أي دور للمجتمع المدني ما بعد المصالحة

محسن أبو رمضان

لعب المجتمع المدني الفلسطيني دوراً هاماً في مناهضة الانقسام وتداعياته السياسية والاجتماعية والحقوقية على شعبنا، فقد قامت شبكة المنظمات الأهلية بتشكيل الحملة الوطنية للدفاع عن الحريات العامة وإنهاء الانقسام والتي تتكون إلى جانبها من العديد من القوى السياسية التي تقع خارج دائرتي حركتي فتح وحماس والمنظمات الحقوقية العاملة في مجال حقوق الإنسان.

قامت الحملة بسلسلة من الأنشطة والفاعليات عبر اللقاءات الجماهيرية وعقدت المؤتمرات في كل من الضفة والقطاع سواءً بصورة منفردة او مشتركة بالمنطقتين، وأصدرت العديد من المواقف والبيانات وخلقت حراكاً بالرأي العام يهدف إلى إسماع صوت الأغلبية الواسعة بالمجتمع والمتضررة من حالة الاستقطاب والاحتقان والانقسام.

أكدت الحملة على أهمية وقف التدهور بالحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية وعليه فقد طالبت بصياغة خطاب إعلامي يبتعد عن الاستفزاز وعلى أهمية ضمان الحق بالتجمع السلمي ورفضت حالة السيطرة على المنظمات الأهلية والنقابية وأكدت على ضرورة الاستمرار باحترام حالة التعددية السياسية والفكرية، ورفضت بالمطلق ظاهرة الاعتقالات السياسية، تلك الظاهرة التي شكلت نقطة سوداء في صفحة العلاقات الوطنية الفلسطينية الداخلية.

كما عملت منظمات المجتمع المدني سواءً بصورة جماعية أو من خلال بعض الفاعلين بها من خلال اللجان التوافقية والتصالحية التي تشكلت بالوطن ومنها لجنة الوفاق والمصالحة الوطنية على تقريب وجهات النظر بين كل من حركتي فتح وحماس وقدمت العديد من المقترحات والأفكار وساعدت بجسر الهوة وذلك عبر مقترحات ووثائق كان لها دوراً هاماً باتجاه استجابة الطرفين إلى مبدأ التوافق والوحدة كبديل لحالة الانقسام السياسي والجغرافي المدمرة بالساحة الفلسطينية.

إن أي مجتمع مدني يتكون من أحزاب سياسية فاعلة والنقابات المهنية والمنظمات الأهلية والحقوقية، ولكن شريطة ان تتمتع تلك الأجسام بالاستقلالية وعدم التبعية للقوة السياسية المسيطرة على الحكم وشريطة الإيمان بقيمة الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، حيث ان العشائرية والجهوية والانغلاق الاثني او العرقي او الطائفي، لا يستقيم مع مفاهيم المجتمع المدني.

لقد قامت منظمات العمل الأهلي والحقوقي بدور هام باتجاه تعزيز قيم المسائلة والمشاركة والدعوة إلى إجراء الانتخابات الدورية والرقابية عليها بصورة شفافة ونزيهة، لضمان تحقيق نتائجها بصورة ايجابية، تضمن من خلالها عملية الانتقال الهادئ والسلمي للسلطة.

وعليه فقد ثمنت تلك المنظمات أجراء الانتخابات النيابية التي تمت في 25/1/2006 وأكدت على نزاهة العملية الانتخابية وطالب باحترامها وتمكين عملية الانتقال المنظم والسلمي للسلطة.

لقد لعبت عدة عوامل في إجهاض عملية التحول الديمقراطي في فلسطين والناتج عن إجراء الانتخابات كان منها شروط الرباعية الدولية الجائرة " الاعتراف بإسرائيل، الاتفاقات الموقعة، إدانة العنف والإرهاب " ومنها ثقافة الاستئثار وعدم الإيمان بآليات الشراكة السياسية، ومنها الربط ما بين السلطة والحزب السياسي، حتى يعتقد الأخير ان فوزه بالانتخابات يشكل ضمان لاستحواذه هو وأعضاؤه على السلطة في رؤية بعيدة عن آليات الفصل بين الحزب والحكم وبمبدأ الفصل بين السلطات في نفس الوقت، حيث تصبح كافة السلطات في أيدي الحزب الحاكم في منهجية بعيدة عن آليات سيادة القانون، وقريبة من ظاهرة العشائرية السياسية القائمة على الاستحواذ والسيطرة على السلطة بوصفها ثروة ومكانة، وليست كأداة لتحقيق رؤية الحزب السياسي ومن اجل خدمة مصالح المجتمع والمواطنين.

لقد أبرزت نتائج الانتخابات عام 2006 وما تبعها تبدلاً هاماً في توازنات القوى السياسة والمجتمعية فالعديد من الأحزاب والفصائل لم تجتز نسبة الحسم وبرزت قوى سياسية واجتماعية جديدة كانت أكثر فاعلية وتأثير، كما أبرزت استمرارية نفوذ القوتين الرئيسية فتح وحماس بنسبة كبيرة وتقلص نفوذ القوى اليسارية.

لقد ظهر بعض الرؤى والتوجهات التي عملت على مناهضة الانقسام وباتجاه تحقيق التوافق والمصالحة، فبالوقت الذي عملت به منظمات المجمع المدني المستقلة بالتحالف مع بعض القوى السياسية ذات الوجهة الديمقراطية على التأثير بالرأي العام عبر الحملات والتحركات والبيانات ومن خلال انتقاد المظاهر السلبية الناتجة عن الانقسام والتي أضرت بوحدة النسيج الاجتماعي الداخلي، كما قام بعض النشطاء والفاعلين بالعمل الأهلي وعبر لجنة الوفاق والمصالحة ببذل جهداً مميزاً باتجاه تقريب وجهات النظر، وكانت تلك الجهود تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، وتبتعد عن أية مآرب ذاتية، برزت بالمقابل بعض التجمعات أطلق على بعضها اسم المستقلين حاولت العمل باتجاه إبراز الذات لتحقيق طموحات سياسية محددة.

ومن المعروف أنه عندما يتحول المستقلين ويندمجوا في تيار او إطار او تجمع معين، يصبحوا عبارة عن حزب سياسي وبالتالي يفقدوا ماهية وطبيعة استقلالهم، ويصبح لديهم ذات الطموح لدى الأحزاب السياسية، والمناسب في هذه الحالة ان يتحولوا إلى حزب سياسي باسم جديد بعيداً عن مصطلح المستقلين.

إن منظمات المجتمع المدني لا تسعى إلى الوصول للسلطة أو المشاركة بها، بل تهدف إلى التأثير بالحيز العام باتجاه قيم الديمقراطية والتعددية واحترام ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر عبر آليات المشاركة الشعبية والمسائلة المجتمعية، وهذا يختلف عن توجهات شخصية أو جماعية تستخدم مصطلح الاستقلالية أو الحيادية كمنصة للوصول إلى المواقع السياسية النافذة بالسلطة أو بالنظام السياسي بصورة عامة.

إن المنظمات الأهلية والحقوقية بالوقت الذي ترحب باتفاق المصالحة، ستعمل على حمايته وحراسته وستقوم بالرقابة على عملية التنفيذ باتجاه يضمن إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس انتخابية وديمقراطية تصون الحريات وتضمن الحقوق.

إن مهمات جديدة تقع على عاتق المجتمع المدني بعد توقيع اتفاق المصالحة، تكمن بالدعوة لتنفيذه بصورة مهنية وسلسلة وبإطلاق ثقافة التسامح والتعايش وتقبل الآخر وعبر المساهمة في تحقيق المصالحة الشعبية أو الاجتماعية، وعبر إشاعة ثقافة تساهم في الحفاظ على السلم الأهلي والتماسك بالنسيج الاجتماعي، كما بالضرورة ان تعمل على تعزيز قيم تعتمد على حل الخلافات بالطرق الحوارية والديمقراطية بعيداً عن آليات الاقصاء او التهميش أو العنف، فالتعددية الفكرية والسياسية ظاهرة طبيعية وعلينا إدارة الخلاف بصورة ديمقراطية عصرية، هذا يشكل احد النتائج والدروس الهامة التي يجب تعلمها جراء أربعة سنوات من الانقسام الذي ترك آثاراً سلبية بالحياة الداخلية.

إن المجتمع المدني لا يسعى إلى السلطة وسيكون حارساً اميناً لصياغة النظام السياسي على اسس وطنية وديمقراطية وعبر آليات الشراكة بعيداً عن منهجية التفرد والهيمنة، فيجب احترام إرادة المواطنين الحرة عبر صندوق الاقتراع ويجب تامين عملية التداول السلمي للسلطة، فالخيار الوطني الديمقراطي هو الذي يجب التمسك به وليس اي خيار آخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/آيار/2011 - 4/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م