الخوف صناعة عراقية.. فلماذا نحن خائفون؟

زاهر الزبيدي

عصاب الفوبيا أو الخوف كما يسمى.. يراودنا عن كل اللحظات الحلوة القليلة التي نتحمل من أجلها أنواع الشقاء كل يوم لتوفيرها بشق الأنفس وسط غابة من المشاعر التي تبدأ بالخوف والوجل والرعب والحذر والريبة والشك.. مشاعر مؤلمة كثير تطل علينا من نافذة العمر كل يوم ونحن سائرون على طريق حتفنا ليس لدينا أمل بالعودة من حيث أتينا.. ثقيلة تلك المشاعر التي تحيل يومك الى ركام أسود لم تعد قادراً، على ثقله، ان تبرمج وقتك أو أن تقدم ماعندك.. فالكثير من السلوكيات الخاطئة مردها الى عصاب الفوبيا هذا.

ما أن تتجول في شوارع بغداد حتى ترى الخوف شاخصاً على جباه وجوه العراقيون ليتخذ عدة أشكال مكونّاً خريطة واضحة من مساحة الخوف الظاهر والباطن في الصدور من كل شيء في الشارع وترى في عيوننا تلك النظرة التي لا تختلف كثيراً عن نظرة الشك فيك ويتبادل العراقيون تلك النظرات فيما بينهم.. فأنا أخاف ممن يقف بقربي وهو يخاف مني.. متبادل هذا الشعور نتدثر فيه ليلاً ونلبسه مع قمصاننا صباحاً ونحن متوجهون الى أعمالنا بل وحتى مع العطور الخجلي على صدورنا.. والخوف لدينا ماهو إلا زبدة السنين الماضية التي مرت علينا تداهمنا فيها جنود الشياطين وتطل على مخادع نساءنا.. والخوف ترتعد منه فرائصنا من فرط حرصنا على أطفالنا وأعراضنا فهو حالة غريزية تنتاب كل الكائنات الحية على الإطلاق أنساناً كان أم حيوان رغبة منها في الحفاظ على الجنس فأنت إن لم تخف ربما يتسبب ذلك بفناء جنسك.

وتلك الحالة الغريزية تظهر على قسمات الوجوه والسلوك الانفعالي الهجومي في بعض الأحيان وذلك كله بسبب الفزع المفاجئ الذي يراودنا بين الحين والأخر وأن حياتنا التي نعيشها يومياً ماهي إلا عبارة عن ضوضاء عالية مستمرة بنسق يعلو ويخبو حسب طبيعة المناطق التي نمر بها.. وجميع الأماكن لها ميزة تتفرد بها وهي الضوضاء التي تكاد لا تفارق سماء المدينة فالترددات التي منها تتسبب في إفراز العديد من السلوكيات الخاطئة فكل منا يحاول أن ينفث جام غضبه على أحد ما.. والأصوات العالية التي تتمثل بالصفارات القبيحة على أنواعها وأصوات الإطلاقات النارية والانفجارات التي تهتز منها القلوب والعقول وتتقطع منها الأجساد جميعها كان لها الأثر الكبير في نفوسنا.

وبما أن الموت عندنا لا يحتاج الى شيء إلا إلى رصاصة فقط تخرج من كاتم حتى تستقر في رأس أحدنا حيث لم تعد تميز المقتول رتب أو صنف عمل فالكل يقتلون والكل تداهمهم الرصاصات المكتومة أو اللواصق المحتومة فأن الخوف محتوم علينا هو الآخر حتى تنتهي تلك الحتمية المربوطة بأعناقنا تكبل كل شيء فينا وسوف لن نتخلص منها لسنين عديدة فهي إن فارقتنا فلا أرى أنها ستفارق أحلامنا وكوابيسنا.

وفي الشارع حيث يعج بأشكال السيارات الغربية ومنها ذات الدفع الرباعي يرمقني سائقها بطرف عينه بنظرة يشوبها الخوف والحذر الشديد بل وحتى العجرفة والتكبر والعلو أراه وكأنه ينظر الى نكرة وفي بعض الأحيان وأره أحياناً وقد اصفر وجهه كفعل فيزيائي جسماني يرافق الخوف.

وخوفنا لا ينفع لأزالته شيء من رقية أو دواء فقد تأصل بنا حتى جذور أجدادنا.. وبدأت انعكاساته السلبية تثيرها قسمات وجوهنا وتصرفاتنا اليومية وأفعالنا التي أصبحت لا إرادية وغير قادرين على التحكم بأصواتنا أو اخراج ابتسامة الصباح لرفاق العمل.

ونتساءل لماذا نحن خائفون.. خائفون لأن الخوف صناعة عراقية وخوف العالم أجمعه هرب منهم وأستقر هنا في العراق يبحث في صدورنا عن جحور له.. ينصب الفخاخ لأحلامنا ليطيح بغزالاتها السارحة فوق مروج الوطن عن أمل بأن تحقق وتُذهب بكل غصة حزن وعَبرة الم حُشرت في حناجرنا من أجل عزيز قتل أو طفل ذبح أو أمنية طال انتظارها حتى أصبحت تأريخاً يؤشر الى أننا كثيراً ما نحلم وكثيراً جداً ما تضيع أحلامنا.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/آيار/2011 - 5/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م