الفساد والامن الغذائي

جواد العطار

الحديث عن الفساد المالي والإداري والصفقات الفاسدة والمشبوهة باتت تشغل اهتمام الشارع العراقي هذه الأيام، خاصة بعد أن أعلنت لجنة النزاهة في البرلمان عن عدد غير قليل من هذه الملفات، كاشفة عن تورط مسؤولين كبار بدرجة وزير ووكيل وزير ومستشارين ومقربين من رئاسة الوزراء ضمن القائمة المقرر إخضاعها للتحقيق والمساءلة.

فقد اعلنت هيئة النزاهة على لسان رئيسها القاضي رحيم العكيلي عن اجراء تحقيق مع أربعة وزراء؛ لم يسمهم؛ على خلفية تورط وزاراتهم بملفات فساد، وفي نفس الإتجاه صوت البرلمان على الغاء حماية رئيس الوزراء والوزير ومساءلتهم من قبل هيئة النزاهة والذي كان معمول به سابقا، وفق المادة 136/ب.

 الملفت للنظر أن القضايا المثارة في هذه الملفات وبينها قضية الزيوت الفاسدة والحليب منتهي الصلاحية والشاي المخلوط بنشارة الخشب، ولعب الأطفال الموردة بدلا عن رؤوس توليد الكهرباء لا تشكل تجاوزا على القانون وتطاولا على المال العام فقط، بقدر ما تمثله من استهانة بمصالح الناس واستخفافا بحاجتهم إلى الغذاء والدواء وإلى الكهرباء وسائر الخدمات الأخرى.

بمعنى آخر إن ما يجري تخصيصه من أموال ينبغي أن يسهم بالدرجة الاولى في توفير الامن الغذائي للمواطن، غير إن ما جرى توريده من غذاء كشف عدم صلاحيته للاستخدام البشري اصلا بمعنى أن ذلك الفساد يلتقي اليوم في خندق واحد مع الإرهاب باستهدافه للمواطن بأمنه الغذائي تارة وبأمنه الشخصي وسلامته العامة تارة اخرى.

المسألة اذن لم تعد مجرد فساد مالي، وإنما فساد مركب يستهدف الأمن الغذائي والبيئة وسلامة الإنسان والمجتمع برمته، وعندما تكون وزارتا التجارة والكهرباء متهمتين، وتظهر على قوائم الإتهام أسماء لمسؤولين كبار في الحكومة، فهذا يعني شمولها، أي الحكومة، بذات الإتهام، ولا ينبغي إبعادها بأي حل من الأحوال عن دائرة المسائلة والمسؤولية.

ان الحكومة مطالبة، اكثر من اي وقت مضى، بالتوضيح والإعلان عن موقفها والإفصاح عن رأيها حيال ما يحصل في الزوايا المظلمة وخلف الكواليس، لكن الذي يبعث على الغرابة أن الحكومة رغم اللغط الكثير وارتفاع منسوب الإشاعات والروايات لزمت جانب الصمت، ولم تخرق جداره رغم كل الاقاويل والمناشدات والمطالبات.

وبالتالي لم تكتف بعدم توضيح الحقائق بل أثارت بصمتها حفيظة الآخرين ودللت على لا أبالية تضع إزائها الكثير من علامات الاستفهام، ولعل ذلك ما يفسر حالة الغضب والغليان الذين يسيطران على الشارع، ما تسبب بفقدان الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة والقائمين عليها.

أن ما ينتظره الشعب هو أن لا تكون الإثارات والملفات أجندة تستخدم من قبل الفرقاء لتصفية حسابات سياسية، وأن لا تكون وسيلة لإستقواء طرف على طرف، أو لتعزيز الفرص المتاحة للوصول الى السلطة، وتكرار ذات الدورة على حساب المال العام وحياة الناس. وحتى نخرج من هذه الدوامة ينبغي:

1. التعاون الجاد والبناء بين لجنة النزاهة في البرلمان وهيئة النزاهة والقضاء.

2. كشف حقائق الفساد من قبل الحكومة، وليس غيرها، دون تأخير او تمييع.

3. التعريف بالمفسدين والمتسترين عليهم ومحاسبتهم، ايما كانت مناصبهم، محاسبة صارمة تكون سببا في ايقاف هذا المسلسل التدميري.

وإذا لم يحصل ذلك، وميعت الحكومة الملفات في لجان تحقيق؛ لا أول لها ولا آخر. عندها؛ تفقد قدرتها على اداء مهامها ومسؤولياتها وهي تقترب من نهاية مدة المائة يوم التي ألزمت نفسها بها. وعندها فقط من حق الشعب سحب الثقة التي منحها اياها عبر صناديق الاقتراع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/نيسان/2011 - 25/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م