تونس... مخاض ما بعد التغيير وصراع الايدولوجيا السياسية

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: يبدو ان التغيير لن يكون سهلاً في تونس (كما اعتقد الكثير) مقارنة بدول عربية اخرى عانت وتعاني ظروف قاسية أثناء وبعد التغيير مثل مصر واليمن وليبيا والبحرين، خصوصاً بعد دخول الإسلاميين على خط التغيير في تونس، ومناداتهم بالعديد من المطالب التي كانت طي الكتمان في الماضي.

ان التغيير الذي سيكون بانتظار تونس لن يكون ميسوراً وهي تتنازع هذا التغيير بين هويتين، إحداهما علمانية والأخرى إسلامية، فتونس ومنذ زمن بورقيبة من الدول المتشددة في علمانيتها حيث كان يعتبر بورقيبة ان الاسلام هو الخطر الاكبر على الدولة التونسية ويرمز الى الحجاب بأنه خرقة بالية، وقد أكمل بن علي المشوار بحظر الأحزاب والحركات والتجمعات الإسلامية ومنع ومحاربة الحجاب واعتقال ونفي الالاف من الإسلاميين.

اما اليوم وبعد ان هرب بن علي الى غير رجعة وفتح الطريق للحرية والديمقراطية وثنيت الوسادة للحركات الاسلامية في التعبير عن رائيها والمطالبة بحقوقها والمشاركة في الانتخابات وتعديل الدستور، برز صراع جديد ربما كان مؤجلاً الى حين بين الاسلاميين الطامحين الى التغيير الاسلامي وبين العلمانيين اصحاب الثقل السياسي الاقوى والذين لن يقبلوا مثل هكذا تغيير في تونس، ولعل الايام القادمة محملة بالكثير من الاحداث التي كان اولها ماصرح به فرحات وزير الداخلية التونسي السابق.

مظاهرات وتحذير من انقلاب

فقد تسبب وزير داخلية تونسي سابق في اندلاع احتجاجات عندما حذر من قيام موالين للرئيس المخلوع بانقلاب اذا تولى الإسلاميون السلطة في الانتخابات التي ستجري في 23 يوليو تموز، وأثارت الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في يناير كانون الثاني بعد 23 عاما في السلطة توترا بين الموالين والمعارضين للاسلاميين في تونس، وتقول حركة النهضة الاسلامية التي يتزعمها راشد الغنوشي وهي الجماعة الاسلامية الرئيسية في تونس التي كانت محظورة في عهد الرئيس بن علي انها ستخوض الانتخابات، ويقول خبراء انها يمكن ان تحقق نتائج طيبة ولاسيما في الجنوب المحافظ حيث يوجد استياء شديد بسبب الفقر والبطالة، وقال فرحات الراجحي الذي تولى لفترة قصيرة منصب وزير الداخلية بعد الانتفاضة في تسجيل نشر على موقع فيسبوك "في حال فوز النهضة في الانتخابات فسيتم تنفيذ انقلاب عسكري"، وقال ان "سكان الساحل" غير مستعدين للتخلي عن السلطة واذا سارت الانتخابات في مسار ضدهم فانه سيكون هناك انقلاب، وتشير عبارة "سكان الساحل" الى الموالين لبن علي الذين توجد قاعدة قوتهم في البلدة التي ولد فيها والمنطقة المحيطة بها وهي مدينة سوسة الساحلية،  وهرب بن علي الى السعودية في يناير. بحسب رويترز.

ونأت الحكومة بنفسها في وقت لاحق عن هذه التصريحات لكن ليس قبل ان يتجمع المحتجون في وسط العاصمة التونسية وفي مدن للمطالبة باستقالتها بسبب تسجيل الفيديو، وقال البعض ان الحكومة تحاول استخدام التهديد بالانقلاب لاجهاض الخطوات التي تستهدف وضع تونس على طريق الديمقراطية، وقالت عزة تجيني وهي واحدة من مئات المتظاهرين في العاصمة انه توجد بالفعل العديد من المشاكل في تونس وان تسجيل الراجحي الذي اذيع هو مجرد الشرارة وان الثورة لم تنته بعد، وقال شهود لرويترز انه خرجت مظاهرات احتجاج أيضا في مدن صفاقس والقيروان وسوسة وان المتظاهرين رددوا شعارات "ارحلوا ارحلوا لانريدكم يا حكومة السبسي"، وقالت الحكومة انها "اندهشت" لتصريحات الراجحي، ونقلت وكالة الانباء التونسية عن المتحدث معز سيناوي قوله انهم ينشرون معلومات كاذبة لاثارة الشكوك والتأثير على الامن العام والتلاعب بمشاعر المواطنين، وقال مسؤولون من حركة النهضة انهم يستبعدون وقوع انقلاب، وقال نور الدين بحيري المسؤول بحركة النهضة ان لديهم ثقة في كل عناصر الدولة وفي الناس لاحترام ارادة الشعب، وستجري انتخابات يوليو تموز لاختيار برلمان يعد دستورا جديد، وعين الراجحي وزيرا للداخلية بعد الثورة وتم تغييره في مارس اذار.

ويذكر ان فرحات الراجحي وزير الداخلية السابق في الحكومة الانتقالية بتونس قال في تسجيل نشر على موقع فيسبوك ان الجيش سيقوم بانقلاب عسكري في حال فوز حركة النهضة الاسلامية في الانتخابات المقبلة وهو ما يهدد الثورة التي اطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير كانون الثاني، وأذيع الفيديو في وقت متأخر الليلة الماضية وفجر بسرعة جدلا كبيرا في البلاد التي تعاني اوضاعا امنية وسياسية هشة منذ هروب بن علي، وقال الراجحي الذي اقيل وعين الحبيب الصيد محله وزيرا للداخلية في التسجيل "في حال فوز النهضة في الانتخابات فسيتم تنفيذ انقلاب عسكري"، وفي اول رد فعل على هذا التصريح المثير للجدل قال نور الدين البحيري القيادي في حركة النهضة "حتى الان ليس هناك اي موقف رسمي في خصوص تصريح السيد الراجحي لكن ما اقوله انه لدينا الثقة في كل مكونات الدولة والشعب وانه سيتم احترام ارادة الشعب" في ما يبدو انه استبعاد لامكانية حدوث انقلاب عسكري.

من جهته قال العجمي الوريمي وهو ايضا قيادي بالحركة التي ظلت محظورة لنحو 22 عاما في عهد بن علي قبل الاعتراف بها بعد 14 يناير ان الفريق أول رشيد عمار رئيس أركان الجيش "تعهد بحماية الثورة امام الشعب التونسي ولدينا الثقة ان تجري الامور في كنف من المناخ السلمي"، ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من مسؤولين بالجيش التونسي.وأثارت تصريحات الراجحي فور نشرها على الفيسبوك تعليقات كثيرة في الاوساط السياسية وعلى شبكة التواصل الاجتماعي حيث حذرت مجموعات من قيادة البلاد الى مصير مجهول في الفترة المقبلة اذا صح كلام الوزير السابق، واتهم الراجحي مسؤولين سابقين ينحدون من منطقة الساحل التونسي بانهم لا يريدون ان يسلموا السلطة وبانهم يسعون للاحتفاظ بها مضيفا "سيفوز جماعة النظام السابق بنسبة 90 بالمئة في الانتخابات المقبلة"، ومضى يقول في تصريح لم يتسن التأكد من صحته "بلغتني معلومات بانهم جهزوا حافلات مملؤة بالنقود لتوزيعها على الناخبين"، وقال الراجحي ان كمال لطيف وهو شخصية سياسية معروفة يدير الحركة السياسية في الكواليس وانه وراء تعيين كل المسؤولين بمن فيهم رئيسا الوزراء الحالي الباجي السبسي والسابق محمد الغنوشي، واضاف "كمال لطيف هو وراء تعيين السبسي والغنوشي وهو وراء كل شيء"، ومن المقرر انتخاب مجلس تأسيسي في 24 يوليو تموز المقبل لصياغة دستور جديد.

الفصل بين الدين والدولة

الى ذلك قال وزير الشؤون الدينية في الحكومة التونسية المؤقتة انه من غير المرجح أن تطلق الثورة التونسية التشدد الاسلامي في دولة لديها تقاليد علمانية ولكن يتعين على الزعماء المسلمين تجنب خلط الدين بالسياسة، وتشهد تونس أكثر الدول تقدما في شمال أفريقيا تغيرا مستمرا منذ الاحتجاجات التي أنهت قبل اشهر 23 عاما من حكم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي مما أشعل انتفاضات في أرجاء العالم العربي، حيث يخشى محللون من ان القاعدة قد تستفيد منه، وقال العروسي الميزوري وزير الشؤون الدينية في الحكومة التونسية المؤقتة ان البلاد شهدت بعد ثورة 14 يناير كانون الثاني تغييرا على جميع المستويات بما في ذلك المجال الديني، وقال ايض، انه لا توجد اليوم قيود على الخطب في المساجد ولكن لا يجب أن تصبح المساجد منابر لايديولوجية سياسية، وأضاف أن الحكومة تعول على الجميع في ابقاء المجتمع التونسي "منفتحا ومتسامحا"، وتزايدت التوترات الدينية في الدولة المتوسطية الهادئة عادة حيث أغلقت احتجاجات مناهضة للاسلاميين وسط العاصمة تونس بعد موجة من المظاهرات المؤيدة للاسلاميين. بحسب رويترز.

كذلك أثار مقتل كاهن وأنباء عن تهديدات ضد الطائفة اليهودية الصغيرة العدد في تونس مخاوف بين التونسيين المعتدلين الذين أقلقهم أن الفراغ الامني بعد الثورة قد يشجع الجرائم ذات الدافع الديني، وقال الميزوري انه يعتقد أن "التعايش بين جميع الديانات في تونس" سيستمر دائما وان الاقلية المسيحية والاقلية اليهودية ستتمتعان دائما بالاحترام في تونس، وأضاف أنهما كاتنا دائما وستظلا "جزءا من المجتمع التونسي"، من جهتها سارعت السلطات التونسية الى القاء مسؤولية مقتل كاهن بولندي عثر عليه مذبوحا على جماعة ارهابية متطرفة لكنها تراجعت عن ذلك في وقت لاحق بعد أن أثبتت الادلة أن الجريمة كانت بدافع الانتقام الشخصي، ونددت حركة النهضة التونسية الجماعة الاسلامية الرئيسية في تونس التي يتزعمها رجل الدين المعتدل راشد الغنوشي بالقتل، وطلبت الجماعة التي ظلت محظورة طوال 20 عاما في عهد بن علي الحصول على ترخيص لتشكيل حزب سياسي أملا في التنافس في الانتخابات القادمة، وقال محللون ان أي محاولات لتهميش حركة النهضة التي يجري تشبيهها بحزب العدالة والتنمية التركي وهو حزب اسلامي معتدل قد تأتي بنتائج عكسية بدفع حركة النهضة الى مواقف أكثر تشددا وتشجيع المتشددين الذين يسعون الى يكون لهم موطئ قدم في البلاد.

ولم تمنح الحكومة المؤقتة بعد رخصة لحركة النهضة وتعكف الحكومة على اعادة صياغة دستور البلاد قبل الانتخابات المأمول ان تجرى قبل يوليو تموز أو أغسطس اب القادمين، وقد يقدم انتقال ناجح للديمقراطية نموذجا لدول أخرى في المنطقة تواجه انتفاضات، وتخلى الرئيس المصري حسني مبارك عن الرئاسة في 11 فبراير شباط الماضي بعد انتفاضة استلهمت الانتفاضة التونسية بينما تضغط انتفاضات حاشدة على حكومات أخرى من بينها الحكومة الليبية، ولكن من شأن زلة خطيرة في تونس أن تمهد الطريق لاضطرابات دينية دائمة وهي قضية ليست هينة بالنسبة لدولة تشغل فيها السياحة جانبا مهما من الاقتصاد أو بالنسبة لمنطقة لا تزال فيها الديمقراطية موضع اختبار، وقال وليام بيرنز نائب وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون للصحفيين في تونس انه يتوقع أن تكون تونس قادرة على تجنب تهديد القاعدة اذا نجحت في اجراء انتخابات حرة ونزيهة، وقال بيرنز "دور القاعدة في (منطقة) المغرب شيء يثير قلق الجميع، ولكن لدي ثقة في قدرة الشعب التونسي على النجاح، "ان موجة التغيير الديمقراطي التي تجتاح المنطقة هي الترياق الاقوى في نهاية المطاف للتحدي الذي يشكله المتطرفون الذين ينتهجون العنف".

زعيم حركة النهضة الاسلامية

من جهته قال رشيد الغنوشي زعيم حركة النهضة الاسلامية التونسية انه سيتنحى من منصبه ويحل محلة شخص اخر في وقت لاحق من هذا العام، وعاد المفكر الاسلامي الغنوشي الذي يناصر حقوق المرأة والديمقراطية الى تونس بعد الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي بعدما قضى 20 عاما في المنفى، ويثير رحيل الغنوشي المزمع الشك في مستقبل زعامة حركة النهضة التي من المتوقع أن تكون قوة سياسية مؤثرة في الانتخابات المقبلة في الدولة الواقعة في شمال افريقيا وتقطنها أغلبية مسلمة، ويذكر ان الغنوشي  قال "انه سيترك زعامة حركة النهضة قريبا لانه لا يريد تولي أي مهام سياسية في أي قطاع من الحكومة، "واضاف "بقوله ان حركة النهضة ستنتخب زعيما جديدا في مؤتمر مزمع عقده هذا العام"، وتمر تونس أكثر دول شمال افريقيا نموا بحالة تغير مستمر منذ الاحتجاجات التي انهت 23 عاما من حكم بن علي يوم 14 يناير كانون الثاني مما أثار اضطرابات في كل انحاء العالم العربي ويخشى بعض المحللين أن يكون ذلك في صالح المتشددين الاسلاميين، وطلب الغنوشي من حكومة تونس المؤقتة الحصول على تصريح لاعادة حركة النهضة كحزب سياسي قبل الانتخابات التي من المقرر ان تختار من يحل محل بن علي الذي حظر الحركة بسبب مزاعم أنها تسعى لقلب نظام الدولة العلمانية، ولم توافق بعد الحكومة الانتقالية على ترخيص حركة النهضة وتعمل على اعادة كتابة دستور البلاد قبيل الانتخابات التي يأمل أن تجرى في يوليو تموز أو أغسطس اب، وكان الغنوشي قد اكد في وقت سابق هذا الشهر انه لا يعتزم خوض انتخابات الرئاسة. بحسب رويترز.

كما قال الزعيم الاسلامي التونسي الغنوشي ان الاسلاميين في تونس استبعدوا من الحكومة المؤقتة داعيا الى حكومة تضم جميع الاحزاب وتفكيك دولة زين العابدين بن علي البوليسية، واستقبل الاف الاسلاميين الغنوشي عند عودته من المنفى فيما يشير الى أن حزب النهضة الذي يتزعمها ستصبح قوة كبيرة في تونس بعد أن أطاحت احتجاجات استمرت أسابيع ببن علي الذي فر من البلاد في 14 يناير كانون الثاني، وتقدم حزب النهضة الذي ظل محظورا ما يزيد على 20 عاما للحصول على رخصة، وسيشارك في أول انتخابات حرة في تونس رغم أن الغنوشي تعهد بألا يرشح نفسه لاي منصب، وقال الغنوشي ان حركته لم تدع للمشاركة في الحكومة أو تستشر بشأن تشكيلها مضيفا أنه لا يعرف من شكلوها ومن اختاروا أعضاءها وما هي سلطاتهم وأمام من يسألون، وأضاف أنه يدعو الى حكومة تحالف وطني تضم أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني مثل الاتحاد العام للشغل والمحامين وجماعات حقوق الانسان ويقول انهم لا يريدون حكومة مفروضة كالحكومة الحالية.

وأجرت تونس تعديلين على الحكومة منذ الانتفاضة التي أطاحت بحكم بن علي الذي دام 23 عام، وأبقى أول تعديل أدخل على الحكومة بعد فرار بن علي الى السعودية على كثير من وزراء حزبه الحاكم السابق وفشل في اقناع المحتجين الذين طالبوا بتعديل أكثر شمول، واعلن تشكيل ثان في 27 يناير كانون الثاني خرج منه كل اعضاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابق، ويضم حزبين سياسيين معارضين واستبعد منه حزب النهضة وعدة معارضين علمانيين لبن علي، وقال الغنوشي ان التجمع الدستوري "مات" بالفعل ولكن شبكته الواسعة من الجواسيس والشرطة والامن الداخلي ما زالت تعمل في تونس وتعمل ضد الثورة، وتابع ان تفكيك هذه الدولة الموازية أولوية لحزب النهضة وكذلك مراجعة القانون التونسي لارساء الديمقراطية والحيلولة دون صعود أي رجل قوي اخر، واضاف ان هناك دولة أخرى لا تزال موجودة هي دولة الامن السياسي ويجب تفكيكها وتفكيك آلة القمع التي تملكها وقوانينها ومؤسساتها وثقافتها لتحقيق ديمقراطية تعددية، وقال ان حركته لا تريد نظاما رئاسيا يركز السلطة في يد الرئيس وانما تريد نظاما برلمانيا ينشر السلطة على نطاق واسع ويبقي على الرئيس كرأس رمزي للدولة، والغنوشي من علماء الاسلام ويتمتع بالاحترام على نطاق واسع ويدعو منذ فترة طويلة الى أن الاسلام يتفق مع الحداثة والديمقراطية التعددية.

ويقول ان حزب النهضة أقرب شبها بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من جماعة الاخوان المسلمين التي تتبنى نهجا اكثر تشددا في مصر، ولكن عودة الغنوشي من المنفى أزعجت بعض التونسيين الذين يريدون الفصل بين الدين والدولة، وقال الغنوشي ان حزب النهضة يؤمن بالحريات الفردية وحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، وأضاف أن هناك دولا تجبر المرأة على ارتداء ملابس معينة باسم الاسلام ودولا تحظر على المرأة ارتداء ملابس معينة باسم الحداثة مثل تونس وان حزب النهضة يعارض الامرين، ومضى يقول ان حزبه مع حرية المرأة في أن تقرر ما تلبسه وتختار شريكها في الزواج ولا تجبر على أي شيء، وكانت تونس دولة علمانية على مدى عقود، واعتبر الحبيب بورقيبة زعيم الاستقلال الاسلام خطرا على الدولة ووصف الحجاب بأنه خرقة بالية، وقمع بن علي حزب النهضة بعد أن حصل رسميا على أكثر من 15 في المئة من أصوات الناخبين في انتخابات عام 1989 ونفى أعضاءه وسجنهم، ويقول محللون ان حزب النهضة قد يحصل اليوم على ما يتراوح بين 35 و40 في المئة من الاصوات وهي نسبة قريبة مما قد يكون حصل عليه بالفعل في انتخابات عام 1989 التي شابها تزوير، وقال الغنوشي ان من السابق لاوانه حساب عدد أتباع النهضة الان أو نسبة الاصوات التي قد يحصل عليها.

وكان النساء اللاتي يرتدين الحجاب يحرمن منذ فترة طويلة من الحصول على التعليم والوظائف في تونس وكذلك يتعرض الرجال الذين يواظبون على أداء الصلاة في المسجد للاعتقال على أيدي الشرطة بشكل متواتر، وحسب تقديرات الغنوشي سجن حوالي 30 الفا من أعضاء النهضة على مدى السنين ودعا الى تعويض جميع التونسيين الذين تعرضوا للاضطهاد، وقال الغنوشي ان حركة النهضة لا تسعى الى جعل الدستور التونسي الذي ينص على أن تونس دولة عربية واسلامية أكثر اسلامية ولكنها تسعى الى جعله أكثر ديمقراطية، وقال ان الدستور فصل على مقاس حاكم مستبد، وكل الصلاحيات تتركز في يديه وهو فوق أي مساءلة فهو رئيس القضاء ورئيس السلطة التنفيذية ويسيطر على كل شيء، وأضاف هذه الثورة يجب أن تفكك النظام الاستبدادي بدءا بالدستور بما في ذلك القوانين التي تقيد وسائل الاعلام والاحزاب والجماعات والانتخابات.

حزب تونسي جديد 

في سياق متصل اعلن عبد الفتاح مورو احد مؤسسي حركة النهضة الاسلامية في تونس انه بصدد اجراء مشاورات لتشكيل حزب سياسي جديد وذلك غداة "استبعاده وثلاثة قياديين اخريين" من الحركة، ويطمح "حزب التحرير" الاسلامي التونسي الذي تقدم بطلب للاقرار به رسميا الى اقامة نظام مبني على الشريعة الاسلامية غير انه لا يستبعد اللجوء الى "التمرد والعصيان المدني"، وقال رضا بلحاج الناطق الرسمي للحزب خلال مؤتمر صحافي "نعمل من اجل نظام قائم على الشريعة ومن اهدافه اعادة احياء الخلافة" معتبرا ان "مصيبة الامة في ازالتها (الخلافة)"، وراى الحزب ان "الاسلام هو الحل الانسب للمشاكل في تونس ما بعد بن علي"، وفي حين اعتبر ان "العمل المادي (العنف) لا يجوز لاقامة الدولة الاسلامية"، راى ان "لانضاج الامة يمكن اللجوء الى التمرد والعصيان المدني"، واشار الى ان "في الاسلام من حق الامة ازالة الحاكم حتى بقوة السلاح".

من جهة ثانية دان حزب التحرير النقاش الدائر في تونس حول مكتسبات المراة في تونس التي يحظر فيها تعدد الزوجات، واعتبر "من يطرح موضوع المساواة مثلا في قانون الميراث يريد تهديم المجتمع"، ومن المتوقع ان يخوض الحزب الانتخابات المقبلة المتوقعة اجراءها في 24 تموز/يوليو وذلك "لتمثيل الشعب" غير انه " لن يشارك في التشريع (اصدار القوانين) لان ذلك هو نوع من الاستعباد" حسبما اوضح الامين العام عبدالمجيد حبيبي معتبرا "الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع"، وذهب الحبيبي الى حد القول بانه الحزب "سيمنع الاحزاب الاخرى من التواجد في حال وصوله الى سدة الحكم" رافضا الدخول في "تحالفات مع قوى سياسية اخرى راى فيها "انها تمارس الانتهازية اوالنفاق، باسم اللعبة الديمقراطية" في اشارة غير معلنة الى حركة النهضة، وحزب التحرير في تونس هو احد فروع تكتل سياسي اسلامي يدعو الى اقامة دولة الخلافة الاسلامية وكان تاسس العام 1953. بحسب فرانس برس.

في المقابل، اعلن عبد الفتاح مورو احد مؤسسي حركة النهضة الاسلامية في تونس الخميس لفرانس برس انه بصدد اجراء مشاورات لتشكيل حزب سياسي جديد وذلك غداة "استبعاده وثلاثة قياديين اخريين" من الحركة، وقال مورو "ان مشاورات تجري لانشاء حزب سياسي وسطي اسلامي تونسي" موضحا انه تم "استبعاده مؤخرا من النهضة" التي كان امينها العام ورئيس مكتبها السياسي، واضاف "ان الحزب الجديد سيكون اكثر انفتاحا من النهضة على خلفية احترام الشخصية التونسية كما يعرفها الدستور واحترام الحريات الاساسية بما فيها حرية المعتقد"، وتابع انه تم استبعاده وثلاثة اخرين من المكتب السياسي للحركة وهم بن عيسى الدمني فاضل البلدي وعبد المجيد النجار من قائمة الهيئة التاسيسية للنهضة التي قدمت في شباط/فبراير الماضي الى وزارة الداخلية للحصول على الاعتراف القانوني.

تظاهرة للأصولين الاسلاميين 

بدورهم تظاهر بعد صلاة الجمعة في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة التونسية وسط اجراءات امنية مشددة، بضع مئات من الاصوليين الاسلاميين رافعين شعارات تدعو الى "فرض" الحجاب والنقاب وحرية الممارسة الدينية ورفض العلمانية، واكد عدد من المشاركين في التظاهرة انه لا علاقة لهم بحزب النهضة الاسلامي المعترف به او حزب التحرير المحظور، وسار العديد من هؤلاء الملتحين في معظمهم والمرتدين لباسا غير معهود في الشارع التونسي، اقرب الى لباس الباكستانيين والافغان، وهم يرددون "واجب فرض الحجاب والنقاب" و "لا للعلمانية" و "الشعب مسلم ولا يستسلم" كما رددوا تلبية الحجاج (لبيك اللهم لبيك)، وطالبوا خصوصا باقامة "مصلى في كل مدرسة وكلية، وحرية الممارسة الدينية، والغاء قانون مكافحة الارهاب والمنشور 108" وهما قانونان استهدفا التصدي "للارهاب الاسلامي" واعتقل بموجبه عشرات الاسلاميين، ومنع ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات والادارات العامة.

وتفرق هؤلاء المتظاهرون دون حوادث فيما حلقت مروحية تابعة لقوات الامن في سماء العاصمة، وشهد الشارع ذاته كامل اليوم تظاهرة اخرى اقل حجما طغى عليها الحضور الشبابي مناهضة لحكومة رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي ومطالبة بمحاكمة سريعة لرموز الفساد المالي والسياسي في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وكانت السلطات التونسية الانتقالية مؤخراً انه سيتم تعديل القوانين السارية في تونس بغرض السماح بتسليم "بطاقة التعريف الوطنية" للمواطنات التونسيات المحجبات وذلك في سياق "الاحترام الفعلي للحريات العامة والفردية"، واوضحت وزارة الداخلية في بيان نقلته وكالة الانباء التونسية انه سيتم في الايام القليلة المقبلة تعديل احد فصول قانون صادر سنة 1993 "والاقتصار على (وجوب) اظهار الوجه والعينين" في الصورة الملصقة ببطاقة الهوية وهو ما يعني قبول صور المحجبات، واضافت الوزارة ان "هذا الاجراء يندرج في اطار الاصلاحات المتواصلة من اجل تكريس مبادىء الثورة المجيدة وضمان الاحترام الفعلي للحريات العامة والفردية"، وكانت الوزارة سمحت في شباط/فبراير الماضي بتسليم بطاقات الهوية للملتحين، وكان معارضون ومنظمات حقوق انسان نددوا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بالتضييق على مرتديات الحجاب الذي كان يطلق عليه "الزي الطائفي"، واعتبرته "انتهاكا للحياة الشخصية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/آيار/2011 - 6/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م