الاصلاح المجتمعي ومخاطر بيئة التخلف

رؤى من فكر الامام الشيرازي

شبكة النبأ: يسعى الانسان بصورة متواصلة لتحسين حياته وطرائق عيشه، عبر تحسين الافكار التي تؤثر مباشرة في نوعية سلوكه وأفعاله، بمعنى أوضح يسعى الانسان لتخليق بيئة جيدة يمكن أن نطلق عليها بيئة التقدم، التي تتيح للانسان حياة أفضل، لهذا السبب يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الاصلاح) قائلا بهذا الخصوص: (من مقومات الإصلاح، القضاء على بيئة التخلف).

إذن بيئة التقدم هي نقيض بيئة التخلف، وهي الطريقة الأمثل لنقل الفرد والمجتمع من أجواء التخلف وبيئته، الى أجواء أكثر حداثة وتطورا، لأن التخلف له بيئته الخاصة، التي يقول عنها الامام الشيرازي بكتابه نفسه ما يلي: (للتخلف بيئة خاصة به، هي الجهل والنزاع والكسل والضجر، وشيوع الزنا والانحرافات الجنسية، والمرض والكآبة، وعدم الأمن والبطالة، واشتغال كل بلذائذه ومصالحه بأقصى ما يمكنه وعدم الاعتناء بحقوق الآخرين، وعدم تحمل المسؤولية وخدمة الآخرين، والعمل لكسب المنافع عن أي طريق كان).

إذن هذه حزمة من العوامل المساعدة لنشر وتنمية بيئة التخلف، وعلى المجتمع اذا ما أراد الانتقال الى بيئة الاصلاح، أن يسعى لمحاربة عناصر التخلف التي ذكرها الامام الشيرازي، لكن المجتمع يتكون بدوره من مجموعة الافراد الذين ينتمون إليه، وتعتمد طريقة العيش، ومزاولة الحياة على درجة وعي هؤلاء الافراد، ومدى تطورهم، فكلما كان الفرد واعيا وساعيا الى الاصلاح قولا وعملا، كلما اصبح طرد بيئة التخلف أيسر وأسهل للمجتمع.

يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه:

(من أهم ما يلزم في إصلاح المجتمع، هو إصلاح الفرد، لأن المجتمع يتشكل من فرد وفرد وفرد، وكل من الفرد الفرد والمجتمع يؤثر في الآخر سلباً وإيجاباً. ومثل المجتمع مثل الفرد، في الصلاح والفساد، والصحة والسقم، والتقدم والتأخر. ثم إن الفرد قد يقدّم مصلحة المجتمع على مصالحه الشخصية، وقد يجعل مصالحه الشخصية كمصالح المجتمع وبنفس المستوى، وقد يجعل مصالحه الشخصية فوق مصالح المجتمع).

إذن فطبيعة تطور الفرد ووعيه ودرجة إيثاره، لها مساس مباشر في تخليق بيئة الاصلاح التي تقضي على بيئة التخلف، هذا الامر يوضّح بجلاء أهمية الاهتمام بوعي الفرد، كونه سينعكس مباشرة على وعي المجتمع عموما، ومن ثم قد ينتمي المجتمع الى التطور والاصلاح، وقد يحدث العكس تبعا لوعي الفرد نفسه.

يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه: (بما أن المجتمعات البشرية الأخرى في تقدم وتطور دائم، فإن المجتمع الذي لا يكون متقدماً بنفس المستوى أو بفاصل كبير، فإنه يعتبر متأخراً ومتخلفاً فإنه إذا توقف عن التقدم صار مجتمعاً متخلفاً).

هذا يدل على ان إهمال الوعي الفردي، سيقود حتما الى بيئة خصبة للتخلف، ويشيع نوعا من عادات التخلف بين أفراد ومكونات المجتمع، مثل تنمية نوازع الاستحواذ والمصلحة الذاتية واللهاث وراء الماديات وما شابه، من عوامل مساعدة على نشر بيئة التخلف، على العكس مما توجبه عملية اصلاح المجتمع التي تتطلب التعاون، والتسامح، والتشارك، والتكافل بين جميع افراد المجتمع، يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور: (إن الغني إذا اهتم بالفقير، والفقير إذا عاون الغني بدوره، وهكذا السليم والمريض، والعالم والجاهل، وغيرهم من الطوائف الاجتماعية المتضادة الصفة، فسوف ترفع مشاكل المجتمع بنسبة كبيرة، وما أكثرها خصوصاً في الحضارة الحاضرة التي جعلت المادة هي المحور).

نعم إن أهم ما يميز حضارة العصر، طغيان المادة على غيرها، بمعنى أن هناك تسارعا وانهماكا فعليا وخطيرا لتحقيق المنافع الفردية او الفئوية، وهذا يشكل مؤشرا سلبيا ليس على فرد او شعب بعينه، بل على البشرية جمعاء، لأن هذا المسعى الخطير الذي تدفع إليه النفوس المختلة الباحثة عن لذائذ المادية المباشرة، سيقود العالم الى حتفه، بسبب مخاطر القضاء على بيئة الاصلاح لصالح بيئة التخلف، لذا لابد أن يكون هناك سعي جماعي، لبث روح التعاون الجماعي، أملا بالوصول الى تحقيق بيئة مناسبة لنشر الاصلاح، إذ يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا الصدد بكتابه المذكور نفسه: (إن المجتمعات المتقدمة المتحضرة تبنى على التعاون وعلى البر والتقوى بين أفراد المجتمع. علماً بأن الأمرين ـ التقدم والتحضر ـ متلازمان عادة، فإذا رأينا مجتمعاً متقدماً في مجال الصناعة والتكنولوجيا من دون المعنويات، فلا يعد من المجتمعات المتحضرة وإن وسم بذلك، حيث إن لكل من الروح والجسد مكانة في المجتمع المتحضر فإذا روعي حق كل واحد منهما بالمقدار المطلوب كان المجتمع متحضراً).

إذن هي عملية موازنة بين مراعاة الجانب المادي والروحي، فلا ينبغي تغليب المادي كونه يؤدي الى إنعاش بيئة التخلف، ولا ينبغي إهمال الروحي كونه يضعف الروح، ويضعف ارادة الانسان في سعية نحو تطوير بنية الاصلاح وبيئته المطلوبة للفرد والمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/آيار/2011 - 12/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م