في يومها العالمي... الأسر العربية في مواجهة التفكك

تقرير: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بالنظر للتغيرات العديدة الحاصلة في العالم فقد تغيرت وظائف الأسرة بسبب بروز مؤسسات أخرى مجتمعية سحبت وظائف كانت جوهرية وحصرية للأسرة قديما. فمثلا وظيفة الضبط الاجتماعي تقوم بها الدولة من خلال مراكز الشرطة والمحاكم ووظيفة التعليم تقوم بها المؤسسات التعليمية ووظيفة الأعداد للمهنة والتدريب انتقلت للمؤسسات التدريبية والمهنية.ووظيفة العلاج والمحافظة على الصحة انتقلت للمؤسسات الصحية.. وهكذا ولكن تظل الأسرة تشارك تلك المؤسسات بشكل أو بآخر في تلك الوظائف.

أهم المشاكل الأسرية

التفكك الأسري.. فنجد في المنزل الواحد كل فرد من الأبناء في واد والأب مشغول بأعماله ووظيفته وربما يتزوج على إلام ويهمل الأسرة بأكملها والأبناء هم الذين يدفعون الثمن ويتغيب الأب عن المنزل سعيا وراء كسب مادي أو منصب جديد وإلام مشغولة في أعمال المنزل وخرجت إلى ميدان العمل هناك مجال للحوار والسؤال والمناقشة وترك الأبناء يفعلون ما يحلوا لهم دون رقيب ولا حسيب.

كثرة المشاكل الأسرية والخلافات العائلية اليومية والمتكررة والتي تتسم بالعصبية والانفعال المفرط على اقل الأسباب وأمام الأبناء دون مراعاة حالتهم النفسية وشعورهم كل ذلك له التأثير الواضح على الأبناء وهذا يرجع إلى أن الوالدين هم المدرسة الحقيقة للأبناء في التعلم واكتساب الخبرات واكتساب السلوك القويم وغرس القيم الدينية والعربية والإسلامية بما فيها من عادات وتقاليد وأعراف.

ويظهر التفكك واضحا وجليا حينما يخلق كل من الأبناء عالم خاص به وغرفة خاصة به مغلق بابها دائما دون رقيب ولا حسيب.

وعدم متابعة الآباء للأبناء واقتحام هذه الغرف بالسؤال والحوار والمتابعة والمناقشة والتوجيه وفتح مجالات وافق جديدة للتعلم واكتساب المهارات والخبرات والمعارف الجديدة والمفيدة التي تثرى وتنمى روح البحث وتساعد على اكتساب المعلومات وأين الآباء من الأصدقاء ومعرفتهم من هنا وليس من هناك يضيع الأبناء وتتفكك الأسرة ويضيع الابن والبنت إذا لم يكونوا محصنين بالأخلاق الحميدة والفاضلة.

الانفصال بين الزوجين وتأثيرها في تربية الأولاد.. مشكلة الطلاق وانفصال الآباء وما تسببه من مشاكل وضياع وتشتت للأبناء وفراغ نفسي وأسرى ووجداني ويدفع الأبناء الثمن ويفعل كل شخص ما يريد حتى لو كان خطا وضار بنفسه والآخرين.

مشكلة الخدم وتأثيرها في بعض البلدان..  قضية التكافؤ بين الوالدين وحسن الاختيار.. التكافؤ بين الوالدين وحسن الاختيار حتى يكون هناك توافق فكرى وثقافي وكذلك توافق مادي واجتماعي كل هذه عوامل أساسية في تكوين الأسرة.

ومشكلة العناد والهجر مما يؤدي إلى الانفصال أو فقدان لغة الحوار.. مشكلة العنف والانفعالات الشديدة والمدمرة التي تؤدي إلى الضرب وإلحاق الأذى..

ولعل ابرز قضية تواجه الاسرة على مستوى الأعلم او على المستوى العربي هو قضية العنف ضد المرأة.. فقد أثبتت التحقيقات الجارية في الأردن مؤخراً أن (25%) من الأردنيات تعرضن للضرب وخاصة الضرب المبرح وقالت دراسة رسمية نشرت في عمان قد بينت أن نسبة (81 %) من النساء الأردنيات يفضلن كتمان الأمر وعدم إبلاغ الشرطة لاعتبارات شخصية بحتة.

وفي كل الأحوال فإن العديد من الدراسات الميدانية والبحوث الأكاديمية في مجال العلوم الاجتماعية والتربية وعلم النفس تؤكد على الخطورة البالغة للعنف العائلي وانعكاساته السلبية الشديدة على الفرد والمجتمع بوقت واحد.

يقول الدكتور أحمد عبد الفضيل أستاذ علم الاجتماع في القاهرة أن تزايد معدلات الجرائم الأسرية يعد مؤشراً خطراً على تفكك الأسرة المصرية، فقد أصبح البيت المصري مثل الفندق لا يجمع بين أفراده روابط وثيقة وكل ما يجمع بينهم هو مكان الإقامة فقط، ولم يعد هناك الارتباط الوثيق الذي كان معروفاً في الأسرة المصرية والذي كان صمام الأمان الحقيقي لكل التغيرات الاجتماعية الحادة... وتؤدي به إلى الانحراف والعنف. أما الآن ومع تزايد الضغوط الاجتماعية وضعف الرابط الأسري فقد طغت على السطح مئات الصور الشاذة الغريبة على المجتمع المصري.

ومعروف أن النساء هن أكثر عرضة للاعتداء الأسري، و ذلك منذ نعومة أظفارهن بحكم كونهن إناث ولا تسمح طبيعتهن الفصيلة من إبداء مواجهات عنيفة فاصلة على الأكثر للرد على المعتدين عليهن ففي أمريكا قالت إحدى الإحصاءات أن الجهود المبذولة لمنع العنف ضد النساء في الولايات المتحدة جاءت بأثر إيجابي إذ حفظت قتل الزوجات لأزواجهن بنسبة (70 %) على مدى الأعوام الـ(24) الماضية أي أن نسبة ردة الفعل عند المرأة جراء اضطهادها الشديد بدأت تخف.

إلا أن دراسة هندية قدمتها مؤخراً (كاميلا ياسين) ذكرت كسبب مشجع للرجل على إتباع العنف ضد المرأة امتيازه المالي المتفوق عليها: (يسيطر الرجل على معظم الملكية ومصادر الإنتاج ويتوارثها الرجال من رجل إلى آخر حتى عندما يحق للنساء قانوناً تأتي سلسلة من القوانين.. وأحياناً العنف لتمنعهن من استلام ميراثهن والتصرف به.

وإذا ما انتقلت إلى روسيا فإن (50 %) أي نصف ضحايا جرائم القتل هن من النساء يتم قتلهن على أيدي الشريك الذكر.

وهناك ارقام اخرى تشير إلى العنف الذي تواجهه المرأة في بعض الدول:

ففي فرنسا، 95 % من ضحيا العنف هن من النساء، 51 % منهن نتيجة تعرضهن للضرب من قبل أزواجهن أو أصدقائهن.

في كندا، 60 % من الرجال يمارسون العنف، 66 % تتعرض العائلة كلها للعنف.

في الهند، 8 نساء من بين كل 10 نساء هن ضحايا للعنف، سواء العنف الأسري أو القتل.

في البيرو، 70% من الجرائم المسجلة لدى الشرطة هي لنساء تعرضن للضرب من قبل أزواجهن.

أن زهاء 60% من النساء التركيات فوق سن الخامسة عشرة تعرضن للعنف أو الضرب أو الإهانة أو الإذلال، على أيدي رجال من داخل أسرهن، سواء من الزوج أو الخطيب أو الصديق أو الأب أو والد الزوج)! وأشارت الدراسة إلى أن (50%) من النسبة الآنفة يتعرضن للضرب بشكل مستمر، وأن (40%) منهن يرجعن السبب في ذلك لظروف اقتصادية وتناول الكحوليات وأن (65 %) فقط من أولئك النساء اللاتي يتعرضن للضرب يقمن بالرد على العنف بعنف مماثل، في حين أن (100%) فقط منهن يتركن المنزل احتجاجاً على العنف الذي يتعرضن له. والغريب: أن (70%) من هؤلاء السيدات اللاتي يتعرضن للضرب لا يحبذن الطلاق حفاظاً على مستقبل الأولاد، في حين أن (15%) فقط منهن لا يطلبن الطلاق بسبب حبهن لأزواجهن.

وفي الولايات المتحدة: يعتبر الضرب والعنف الجسدي السبب الرئيسي في الإصابات البليغة للنساء. وقال خبراء صحة أمريكيون أن واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، تعاني من مشكلات صحية خطيرة لها علاقة بتعرضها للضرب أو الاغتصاب أو إشكال أخرى من العنف.

ووجد باحثون من كلية الصحة العامة ومركز الصحة والمساواة بين الجنسين في جامعة جون هوبكنز عدداً مثيراً للدهشة من النساء يعانين من مشكلات صحية بسبب التعرض للعنف أثناء حياتهن.

وذكر التقرير أن العنف الجسدي في العلاقات الودية يصاحبه دائماً انتهاك نفسي ومزيد من العنف الجنسي.

وأشار الباحثون إلى انهم وجدوا أن ضحايا العنف أكثر عرضة للإصابة بمشكلات صحية من بينها الألم المزمن وسوء استخدام العقاقير والكحول والاكتئاب ومحاولات الانتحار.

وقالت ميغان غوتيمويلر التي ساهمت في كتابة التقرير والباحثة في جامعة جون هوبكنز يمكن إرجاع عدد كبير من مشكلات النساء الصحية حول العالم لبعض أشكال العنف بأكثر ما كان يعتقد.

واستند التقرير إلى بيانات جمعت من اكثر من 500 دراسة مستقلة أجريت حول العالم.

وتشابهت كثيراً خبرات العنف الذي تعرضت له النساء في بلاد العالم الثالث مثل زيمبابوي وكمبوديا مع دول غنية مثل الولايات المتحدة.

وقالت الباحث في الجامعة لوري هيس اللغة التي تستخدمها النساء لوصف العنف ومخاوفهن والأعذار التي يقدمها الرجال متشابهة بصورة مذهلة.. وفي كل الدول التي أجريت فيها دراسات ما زال الضحية هو من يلقى عليه باللوم.

والغالبية العظمى من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء تأتي من أزواجهن أو ذكور آخرين من العائلة. وقال هيس من دون استثناء، تأتي مخاطر تعرض النساء للعنف ليس من (خطر غريب) لكن من رجال يعرفونهن وعادة يكونون ذكوراً من العائلة أو الأزواج.

وذكر التقرير أن عدداً من العوامل تسهم في ارتكاب أعمال العنف مثل الفقر والثقافات التي يهيمن عليها الرجال والمعتقدات بأن العنف والرجولة متلازمان.

وحذر تقرير دولي صدر أخيرا من العواقب الوخيمة للعنف الذي يمارس على النساء في العالم، والتي تصل إلى حد القتل. واستناداً إلى بيانات جديدة فإنّ حوالي نصف النساء اللاتي يتم قتلهن؛ يُقتلن على يد زوج أو صديق حالي أو سابق.

وتوضح منظمة الصحة العالمية في رصدها لهذه الظاهرة أنّ العنف هو سبب وفاة سبعة في المائة من جميع النساء اللاتي يمتن ما بين سن الخامسة عشرة والرابعة والأربعين في جميع أنحاء العالم.

وفي تقرير حديث لها تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ العنف ضد النساء يرتبط، علاوة على إهلاكه وتدميره حياة مئات الآلاف من البشر، بعدد من الأوضاع الآنية والطويلة الأمد، بما فيها الإصابات الجسدية، ومجموعة الآلام المستمرة المتزامنة، والكآبة، والتصرفات الانتحارية. كما يمكن أن يؤثر عنف شريك الحياة على قدرة المرأة على كسب الرزق، وتأديتها لعملها، وقدرتها على الاحتفاظ بوظيفتها.

وأظهر التقرير الصادر عن المنظمة الدولية أيضاً أنّ 69 % من النساء في بعض البلدان بلّغن عن تعرضهن إلى اعتداء جسدي عليهن، و 47 % من النساء قلن إن أول نشاط جنسي اشتركن فيه تم عنوة وقسرا.

ويمضي التقرير إلى الاستنتاج بأنّ النساء أكثر عرضة لإساءة شركاء حياتهن إليهن في المجتمعات التي تتصف بعدم المساواة الواضح بين الرجل والمرأة، وبتحديد دور كل منهما في المجتمع بشكل صارم لا يسمح بالحياد عنه، وبقواعد السلوك الثقافية المؤيدة لحق الرجل في ممارسة العنف، وبقوانين الردع الضعيفة لمثل هذا السلوك، كما يرد فيه.

وقد أبرز التقرير عدداً من البرامج الواعدة للحيلولة دون وقوع العنف، بما فيها برامج التنمية الاجتماعية، والحد من انتشار الخمور، وتخفيض القدرة على الحصول على الأسلحة كالأسلحة النارية الصغيرة، والتقليل من التفاوت الاجتماعي، وتعزيز نظامي الشرطة والقضاء.

كما يدعو التقرير العاملين في حقل الصحة العامة إلى التعاون مع الشرطة وأنظمة العدالة الجنائية والمسؤولين في مجالات التربية والتعليم والإنعاش الاجتماعي والتوظيف وغيرها من المجالات للحيلولة دون وقوع العنف، بدلاً من مجرد تقبل الوضع أو اتخاذ الإجراءات كرد فعل على وقوع أعمال العنف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/آيار/2011 - 11/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م