 24 تموز/يوليو تتمثل مهمته اساسا في صياغة دستور جديد يحل محل دستور 1959، وقد صادقت الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة على مشروع مرسوم انتخابات المجلس الذي نص بالخصوص على اختيار نظام القوائم بدورة واحدة على اساس التمثيل النسبي والتناصف بين النساء والرجال في القوائم، وهي سابقة في تاريخ البلاد.

ازدهار استطلاعات الرأي

على صعيد اخر وخلال 23 عاما من حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لم يسمح للشعب بالتعبير عن رأيه والاستطلاعات السياسية كانت غائبة، ومنذ ثورة 14 كانون الثاني/يناير تزدهر هذه التحقيقات قبل انتخابات 24 تموز/يوليو، وبعد ثلاثة اشهر على فرار بن علي، دخلت معاهد الاستطلاعات مجال الرأي السياسي بعدما كانت هاتان الكلمتان تشكلان مصدر متاعب مؤكدة اذا ترافقت، وهناك الكثير من القضايا التي يمكن ان تشغل هذه المعاهد، فبعد حوالى نصف قرن من حكم الحزب الواحد في عهد الحبيب بورقيبة اولا ثم بن علي، وحل التجمع الدستوري الديموقراطي الذي كان يهيمن على السلطة، انتقلت تونس فجأة من نظام الحزب الواحد الى التعددية بحوالى خمسين تنظيما من اليمين واليسار والتيار الاسلامي والقومي العربي والمغاربي، وقال المدير العام لمكتب لدراسات "اي دي كلير" علي بن يحيى "لا نعرف ان نعد دراسات سوى في التسويق وطبقنا ما نعرفه على السياسة"، من جهته، قال حسن زرقوني رئيس مركز "سيغما كونسي" الذي اجرى مطلع شباط/فبراير الماضي اول استطلاع سياسي للرأي في تاريخ تونس "نخرج من خمسين عاما من التلاعب بالارقام، واضاف "هناك عمل تربوي يجب القيام به لاستخدام استطلاعات الرأي بدراية"، وشمل الاستطلاع 1250 شخصا تجاوزت اعمارهم 18 عاما عبر الهاتف في المناطق ال24 في البلاد، وكانت الردود مثيرة للدهشة، فردا على سؤال "اي الاحزاب تعرف؟" كان 46،4 بالمئة من الذين شملهم الاستطلاع عاجزين عن ذكر اي حزب بينما سمى 27 بالمئة فقط التجمع الدستوري الديموقراطي الذي كان يضم في اوج نشاطه اكثر من مليوني عضو من اصل عشرة ملايين نسمة في تونس، ونشر "سيغما كونسي" استطلاعا ثانيا للرأي في العاشر من نيسان/ابريل بالتعاون مع جامعات المنار في تونس ولوفان في بلجيكا وبلاد الباسك في اسباني، وهو يجري استطلاعا ثالثا. بحسب فرانس برس.

ونظرا لعدم وجود تاريخ لاستطلاعات الرأي، فانها لا تسمح بالمقارنة، ويفضل "اي دي كلير" السؤال المباشر على الاتصال الهاتفي، وقال علي بن يحيى ان "الصفة التمثيلية والمصداقية فير مضمونتين الا ميدانيا"، وكلفت هذه الاستطلاعات بين تسعة آلاف دينار (4500 يورو) و14 الف دينار (سبعة آلاف يورو) لحساب المركزين اذ انهما لا يزالان يلتزمان الحذر حيال وسائل الاعلام ويفضلان انتظار ان تهب رياح التغيير على الصحافة في تونس، وقال علي بن يحيى "انتظر ان يتحسن الوضع وان تنضج الصحافة سنرى خلال ستة اشهر او سنة، ستكون وسائل الاعلام قد تطورت بالتأكيد"، ويلتزم المستطلعون الحذر حيال الاحزاب السياسية ايضا لتجنب اتهامهم بالانحياز لهذا الحزب او ذاك قبل ثلاثة اشهر من انتخاب الجمعية التأسيسية.وقال العربي شويخة الذي يدرس الصحافة في تونس ان استطلاعات الرأي واحدة من حلقات الديموقراطية بالتأكيد، لكنه يلتزم الحذر ويقول ان "تونس تعيش انتقالا ديموقراطيا. استطلاعات الرأي والاحزاب السياسية والجمعيات تتشكل كلها لكنها ليست ناضجة"، وهناك ايضا عنصر المال، فاستطلاعات الرأي كلفتها كبيرة ولا تملك الحكومة او الاحزاب وسائل لتغطيته، وما زالت "ديموقراطية الكلمة" في بدايتها لكن استطلاعات الرأي الاولى اشارت الى ان التونسيين يريدون الامان والعمل.

اختيار نظام القوائم

بدورها صادقت الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة في تونس على مشروع مرسوم انتخابات المجلس التاسيسي في 24 تموز/يوليو الذي نص بالخصوص على اختيار نظام القوائم بدورة واحدة على اساس التمثيل النسبي والتناصف بين النساء والرجال في القوائم، ونص مشروع المرسوم المصادق عليه بالخصوص على التصويت على القوائم بالاغلبية في دورة واحدة مع توزيع المقاعد على مستوى الدوائر على أساس التمثيل النسبي مع اعتبار اكبر البقايا وهو النظام الذي اعتبر مناسبا للاحزاب الصغيرة، وفاق عدد الاحزاب في تونس 50 حزب، ويمنع النص الذي تبنته "الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"، ابرز هيئات الانتقال الديمقراطي في تونس، من الترشح كل من تحمل مسؤولية في الحكومة او الحزب الحاكم سابقا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي اي منذ 1987، وحصل جدل بين اعضاء الهيئة حول مدة الحظر، 10 سنوات ام 23 عاما غير ان التصويت ادى الى اعتماد منع كل من تحمل مسؤولية في الحكومة او الحزب الحاكم سابقا خلال كامل فترة حكم بن علي اي 23 عام، كما قررت الهيئة منع ترشح كل من وقع عريضة لدعم ترشح بن علي للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 2014. بحسب فرانس برس.

وشكل الفصل 16 من مشروع المرسوم ابرز فصوله حيث نص في صيغته النهائية على تقديم الترشيحات على اساس مبدا التناصف بين النساء والرجال على ان يتم ترتيب المرشحين صلب القوائم على اساس التناوب ولا تقبل القائمات التي لا تحترم هذه القاعدة، وهي سابقة تاريخية في تونس، وقال مختار اليحياوي الناشط الحقوقي وعضو الهيئة العليا "انه يوم تاريخي، لقد ازلنا كافة الشكوك بشان الرغبة في بناء الديمقراطية ولميلاد نظام جديد في تونس، ان اقرار مشاركة المراة في اتخاذ القرار يشكل قرارا تاريخيا"، من جهتها قالت القاضية كلثوم كنو عضو الهيئة العليا "انها مرحلة بالغة الاهمية، ان كل ما تقرر اليوم سيعتبر مرجعا في المستقبل وان اقرار مبدا التناصف هو قرار ثوري حقا، انه يظهر انه حصلت ثورة في اذهان التونسيين"، وكانت الهيئة العليا اقرت في 7 نيسان/ابريل انشاء الهيئة الانتخابية الوطنية المستقلة التي ستتكون من 12 عضوا وستشرف على كافة مراحل انتخاب المجلس الوطني التاسيسي في 24 تموز/يوليو الذي سيكلف اساسا بصياغة دستور جديد للجمهورية الثانية في تاريخ تونس المستقلة.

توسيع الهيئة العليا للثورة

في سياق متصل اعلن رئيس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في تونس عياض بن عاشور ان الحكومة الانتقالية موافقة على توسيع تركيبة الهيئة لتعزيز تركيبتها الحالية المثيرة للجدل، بحسب مصدر رسمي، واوضح في تصريح له عقب اجتماع اللجنة المغلق "ان الحكومة تفاعلت بايجابية واعتبرت ان لاشيء يحول دون توسيع تركيبة المجلس لتشمل جميع الاحزاب السياسية والتيارات الفكرية وشرائح المجتمع"، واضاف ان "المرحلة القادمة ستشهد دعم تمثيلية الاحزاب داخل الهيئة باضافة عضوين عن كل حزب (ليصبح المجموع ثلاثة ممثلين عن كل حزب) كما ستتم دعوة عدد من عائلات ضحايا الثورة للمشاركة في اشغال المجلس"، واعتبر رئيس الهيئة أن العدد الاقصى الذي يمكن ان يبلغه اعضاء المجلس لاحقا "لا يمكن ان يتجاوز المائة عضو والا تحول المجلس الى برلمان"، واشار الى انه "تم الاتفاق على استكمال عمل مجلس الهيئة رغم وجود دعوات لتعليق أعماله إلى حين استكمال المشاورات حول تركيبته إلى جانب تكوين لجنة داخلية صلب المجلس ستتولى الاتصال بالجهات وببقية الاحزاب السياسية والأطراف الاخرى المغيبة عن الهيئة لدعوتها إلى الانضمام إلى تركيبة الهيئة". بحسب فرانس برس.

وقال ان جلسة شهدت دعوة ممثلي عدد من الاحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والشخصيات المستقلة لتعليق اشغال الجلسة إلى حين استكمال تركيبة المجلس وبين هذه القوى بالخصوص المركزية النقابية واحزاب النهضة والوطنيين الديمقراطيين والحزب الديمقراطي التقدمي، كما طالب اعضاء المجلس ب"ضرورة تشريك شخصيات وطنية ذات حضور حقيقي"، وتقرر ان تعقد الجلسة القادمة للهيئة السبت القادم، بحسب المصدر ذاته، وعقدت هذه الهيئة التي تعد ابرز مؤسسات الانتقال الديموقراطي في تونس اجتماعا لاستكمال جلستها الاولى والتي تم تعليقها قبل انهاء جدول اعمالها بسبب اعتراضات شديدة على تركيبته، وكلفت هذه الهيئة بالخصوص باعداد قانون انتخابي لانتخاب مجلس وطني تاسيسي في 24 تموز/يوليو القادم لوضع دستور جديد لتونس يحل محل دستور 1959.

تبرئة فادية حمدي

على صعيد اخر أصدرت المحكمة الابتدائية بمحافظة سيدي بوزيد (وسط تونس)، قراراً بالافراج عن شرطية التراتيب البلدية، فادية حمدي، (35 عاماً)، المتهمة بصفع البائع المتجول المنتحر محمد البوعزيزي، مفجر  "ثورة 14 يناير"، التي أطاحت بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وقضت المحكمة بعدم سماع الدعوى في هذه القضية، وأغلقت ملفها نهائياً، بعد أن قامت عائلة البوعزيزي، باسقاط الدعوى القضائية التي رفعتها ضد فادية حمدي، وجرى النطق بالحكم خلال جلسة مغلقة، لم تسمح السلطات للصحفيين بحضورها، وحضرتها فقط عائلتا البوعزيزي وحمدي ومحاميهم، واحتشد عشرات من أهالي سيدي بوزيد أمام المحكمة مرددين "الشعب يريد إخراج فادية حمدي من السجن"، فيما عمّت مشاعر الفرح مدينة سيدي بوزيد بعد الإفراج عن الشرطية، وكانت بسمة المناصري، محامية الشرطية، أعلنت في وقت سابق، أن السلطات اعتقلت فادية حمدي منذ نهاية ديسمبر الماضي، وأبقتها دون محاكمة، في إجراء وصفته بأنه خرق للقانون التونسي، ولم يفتح القضاء التونسي ملف الشرطية إلا يوم 5 أبريل الماضي، عندما عيّن قاضياً جديداً كلفه بالتحقيق في القضية، والاستماع إلى الشرطية والشهود، وتم فتح ملف القضية بعد دخول الشرطية في اضراب مفتوح عن الطعام بالسجن، ووالديها في اعتصام مفتوح بمنزلهما في مدينة منزل بوزيان التابعة لمحافظة سيدي بوزيد.

وذكرت محامية فادية حمدي أن كل الشهود في القضية نفوا أن تكون الشرطية صفعت البوعزيزي، إلا شاهد واحد قالت إنه من ذوي السوابق العدلية، وسبق له أن حوكم في قضية خيانة أمانة، واتهمت عائلة الشرطية نقابيين وسياسيين بالترويج للصفعة "الوهمية" في وسائل الإعلام العالمية، من أجل إثارة الرأي العام المحلي واطلاق شرارة الاحتجاج على نظام الرئيس المخلوع، وكانت منوبية البوعزيزي، والدة محمد البوعزيزي، قالت في وقت سابق، إن فادية حمدي صفعت ابنها وشتمت أباه المتوفى، عندما احتج على مصادرة الشرطة البلدية لعربة مجرورة كان يبيع عليها الخضار والفاكهة في السوق دون حمل ترخيص بلدي، وأضرم محمد البوعزيزي في نفسه النار، بعد أن سكب على جسمه البنزين أمام مقر محافظة سيدي بوزيد، يوم 17ديسمبر الماضي، احتجاجاً على رفض المحافظ قبوله لتقديم  شكوى ضد أعوان الشرطة البلدية، الذين صادروا عربته التي تمثل  مورد رزقه الوحيد، واندلعت في تونس يوم 18 ديسمبر الماضي مظاهرات شعبية، عمّت في وقت لاحق كل مناطق البلاد، وأدت إلى الإطاحة بنظام بن علي، الذي فرّ إلى السعودية في 14 يناير 2011، وفارق البوعزيزي (26 عاماً) الحياة في الرابع من يناير الماضي، في مستشفى في مدينة بن عروس (10 كلم جنوب العاصمة تونس)، متأثراً بالحروق البليغة التي لحقته، وزار بن علي في الثامن والعشرين ديسمبر الماضي البوعزيزي في هذا المستشفى، في محاولة فاشلة لامتصاص غضب الرأي العام المحلي، واخماد المظاهرات الشعبية، وقالت فادية حمدي في وقت سابق، إن رؤسائها في العمل أمروا أعوان الشرطة البلدية بإجلاء أصحاب العربات المجرورة غير الحاملة لتراخيص من أمام مقر محافظة سيدي بوزيد، وأنها طلبت  من البوعزيزي الانتقال إلى مكان آخر، فرفض ما دفعها إلى حجز آلة الوزن التي يستعملها عند بيع الخضار والفاكهة، ودعوة زملائها للتعامل معه بموجب القانون الذي يحظر التجارة العشوائية.

وقفة التونسيين مع الليبيين

بدورهم وعلى مائدة صغيرة وفي بيت متواضع بمنطقة الذهيبة على الحدود مع ليبيا تجمع نحو عشرة اشخاص من بينهم ستة ليبيين يتقاسمون طبق من المكرونة والخبز وقليل من الغلال والمياه، عائلة الحبيب التي استقبلت عائلة ليبية من ستة اشخاص تسعى لان توفر كل الظروف الملائمة لضيوفها الهاربين من حجيم النيران في منطقة الزنتان، فالحبيب صاحب البيت يعمل تاجرا ولا يكسب الا قليلا بعد توتر الاوضاع في ليبيا لكن قلبه ظل مفتوحا لاستضافة جيرانه الليبيين الذين طلبوا الاستغاثة، في هذا البيت المكون من غرفتين تقتسم النسوة غرفة بينما يحتشد الرجال في غرفة ثانية، ووصل عشرات الالاف من الليبيين الى منطقة الذهيبة عبر معبر وازن الحدودي هربا من تأزم الاوضاع الانسانية في منطقة الجبل الغربي التي تحاصرها قوات العقيد معمر القذافي منذ مدة، ويسكن منطقة الذهيبة النائية حوالي خمسة الاف شخص فقط بينما تؤوي نحو 20 الف ليبي في مخيمات ولدى العائلات في المنازل، وقالت مصادر من الصليب الاحمر التونسي ان نحو 40 الف ليبي يسكنون في مناطق اخرى من ولاية تطاوين، وفي ظل سيطرة المعارضة الليبية المسلحة على معبر وازن الحدودي لم يعد للاجئين سوى منفذ واحد للهروب من الظروف السيئة في الزنتان ونالوت والرجبان ويفرن والقلعة، وتعيش العديد من المدن التونسية اوضاعا اقتصادية صعبة وتعاني من بطالة كبيرة في اوساط الشبان، وهي عوامل عجلت بالاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير كانون الثاني الماضي بعد حكم دام 23 عاما. بحسب رويترز.

وزاد اغلاق بعض المصانع الاوضاع الاقتصادية سوءا وارتفعت معدلات البطالة، لكن كل هذه العوامل لم تثن التونسيين عن استقبال الوفا متزايدة مازالت تتدفق على مدن الجنوب التونسي، وحالما يعبر اللاجئون منفذ وازن يجدون في انتظارهم متطوعين يقدمون لهم المياه والبسكويت والحليب للرضع، ويقول ليبي اسمه ناصر يقيم مع زوجته وابنتيه لدى عائلة تونسية "صدقوني انا متأثر جدا لهذا الموقف النبيل والتاريخي لتونس، تصوروا يعطون حليب ابنائهم لابنتي، انه شيء مؤثر، لن ننسى هذا طيلة حياتن، ان شاء الله يخرج الطاغية ونعود لبلادنا وسيرون كيف سنرد الجميل"، واضافة للبيوت ينزل الاف الليبيين في مخيمات في رمادة وتطاوين والذهيبة، وفي وسط مدينة الذهيبة نجد عشرات من السكان يسألون اللاجئين ان كان لديهم مكان يذهبون اليه، وحين يقول احد الليببين انه يبحث عن اقامة يجري وراءه عدد من الاشخاص عارضين الاقامة في بيوتهم مجان، وقال احدهم "رجاء لا تصورون، نحن لا نبحث عن شهرة، نفعل هذا وقوفا لجانب اخوتنا فقط"، كما يسكن عدد من المعارضين المسلحين لدى بعض الاهالي الذي يقدمون لهم كل ما يستطيعونه كي يلتقطوا الانفاس قبل مواصلة رحلة القتال ضد قوات القذافي في منطقة غزايا ووازن، ويقول محمد الذي يستضيف ثلاثة من المعارضة الليبية المسلحة في بيته " ليس لدي اي حرج لاستضافتهم وذلك اقل شيء يمكن ان نقوم به، اذا تسمح لنا تونس فسنقاتل الى جانب الثوار ضد الدكتاتور"، وفي مدينة تطاوين فتح اغلب الاهالي ابواب بيوتهم أمام اللاجئين الليبيين، وتبث الاذاعات نداءات تطالب السكان بتقديم مساعدات محددة مثل الدواء والكف عن التبرع بالاغذية في الوقت الحالي لوفرته، وبعد ان كانت منطقة الجنوب التونسي فقط هي التي تؤوي الاف الليبيين امتدت حركة النزوح الى أغلب مناطق البلاد حتى الساحلية منه، وتشهد اغلب المناطق احتجاجات للمطالبة بتوفير فرص العمل، وقال احد شبان تطاوين ويعمل في منظمة خيرية لمساعدة اللاجئين "صحيح اني عاطل عن العمل وكنت من المحتجين على البطالة، لكن الان كل شيء تغير، الاولوية الان لتقديم العون لاخوتنا"، واضاف بينما كان ينزل مساعدات امام بيت في تطاوين "كيف يمكن ان انام مطمئنا واخوتي الليبيون حائرون كيف سيقضون ايامهم بينن، يجب ان نوفر لهم كل ما يحتاجونه."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/آيار/2011 - 15/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م