على حين غرة تحولنا من شعب منتج الى شعب مستهلك قادر على استهلاك
المليارات التي ترد من بيع النفط، أرث الأجيال، بأكثر الطرق بشاعة
وإستنزافاً للثروة.. فنحن الآن بلا غطاء صناعي، تقريباً، يعصمنا من
الأزمات المالية التي تطال العالم بين الحين والآخر..
والعشوائية تنتاب خططنا الحكومية غير القادرة في الوقت الحاضر على
بناء الإستراتيجية التي تضمن حقوق وثروة الشعب وتتركها نهباً بمخالب
الفساد التي تطول يوماً بعد يوماً لتصبح أقوى وأشد غلظة كلما مرت علينا
غصة من تلك الغصات التي تشهق لها الروح.. فآلاف الأطنان من الزيوت
والسكر وحليب الأطفال والشاي المستورد.. قوت الشعب المسكين.. تذهب
هباءاً بفعل موت الضمير من القطاع الخاص والعام العراقي على حد السواء.
وها هي نار الفساد تطال كل شيء فينا.. حتى أطفالنا الرضّع الذين لم
يسلموا من الأمراض التي تنهش بهم.. تنفث أفعوان الفساد بطعامهم وتلتف
على أجساهم الغضة تسقيهم السم من أنيابها.
فلو كانت لدينا صناعة متوازنة على مستوى واسع لتمكنا من إستغلال
الأراض الزراعية الواسعة التي ينام عليها العراقيين، غير أبهين بها،
لتوفير الزيوت النباتية والسكر والرز وحتى حليب الأطفال.. لكونها تلك
هي الخطوط الحمراء التي يعترف بها الشعب العراقي ولايسمح لأحد كائن من
يكون أن يتجاوزها.. بدلاً من وضعها بيد فاقدوا الضمير ممن ارتضوا
لأنفسهم أن يتاجروا بأرواحنا بعدما استنزفوا من كل شيء منا حتى
المستقبل الذي نطمح أن نراه واسعاً بأفق سعيد لأطفالنا.
البداية كانت صحيحة جداً من قبل دائرة التقييس والسيطرة النوعية في
استخدام الشركات الأجنبية لفحص المواد الداخلة للعراق من خلال إتباع
أحسن الطرق في ذلك ولكوننا، كعراقيين، قد مات ضميرنا أمام "شدّات"
الورق الأخضر التي تقدمها الشركات والتجار المستوردين لمواد الحصة
التموينية وغيرها من المواد حيث ستباشر شركات الفرنسية BV – والسويسرية
SGS الفاحصتان عملهما بدءاً من السادس من أيار المقبل بفحص البضائع
المستوردة الى العراق من مختلف المناشئ العالمية وفق آلية تعتمد على
قيام الشركتين بفحص هذه البضائع في دول المنشأ وتزويد المســـتوردين
بشهادات الفحص.
وإزاء تلك الخطوة فعلى الجهات المختصة أن تراقب بدقة عمل تلك
الشركات خوفاً من تسلل المفسدين لموظفيها فللفساد ألف باب وباب يدخلها
دون أن يطرق.. الفساد الذي يلمع في عينية الدولار تسهل عمله إجراءاتنا
الحكومية الناقصة.. فالمعروف أن الاستعانة بتلك الشركات جاءت لكون
مختبرات التقييس والسيطرة النوعية غير قادرة، لمحدودية امكاناتها
المادية، على فحص الكميات الكبيرة من المواد والسلع الداخلة للوطن..
ولكنها قد تكون قادرة على فحص عينات عشوائية من تلك المواد بما يكفل
سلامتها كلياً.
نحن بحاجة الى بناء مختبراتنا وزيادة كوادرها وتدريبهم على أعلى
المستويات وتهيئتهم نفسياً وتحصينهم أمام هجمات المفسدين من التجار
وبما يكفل قيامهم بواجباتهم تجاه الوطن المنهوب !
zzubaidi@gmail.com |