السلم غير المكتمل: نظرية وممارسة لثقافة السلم

محمد العناز

 

شبكة النبأ: بعد إصدارها الأول "مفاتيح من أجل السلم في البحر الأبيض المتوسط"، وتمشيا مع خط اشتغالها على موضوعات السلم والإدارة السلمية للنزاعات، أصدرت جمعية "القنطرة لتنمية العلاقات بين المغرب وإسبانيا" بتعاون مع معهد السلم والنزاعات لجامعة غرناطة وبرنامج "ثقافة السلم" لحكومة الأندلس عملا مشتركا تحت عنوان: السلم غير المكتمل: نظرية وممارسة لثقافة السلم".

الكتاب المخضرم (لغويا) صدر تحت إشراف الأساتذة بياطريث مولينا (مديرة معهد السلم والنزاعات بجامعة غرناطة)، فرنسيسكو مونيوث (منسق النسيج الأندلسي لبرنامج ثقافة السلم) ومحمد نوري (باحث بالمعهد ذاته) يضم المحاور التالية:

1- مقدمة من ثمان صفحات باللغة العربية تحت عنوان: "السلم غير المكتمل: نظرية وممارسة لثقافة السلم" ويعرض للسلم وثقافة السلم كموجهين رئيسيين للتاريخ الإنساني والدوافع التي حذت بتطوير هذه الثقافة لتصبح وسيلة لتدبير النزاعات ولقاحا ضد العنف ودليلا عمليا لتلبية الاحتياجات وتحقيق مجتمع الرخاء، وقد أكد الأساتذة الباحثون الثلاثة في هذه المقدمة على أن السلم والتدبير السلمي للنزاعات واقع أولي عند الإنسان مكن هذا الأخير وما يزال من رصد العنف بأشكاله المتعددة وبالتالي محاولة تفاديه واجتنابه (نظريا وإجرائيا) والعمل بدل ذلك على تسهيل عملية الإدماج الاجتماعي والتعاون والغيرية باعتبارها عوامل حاسمة في مسيرة هذا الإنسان منذ البدء.

من أجل تحقيق ذلك، يشير الباحثون الثلاثة إلى ضرورة استطلاع أو استرجاع مفهوم الممارسة PRAXIS الذي يلح على العروة الوثقى بين النظرية والتطبيق للتأسيس لثقافة سلم نستطيع تمثلها كعملية دائرية من التغذيات الارتجاعية RETROALIMENTATIONS مشيرين إلى انخراط هيئة الأمم المتحدة لأول مرة في هذا المنحى الذي يزاوج بين النظري والتطبيقي عبر تصريح وبرنامج ثقافة السلم الخاص بالعشرية الممتدة بين 2000 و2010 الذي حدد ثمان مؤشرات (التربية من أجل السلم، المساواة بين الجنسين، تطوير ودعم حقوق الإنسان، المشاركة الديمقراطية، التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، دعم التسامح والتضامن، تطوير التواصل التشاركي والتنقل الحر للمعلومات وتطوير السلم والأمن الدوليين) والتي يمكن اعتباره جمعا بين ما جاء في أهداف الألفية من أجل التطور OMDإضافة إلى الجوانب المتعلقة بتطوير المشاركة الديمقراطية وحقوق الإنسان والأمن والسلم الدوليين.

ويرى المؤلفون بأن ثقافة السلم عملية مستدامة وديناميكية لارتباطها بالمتغيرات التي عرفها الجنس البشري عبر التاريخ وبالمحيط الذي يعيش فيه وبالتالي جواب متحرك للتعقيد الذي يعيشه هذا الإنسان. من هذه الزاوية، يشير الباحثون، تصبح ثقافة السلم عملية مستدامة وحركية لارتباطها بواقع متغير باستمرار، واقع مشوب بالنزاعات المستدامة وهو السياق الذي يتم فيه توظيف مفهوم السلم غير المكتمل للتعريف أولا بتلك الفضاءات والظروف التي تفرز مبادرات مختلفة تهدف إلى صنع السلم وثانيا لاستطلاع تلك العلاقات التفاعلية بين هذه المبادرات السلمية ومختلف أشكال العنف مستدلين بالعديد من الحالات التي انتقل فيها نفس الفاعلين من أشكال عنيفة إلى أشكال سلمية للدفاع عن مطالبهم واحتياجاتهم. ولهذا السبب، يرى الباحثون الثلاث، بأنه من الأفضل الحديث عن ثقافة سلم غير مكتملة وهيكلية هدفها التوصل إلى توازنات ديناميكية تستطيع من خلالها هذه الثقافة تدبير الشك الكامن في المحيط الذي نعيش فيه وفي الأشكال الجديدة للنزاعات التي تظهر في مختلف اللحظات التاريخية وتدبير حالة التنازع التي يفرزها واقع لا يكف عن التجدد بدءا من التغيرات المناخية ومرورا بمخلفات العولمة والتمييز الحاصل على مستوى الولوج إلى الثروات والموارد.

2-عرض مفصل باللغة العربية من 50 صفحة تحت عنوان: السلم غير المكتمل: نظرية وممارسة لثقافة السلم من تأليف الباحثين الثلاثة ويضم مدخلا نظريا يهدف إلى استطلاع مفهوم النزاع ومفهوم السلم ومعرفة أسباب النزاعات إضافة إلى معالجة مفهوم السلطة من منظور النزاع وربط هذه الإشكالية بإطارات العولمة والتعقيد والمستقبل.

في هذا السياق، يشير المؤلفون بأنه ثمة ثلاث إشكاليات عرضية: هناك رغبة جامحة في السلم تفرض علينا صياغة نظريات لهذا الأخير بيد أن المشكل يكمن في أن المنهل المعرفي للتأسيس لذلك يوجد في نظرية النزاعات (بتجلياته العنيفة) وهو ما يفرض وجوب إعادة صياغة نظريات مستقلة للسلم (غير مرتبطة بالعنف) كما يفترض إعادة تمثل السلطة أي عدم الاقتصار على جوانبها العنيفة والسلبية بل استطلاعها أيضا كقدرة فردية وجماعية وعمومية على تغيير الواقع نحو شروط أكثر سلما وتطورا. كما يقدم هذا الجزء من الكتاب كرونولوجيا مفهوم السلم على النحو التالي:

-متى ظهرت فكرة السلم؟ هل هي فكرة أولية ظهرت مع ظهور الإنسان أم أن ظهورها اقتضى وجود تعقيد اجتماعي ورمزي.

-السلم كموضوع للبحث العلمي بعد الحرب العالمية الثانية

-تطور مفهوم السلم (السلم السلبي NEGATIVE PEACE ، السلم الإيجابي POSITIVE PEACE، السلم غير المكتملIMPERFECT PEACE ...)

-مفهوم النزاع: أصوله وتجلياته

-الجنس البشري كنوع نزاعي

-النزاع والسلطة وأنواع هذه الأخيرة (السلطة المنتجة PRODUCTIVE POWER ، السلطة المدمرة DESTRUCTIVE POWER والسلطة المدمجة INTEGRATIVE POWER(بكسر الميم الثانية)

-مفهوم العنف الهيكلي STRUCTURAL VIOLENCE والأشكال المختفية والسكونية لعنف الأنظمة (الفقر، التبعية، الفوارق الطبقية، المجاعة، الهجرات،....)

-مفهوم الوساطة وموقعها بين السلم والعنف إضافة إلى السلطة كوساطة

-مفهوم الاستقواء السلمي PACIFIC EMPOWERMENT

-مفهوم العولمة والتعقيد والمستقبل

-السلم غير المكتمل كمفهوم قائم على إعادة النظر في النزاع والسلطة والسلم يمكننا من إحداث قطيعة مع السلم كمفهوم مطلق ويساعد على استطلاع التجارب السلمية وتدعيمها من أجل تحقيق سلم أوسع وأعم والتخطيط لمستقبل نزاعي وغير مكتمل.

ويخلص الباحثون بأن السلم غير المكتمل يحيل إلى سلم ديناميكي، متحول ومتجدد بتجدد النزاعات، ذي خاصية عملياتية PROCESSAL وليس هدفا لاهوتيا أو طوباويا مغلقا من الصعب تحقيقه(دون تقديم تكلفة باهظة) وذلك لافتقاره للواقعية المطلوبة مما يجعل منه مصدر إحباط مستمر وسببا للعنف المرتبط عموما بسوء الفهم والتقدير. بهذا الفهم للسلم يمكننا، حسب الباحثين، أن نحقق تقدما على مستوى ممارسة السلم خاصة وأن الطروحات النظرية حول ديناميات الطبيعة والكون والكائنات الحية تزكي هذا التوجه.

بهذا المفهوم العملياتي للسلم يمكننا العمل على التغيير التدريجي للواقع انطلاقا من المعرفة الواعية لقدرات الإنسان المحدودة في علاقته مع الإنسان ومع المحيط والكون وفي إطار الواقع والفضاءات المتعددة الذي تعيشها الأفراد والمجموعات البشرية والمجتمعات والتخطيط للمستقبل على ضوء هذه المعطيات وهذا ما يجرنا إلى الشق الثالث للكتاب أي بالجانب الإجرائي التطبيقي عبر استطلاع ودراسة وضعية ثقافة السلم بالمغرب خلال العشرية الفارطة.

3-دراسة تحليلية باللغة الفرنسية لثقافة السلم بالمغرب تحت عنوان: "ثقافة السلم بالمغرب: تشخيص ورهانات مجتمع في طور الانتقال" وهو من تأليف د. محمد نوري رئيس جمعية القنطرة لتنمية العلاقات بين المغرب وإسبانيا. الدراسة تقوم على دراسة ثلاث (من بين سبعة) مؤشرات لثقافة السلم كما حددها برنامج هيئة الأمم المتحدة الخاص بعشرية ثقافة السلم الممتدة بين 2000 و2010.

وتهدف الدراسة إلى استطلاع وتتبع مسار هذه المؤشرات ومعرفة الجوانب القانونية والمؤسساتية التي تم الاشتغال عليها في هذه الفترة التاريخية للقيام بدور الوساطة في تدبير النزاعات التي عرفها المغرب وما يزال إضافة إلى سبر أغوار هذه الدينامية السلمية الجديدة الذي عرفها المغرب منذ أواسط التسعينيات ومدى تغلغل هذا المنحى السلمي الجديد (في القوانين والمؤسسات التي تم خلقها لهذا الغرض) في الثقافة والتربية والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وذلك عبر دراسة وتحليل العديد من التقارير الدولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الإدارة الأمريكية) التي اهتمت بهذه المؤشرات والميادين مع إفراد اهتمام خاص بتوصيات برنامج عشرية ثقافة السلم للأمم المتحدة لمعرفة مدى تطابق الإجراءات التي اتخذها المغرب مع هذه التوصيات أي لتلمس الطريق الذي اختاره المغرب في العقد الأخير واستطلاع جوانبه السلمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/آيار/2011 - 1/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م