دولة مدنية أم دينية؟!

د. أحمد راسم النفيس

الآن يقيم التيار الوهابي الدنيا ولا يقعدها دفاعا عما يسميه إسلامية الدولة في مواجهة (العلمانيين) الذين يريدون (الانحراف) بمصر عن مسارها في اتجاه إقامة دولة علمانية مدنية!!.

هل كان النظام السياسي الحاكم في مصر نظاما إسلاميا أو مدنيا أو حتى علمانيا لينصب السلفيون أنفسهم مدافعين عن هذا النظام الخليط الخلطبيط؟!.

النظام السياسي الساقط في مصر لم يكن شيئا من هذه الأشياء كلها بل كان نظاما مباركيا يجمع بين المتناقضات والزيت والماء ويضع هذه الخلطة في صندوق العجائب ليثبت للعالم أنه على صنع المستحيلات قدير!!.

النظام الذي تخلى عن اشتراكية الدولة التي لم تدم إلا قليلا وتبنى سياسة الانفتاح الاقتصادي السداح المداح أبقى في دستوره حتى هذه اللحظة على نسبة ال 50% لمن يسميهم بالعمال والفلاحين أو حيتان المال والأعمال الذين يرتدون الجلباب أثناء الانتخابات والردنجوت أثناء احتفالات الملوك والرؤساء ليوهم بعض البسطاء أنه من المحافظين على مصالح الغلابة الفقراء أو كما كان يردد الديكتاتور قارون أمام وسائل الإعلام.

نظام مبارك العجائبي كان يفسح المجال واسعا أمام الوهابيين الذين كانوا يسمونه أمير المؤمنين دون أن يبدي أي اعتراض عليهم ولو ذرا للرماد في العيون معلنا رضاه الفعلي عن نيله تلك الصفة الجائزة التي تمكنه من قص رقاب من (شق عصا الطاعة وفارق الجماعة)، في نفس الوقت الذي كان يوجه خطابه المنافق للغرب عن تصديه للتطرف والإرهاب وأنه وحده يقف في مواجهة الأصولية الدينية التي تهدد الحضارة العالمية!!.

لم يكن في مصر نظام إسلامي نخشى من ضياعه ومن باب أولى لم يكن هناك نظام مدني بل كان هناك نظام أمني مهمته الأولى هي حراسة تلك التلفيقات وتوزيع التكليفات على الزعماء والزلمات الإمعات وبالتالي فالأولوية الآن هي لتأسيس نظام سياسي دستوري يحفظ كيان الدولة ويضع خطوطا حمراء أمام القوى التي تسعى بوعي أو من دون وعي لتفكيك الدولة والكيان من خلال مشاريع تقاسم الصلاحيات والنفوذ كبديل عن مشاريع التقسيم الجغرافي الذي يستحيل تنفيذه في مصر نظرا لأن المجموعات الدينية لا تتركز جغرافيا في منطقة بل تتوزع على مجمل خريطة مصر شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.

المدافعون عن (إسلامية النظام) هم في أغلبهم من اللاهثين وراء حلم السلطة والمستعدين لدفع أي ثمن يوصلهم لهذه الغاية حتى ولو كان هذا الثمن هو تقسيم مصر إلى حصص ومناطق نفوذ نظرا لاستحالة التقسيم الجغرافي.

في مقال لنا نشر في جريدة القاهرة في ديسمبر 2010 أي قبل اندلاع ثورة 25 يناير بأسابيع قلنا ما نصه (يتجاهل البعض أن تقسيم المنطقة المقسمة أصلا لا يعني بالضرورة إنشاء المزيد من الدول كما هو مشروع تقسيم السودان إلى شمال وجنوب بل يعني إيجاد مزيد من الانقسام السياسي داخل البلد الواحد ليبقى البلد منقسما على نفسه كما هو حال لبنان الآن.

الدلائل والمؤشرات تشير إلى وجود عملية استدراج كبرى وخطة تسخين تدريجية للأوضاع الداخلية يجري طبخها على نار تلك الفتن المتنقلة المتدحرجة التي لم تعد نيرانا هادئة والهدف النهائي هو تفكيك الدولة وفرض صيغة لتقسيم السلطة وهو أمر يبدو ممكنا إن بقيت الأمور سائرة على هذا النحو.

لا يحتاج إدراك حقيقة وجود هذا الاستدراج إلا لمتابعة التصريحات الغاضبة التي يطلقها المحتجون على أحداث العمرانية ملوحين فيها باللجوء للأمم المتحدة ومطالبين باستبعاد مصر من لجنة حقوق الإنسان أي أن ثمة من يرى في تدويل الأزمات الداخلية حلا لمشاكلهم وهذه هي الكارثة العظمى.

أما المثير للسخرية فهو الدور المدمر الذي يصر فريق الدببة التي قتلت صاحبها على مواصلة القيام به وهو استعداء الجميع بعد تخوينهم إذ أعلن هؤلاء استنكارهم لما سموه "ترحيب الكنيسة المصرية وبعض المتشيعين والبهائيين بما ورد من مزاعم في تقرير الخارجية الامريكية عن الحريات الدينية بقصد الضغط على الحكومة المصرية لتقديم مزيد من التنازلات السياسية خدمة للمصالح الامريكية والاسرائيلية في المنطقة بالإضافة الى إحداث نوع من عدم الإستقرار في الشارع المصري".

ليس لهذا الأمر من حل من وجهة نظرنا إلا إفساح المجال أمام فرص أوسع للمشاركة بدءا من المجال الاجتماعي ووصولا إلى المجال السياسي.

شتان بين إفساح مجال الاندماج بصورة طبيعية وطوعية وبإرادة وطنية وبين الصيغ مفروضة التي يجري القبول بها بعد استفحال الأزمة وربما تدويلها. انتهى.

الحديث الآن عن إسلامية الدولة يستبطن قبول البعض باتفاق لتقاسم السلطة (ليس تقسيما جغرافيا) ودليلنا على ذلك تلك التصريحات التي أدلى بها خيرت الشاطر نائب مرشد الإخوان لجريدة الشروق المصرية اليوم 29-4-2011 والتي قال فيها: (أن المرجعية الإسلامية تعطى الحق للمسيحيين في أن تكون الشريعة المسيحية مرجعية لهم في كل شيء وليس فيما يخص الأحوال الشخصية فقط، وبالتالي فالإسلام يطلب منا صراحة قرآنا وسنة أن يطبق أهل الكتاب شرعتهم على أنفسهم، وعندما أقول مرجعية إسلامية إذن بالضرورة المسيحية تكون مرجعية للمسيحيين).

أن يكون للمسيحيين الحق في التحاكم إلى شرائعهم في أحوالهم الشخصية فهذا ما لا نختلف عليه وهو المعمول به منذ فجر التاريخ.

أما أن يكون هناك نظامان قانونيان في بلد واحد فإن هذا يعني توجها واضحا وصريحا نحو القبول بكونفدرالية الدولة أو بالقبول بمبدأ تقاسم أو محاصصة السلطة لا لشيء إلا لأن جماعة الإخوان تريد حصتها من الكعكة ولو كان هذا على حساب وحدة مصر شعبا وسيادة وقانونا.

فليكف الإخوة عن رغائهم وغثائهم وليتوقفوا عن إثارة ضجيج لن يقود مصر إلا لكارثة تتضاءل إلى جوارها مأساة تقسيم السودان.

www.elnafis.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/آيار/2011 - 3/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م