الاخلاق تقود العالم أجمع الى مرفأ الأمان

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: منذ أن بدأت البشرية مشوارها الشاق في طريق الحياة الطويل، كانت الحاجة الى تهذيب النفوس ملحّة ومطلوبة سواءً على مستوى الافراد أو الجماعات، ولعل الاخلاق هي الطريق الأصوب والاقرب لتحقيق هذا الهدف، لذلك ليس غريبا أن يقول الرسول الأعظم (ص) في حديث شريف (إنما بعثت لأتمّم مكارم الاخلاق) وليس غؤيبا أن يضع الرسول (ص) هذه القيمة الكبرى للاخلاق، فهي القوة الرادعة لأهواء النفس وهي قاعدة الضوابط التي تحكم سلوك الانسان ونواياه تجاه الآخرين، لهذا لابد من يتدرب ويتمرن الانسان على ترويض النفس والتحكم بها بأخلاقه الرفيعة.

في هذا الخصوص، يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه الموسوم بـ (العلم النافع):

(إنّ المرء في أيّ مجال كان وفي أيّ بلد وفي أيّ مرتبة فهو مردّد بين الخير والشّر، إذ إنّ في الإنسان دافعاً الى الخير وهو العقل ودافعاً نحو الشر وهي النفس الأمّارة بالسوء. فإذا كان المرء حسن الخلق فإنّ دافع الخير عنده يغلب دافع الشرّ وسيكون نصيبه خير الدنيا والآخرة، بخلاف سيّئ الخلق فهو لا دنيا له ولا آخرة).

ولعلنا نتفق على أن الاخلاق السامية تمنح الانسان قدرة كبيرة على التسامح ومعاملة الآخر وفقا لقيمته العالية وكرامته الانسانية التي ينبغي على الجميع أن يحافظ عليها، لهذا حين يتحلى الانسان بالاخلاق الحقيقية القادرة على صيانة أفعاله ونواياه، فإنه سيتميز بالصفات العظيمة التي تجعله أشد إيمانا بحق الآخرين بالحياة الحرة الكريمة الآمنة، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه على أن:

(حسن الخلق هو أن تكون صادقاً في الكلام، صابراً عند المكاره، تلقى الناس دائماً ببشر الوجه وطلاقته، وأن تحلم عمّن يسيئ إليك، وإلى غير ذلك من محاسن الأخلاق).

إن رد الإساءة بمثلها ليست من شيم الانسان الخلوق، بل التسامح هي السمة العظيمة التي ينبغي أن يتحلى بها أصحاب العقول الاخلاقية، لهذا قدّم هوارد غارنر في كتابه خمسة عقول من أجل المستقبل، قدم لنا خمسة عقول كلها تؤدي الى العقل الأهم وهو (العقل الأخلاقي) الذي يفضل مصلحة الآخرين على مصلحته الذاتية.

من هنا يأتي تأكيد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية الحلم والتسامح حين يقول في كتابه المذكور:

(اذا انتقصك شخص ما، فعليك أن تحلم، عندها تحوز على خير الدنيا وخير الآخرة، وهذا بحاجة الى العزم الذي تكون نهايته التوفيق. وهذه سُنّة الحياة. فطالب العلم إذا عزم على أن يكون حسن الخلق فسيصبح عالماً، والكاسب إذا عزم على ذلك سيصبح تاجراً، والزوج سيكون محبوباً عند زوجته، وهكذا الزوجة. بعبارة إخرى: إنّ حسن الخلق يكون محبوباً عند الله تعالى وعند الناس كافّة).

ويضيف سماحته قائلا:

(إنّ من يريد التوفيق وخير الدنيا و خير الآخرة والمحبّة عند الله عزّ وجلّ وعند الناس ينبغي له أن يردّ السيئة بالإحسان والحلم).

ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على الدور الكبير للاخلاق في نجاح الانسان بحياته، فيذكر ذلك قائلا في كتابه نفسه:

(لقد رأيت الكثير ممن اتّصف بالخلق الحسن من العلماء وغيرهم من سائر الناس كانوا موفّقين في حياتهم وكانوا محبوبين عند الناس ولم يلقوا صعوبة في حياتهم).

وثمة دور كبير للجانب الاخلاقي في المحيط العائلي، بمعنى أن الانسان ينبغي أن يكون ذا طبائع وسلوكيات ونوايا متطابقة من حيث المظهر والجوهر، فحين يكون لسانه حلوا لابد أن تدعم هذا الكلام الجميل أخلاق جميلة، والنتائج دائما تصب في صالح الفرد ذاته ومن ثم العائلة فالمجتمع عموما، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد:

(إنّ أيّ فرد من أفراد الأسرة اذا كان حسن الخلق فإنّه سيكون محبوباً عند الجميع وسيقبل الله عزّ وجلّ أعماله، وإذا مات فسيترحّم عليه الناس، أمّا صاحب الخلق السيّئ فإنّه سيكون على العكس من ذلك تماماً. لذا ينبغي لكم أن تعزموا على التحلّي بالأخلاق الحسنة، لتنالوا خير الدنيا وخير الآخرة).

هكذا تبدو الاخلاق بمفعولها الساحر وكأنها تقود العالم الى بر السلام والامان والتآخي بين جميع الشعوب والامم، ولا غرابة في قول أحد الحكماء الذي يقول فيه (بالاخلاق تملك العالم)، نعم يمكننا أن نملك عالمنا بأخلاقنا الانسانية الرفيعة، وهذا هو السبب الأكيد الذي دفع أئمة أهل البيت الاطهار الى التأكيد على هذا الجانب، لأنه يمثل صمام الامان ضد الانحراف والعنف والجشع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/آيار/2011 - 2/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م