السعودية تنكفئ على نفسها لدرء عدوى الانتفاضات العربية

 

شبكة النبأ: عدوى التغيير والثورات التي أصابت عدداً من الدول العربية دفعت بقية الأنظمة الحاكمة إلى "تطعيم" سلطتها بعدد من القوانين والمراسيم الرئاسية والملكية من أجل وأد هذا "الفيروس" في مهده، فهل تنجح السعودية حيث فشلت دول أخرى؟

لا يخفى على الكثير أن نظام الحكم في المملكة العربية السعودية يستمد سلطته من الشريعة الإسلامية، وأنه يحظى بدعم مستمر من المؤسسة الدينية، التي تشرع القوانين والمراسيم الصادرة لتثبيت أركان النظام. هذه العلاقة التكافلية ظهرت بشكل واضح على خلفية الثورات العربية، التي أدت إلى خلع أنظمة اعتبرت مستقرة سياسياً لعقود من الزمان في عدة أسابيع. وما أن اقتربت المظاهرات من المملكة حتى سارعت المؤسسة الدينية السعودية إلى إصدار فتوى تحرّم الخروج في مظاهرات ضد "ولاة الأمر"، في إشارة إلى الأسرة الحاكمة.

لكن عدوى الثورات أصرّت على الولوج إلى أراضي المملكة، لاسيما بعد الحركة الاحتجاجية الشعبية في مملكة البحرين المجاورة. السلطات السعودية لم تتردد في قمع هذه الاحتجاجات واعتقال رؤوسها ومن شاركوا في تنظيمها، وأصدرت مؤخراً تعديلات بمرسوم ملكي على قانون المطبوعات والنشر السعودي، شكلت ضربة قاصمة قضت على أي أمل في صحافة حرة داخل المملكة، وأقعدت جيل "الإنترنت" الشاب، الذي يقف وراء دعوات الإصلاح والتغيير السياسي، عن الحركة.

فهذه التعديلات تطلب من الناشرين والصحفيين التقيد "بالنقد الموضوعي والبناء الهادف إلى المصلحة العامة"، وتحظر نشر "ما يخالف أحكام الشريعة أو الأنظمة النافذة، وما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية". كما وتحظر "التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة، أو أي من موظفيها".

"خطوة إلى الوراء والثورات زادت الطين بلة"

ويرى الباحث الألماني في منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، كريستوف ويلكه، في مقابلة مع دويتشه فيله، أن هذه التعديلات جاءت استكمالاً لسياسة اتبعتها المملكة عام 2007، "إذ سنت (آنذاك) قانوناً يجرّم من ينشئ موقعاً إلكترونياً يسيء إلى الإسلام. وفي بداية العام الحالي تم توسيع مواد قانون المطبوعات والنشر لتشمل كل المواقع والنشاطات الإلكترونية مثل المدونات، وهذه كانت أهم نقطة في تقييد حرية التعبير في المملكة في السنوات الماضية. والآن اتخذت الحكومة خطوة أخرى في هذا الاتجاه".

ويتوقع ويلكه أن تقضي السعودية، من خلال إجراءات تقييد حرية الصحافة والتعبير، على كل الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة لضمان حرية رأي نسبية في الصحف ووسائل الإعلام السعودية، مضيفاً أن "هناك فترة في السنوات الأخيرة لغاية 2009 كان من الممكن فيها لبعض المفكرين الأحرار أن يعبروا عن آرائهم بشكل مباشر، ولكن الآن رجعت المملكة إلى الوراء بشكل كبير".

من جهته يشير عبد العزيز الخميس، الناشط الحقوقي السعودي المقيم في لندن، في حديثه مع دويتشه فيله، إلى أن الثورات في سوريا وليبيا أثرت بشكل عكسي على تطور حركة الاحتجاج السعودية، وذلك بسبب فقدان هذه الثورات لديناميكيتها وتعثرها، مما أدى إلى ازدياد ثقة النظام السعودي بنفسه، على حد قوله.

ويضيف الخميس بالقول: "(تعثر الثورات) أوجد حالة من الاطمئنان وازدياد الفكر القمعي وتقييد الحريات في مسألة الإعلام، بحيث أجريت تعديلات ستقلّم أظافر أي رأي حر مناهض للدولة وللحكومة ولتوجهاتها، ومطالب بحريات أكثر وأدوات للتعبير عن الرأي. هذه التعديلات أتت لتوجيه رسالة للناشطين من المدونين والكتاب والصحفيين مفادها أن يتنبهوا جيداً إلى أن آلة القمع والاحتجاز ومصادرة الرأي ستكون قوية وفعالة ضدهم".

 بن لادن مات فكرياً قبل أن يموت جسدياً

وقد يتبادر إلى الذهن محاولة بعض الأنظمة التي تعاني من ثورات اللعب على وتر الإرهاب بهدف تجريم حركات الاحتجاج الشعبية وإخافة من يحاول الانضمام إليها، وللحصول على مبرر لاستخدام كافة وسائل القمع لصدّ هذه الاحتجاجات. لكن السعودية حالة خاصة، فالإرهاب فيها قد يتحول إلى "محرك" لدفع عجلة التغيير والإصلاح، كما يعتقد الباحث الألماني كريستوف ويلكه.

ويشرح ويلكه: "إذا ما نظرنا إلى السعودية إلى الفترة ما بين عامي 2003 و2004، وهي الفترة التي شهدت سلسلة من التفجيرات الإرهابية، فإن هذه التفجيرات شكلت دفعة لعدد من الناشطين الحقوقيين والسياسيين الليبراليين والإسلاميين لكي يطالبوا الحكومة بالتغيير، بحجة أن هذا الإرهاب جاء نتيجة رفض إجراء إصلاحات في التعليم الديني. من الممكن أن نشهد هذه الموجة من المطالبة بالتغيير مرة أخرى من قبل الإصلاحيين"، خصوصاً بعد الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

إلا أن عبد العزيز الخميس لا يرى في الإرهاب أو في مقتل بن لادن دافعاً للتغيير في المملكة، وذلك بسبب "اضمحلال تأثير القاعدة وتأثير التيارات التكفيرية ومناهضتها ليس فقط من قبل الحكومات، بل من قبل المجتمعات التي تبحث عن السلم والتعددية والحريات أكثر مما تبحث عن وجود أنظمة شمولية تفكيرية إسلامية متشددة. وبالتالي انتهاء بن لادن كجسد سبقه انتهاء بن لادن فكرياً و(انتهاء) القاعدة كتيار عارم وشامل تأثرت به الأوطان العربية لفترة من الزمن ودفعت ثمن هذا التأثر".

عودة إلى القمع والرهان على الشباب

ويضيف الحقوقي السعودي أن إغداق الأسرة الحاكمة الأموال على الشعب، وخاصة بعض الفئات المحرومة، ساهم في إخماد أي تحرك شعبي يمكن أن يشكل نواة لحركة احتجاجية على غرار ما يحصل في سوريا أو ليبيا. كما تصور الحكومة السعودية تصوير الاحتجاجات في المنطقة الشرقية على أنها محاولة لإثارة النعرات الطائفية، لاسيما وأن معظم المتظاهرين هم من الشيعة، الذين يسكن معظمهم المناطق الشرقية.

ويتفق كل من عبد العزيز الخميس وكريستوف ويلكه على أن المملكة العربية السعودية مقبلة على مرحلة تعود فيها إلى حقبة قمع الرأي الحر واضطهاد المؤسسة الدينية المتشددة لكل من يعارض آراء مؤسسة الحكم – تلك الحقبة التي سادت في تسعينات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي. لذلك يتوقع عبد العزيز الخميس أن سقوط المؤسسة الدينية في السعودية سيكون مفتاح تفكك منظومة الحكم الشمولية هناك.

ويضيف الخميس: "الرهان الآن هو على الشباب في المنطقة لكي يقوموا بتحرك جيد وفعال للمطالبة بحقوقهم، وهم يعلمون جيداً أن ثنائية الحكم – الدين والعائلة الحاكمة – لن تسير بهم إلى الطريق القويم كدولة مؤسسات تضمن التعددية والحقوق لكافة أفرادها، وتضمن مستقبل اقتصادي وسياسي جيد للشعب".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/آيار/2011 - 7/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م