شبكة النبأ: يتفق الجميع على أهمية
دور الاحزاب السياسية في تشكيل الهيكل الحكومي وطبيعة إدارة وتنظيم
شؤون الدولة، وقد يبدو في عالمنا المعاصر أن القول بإلغاء الاحزاب أو
تحاشي وجودها في التفعيل السياسي يعني أمرا مستحيلا، فالشورى التي
ينبغي أن تسود العلاقات السياسية في المجتمع، تتطلب حضورا فاعلا
للاحزاب، ولكن هذا الاشتراط لابد أن يقترن بطبيعة الفكر الذي يستند
إليه الحزب ومدى حرية أعضاء الحزب في التفاعل والمشاركة في صتع القرار
وما شابه.
إن الشورى وهي تقابل الديمقراطية كمصطلح معاصر، تعني حرية الرأي
والتشارك في اتخاذ القرار ونبذ الفردية وحصر السلطات في شخص واحد
تثختصر فيه إرادة الحزب برمته، ليتحول أعضاؤه الى إمّعات لا دور لهم في
رسم سياسات الحزب ولا دور لهم في صياغة القرارات الهامة سواء تلك التي
تخص الحزب نفسه او تلك التي تتعلق بشؤون عامة الناس في المجتمع، لذا
فإن الشورى تأتي كشرط مهم وفاعل في تشكيل الطبيعتين الفكرية والعملية
للحزب، وغياب الشورى وحصر السلطة في شخص او فرد او قائد واحد، تعني
تهميش الآخرين وضمور الجزب في آن واحد.
في هذا الصدد يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد
الحسيني الشيرازي (رحمه الله) بكتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في
الاسلام):
(عندما تكون آراء القائمين على حزبٍ ما مُتحكمّةً به ومفروضةً عليه،
فانّ قدرة التفكير والإرادة الحـرة والبصيرة لدى منتسبي الحزب وجماهيره،
تزول وتمحى، وتزول معها قدرتُهم على خلق القيم وتبلورها، وبنتيجة
التوزيع غير المُتعادل وغير المتكافئ للإمكانيات الحزبية، فانّ الكذب
والنفاق وفقدان الإيمان والمُبالغة في الأمور والخوف تطغى على
الأخلاقيات والتقاليد الحزبية السليمة).
وهكذا سيكون الكذب والنفاق هو أول ثمار الطغيان الفردي في الحركة
الحزبية، وإذا بقي هذا المسار الخاطئ متفشيا في الحركة الحزبية فإن
النتائج المتوقعة ستكون بالغة السوء، بسبب غياب الارادة الحرة لاعضاء
الحزب وانتشار حالة الخوف بينهم ومن ثم التزلف والتملق للشخص الأقوى في
الحزب أملا بكسب رضاه.
لذا يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه عن مثل هذا الحزب:
(إنّ المُنتسبين إليه من وجهةِ النظر الشخصية هم أكثر حقارةً
وتزلفاً ونِفاقاً وخوفاً ولا عقائدية، وهم بالطبع اكثر انقياداً
واستسلاماً، لكن مثل هذا المنتسب الحزبي هو من أكثر العوامل والعناصر
المؤلفة لهيكلية الحزب ثقةً وتقرباً عند القائمين عليه).
إن البدايات السيئة لن تقود الى نتائج جيدة، فحين يبدأ أعضاء الحزب
حياتهم الحزبية بالتملق والتزلف والكذب، فإن النتئج لابد أن وخيمة على
قادة الحزب وأعضائه جميعا، ومع ذلك يبقى العضو المنافق والمتزلف هو
الأقرب للقائد من غيره، وهذه هي طبيعة القادة السلطويين، لكن هذا
لايعني غياب الافراد الشجعان الاقوياء، أولئك الذين لا تنثني ارادتهم
ولا يبيعون مبادئهم بالترغيب او الترهيب، ولكنهم في هذه الحالة لن
يكونوا محط تقدير أو تقريب من لدن قادة الحزب.
يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص:
(على العكس مـن ذلك فـإن الأفراد الشجعان من ذوي الإيمان والإرادة
والذين لا يتلاءم طبعهم الذاتي مع الانقياد الأعمى والطاعة المطلقة، لا
يمكنهم أن يكونوا موضعَ ثقة واطمئنان هؤلاء القائمين والمشرفين على
شؤون الحزب بل لا يمر زمان إلاّ ويُطردون من الحزب).
لذلك فإن مثل هذه الاحزاب التي تفتقد للشورى وحرية التحاور والتشارك
في اتخاذ القرار وما شابه، لابد أنها تؤول للسقوط، بسبب عدم قدرتها على
تمثيل مصالح الشعب، لذلك كما يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه:
(في البلدان النامية، تفقد الأحزاب تلقائياً نفوذها الاجتماعي
وطبيعتها الشعبية إذا كانت مُمثلةً بصورة مباشرة للحكومات والنظم
السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد، فانّ مثل هذه الأحزاب تفتقد
للجاذبية السياسية والشعبية، وذلك لأنّها ديكتاتورية بطبيعتها،
والديكتاتور ينفضّ الناس من حوله وإنّما يبقى بمشنقته وسجنه وتعذيبه).
وهكذا سيؤدي افتقاد الاحزاب لمنهج الشورى الى عزلة الحزب رويدا عن
الشعب، ولهذا السبب بقيت العلاقة بين الاحزاب والشعوب النامية فاترة،
الامر الذي أدى الى إثارة اسئلة عديدة بهذا الخصوص خاصة لدى النخب، إذ
يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه:
(تبقى هناك أسئلة حائرة على أًلسنة المثقفين والذيـن فوجئوا
بالأحزاب والانقلابات وذاقوا الويلات وهي: هل للأحزاب مقدرة على تجسيد
الخيارات الاجتماعية للشعوب؟ وهل هي قادرة على التعبير عن رؤيتها
العالمية وتحسسها بقضايا الأمة أو تؤدي إلى تصنيف المجتمع إلى فئاتٍ
نخبوية بلا حدود وفئاتٍ فقيرة بلا حدود ؟ وهل هي قادرة على أن تكون
سنداً وقوةً للجماهير الشعبية؟). |