اشكالية الشراكة السياسية في العراق

ناجي الغزي

أن التجربة السياسية الجديدة في العراق خضعت لظروف وإرهاصات كثيرة وكبيرة نظراً لظروف ولادتها العسيرة على أيدي أجنبية محتلة وبترقب إقليمي محموم بالمخاوف والقلق من تلك التجربة، مما خلقت تلك الظروف تداعيات أمنية خطيرة أثرت بشكل سلبي على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وجعلتها ميدان تجارب للقوى السياسية الحاضرة والمؤثرة، فقد دخلت القوى السياسية بمبدأ "المشاركة السياسية" بعد سقوط النظام البائد. على أمل تنضيج العمل السياسي المشترك بين الفرقاء من أجل بناء دولة مدنية خاضعة الى معايير مؤسساتية.

ولكن سرعان ما تحولت تلك المفاهيم والمبادئ الى سنن خاضعة الى توزيع السلطة بين الفرقاء الشركاء، ورغم تحول المعنى اللفظي من المشاركة الى الشراكة في تشكيل الحكومة الجديدة الا أنها لاتزال تخضع الى نفس مقاييس المحاصصة وأسلوب التنافس المسموم الذي لايحقق الهدف والغاية التي تذهب له أغلب الاحزاب السياسية في العالم.

والسبب الرئيسي لتفسير مفهوم الشراكة السياسية الخاطئ في العراق يكمن بإشكالية العلاقة بين القوى والاحزاب السياسية وهذا يعود بنا الى تاريخها السياسي ومرجعياتها وظروف نشأتها وأيديولوجياتها الفكرية. فهناك تقاطع وتضاد في المواقف السياسية والنهج السياسي بين القوى السياسية التي تشارك في الحكومة وهي لاتؤمن بتلك الشراكة ولا بالتجربة السياسية. وهناك أحزاب تحكمها المصالح الشخصية والحزبية والطائفية. وأن أغلب هذه الاحزاب لاتملك رؤية واضحة لمستقبل العراق السياسي والاقتصادي.

 والسبب يعود الى إشكالية العلاقة بين تلك المكونات وعدم تجانسها في خارطة العمل السياسي المشترك، وعدم قدرتها على التعايش مع بعضها على أسس تنافسية سليمة خالية من لغة التسقيط والوعيد. اضافة الى أزمة الثقة التي تعيشها تلك القوى وزعمائها على المستوى السياسي والشخصي.

وقد انعكست تلك الاشكالية على دور الحكومة وبرنامجها السياسي وعلى تشكيلة الوزارات وحجمها ونوعية الوزراء وكفاءاتهم وعلى الاداء الخدمي، الذي ترك تداعياته على حياة المواطن اليومية.

وقد أصبح الان الحديث عن الشراكة السياسية عبث ونفاق سياسي صريح وهذا واضح من خلال تعطيل دور الحكومة العراقية وتأخير تسمية الوزرات الخدمية والامنية، فضلاً عن ذلك تعطيل الدور الرقابي والتشريعي لمجلس البرلمان، وهو الاخر يخضع الى مساومات الزعماء السياسيين وصفقاتهم في القبول والرفض.

وما نشاهده اليوم من خطابات ورسائل عبر القنوات الفضائية للخصوم الشركاء، بين التهديد والترهيب بأسقاط الحكومة والعودة الى المربع الاول، تنذر تلك المماحكات والمناكفات بتردي الوضع الأمني الى أقصى مدياته وتأزم الوضع السياسي الى حد الانهيار والتفكيك في بنية هياكل الدولة الفتية.

 وكثرة التقاطعات وحجم تداعياتها تدلل على التفسير الخاطئ لمفهوم الشراكة السياسية من قبل زعماء وقيادات القوى السياسية وقصور في تحديد الاطر الوطنية للمواقف السياسية التي تمس حياة المواطن ومصلحة الوطن.

والتجربة السياسية العراقية لاتزال طرية وغير ناضجة وتحتاج الى المزيد من المبادرات السياسية الوطنية، التي تشكل طوق النجاة لها وعامل تقويم لمساراتها المنحرفة عن الخط الوطني. ولانريد ان نقول لبعض القوى تقديم تنازلات مجانية على حساب الاستحقاق الانتخابي. ولكن على القوى وزعماءها المؤمنين بمشروع التغيير في العراق الانتباه الى حجم المخاطر الاقليمية السياسية والاقتصادية التي ربما تعصف بالتجربة السياسية وتذهب بالجميع الى خارج التاريخ الانساني.

وهي تبدو تمر بمرحلة تشبه الاحتضار السريري التي تجعل العراق خارج إطار المنظومة الدولية من حيث الاستقرار والتقدم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/آيار/2011 - 11/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م