المجوسية ليست مسبة ياعرب!

مير ئاكره يي

بين الحين والحين نسمع، أو نقرأ من بعض الاخوة العرب أقوالا وكتابات عن المجوس والمجوسية، أو رمي الايرانيين بالمجوسية. وغالبا ما تكون تلكم الأقوال والكتابات ذا صيغة تعييرية، إزدرائية وإستهزائية كأن المجوسية سُبّة ومسبة، أو كأنها عيب وعار وشنار!.

بالحقيقة إن التعامل مع الشعوب، أو التعاطي مع الأديان والمعتقدات للناس الآخرين بهذه القسوة والعنف والسلبية هو أمر غير حضاري وراقي وبعيد عن الذوق الجميل، ثم إنه جهل، أو تجاهل واضح بحقيقة المجوس والمجوسية على المستوى الديني والتاريخي.

 علاوة إن الازدراء بالناس وتعييبهم وتعييرهم بسبب معتقداتهم الدينية، أو المذهبية، أو الفلسفية، أو الفكرية هو شيء معيب وبعيد عن الذوق واللياقة من ناحية، وإنه غير جائز في الاسلام أصلا. وقد ورد في القرآن الكريم حول ماورد ذكره العديد من الآيات التي تنهى صراحة ذلك وتحرّمه، منها قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم * ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهنّ * ولا تلمزوا أنفسكم * ولاتنابزوا بالألقاب بئس الإسمُ الفُسُوقُ بعد الإيمان * ومن لم يتُب فأولئك هم الظالمون } الحجرات / 11، وقوله تعالى: { ويل لكل هُمزة لُمزة } الهُمزة / 1. ويقول رسول الله محمد [ص]: [المؤمن كالنحلة إن حملت حملت طيبا، وإن وضعت وضعت طيبا]!.

وقد لاحظنا أنه كلما توترت العلاقات بين ايران والدول العربية تطفو على السطح من قبل بعض العرب عبارات [الفرس المجوس] و [أحفاد المجوس] و [أحقاد مجوسية] و [أحفاد عبدة النار] و [المجوسية الحاقدة]، والى غيرها من العبارات ذات الطابع التشهيري والتجريحي والاستهزائي والتعييري. وقد بلغت هذه المسألة ذروتها أيام الحرب العراقية الايرانية [1980 – 1988] من القرن الماضي. إذ خلال هذه المرحلة الكارثية على العراق وكوردستان وايران كانت غالبية وسائل الاعلام العربية تشهّر بالايرانيين عبر العبارات المذكورة آنفا.

مضافا قد تم طبع ونشر الكثير من الكتب حول ذلك، منها كتاب [وجاء دور المجوس]. حتى إن بعضهم زعم إن مذهب الشيعة له إمتدادات وجذور مجوسية وفارسية. وهذا الزعم ليس باطل وحسب، بل إنه مضحك أيضا، إذ لايخفى على الذي له إلمام بتاريخ المجوسية والشيعة يدرك تماما إن هذه المزاعم هي جهل مطبق بالتاريخ، وإنه عار عن الصحة أيضا. والشيعة كمذهب من المذاهب الاسلامية قام ونما في بيئة عربية، وفي أرض عربية ومن قبل شخصيات عربية!!.

وهنا لست في معرض الدفاع عن ايران والايرانيين، أو عن نظامها ومذهبها، أو الديانة المجوسية، لكن على الانسان، فضلا عن المسلم أن يكون صادقا مع نفسه وربه والآخرين، وأن لا نقول في الآخرين ما ليس فيهم بسبب الاختلاف، أو الخلاف الموجود بيننا، حيث ذلك مخالف ومتناقض مع الاسلام والايمان كقوله سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط * ولايجرمنّكم شنآنُ قوم على أن لاتعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى * وآتقوا الله * إن الله خبير بما تعملون } المائدة / 8.

 ومن جانب آخر فإن ذلك يتناقض مع التعارف والتعاون والتلاقح الحضاري والثقافي والانساني بين الشعوب والقوميات كما جاء في محكم القرآن الكريم:{ يا أيها الناس ؛ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى * وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات / 13.

 ومن جانب ثالث لايصح نبش التاريخ المندرس الغابر لإستعارة العبارات النابية للتشهير بالآخرين وقذفهم بها، ثم أليس العرب كانوا قبل الاسلام أمة وثنية وجاهلية فأكرمها الله تعالى، كما أكرم الكثير من الأمم والقوميات الأخرى بالاسلام والتوحيد الخالص! ؟

أما المجوسية التي تعرف اليوم ب[الزرادشتية] فإنها بالأصل ديانة سماوية ربانية توحيدية خالصة، بل هي من كبرى وأهم الديانات السماوية التوحيدية. وقد يتفاجأ الكثير القول بأن المجوسية – الزرادشتية هي أقرب الديانات للاسلام، وبخاصة على صعيد التوحيد. وإن الاسلام إعترف منذ البداية بالمجوسية كديانة سماوية وآعتبرها ومعتنقيها في عداد أهل الكتاب. يقول القرآن الكريم: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } الحج / 22. كما نلاحظ بوضوح فإن الله سبحانه جعل المسلمين واليهود والصابئين والنصارى والمجوس - الزرادشت في صف واحد، وإنه تعالى جعل المشركين في صف آخر، وهو سبحانه يقضي ويفصل بالحق والعدل بين هؤلاء جميعا فيما كانوا فيه يختلفون!.

 أما السنة فقد قال رسول الله محمد [ص] حينما سُئل عن الحكم والموقف من المجوس والمجوسية: [سُنّوا بهم سُنّة أهل الكتاب] يُنظر كتاب [الأموال] للامام الحافظ أبي عبد القاسم بن سلام، ص 40، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط بدون، 1988 بيروت/لبنان.

* كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/نيسان/2011 - 27/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م