
شبكة النبأ: في غرفة كئيبة في منزل
والده تفوح منها رائحة الادوية يرقد ضابط الشرطة العراقي جعفر علي بلا
حراك بعدما شل جسده اثر اصابته برصاصة في الرأس اطلقها احد مقاتلي
القاعدة.
وتقول والدته شكرية حربي وهي تمسح دموعها "امضينا ست سنوات للان
وكأننا نشاهد شخصا ميتا.. شخصا يستطيع تحريك يده فقط. انا امرأة مسنة
ومتعبة وهو على هذا الحال لست سنوات."
وضباط الشرطة الهدف الرئيسي لاعمال العنف في العراق. وتقول وزارة
الداخلية ان 8813 ضابطا قتلوا واصيب 7570 في ثمانية أعوام منذ الغزو
الذي قادته الولايات المتحدة واطاح بالديكتاتور صدام.
ورغم مخاطر المهنة يجد العمل في صفوف الشرطة والذي يبلغ راتبه 500
دولار على الاقل شهريا اقبالا في دولة تحاول اعادة بناء اقتصاد سحقته
سنوات الحرب وعقود الحكم الشمولي.
وقال وكيل وزارة الداخلية احمد الخفاجي "اذا طلبت في اي محافظة 1000
وظيفة شاغرة للشرطة فالمتقدمون سيكونون 40 الفا بدون مبالغة."
فلماذا يريد اي شخص ان يكون ضابط شرطة في العراق؟
وتفيد وزارة التخطيط ان 23 في المئة من سكان العراق اي سبعة ملايين
شخص يعيشون تحت خط الفقر اذ ان 15 في المئة من السكان يعانون من
البطالة بالاضافة الى ان 28 في المئة من القوة العاملة يشغلون وظائف
مؤقتة.
فالاجر الذي يبدأ من 500 دولار شهريا مغر بصفة خاصة للشبان وهم
الاكثر تضررا من نسبة البطالة المرتفعة. وبالمقارنة فان اجر الوظائف
الحكومية الاخرى يبدأ من 200 دولار.
وانضم حيدر (31 عاما) شقيق جعفر الى الشرطة في عام 2007 رغم
الاصابات الخطيرة التي مني بها شقيقه. ومما دفعه لذلك تكلفة العناية
بحالة جعفر وفشله في العثور وظيفة بعد تخرجه من الجامعة وحصوله على
درجة علمية في علوم الكمبيوتر في عام 2003 .
وقال حيدر "المصاريف زادت والاوضاع صعبة جدا وليس هناك وظائف. اين
اذهب؟ لذلك انتميت للشرطة."
ويعني عملك كضابط شرطة في العراق انك مستهدف. فضباط الشرطة مهددون
من مقاتلي القاعدة وغيرهم من المسلحين اثناء الدوريات او في الزحام
المروري او عند اي نقطة من الاف نقاط التفتيش المنتشرة في ارجاء البلاد.
ويستهدف مسلحون عازمون على زعزعة الديمقراطية الوليدة في العراق حتى
المتطوعين الواقفين في صفوف لكتابة طلب التقدم للعمل.
وقال فاضل الشويلي مدير عام مديرية الرعاية الاجتماعية في وزارة
الداخلية ان هناك صندوقا حكوميا يمنح أسرة رجل الشرطة المتوفي أربعة
ملايين دينار (3400 دولار) بينما يحصل المصاب على راتب لا يقل عن 550
دولارا شهريا اثناء عجزه عن العمل.
ويهدف قانون جديد معروض على البرلمان لمساواة اجر منتسبي الشرطة
بأجر منتسبي الجيش عند حوالي 680 دولارا شهريا. وقال الشويلي "نتمنى من
الحكومة بان تنظر بعين الرعاية لقوات الامن الداخلي. هذا الشريحة ضحت
كثيرا."
ويقول مسؤولون ان الوزارة تحاول علاج الاف المصابين وانها ارسلت 189
ضابطا للعلاج في الخارج في شهري يناير كانون الثاني وفبراير شباط.
ويقول الشويلي ان المصاب سواء بجرح طفيف او اصابة تلازمه مدى الحياة
يحصل على تعويض 300 دولار مرة واحدة.
وفي مارس اذار 2005 بعد شهرين من انضمام جعفر للشرطة كان في مهمة في
الفلوجة حين اطلق مسلحان من القاعدة النار على دوريته.
ولقي زميله حتفه على الفور بينما نجا هو ولكنه اصيب بالشلل. وقضى
تسعة اشهر في المستشفى قبل نقله لمنزل اسرته حيث ترعاه والدته وشقيقه.
ويقبع كرسي متحرك محطم في مدخل المنزل. ويرقد جعفر في غرفته بلا
حراك وبجوار سريره جهاز يخرج منه انبوبان احدهما في انفه والاخر في
حلقه.
ويستطيع جعفر تحريك عينيه ويده اليسرى ولكنه لا يستطيع ابعاد ذبابة
تقف على وجهه. وهو يسمع ولكن لا يتكلم. وكان جعفر في الثانية والعشرين
من عمره حين انضم للشرطة.
وقال والده علي عذاب "لقد كان شابا يريد ان يكسب عيشه ويشتري ملابس.
كان كأي شاب اخر لذلك هو انتمى للشرطة. لقد ساندته في انضمامه للشرطة."
وتبدو والدته منهكة بعد ان امضت سنوات ترعاه وتحصل الاسرة على اجره
البالغ 620 الف دينار (حوالي 530 دولارا) شهريا ولكنه لا يكفي ادويته.
وتسأل الوالدة "هل هذا ذنبنا لاننا تركناه ينتمي للشرطة؟"
وتقول "اتمنى لو انه لم ينتم للشرطة لكن لا ينفع الندم الان. سوف
امضي عمري كله نادمة لجعله ينتمي للشرطة لكن في الوقت نفسه كان يجب ان
اتركه ينتمي. ماذا افعل له؟ شخص يريد أن يعيش.." |