نحن وأقنعتنا... من يرتدي الآخر؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل تاريخ الانسان عبارة عن اقنعة؟ وأيهما اكثر صدقا الوجه ام القناع؟

ماهي الحاجة للاقنعة التي يرتديها الانسان المادية منها والنفسية؟ وما هو الحد الفاصل بين وجه الانسان وقناعه؟

اسئلة كثيرا ما تبادرت الى ذهني في اي محفل اجتماعي اكون فيه وجربه الاخرون غيري.. فلان يكره فلان، وس يغتاب ص في غيابه، وذاك لا يوفر نقيصة الا والصقها بشخص اخر.. لكنهم الان في هذا المحفل يتباسطون في احاديثهم وبقدمون الاهتمام الزائد للمقابل اهتمام لا ينسجم مع تلك المواقف السابقة.. كم قناع يحتاج الانسان في حياته؟ قناع في العمل، اقنعة في المنزل، قناع لكل صديق، اقنعة للخطايا المتعددة.

 يحيل القناع في احد رمزياته الى الخوف.. الخوف من الاخرين والخوف من المجهول.. في اغلب الرسومات يشار الى الموت والى ملكه بقناع بشع.

لم يخلق الانسان وجوده على سطح الارض بل خلق اقنعته احتجاجا على تلك الجبرية، او ربما تحايلا على العري المكشوف الذي يحس به تجاه خالقه، او ربما لتجميل قبح وجهه وسريرته المنعكسة عليه او لشعوره بالخجل من مواجهة الاخرين بوجهه الحقيقي.

هناك علاقة بين الانسان والقناع في الممارسات الدينية البدائية القديمة.. حين اكتشف الانسان ظله الذي يسير امامه او الى جانبه او يتبعه سر بهذا الاكتشاف.. وقد يكون قد لعب معه لعبة الهروب منه او مطارته والقبض عليه..لكن ماذا عن الليل؟ لقد فقد ظله.. هل تراه استعاض عن ذلك بصنع المرآة؟ كيف اهتدى اليها؟ هل تذكرنا قصة نرسيس (ومنها اشتقت النرجسية وهي عشق الذات) حين راى صورته على صفحة الماء وهام بها وكان ذلك الهيام سببا في موته؟

المرآة (تكشف، تعري).. القناع (يخبيء، ويستر).. المرآة لها القدرة على ازاحة الاقنعة ونكون كما نحن امامها. ايهما اكثر حميمية في علاقته بالمرآة الرجل ام المرأة؟

المرأة بالتأكيد.. انها على استعداد ان تتجرد من ثيابها امامها وتراقص صورة مبهمة في خيالها.. المرآة توسع من مساحات المخيال لدى المرأة.. على العكس من الرجل الذي تقيده بخياراتها المحدودة.

المرآة بالنسبة للنساء صديق وعدو في نفس الوقت.. صديق حين تعكس شروط الجمال الانثوي، والمراة تابى الا ان تكون جميلة. وهي عدوتها حين يفعل الزمن فعله على وجهها وجسدها.

الرجل يحتاج الى القناع اكثر مما تحتاج اليه المرأة..انه يستطيع ان يجعله يحدث المرأة عن جمالها الصامت المنسكب على المرآة.. هل لهذا السبب تصدق المرأة اصحاب الاقنعة وتخاف الاقتراب من الوجوه الحقيقية للرجال؟ ربما..

من يهشم المرايا؟ الاثنان معا..

الرجل حين يسقط عنه قناعه في لحظة غضب او لحظة حقيقة.. والمرأة حين يتخلى عنها من تحب لاجل امرأة اخرى. الاثنان في لحظة واحدة يشتركان في تحطيم المرآة ونزع القناع.. انها لحظة الاحساس بالانعزال والحاجة الى الاخرين.

اكثر مايكون الانسان هشا وضعيفا وقابلا للانكسار عندما يكون في عزلته.. هل لهذا السبب تحتاج لحظات التجلي الى العزلة عن الاخرين، عن الظلال والاقنعة؟ وهل لهذا السبب يحتاج المتصوفة اكثر ما يحتاجون الى الانكشاف اكثر من الاحتجاب؟

لماذا يكون للرغبات شكل الاقنعة؟ خشية البوح بها ولانها ستكون اكثر متعة حين التحقق.. (رغبة / قناع) للحب، (رغبة / قناع) للجنس، (رغبة / قناع) للشغف، (رغبة / قناع) للذوبان.

هل كانت شهرزاد من خلال الحكي الليلي المستمر لشهريار تبادله لعبة الاقنعة لتفوز في النهاية بمتعة الانتظار الناجز؟.

الف ليلة وليلة وكأنها الف قناع وقناع.. كبف لم تتحقق الرغبات خلال تلك الليالي وكيف صبر شهريار كل تلك المدة الطويلة ولم يهشم اقنعة شهرزاد، هل هو خوف من ان يهشم اقنعته.. اقنعة الحب والجنس والشغف؟

هل يتخلى الرجل والمراة عن تلك الرغبات اذا خلعا اقنعتهما المتعددة؟ لا لكنها تكون اكثر مباشرة في نشدان الوصول.

هل لسبب كهذا نجد الاختلاف بين الحضارتين الغربية والعربية الاسلامية في ممارسة المونولوج والديالوج؟

المونولوج صفة الحضارة العربية الاسلامية والديالوج صفة الحضارة الغربية.. حديث مع الذات مقابل الحديث مع الاخر.

الحديث مع الذات باتجاه مرتد، انه صوت وصدى.. الحديث مع الاخر باتجاه متقابل صوتان ينطقان ويستمعان.. ماذا عن السياسة؟

انها علم لكن ممارستها تسمى فن.. الفن صورة وانعكاس للواقع.. الواقع لشدة حقيقته يتراءى لنا مزيفا.. اقنعة السياسة تسمى الدبلوماسية، وكل لاعب سياسي هو قناع متحرك.. في اللحظة التي تتقاطع فيها المصالح تتطاير الاقنعة.. هل الحرب ببشاعتها هي عبارة عن اقنعة متطايرة؟

وهل العنف بالتالي هو نزع لاقنعة الانسان المتعددة ومواجهته حقيقته المليئة بالرعب والفناء؟

نجد في أساطير الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية هذا المقطع من احدى القصائد:

الآن اصبح معروفاً ان ارتداء

قناع القشرة.

هو حماية كافية ضد الشياطين،                                   

لان من يرى صورته، وجلده

هل يستطيع تدمير جنسه؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/آيار/2011 - 30/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م