لان المعرفة هويتنا... مؤتمر للكتاب في بغداد

 

شبكة النبأ: اختتمت في بغداد اعمال مؤتمر دولي للكتاب نظم برعاية الدولة للمرة الاولى منذ اكثر من عقدين، وسط آمال بان يطلق المعرض شرارة اعادة ترسيخ "الولع" بالقراءة الذي يفتقده عراقيون كثر منذ سنوات بسبب الحرب.

وشاركت في المعرض الذي فتح ابوابه امام الزوار في 20 نيسان/ابريل، اكثر من 200 دار نشر من 32 دولة حملت معها اكثر من 37 الف كتاب تغطي مواضيع عدة بينها الادب والاقتصاد والعلم والدين والسياسة.

وقالت سافرة ناجي، احدى اعضاء اللجنة التحضيرية للمعرض، "هذا اول معرض للكتاب في بغداد منذ اكثر من عشرين سنة، والاول من نوعه الذي يقام برعاية الدولة".

واضافت ان "بغداد لم تغب عن الساحة الادبية والفنية ابدا كل هذه الفترة، لكن ظروفها الامنية والسياسية لم تكن تسمح لها بان تكون حاضنة لها، الا انها تستعيد اليوم موقعها المعهود على خريطة الثقافة".

واقيم "معرض بغداد الدولي للكتاب - الدورة الاولى" برعاية وزارة الثقافة في منطقة المنصور وسط العاصمة العراقية وفي ظل حراسة امنية مشددة.

وفي مبنى صغير لا تزال بعض اجزائه قيد الترميم، احتشد الزواء في مختلف الاجنحة، وحمل بعضهم اكثر من ثلاثة اكياس وضعوا فيها كتبا اشتروها من المعرض، بينما كان البعض الآخر يكتفي بتصفح الكتب او بالقاء نظرة عليها من بعيد. بحسب فرانس برس.

وفاقت اعداد النساء من زوار وعاملات الرجال الحاضرين، وافترشت بعضهن الارض، بينما انشغل العديد منهن في البحث عن كتب علم النفس خصوصا.

وقالت نور عبد الله (28 عاما) وهي تثبت حجابها الاحمر على راسها "العراق بلد الثقافة، وحتى لو لا نقرأ الكتب، فنحن نشتريها".

وذكرت نور التي تعمل في مصرف "اخذت اجازة من عملي حتى ازور المعرض واشتري كتبا تتناول علم النفس. ربما كنا نتوقع اكثر مما نراه هنا، لكن ما يجري انجاز من ناحية تحدي الوضع الامني".

وفيما شكا بعض الزوار من دعاية شبه غائبة للمعرض، وصف المنظمون الاقبال ب"الجيد جدا" و"الممتاز"، وتحدثوا عن حركتي بيع وحضور كبيرتين رغم التوتر الامني الذي لا يزال يخيم على عاصمة تعيش على وقع انفجارات واغتيالات شبه يومية.

واعتبرت ناجي ان "الاقبال جيد بعد كل سنوات الحرب والانتكاسات والاحباط الذي واجهناه ولا نزال، حتى ان بعض دور النشر باعت كل ما جلبته معها من كتب".

وتابعت "ان يقام معرض في بغداد لاسبوعين من الصباح وحتى المساء هو تحد بحد ذاته، وعلى كل حال الثقافة وحدها هي التي تجمع ونحن تمكنا من تنظيم معرضنا فيما فشل السياسيون في تنظيم قمة عربية".

وكانت تشير بذلك الى تاجيل القمة العربية التي كان من المقرر ان تنعقد في بغداد هذا الشهر. وقال الموظف الحكومي علي شحونه (53 عاما) وهو يرفع علما عراقيا مرميا على الارض "شعبنا مولع بالقراءة، والحقيقة، كما يقال، ان مصر تكتب، ولبنان يطبع، والعراق عاد اليوم ليقرأ".

واضاف شحونه الذي زار المعرض بشكل يومي منذ افتتاحه ان "العراق مر بازمة كتب وقراءة منذ بداية الاحتلال الاميركي العام 2003 وحتى ما قبل سنة تقريبا. دخلنا غيبوبة فكرية لكننا بدانا نستفيق منها".

ومنذ دخول القوات الاميركية والدولية الى العراق، عاشت البلاد ما يشبه النكبة الثقافية بسبب اعمال السرقة التي طالت الكتب والآثار، وايضا بسبب التفجيرات التي ادت الى تلف اعداد كبيرة من المجلدات والكتب التاريخية والحديثة.

وبلغت هذه الاعمال ذروتها في آذار/مارس 2007 حين قتل العشرات في انفجار سيارة مفخخة في سوق المتنبي العريق، اقدم سوق للكتب في بغداد حيث تقع عشرات المكتبات التي تعرض كتبا متنوعة على ابوابها ويرتادها مئات العراقيين يوميا.

وعملت السلطات العراقية منذ الانفجار على تجديد الشارع الواقع بين نهر دجلة وشارع الرشيد في إطار حملة لإعادة بناء قلب الثقافة في البلاد وشريانها، قبل ان تعيد افتتاحه في اواخر العام 2008.

وراى رئيس اتحاد الناشرين العراقيين عبد الوهاب الراضي ان المعرض الدولي للكتاب "يمكن ان يعوض جزءا من الكتب التي سرقت او اتلفت وحرم منها العراقيون لسنوات".

وجاء استهداف شارع المتنبي في وقت كانت تشهد البلاد صراعا طائفيا ومذهبيا شرسا بين السنة والشيعة قتل فيه آلاف العراقيين.

وفي مؤشر "حمل الفرحة الى قلوب" المنظمين، اكدت ناجي ان "اكثر كتاب بيع خلال فترة المعرض ونفدت كل نسخه هو كتاب يحمل عنوان +نبذ الطائفية+".

لأن المعرفة هويتنا

ورفع منظمو المعرض شعار "لأن المعرفة هويتنا". وكانت الأهداف التي وضعها المنظمون للمعرض لتعزيز دور العراق ثقافياً وإطلاع مواطنيه على آخر إنتاج الفكر العالمي والعربي، فإن للمعرض أهمية رمزية تتمثل في أنه يُقام بعد عقود طويلة من العزلة الثقافية،نتيجة الأوضاع غير المستقرة التي عاشها العراق خلال السنوات الماضية.

وعن تنوع المشاركة في "معرض الكتاب الأول" وحجمها قال المدير الإداري للمعرض "إن المعرض شارك فيه أكثر من 32 ألف عنوان من مختلف ألوان المعرفة، التي جاءت بها قرابة 214 دار نشر موزعة على 32 دولة، في أكثر من 220 جناحاً".

وقال حسن سعدون العتابي أن "المعرض يعد الأول من نوعه، وقد حظي بمشاركة دور نشر دولية وعربية ومحلية من داخل العراق وخارجه، كما شهد إقبالاً كبيراً من قبل زائري المعرض من المثقفين والأدباء والأكاديميين". بحسب الاذاعة الهولندية.

ويشير العتابي إلى أن مشاركة دور النشر اللبنانية كان لها الحضور المتميز في المعرض، ما قد يعيد إلى الأذهان المعادلة التي هيمنت على حركة الفكر العربي لعقود طويلة والقائلة بأن "القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ". أما المشاركة الدولية في المعرض فقد اقتصرت، كما يقول العتابي، على عدد محدود من دور النشر الصغيرة التي جاءت من لندن وفرانكفورت واليونان، منوهاً إلى أنها "تجربة حديثة والمعرض في دورته الأولى فقط". وألمانيا مثلتها "دار الجمل" بمجموعة من إصدارتها الحديثة.

ويرى العتابي أن المعرض امتاز بحضور جيد رغم الصعوبات التي واجهها المنظمون من حيث المكان والترتيب، فضلاً عن سوء الأحوال الجوية التي شهدتها بغداد المتمثلة بهبوب العواصف الترابية وهطول الأمطار.

عن سبب المشاركة اللبنانية الفعالة في المعرض أوضح ممثل مركز الدراسات العربية اللبناني، خالد دعيبس، أن "نسبة 25 بالمائة من كل إصدارات الناشرين العرب تباع في العراق وهو ما دفع المركز ودور النشر اللبنانية إلى المشاركة بشكل كبير في هذا المعرض". وأشار دعيبس لدويتشه فيله أن "تحقيق هذه النسبة من مبيعات الكتب في العراق تدل على ارتفاع المستوى الثقافي في البلاد"، مبيناً أن "ما ينقص هذا المعرض مشاركة عدد اكبر من دول العالم، لأننا بحاجة إلى حضارتهم وهم كذلك من أجل تبادل الخبرات والثقافات".

وبحسب دعيبس فإن مركز الدراسات العربية اللبناني شارك بمنظمتين ثقافيتين وهما المنظمة العربية للترجمة التي تعنى بترجمة الكتب، والمنظمة العربية لمكافحة الفساد الإداري، بالإضافة إلى عنوانين من إصدارات المركز البالغة، بلغ عددها 700 عنوان". أما عن طبيعة الإقبال على ألوان المعرفة فقد قال من خلال تجربته في المعرض إن القارئ العراقي الشاب يتجه نحو قراءة كتب التاريخ والاجتماع والسياسة والاقتصاد وغيرها من الكتب العلمية.

من جانبه أوضح ممثل دار البيان للنشر والتوزيع الإماراتي، عمر عبد الله، بالقول "نجد أن الإقبال متوسط على شراء الكتب في المعرض. كما أن عدد الدول المشاركة قليل جداً ظنا بأن الوضع في العراق غير آمن. لكني لمست أن الأمور جيدة هنا"، مضيفاً أن "الإقبال يزداد من يوم إلى آخر". يشار إلى أن أكبر المشاركات في المعرض توزعت على إيران وسوريا الأردن والكويت والإمارات وكذلك البلد المنظم للمعرض العراق، أما لبنان فقد سجل أقوى مشاركة، بحسب منظمي المعرض.

"جئت منذ الصباح الباكر إلى هذا المعرض بعد يومين من افتتاحه لكي اشتري بعض المراجع العلمية الحديثة التي تخدم أطروحتي"، هذا ما قالته طالبة الماجستير في قسم التاريخ في جامعة ذي قار أيلين مطر. وقصدت مطر (26 عاماً) العاصمة العراقية آتية من مدينتها البعيدة في جنوب العراق لزيارة المعرض بعد أن عجزت عن إيجاد المصادر التي تحتاجها في أسواق الكتب والمكتبات. وأوضحت في حوار مع دويتشه فيله أن "المصادر الموجودة في المكتبات قديمة جداً فضلاً عن كونها قليلة ولا تتناسب مع أسس البحث العلمي الحديث"، متمنية في الوقت ذاته إقامة مثل هذه المعارض في عموم المحافظات العراقية.

وأضافت الأكاديمية العراقية بالقول إن "أغلب الكتب التي رأيتها في هذا المعرض من الإصدارات الحديثة، التي تفتقر إليها الجامعات العراقية"، مشيرة إلى أن "المعرض يتناغم وفق رغبة كل المستويات والطبقات ولا يقتصر على المثقفين أو على طلبة الجامعات، فهناك دور نشر تعني بثقافة الطفل فقط".

محمود هاشم هاوي (60 عاماً) قصد المعرض هو الآخر واتفق مع طالبة الماجستير أيلين من حيث احتواء المعرض على الإصدارات الحديثة ويوضح أنه "رغم الإمكانيات المحدودة التي ظهر بها المعرض من حيث التنظيم، إلا أنه لا ينقصه شيئاً من ناحية إصدارات الكتب الحديثة".

ولفت هاوي إلى وجود كل ما هو جديد في مجالات واختصاصات الكتب العلمية والأدبية والثقافية والتاريخية، "التي كان يفتقر إليها المثقف العراقي وطلبة الدراسات العليا خلال الفترة السابقة"، على حد تعبيره. مؤكداً في حوار مع دويتشه فيله على أن "إقامة مثل هذه النشاطات الثقافية لها دور في تعزيز وتنمية الوعي الثقافي لعامة الناس، وهو ما ينعكس على خلق جو من التآلف والتآخي بين الشعب وهو من نتاج المسيرة الثقافية لا سياسة المصالح".

يُذكر أن المعرض، الذي حاول التأكيد من خلال الشعار الذي رفعه رغبة العراقيين في المعرفة، يعد الأول من نوعه في بغداد منذ عام 1986، ويأتي في إطار محاولات العراق للعودة إلى دوره الحضاري بعد عقود طويلة لم يرتبط فيها اسم العراق وإسهاماته إلا بالحروب وبالعنف والخلافات السياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/آيار/2011 - 4/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م