المصالحة الفلسطينية من إرادة التوقيع لإرادة التنفيذ

د. إبراهيم أبراش

إن كان التوقيع على صفقة المصالحة احتاج لإرادة فلسطينية ومصرية فإنها عند التنفيذ تحتاج لإرادة أقوى، كما ستظهر إرادات أطراف أخرى ستعمل على إعاقة إنجاز المصالحة أو توجيهها بما يخدم مصالحها.

و إن كان صحيحا القول بأن الشيطان يكمن في التفاصيل فصحيح أيضا أن الشيطان يكمن في الإرادات، فهناك فرق بين الإرادة الظاهرة والإرادة الخفية. أيضا إن كان التوقيع يحتاج فقط لتوافق الأحزاب فإن التنفيذ يحتاج لمشاركة الشعب في كل خطوة من خطوات التنفيذ.

أخيرا تم توقيع اتفاق مصالحة فلسطينية مما ترك بشائر أمل وفرحة عند الشعب الفلسطيني مع بعض القلق حول التنفيذ، والشعب الفلسطيني معذور في فرحته الحذرة وقلقه الدائم نتيجة تجارب سابقة أثبتت أن التوقيع وحده لا يكفي، إلا أن ما سمعناه من كلمات الرئيس أبو مازن والسيد خالد مشعل في حفل التوقيع في القاهرة يبدد كثيرا من الخوف ويحيي أملا بطي صفحة الانقسام ولو تدريجيا وجزئيا، ذلك أن ما قال به السيد خالد مشعل كان بمثابة رؤية جديدة متكاملة تطابقت تقريبا مع رؤية الرئيس أبو مازن ورؤية بقية فصائل منظمة التحرير سواء من حيث مفهوم الدولة أو الالتزام بالشرعية الدولية أو منح فرصة للسلام أو مفهوم المقاومة، أيضا كان في خطاب الرئيس أبو مازن نوع من إعادة تقييم النهج السابق واستعداد لطي صفحة الماضي، ولسنا في وارد البحث عن أسباب التغيير في المواقف فالمهم أنه تغيير وتقارب يخدم المصلحة الوطنية.

كان التوقيع حبل خلاص لحركتي فتح وحماس ولسلطتيهما من مأزق وجودي يعيشه كل منهما، وكان بمثابة اعتراف غير معلن من كل الأطراف بخطأ وخطورة المراهنة على أطراف خارجية تحت أي مبررات أيديولوجية أو سياسية أو مصلحية، وكان اعترافا بخطأ محاولة كل طرف التفرد بإستراتيجية لن تنجح إلا كإستراتيجية عمل وطني – تفرد حماس بخيار المقاومة وتفرد فتح بخيار التسوية -، كان التوقيع بمثابة عودة للوطنية الفلسطينية التي تم تشويهها والإساءة لها، عودة لروح الوطنية الكامنة عند كل قائد فلسطيني وكل حزب وحركة وكل مواطن فلسطيني، ولِمَ لا وقد كانت الوطنية جوهر كل الثورات العربية القائمة اليوم والتي تحررت من كل الإيديولوجيات التي قسمت الأمة لعقود طويلة.

الأرضية الوطنية لاتفاق المصالحة يؤسس لمرحلة فلسطينية جديدة تُدمج كل الأيديولوجيات في الوطنية الفلسطينية، أو توطن الأيديولوجيات، وطنيةُ تخضع كل الارتباطات الخارجية للمشروع الوطني الذي يتم إعادة تشكله اليوم.

مع تمنياتنا أنه بمجرد التوقيع تم طي ملف الانقسام إلى الأبد، إلا أنه يجب الحذر في المرحلة القادمة، لأن ما تم هو بداية مشوار قد يطول حيث كثير من الأطراف الداخلية والخارجية المستفيدة من الانقسام ستحاول إعاقة تنفيذ بنود الصفقة.

لا نقصد من كلامنا هذا التقليل من أهمية ما جرى أو تبديد التفاؤل بل تحصين المصالحة بالوعي بدقة المرحلة وصعوبة الملفات العالقة وخطورة ما يمكن أن تُقدِم عليه إسرائيل لإفشال المصالحة، الوعي الشعبي والإرادة الحزبية وخصوصا عند حركتي فتح وحماس ضروريان في كل مرحلة من مراحل تنفيذ بنود الاتفاق، فالإرادة عند التنفيذ أهم من إرادة التوقيع بل إن المحك العملي على صدق النوايا بالمصالحة تكمن في إرادة التنفيذ وليس إرادة التوقيع.

الحاجة لإرادة التنفيذ ضرورية في كل مرحلة من مراحل تنفيذ الاتفاق بدءا من تشكيل الحكومة حيث ستُطرح إشكالات حول شخص رئيس الوزراء والوزراء وحول برنامج الحكومة وهل يحتاج البرنامج لقبول الرباعية وإسرائيل أم سيكون برنامج محدد الصلاحيات بدون رؤية سياسية؟ وما بعد الاتفاق على تشكيل الحكومة، هل ستُعرض على المجلس التشريعي لأخذ الثقة؟ وما مرجعية الحكومة هل هي المجلس التشريعي؟ أم الرئيس؟ أم اتفاق المصالحة والقيادة المصرية راعية المصالحة؟ وإن تم إعادة انعقاد المجلس التشريعي بكل أطيافه فهل سيمارس صلاحياته بأثر رجعي فيطالب بعرض قرارات سابقة عليه لتكتسب الشرعية؟ أم ستبدأ صلاحياته الفعلية من يوم توقيع اتفاق المصالحة أو من يوم انعقاده بعد تشكيل الحكومة الجديدة؟ وإن طالب المجلس التشريعي بممارسة صلاحياته متذرعا بالقول بان صلاحيته لم تنتهي ألا يعني ذلك سقوط مقولة الرئيس منتهي الولاية وبالتالي على الرئيس ممارسة صلاحياته كاملة في الضفة وغزة والشتات كرئيس الشعب الفلسطيني ورئيس السلطة لحين انتخاب رئيس جديد؟

وهل سيتم حل الحكومة المقالة في غزة وحكومة تسيير الأعمال في الضفة؟ أم سنكون أمام ثلاث حكومات: حكومتان فعليتان تحكمان وحكومة شكلية لا تحكم؟ وهل ستسمح إسرائيل للوزراء بالتنقل ما بين الضفة وغزة بحرية؟ أم سيقتصر نشاط الحكومة على غزة مما يكرس الانقسام؟ وماذا بالنسبة للموظفين وخصوصا في غزة فهل سيعودون لوظائفهم الآن أم بعد الانتخابات أم لن يعودوا أبدا؟ وهل ستكون ميزانية واحدة أم واحدة للضفة وأخرى لغزة؟ الخ.

وبالنسبة للجانب الأمني، ما هي صلاحيات حكومة التكنوقراط وعلاقاتها بالأجهزة الأمنية؟ هل ستخضع هذه الأجهزة لوزير الداخلية الجديد أم للحكومتين (السابقتين)؟ وإذا كان المتحاورون طوال سنوات لم يستطيعوا حل المشكل الأمني فهل ستنجح اللجنة الأمنية بحل المشكلة خلال أشهر؟ وماذا بالنسبة لسلاح الأحزاب وهل سنكون أمام المشكلة التي يواجهها لبنان بالنسبة لعلاقة سلاح المقاومة بالحكومة؟ وهل سيتم تفعيل الممر الآمن بين الضفة وغزة حتى يتحرك الوزراء ونواب التشريعي والمواطنون والبضائع بحرية بين الضفة وغزة أم ستتحكم إسرائيل بكل حركة وبالتالي توجه الأمور بما يعزز الانقسام؟ الخ.

هذه تحديات ستواجه المصالحة خلال السنة الانتقالية لحين إجراء الانتخابات. وفي حالة تجاوز إشكالات السنة الأولى فهل ستجرى الانتخابات بالفعل بعد سنة من تشكيل الحكومة؟ وهل ستقبل كل الأطراف بإعادة تشكيل المنظمة وقبول نسبة تمثيلهم في مؤسسات المنظمة بناء على نتائج الانتخابات القادمة؟ وما هو ميثاق المنظمة الجديد؟ .

هذه تساؤلات نطرحها لأن الجمهور يطرحها ونتمنى أن يكون المتحاورون اتفقوا على كل أو غالبية التساؤلات السابقة و بالتالي لن تكون إشكالات عند التنفيذ، وإن كنا نطرح هذه التساؤلات فلكي نهيئ المواطنين لمرحلة جديدة عليهم المشاركة بها وإنجاحها بجهودهم وعدم الجلوس كمراقبين لحين إنجاز المصالحة نهائيا، فالأحزاب والحكومة القادمة بحاجة لكل جهد شعبي لاستكمال مشوار المصالحة الوطنية.

بتوقيع اتفاق المصالحة ندخل مرحلة بل معركة جديدة تحتاج منا جميعا خوضها لأنها معركة مصيرية ستحدد مستقبل النظام السياسي والمشروع الوطني، إنجاح المصالحة مسؤولية الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والشعب في الداخل والخارج، ولن يرحم التاريخ كل من يُعيق المصالحة أو يقف موقف المتفرج.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/آيار/2011 - 6/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م