هذا جواب رئيس سويسرا عندما سُل لماذا تركب في الدرجة الثانية من
القطار؟ ولا يخفى على من له عقل أنه جواب من رجل وطني أرضى ضميره وأشبع
إنسانيته بثقافة التواضع والثقة العالية بالنفس وهي حكمة كبيرة أطلقها
هذا الرئيس عسى أن نستشعر منها أين نحن الآن في العراق..
ونتساءل دائماً كيف يمكننا أن نكّون الوعي العام بالوطنية وكيف
ننشئ الذوق الوطني الجديد وفق التصورات المستقبلية المطلوبة فلدينا
الكثير من الحالات السلبية التي يمر بها المجتمع العراقي تختلف درجات
أهميتها حسب المقدرة التأثيرية لها في الواقع..
وجميعها، مشاكلنا، بحاجة الى تنمية وعي فكري واضح المعالم يقتدي بها
الشعب ليحاول الخروج بروية من خندق التخلف على يكون قادتنا السياسيون
ومن هم على رأس المؤسسات الحكومية لغاية المدراء العامون في اتباع
اسلوب حياتي جديد في تدبير أمورهم والانتباه الى أهمية الحفاظ على
أموال الشعب من النهب اللامبرر عبر السفر في الدرجات السياحية الأولى
والسكن في أرقى الفنادق العالمية عند الذهاب الى خارج الوطن في المهمات
الوطنية والإيفادات التي يكلفون بها.
وأنا أتابع استجواب مفوضية الانتخابات حول الكثير من الأمور
والتجاوزات المالية المحتملة أرى أننا بحاجة الأن الى أكثر العمل ضمن
حدود الموازنة المالية وعدم التجاوز عليها.. أرى أننا يجب أن نحاول بجد
ووطنية شفافة أن نتفوق على أنفسنا في توفير الأموال من تلك الموازنة من
خلال أتباع سياسة تقشفية محدودة لا تؤثر على خطط التنمية وكذلك في
البحث، من خلال تلك السياسية، على منافذ صرف يتم من خلالها توفير بعض
الأموال.. يشرّع لها قانون للاستفادة منها في الاستثمار وتطوير تلك
المؤسسة لخدمة المواطن..
فعلى سبيل المثال عندما توفر مؤسسة معينة من مبالغ الإيفادات والسفر
والنثريات غير المبررة بالمرة يسّن قانون يسمح لها بالتصرف بتلك
الأموال في مجال خدمة موظفي المؤسسة وتطوير مواقع عملهم أو أن تصرف
كمكافئة سنوية لكل الموظفين.. قد يكون الأمر صعباً بعض الشيء ولكننا
اليوم في العراق بحاجة لكل دينار وبحاجة الى أن نحسن استخدام دنانيرنا
بصدق لما يخدم وطننا وأن نعزل بين دينارين احدهما يصرف على ملذة تافهة
وآخر يصرف بمسؤولية بالغة فيأتي ثماره..
وعلى الحكومة من جانبها أن تعلن عن تلك المؤسسات ومدراءها العامون
من اللذين يتبعون سياسة التقشف تلك والمبالغ التي وفروها وتعلن تجاربهم
بصورة رسمية من خلال وسائل الأعلام.
وزيادة في الأمثلة، أن رئيسة فنلندا في زيارتها إلى دولة عربية سكنت
في غرفة، وحينما عرضوا عليها جناحاً كبيراً رفضت ذلك مفضلة غرفتها
الصغيرة!..
عجيب أمر أولئك الناس وكيف يحيون تقاليد عمل كبيرة ومؤثرة وليصبحوا
القدوة الحقيقية للموظفين الصغار وكيف يبنون مجدهم وتأريخ بلادهم
بعيداً عن الفساد والرشوة وعدم الشعور بالمسؤولية من خلال البذخ غير
المبرر أطلاقاً في حرق موازناتنا التي ننتظر منها أن تصبح يوماً طريقاً
للمستقبل الواضح البهي..
علينا الآن شد الحزام على آخره ولكن ليس فقط على بطوننا.. بل على
عقولنا لنخنق به فسادنا المالي والإداري وتخلفنا في معرفة كيفية كتابة
التأريخ المشرف لمؤسساتنا الحكومية ونشر الوعي الوطني لدى موظفينا
ورعيتنا.
zzubaidi@gmail.com
|