فضيحة ستروس تطيح بالرئيس الفرنسي القادم

 

شبكة النبأ: أثار توقيف مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان، في الولايات المتحدة، بتهمة التحرش الجنسي ضجة عالمية، وتسببت الخطوة في هزة بالأسواق المالية، إذ تراجع اليورو، لكن الصدمة الأشد كانت داخل فرنسا، إذ كان ستروس كان مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية.

ومثل مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان أمام قاض في نيويورك ويعتزم الدفاع عن نفسه بقوة، من اتهامات وجهتها إليه عاملة تنظيف في فندق سوفيتيل بمحاولة اغتصابها، ما أثار صدمة في الأوساط السياسية في فرنسا.

صدمة سياسية وأخلاقية

فقد خرج ستروس مكبل اليدين من مفوضية الشرطة في نيويورك، حيث كان موقوفاً، بعد ان اتهمته عاملة تنظيف في فندق سوفيتيل بالاعتداء جنسياً عليها. وأفاد مراسل «فرانس برس» بأن ستروس خرج من مقر مفوضية الشرطة الواقع في حي هارلم وصعد بعدها إلى سيارة للشرطة، إذ جلس على المقعد الخلفي محاطا بشرطيين.

وأظهرت صور هذا الرجل البالغ من العمر 62 عاما الذي بدا متعبا، الوضع الصعب الذي يواجهه ستروس منذ توقيفه على متن رحلة لشركة اير فرانس. وأحدثت هذه الفضيحة زلزالاً داخل الطبقة السياسية في فرنسا قبل عام من الاستحقاق الرئاسي الذي كان ستروس-كان الاوفر حظا للفوز به.

كما اغرقت صندوق النقد الدولي في حال من الارباك، في حين تتولى هذه الهيئة تسوية أزمة الديون في دول أوروبية عدة. وقالت الشرطة إن ستروس-كان «ملاحق بتهمة الاعتداء الجنسي والاحتجاز ومحاولة اغتصاب عاملة تنظيف في الـ32 من العمر داخل غرفة فندق سوفيتيل في نيويورك».

وتعرفت عاملة التنظيف في فندق سوفيتيل في نيويورك رسميا ضمن مجموعة رجال الى ستروس-كان في مفوضية الشرطة على انه اعتدى عليها جنسياً في غرفته في الفندق. وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فإن الضحية المفترضة سوداء من اصل افريقي وهي أم لفتاة في الـ10 من العمر.

وأعلن احد محاميه، بنجامين برافمان، امام محكمة جنوب مانهاتن ان موكله «يعتزم الدفاع عن نفسه بشدة ضد التهم، وهو ينفي أي سلوك غير لائق». وأعلن المتحدث باسم شرطة نيويورك جون غريمبل ان ستروس-كان «غادر وحدة الضحايا الخاصة». وهي وحدة الشرطة الواقعة في حي هارلم والمكلفة الجرائم الجنسية.

من جهة اخرى، حصلت شرطة نيويورك على مذكرة جديدة لفحص ملابس مدير صندوق النقد بحثا عن آثار جديدة للحمض الريبي النووي. وتم إصدار مذكرة جديدة «لملابس» ستروس-كان، وقال مصدر في الشرطة ان آثار الحمض الريبي النووي التي يتم البحث عنها يمكن ان تكون «شعراً أو سائلاً منوياً» أو غيرهما. وتسعى الشرطة للحصول على تفويض آخر لتفتيش ستروس-كان جسديا بحثا عن آثار خدوش. وحدثت وقائع هذه القضية بحسب الاتهام في فندق سوفيتيل قرب تايمز سكوير. وقال متحدث باسم الشرطة ان موظفة التنظيف دخلت الى الغرفة ،2806 ظنا منها انها شاغرة، فيما كان ستروس-كان يستحم. وأضاف المتحدث ان المدير العام لصندوق النقد الدولي «اقترب منها من الخلف ولمسها بشكل غير لائق. وأرغمها على اداء عمل جنسي». وبحسب الشرطة فإن ستروس-كان هو الذي زود المعلومات التي سمحت بتوقيفه في مطار كينيدي في نيويورك من خلال الاتصال بالفندق ليبلغ بأنه نسي هاتفه النقال في الغرفة.

وظهرت، الآثار الاقتصادية لنبأ توقيف ستروس-كان، اذ تراجع اليورو في اسواق الصرف في آسيا لخشية المستثمرين من ان يعقد وضع ستروس-كان جهود تسوية أزمة الديون في منطقة اليورو. ولن يشارك مدير صندوق النقد الدولي في بروكسل في اجتماع مهم حول اليونان لوزراء مالية دول منطقة اليورو.

وأعلن الصندوق في واشنطن ان نعمة شفيق مساعدة المدير العام المكلفة شؤون أوروبا ستحل مكانه. وقال محلل العملات غارت بيري لدى «يو بي اس» لداو جونز نيوزواير «خلال ايام على الاقل ستخشى الاسواق من شلل في إدارة صندوق النقد الدولي».

وفي فرنسا خصصت الصحف صفحاتها الاولى لنبأ توقيف ستروس-كان في نيويورك. وذكرت «ليبراسيون» اليسارية ان «دومينيك ستروس»، كان كان يعلم بأنه أخطر عدو لنفسه. خرج ستروس-كان من السباق الانتخابي. وترى «لو فيغارو» المحافظة انه من الواضح ان «دومينيك ستروس-كان لن يكون الرئيس المقبل للجمهورية الفرنسية». وهذه القضية تعتبر ضربة قاسية لليسار الذي شدد على ضرورة احترام فرضية البراءة، كما دعت الحكومة الى «توخي الحذر».

وقالت رئيسة الحزب الاشتراكي مارتين اوبري انها «صاعقة»، معربة عن «صدمتها». وعين ستروس-كان في سبتمبر 2007 على رأس صندوق النقد الدولي لولاية من خمس سنوات لإصلاح هذه المؤسسة في الجوهر.

رفض الافراج بكفالة

فيما ابدى البعض في فرنسا صدمته بعد ان رفضت قاضية الافراج عنه بكفالة في تهمة محاولة الاغتصاب مما قد يقضي على اماله في سباق الرئاسة في فرنسا. وعقد حلفاؤه في الحزب الاشتراكي محادثات طارئة ولكنهم اعلنوا انه لن يجري تعديل الجدول الزمني لاختيار مرشح الحزب.

وابدى ساسة ومعلقون فرنسيون صدمتهم وغضبهم ازاء قرار قاضية في نيويورك استمرار احتجاز ستروس كان الذي كان يمثل أكبر تهديد للرئيس المحافظ نيكولا ساركوزي في الانتخابات المقرر ان تجري في ابريل نيسان المقبل.

وكان ظهوره أمام وسائل الاعلام العالمية وهو موثق اليدين وغير مهندم أو حليق كما اعتاد الظهور من المشاهد الصادمة. وقال وزير الثقافة الاشتراكي السابق جاك لانج لراديو اوروبا 1 "انه رجل شجاع يواجه مصيرا مزريا."

وتابع "ليس مستبعدا ان يكون مسؤولون قضائيون -المدعي بصفة خاصة او القاضية- مدفوعين برغبة في الحط من قدر مواطن فرنسي.. بل ومواطن فرنسي معروف."

وينفي ستروس كان اتهامه بالاعتداء الجنسي على خادمة في فندق في نيويورك وقال ان لديه دليل يبرئه. ومن المقرر ان تعقد الجلسة القادمة لمحاكمته في العشرين من الشهر الجاري.

وعزز القبض على ستروس فرص ساركوزي في الفوز بفترة ثانية واوقع الصندوق في ازمة حتى وهو يضطلع بدور رئيسي في مساعدة دول بمنطقة اليورو مثل اليونان والبرتغال على مواجهة مشاكل الديون.

وبدأت تتردد تكهنات عمن سيقود الصندوق مع التركيز على ما اذا كان بوسع اوروبا الغربية التي احتكرت المنصب منذ تأسيس الصندوق عقب الحرب العالمية الثانية الاحتفاظ بالمنصب في مواجهة تحد متنام من قوى اقتصادية صاعدة في اسيا.

وتطرقت وزارة الخارجية الصينية للامر دون التعليق على قضية ستروس كان ولكنها طالبت بان تقوم عملية اختيار قادة الصندوق على أساس من "النزاهة والشفافية والجدارة".

وأحد المرشحين المحتملين رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون المرجح أن يواجه معارضة من خليفته في الحكومة. وهناك أيضا وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاجارد صاحبة المؤهلات الجيدة لكن يشكك كثيرون في قدرتها على التغلب على شعور الاستياء من اختيار فرنسي اخر للمنصب.

وتواجه زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين اوبري ضغوطا متزايدة لخوض الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب في سباق الرئاسة عقب القبض على ستروس كان ولكنها ذكرت ان الحزب لن يعجل بتغيير خططه. ومن المقرر اعلان اسماء المرشحين في الانتخابات التمهيدية في يوليو تموز.

وصرحت لراديو فرانس انفو "لدينا جدول زمني واليوم ليس الوقت المناسب" لاعلان الترشيح. وتابعت "لن نغير شيئا في جدولنا الزمني" للانتخابات التمهيدية.

ومع عزوفها عن الاسراع بابداء اهتمامها بالترشح يشكك البعض في رغبتها في السعي للمنافسة على منصب الرئيس في سباق يرى كثيرون انه يقدم أفضل فرصة لليسار منذ ربع قرن. ويواجه ستروس كان حكما بالسجن لمدة تصل الى 25 عاما في حالة ادانته.

واقنع المدعون القاضية ميليسا جاكسون بأن ستروس كان قد يحاول الفرار لفرنسا لترفض الافراج عنه بكفالة وحددت الجلسة القادمة لمحاكمته. وانزلت الشرطة ستروس كان من على متن طائرة تابعة لشركة اير فرانس قبل دقائق من اقلاعها لباريس يوم السبت الماضي.

ومن المقرر ان يستأنف محامو الدفاع قرار رفض الكفالة في خطوة قد تكون رئيسية في قضيته اذ تتيح له الكفالة حرية أكبر في الاتصال بمحاميه والاقامة مع زوجته ان سنكلير -وهي شخصية شهيرة في التلفزيون الفرنسي- في نيويورك الى حين محاكمته.

وبعدما كان يألف أجنحة الفنادق الفخمة وسفر الدرجة الاولى جوا ينتقل دومينيك ستروس كان الى سجن جزيرة ريكرز سيء السمعة في نيويورك. وقال متحدث باسم ادارة التقويم في مدينة نيويورك انه سيجري نقل ستروس كان من مركز اعتقال ملحق بالمحكمة الجنائية في مانهاتن الى جزيرة ريكرز.

وريكرز مجمع سجون في جزيرة بالقرب من مطار لاجوارديا معروف لمشاهدي التلفزيون وأفلام الجريمة باعتباره مكانا يجمع المشتبه بهم جنائيا في انتظار المحاكمة أو الذين يقضون أحكاما بالسجن لمدة قصيرة.

وقف سباقه الرئاسي

ويحتمل ان يؤدي توقيف المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس الى وقف السباق الرئاسي للمرشح الاشتراكي المرجح لدى الفرنسيين في استطلاعات الرأي لمنافسة نيكولا ساركوزي في 2012.

ويتوقع ان يحدث اتهامه بالاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب زوبعة في حملة الانتخابات الرئاسية، اولا لدى المعسكر الاشتراكي حيث يبرز دومينيك ستروس-كان في استطلاعات الراي كمرشح مرجح لخوض الانتخابات باسم الحزب الاشتراكي في العام 2012، ثم لدى الطبقة السياسية الفرنسية باكملها.

وما يزيد من حدة هذه الزوبعة ان استطلاعات الرأي الاخيرة ترجح فوز دومينيك ستروس-كان في مواجهة الرئيس نيكولا ساركوزي التي يتوقع ان يترشح العام المقبل.

الا ان ردود الفعل اثارت القليل من الشكوك حيال المستقبل السياسي لستروس-كان الذي شغل سابقا منصب وزير الاقتصاد الفرنسي.

واعرب اليسار بما فيه منافسوه عن صدمتهم ازاء هذه المعلومات على الرغم من الدعوات الى "ضبط النفس" والمطالبة بضرورة "التحقق من كل شيء".

وقد تحدثت رئيسة الحزب الاشتراكي مارتين اوبري الاحد عن "صاعقة" بعد اتهام ستروس-كان وعبرت عن "ذهولها" داعية حزبها الى البقاء "موحدا". وقال سلفها فرنسوا هولاند انه "خبر مروع"، معتبرا انه "من المبكر جدا" القول ما اذا كان لهذه القضية اثر على الحملة الانتخابية.

وفي معسكره، كانت التقديرات تعطي ستروس-كان ارجحية للفوز بالانتخابات التمهيدية المرتقبة في تشرين الاول/اكتوبر لاختيار مرشح الحزب الاشتراكي الى الانتخابات الرئاسية.

واحتمال عدم ترشحه يغير المعادلة داخل الحزب مفسحا في المجال امام تقدم منافسيه الرئيسيين فرنسوا هولاند الوجه الصاعد في الحزب الاشتراكي ومارتين اوبري التي تتحضر لترشيح نفسها.

وقال جاك اتالي المستشار السابق النافذ للرئيس السابق فرنسوا ميتران لاذاعة اوروبا 1 "لا اعتقد انه سيكون مرشحا الى الانتخابات الرئاسية الا اذا ما تم اكتشاف تلاعب في هذه القضية. اذا الامور ستتغير وسيكون لدينا ترشيح لمارتين اوبري في وجه فرنسوا هولاند".

واضعاف ستروس-كان يستفيد منه خصوصا معسكر السلطة ويعيد خلط الاوراق في السباق الرئاسي بعد ان اعطت كل استطلاعات الراي التي اجريت مؤخرا دومينيك ستروس-كان فائزا على نيكولا ساركوزي الذي من المتوقع ان ينافس في ادنى مستويات شعبيته. والبعض في اليمين لا يتوانى عن استبعاد ستروس-كان منذ الان عن السباق الرئاسي لعام 2012.

واعتبرت رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد في فرنسا مارين لوبن المرشحة الى الانتخابات الرئاسية "ان الوقائع المنسوبة الى دومينيك ستروس-كان، ان تبينت صحتها، هي على جانب كبير من الخطورة. وقد فقد مصداقيته تماما كمرشح لاعلى منصب في الدولة" بعد اتهامه في الولايات المتحدة بالاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب.

واضافت "ان باريس كلها، باريس الصحافة وباريس السياسة تضج منذ اشهر بشأن العلاقات المرضية (...) التي يقيمها ستروس-كان على ما يبدو مع النساء. كنت انا نفسي ضحية بعض الشيء في مبارزة معه حيث كان غير لائق في كلامه".

وقال فرنسوا بايرو من الوسط الفرنسي والذي حل ثالثا في الانتخابات الرئاسية عام 2007 والذي من المتوقع ان يكون مرشحا للانتخابات المقبلة "هذا كله مثير للالتباس ومحزن ومدعاة للاضطراب الشديد"، متحدثا عن الاثار على الرجل وحزبه وعلى "صورة فرنسا في العالم".

ومنذ زيارته الى باريس في نهاية نيسان/ابريل الماضي يتعرض ستروس-كان لانتقادات شديدة من قبل قسم من الصحافة لنمط حياته. ويظهر في احدى الصور في سيارة بورش امام منزله الباريسي في بلاس دو فوج، ما اعتبر خطأ اعلاميا "طائشا" بحسب المقربين منه، وخطوة خاطئة تماما بحسب الغالبية الرئاسية.

وقد قرر الجمعة شن هجوم مضاد باعلانه بصوت احد محاميه ملاحقات قضائية ضد صحيفة فرانس سوار. ويرى المؤيدون لستروس-كان في هذه الحملة الصحافية يدا للرئيس ساركوزي.

فبتوقيفه في نيويورك اصبح وضع دومينيك ستروس-كان معقدا للغاية. في العام 2008 طلب صندوق النقد الدولي اجراء تحقيق بشأنه اثر علاقة عاطفية مع مسؤولة سابقة في دائرة افريقيا في الصندوق بيروسكا ناغي. وقد تمت تبرئته في ذلك الحين لكن مجلس ادارة صندوق النقد اخذ عليه حينها "خطأ خطيرا في التقدير".

وكانت زوجته آن سنكلير الصحافية التلفزيونية المشهورة السابقة اكبر المساندين له عبر موافقتها على "طي" الصفحة" بالنسبة لعلاقته العابرة.

وبحكم واجب التحفظ الذي يفرضه منصبه على رأس صندوق النقد الدولي لزم ستروس-كان الصمت بشأن نواياه حول الترشح الى الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الاشتراكي لخوض الانتخابات الرئاسية، لكن ايا من اصدقائه لا يشك في انه سيذهب في هذا الاتجاه بعد انعقاد قمة مجموعة الثماني في دوفيل اواخر ايار/مايو والخطة الجديدة لانقاذ اليونان. لكن هذه القضية تثير الشكوك.

ويستفيد الفريق الرئاسي ايضا من ضعف موقف ستروس-كان اذ ان عددا من مسؤوليه يعتبرون انه المرشح الاكثر خطورة.

حتى ان البعض اسروا اواخر الاسبوع بانه "الرجل الواجب اسقاطه". ووصفوا رئيس الدولة نيكولا ساركوزي بالمنافس الذي سيتحدى "المرجح الكبير" دومينيك ستروس-كان.

ومنذ العام 2008 وعلاقته العاطفية خارج نطاق الزواج، يشير اليمين الى ان الجانب الجذاب لدى المدير العام لصندوق النقد الدولي يشكل نقطة ضعفه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/آيار/2011 - 14/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م