العراق... بين فقر التخطيط وتبديد الموارد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: على مدى ما يقرب من قرن مضى، أي منذ أن تأسست الدولة العراقية الحديثة في 1921، لم تتوفر خريطة عمل حقيقية لبناء هذه الدولة، ولسنا بحاجة الى الخوض في الاسباب، فهي تكاد تكون معروفة لكل من يحاول معرفتها، وأهم المعوقات التي وقفت بوجه تحقيق هذا الهدف، عدم توافر الارادة السياسية المخلصة، لنقل العراق من مرحلة البناء العشوائي الى المنظم، ناهيك عن انشغال النظم السياسية الملكية، والجمهورية، بمصالحها بالاضافة الى قِصَر عمر بعضها، بسبب الصراعات على عرش السلطة، كما حدث مع الحكومات الجمهورية التي تعاقبت على حكم العراق، في السنوات الممتدة بين عام 1958 -2968، أما عقود الحكم الجمهوري في ظل النظام السابق، الذي قارب الأربعة عقود، فقد تم العمل على تكريس كل وسائل حماية السلطة، والانشغال بهذا الهدف، عبر اختلاق الازمات الداخلية والخارجية وغيرها، الامر الذي ألغى جميع الفرص المتوافرة لبناء دولة معاصرة.

بعد عام 2003 إستبشر العراقيون بالعبور الى مرحلة بناء جديدة، بناء متعدد الجوانب، بناء يغادر الأنهاج العشوائية تماما، بناء يستند الى أسس صحيحة ومعاصرة، يشمل السياسة/ الاقتصاد/ التعليم/ الخدمات/ الصحة/ الثقافة/ وما الى ذلك من مجالات أخرى، تشترك في بناء الدولة العراقية الحديثة، وفق خريطة عمل مرسومة الاهداف مسبقا، ومضمونة النتائج في آن واحد.

فهل تم ذلك، وهل انتقل العراقيون فعلا من مراحل الصراع على السلطة – كما حدث طيلة قرن تقريبا- الى مرحلة بناء دولتهم الحديثة؟.

إن الماضي كما هو واضح، لايزال يلقي بظلاله الثقيلة على المرحلة الجديدة، وأن المعوقات التي كانت تقف في طريق بناء الدولة العراقية، صارت تتجدد باشكال وسبل جديدة، وأن مهزلة الفوضى الخلاقة، هي مثال صارخ على العشوائية الجديدة، التي أخذت تحد من فرص بناء دولتنا الحديثة، في ضوء خريطة طريق واضحة المعالم وسهلة التطبيق، وليس من الصعب على المراقب أن يلحظ بوضوح، غياب التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، في المجالات السياسية، والاقتصادية وسواها، ناهيك عن الانشغال شبه الكلي، بإدارة دفة الصراع، بين عناصر العملية السياسية، وفقا لتحقيق المصالح الفئوية، او الجهوية، مع غياب شبه تام للرؤية الحقيقية لبناء دولة العراق، التي تنتمي لروح العصر، ولعل المفارقة الموجعة في هذا الصدد، أن فشل السياسيين والاقتصاديين وغيرهم في بناء الدولة، يأتي في ظل الاجواء الديمقراطية وغياب أداة القمع والفردية، أما الحسابات الاقليمية والدولية، فعلى الرغم من تأثيرها على عملية بناء الدولة العراقية المعاصرة ومحاولات تعويقها، إلا أن هذا الجانب لايمكن أن يكون سببا كافيا لغياب خريطة الطريق الوطنية للبناء.

هذا يعني أن ضعف الارادة السياسية للنخب المعنية بهذا الامر، وجهلها بسبل التخطيط الاستراتيجي، وانشغالها بالمنافع قصيرة المدى، يشكل سببا مباشرا في انتفاء خريطة طريق واضحة المعالم، لبناء الدولة العراقية، مع أن هذه المرحلة – مابعد 2003- تُعد منتجة لأنسب الفرص في هذا المجال، إلا أن واقع الحراك السياسي والاقتصادي وسواهما، يشير الى غير ذلك، وأعني تحديدا، يشير الى فقدان المخطط الاستراتيجي في ميادين السياسة، والصناعة، والزراعة، والتخطيط وسوى ذلك من مفاصل الدولة الهامة.

ولعل المشكلة الأكثر حضورا في هذا الخصوص، تحجيم دور الكفاءات وإقصائها وتحييدها، بل وتشريدها اذا اقتضى الامر، وكلنا نتفق على أن خلو البلد من الكفاءات، لهذا السبب أو ذاك، وفي هذا المجال أو ذاك، يعني استمرارا للعشوائية، وتواصلا مع مراحل تعويق البناء الامثل للدولة، ومع أن النخب والقادة المعنيون، يعرفون تماما ماذا يعني تحييد الكفاءات، إلا أن المصالح ذات الأفق الفردي الآني، أو الحزبي الضيق، تقف عائقا وسدا منيعا أمام التعامل الصحيح، مع هذا الخطر الكبير، الذي يحيق بقضية بناء الدولة العراقية المحدثة.

الخلاصة إننا كعراقيين نحتاج الى خريطة طريق، لبناء الدولة، تنطوي على خطوات واضحة، وتشمل الميادين كافة، وهذه المرحلة التي نعيشها الآن، تشكل فرصتنا الذهبية لتحقيق هذا الهدف، وفي حال إهدارها، فإننا قد نحتاج الى مئة سنة أخرى، لكي نحصل على فرصة أخرى، لبناء دولتنا العراقية المعاصرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/آيار/2011 - 28/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م