الانتحار... هروب ولكن الى أين؟

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: يعتبر الانتحار من الحالات الشاذة التي يقدم فيها الانسان على قتل نفسه وبمحض ارادته، وكما قيل "تعددت الاسباب والموت واحد"، فأن اغلب اسباب الموت والوفاة الاعتيادية هي لحوادث قاهرة وخارجة عن سيطرة الانسان، بعكس الانتحار الذي يقوم به نفس الشخص، لكن تبقى النتيجة واحدة وهي الموت.

وقد اشارت العديد من الدراسات والبحوث التي تناولت هذا الجانب النفسي والاجتماعي في حياة الانسان، الى العديد من الاسباب والظروف التي قد تسهل الاقدام على الانتحار وتسوغ دوافعه لدى الشخص المنتحر، وتتنوع بين الحالة النفسية والظروف الاقتصادية وحتى العيش في الاماكن المرتفعة.

من جهتها قامت العديد من المنظمات والجمعيات الانسانية بجهود كبيرة من اجل توعية الناس وخاصة الشباب، في سبيل محاربة هذه الظاهرة، ولعل ماقام به موقع "فيسبوك" الاجتماعي من خطوة للتبليغ عن اي حالة يشك فيها من قبل صديق قد يقدم على الانتحار، محاولة جيدة من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه وقد تسهم مستقبلاً في تقليل نسب الانتحار التي اصبحت في حالة ارتفاع مستمر.

الانتحار والوضع الاقتصادي

حيث قال باحثون في المراكز الامريكية لمكافحة الامراض والوقاية منها ان حوادث الانتحار في الولايات المتحدة تزداد وتهبط حسب الظروف الاقتصادية، والدراسة التي نشرها الباحثون مؤخراً هي الاولى التي تبحث في حوادث الانتحار وفقا للسن ودورات النشاط الاقتصادي، وخلصت الى ان الامريكيين العاملين الذين تتراوح اعمارهم من 25 الي 64 عاما يكونون عرضة بشكل أكبر للانتحار في الاوقات الاقتصادية العصيبة، ودرس الباحثون تأثير ظروف العمل على معدلات الانتحار في الولايات المتحدة اثناء الفترة من 1928 الي 2007، واكتشفوا علاقة عامة بين معدلات الانتحار والتغيرات الرئيسية في الاقتصاد الامريكي. بحسب رويترز.

فعلى سبيل المثال زادت حالات الانتحار بشكل حاد اثناء فترة الكساد الكبير مسجلة مستوى قياسيا بلغ 22 حالة بين كل 100 ألف امريكي في العام 1932 ارتفاعا من 18 حالة لكل 100 ألف في العام 1928، وشهدت فترات اخرى من التباطؤ الاقتصادي زيادة في حالات الانتحار ومنها الفترة بين عامي 1937 و1938، والفترة من 1973 الي 1975، والفترة بين عامي 1980 و1982، وعلى العكس تراجعت معدلات الانتحار اثناء فترات الازدهار مثل فترة الحرب العالمية الثانية والنمو الذي استمر عشرة اعوام من 1991 الي 2001 حين شهدت البلاد ازدهارا اقتصاديا وتراجعا في معدلات البطالة، وقال جيمس ميرسي المسؤول في المراكز الامريكية لمكافحة الامراض في بيان "معرفة ان معدلات الانتحار تزداد خلال (فترات) الركود الاقتصادي وتتراجع اثناء فترات النمو تؤكد الحاجة الي اجراءات اضافية للحيلولة دون وقوع حالات انتحار عندما يضعف الاقتصاد"، واضاف قائلا "انه اكتشاف مهم لصناع السياسة واولئك الذين يعملون من اجل منع الانتحار."

العيش بأماكن مرتفعة

هناك العديد من عوامل الخطر المعروفة والمرتبطة الانتحار، إلا أن فريقا من الباحثين وجد عاملاً إضافياً قد يدفع بشخص ليضع حداً لحياته، وهو العيش في أماكن مرتفعة.وقام الفريق العلمي، بقيادة د. باري برينر، من "يونفيرستي هوبسبيتال كيس ميديكال سنتر" بكليفلاند، (University Hospitals Case Medical Centre) بتحليل بيانات مجمعة على مدى 19 عاماً من 2584 مقاطعة أمريكية، عن أسباب الوفيات، وفي الدراسة المنشورة في "دورية طب المناطق المرتفعة وطب الأحياء"، قام الخبراء بمقارنة معدلات الانتحار في خمسين مقاطعة منخفضة، وعدد مماثل لمقاطعات أخرى تقع على ارتفاع عال، ليكتشفوا أن النسبة ترتفع بواقع ثمانية مرات بين سكان المناطق المرتفعة. بحسب السي ان ان.

ويشار إلى أن عوامل الخطر المقترنة بالانتحار، في الولايات المتحدة،  تزداد بين الذكور، والبيض وأصحاب الدخول المتدنية والمطلقين، كما أن الاكتئاب وامتلاك سلاح والإحساس بالعزلة، عوامل أخرى يرجح أن تلعب دوراً في هذا الشأن، وبرغم استبعاد الباحثين لخمسة عوامل ذات صلة، اثنان تتعلق بالدخل، والعرض والكثافة السكانية للمقاطعة، وظل الرابط قوياً بين مستوى الارتفاع والانتحار، ورجح الباحثون تزايد نسبة الانتحار بين من يعيشون في أماكن مرتفعة لأسباب فسيولوجية، فالضغط الجوي المنخفض في المناطق الجبلية قد يجعل من الجسم أقل كفاءة في نقل الأوكسجين من الهواء، وهذه التغييرات يمكن أن تؤثر على عمل الدماغ.وأضافوا بأن حالات الانتحار فقط، وليس حوادث القتل الأخرى، هي التي ترتبط بشكل إيجابي مع الارتفاعات العالية، وفي حين أن النتائج لا تزال بحاجة إلى إعادة تقييمها، لكنها تشير، على الأقل، بأن تحقيق حلم "العيش بعلو" قد تأتي بكلفة خطيرة.

بين اليابان وكوريا الجنوبية

فمن جهتها سجلت اليابان العام الماضي ادنى نسبة انتحار منذ تسع سنوات الا ان هذا الرقم يبقى اكثر من 30 الف حالة للسنة الثانية عشرة على التوالي على ما اعلنت الشرطة، في العام 2010، تراجعت عمليات الانتحار بنسبة 3،5 % مع 31690 وفاة وهو ادنى مستوى منذ العام 2001، السنة التي سجلت فيها اليابان 31042 انتحارا على ما اوضحت الشرطة، وتراجعت الانتحارات المرتبطة بالازمة الاقتصادية بنسبة 11،2 % مقارنة بالعام 2009 وطالت 7438 شخص، الا ان عدد الضحايا الذين انتحروا جراء مشاكل عائلية عرف ارتفاعا نسبته 9،2 % ليصل عددهم الى 4497 شخص، وفاق عدد عمليات الانتحار في الارخبيل عتبة الثلاثين الفا للمرة الاولى في العام 1998، عندما كانت اليابان تمر بموجة من عمليات الافلاس والصرف، ويتجاوز معدل الانتحار في اليابان 25 في الالف اي تقريبا ضعف المعدل العالمي على ما تفيد منظمة الصحة العالمية.بحسب السي ان ان.

ومن جهة اخرى تمكنت كوريا الجنوبية التي تعاني من واحدة من أكبر نسب الانتحار في العالم، من الحد من حوادث الانتحار في انفاق المترو بفضل الابواب الكهربائية، لكن العازمين على قتل انفسهم وجدوا في جسور العاصمة حلا بديلا، على ما اعلنت الشرطة، وذكر تقرير للشرطة الكورية ان عدد الاشخاص الذين يلقون أنفسهم في نهر هان في سيول ارتفع بنسبة 30% خلال العام 2010، اذ سجلت 108 محاولات انتحار نجا منها 80 شخص، في المقابل شهدت محاولات الانتحار في انفاق المترو انخفاضا كبيرا، اذ سجلت 29 حالة في العام 2010 في مقابل 77 في العام 2009، ولم تجر أي من هذه الحالات تقريبا في محطات المترو المجهزة بأبواب كهربائية لا تفتح سوى عند وصول القطار، ما يمنع الراغبين في الانتحار من القاء انفسهم على السكك الحديد، ونقل عن نائب عن سيول قوله "ينبغي التوصل الى اجراءات لمنع حالات الانتحار من على جسور نهر هان"، ويسجل في كوريا الجنوبية أعلى معدل للانتحار بين دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، اذ ينتحر في البلاد 31 شخصا من بين كل مئة الف، تليها اليابان مع نسبة 25 من بين كل مئة الف.

فيسبوك والانتحار

على صعيد اخر أعلن موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أنه بصدد إطلاق خدمة جديدة هي عبارة عن نظام إنذار يتيح للمستخدمين الإبلاغ عن أصدقاء يعتقدون أنهم يفكرون بالإقدام على الانتحار، والخدمة هي مشروع مشترك بين "فيسبوك" وجمعية "سامارايتنز" (السامريون) المعنية بتقديم النصح والمساعدة لمن يعانون مشاكل الضيق واليأس، بما في ذلك المعاناة التي قد تؤدي إلى الانتحار، ونشرت الجمعية نبأ إطلاق الخدمة على موقعها على شبكة الإنترنت، داعية المهتمين إلى الإبلاغ عبر "مركز المساعدة على فيسبوك" عن حالة أي شخص يعتقدون أنه يفكر بالإقدام على الانتحار، كما ذكرت الجمعية أن عدة أشخاص قد استخدموا الخدمة خلال مرحلتها التجريبة التي بدأت منذ ثلاثة أشهر دون أن ترافقها أي دعاية أو ترويج.

وأضافت أنه لم يتم الإبلاغ عن أي حالة كاذبة خلال الفترة المذكورة، وسيكون بوسع أي شخص ينتابه قلق بشأن صديق له يعاني من هكذا مشاكل أن يملأ بيانا يوضح فيه تفاصيل المخاوف التي تنتابه، ومن ثم يجري تمرير المعلومات إلى القائمين على الموقع، والذين يقومون بدورهم بالاتصال بالأشخاص المعنيين ويسعون لتقديم المساعدة اللازمة لهم، ، ويأتي إطلاق الخدمة الجديدة في أعقاب عدة حالات أعلن فيها بعض من مستخدمي "فيسبوك" عبر الموقع نيتهم بالانتحار، صفحة البلاغاتولدى الوصول إلى صفحة البلاغات، يُسأل المستخدم عن عنوان صفحة فيسبوك (URL) التي تنشر عليها الرسائل وعن الاسم الكامل للمستخدم موضوع البلاغ، وعن تفاصيل أي شبكة أخرى هم أعضاء فيه، وبعد الإبلاغ يتم رفع الرسائل المتعلقة بخطر إقدام شخص ما على الانتحار إلى أعلى المستويات المعنية بالقضية، إذ توجَّه إلى عناية فريق عمليات المستخدمين في الموقع. بحسب فرانس برس.

وعمَّا يحدث للبلاغ بعدئذ، قالت نيكولا بيكيت من جمعية "السامريون"، "عندما يتم الإبلاغ عن حالة ما، يتم تقدير ما إذا كان هنالك ثمة حاجة للاتصال بالشرطة على الفور، أم يتعيَّن إحالتها إلينا"، من جانبه، قال موقع "فيسبوك" إن سياسته تقتضي بإبلاغ الشرطة أوَّل بأول إن كان أحد المستخدمين معرَّضا لخطر أذى جسدي وشيك، ويأمل القائمون على الخدمة أن تؤدي الآلية الجديدة للإبلاغ عن حالات الانتحار المحتملة إلى المساعدة بمنع وقوع حالات مشابهة لحالة سايمون باك التي قضت يوم عيد الميلاد الماضي إثر تناولها جرعة زائدة من المخدرات، وكانت الموظفة السابقة في إحدى الجمعيات الخيرية في مدينة برايتون الواقعة جنوبي بريطانيا قد كتبت على صفحتها على "فيسبوك" بأنها تنوي قتل نفسه، وقد كتب العديد من أصداقائها، الذين تجاوز عددهم الألف على "فيسبوك"، تعليقات على رسالتها تلك، لكن لم يقم أي منهم بمساعدتها أو بالإبلاغ عن حالته، إلاَّ أن جمعية "السامريون" قالت إن إطلاق النظام الجديد لم يأتِ استجابة لحالة خاصة بعينها، بل جاء ليرفع حالة الوعي لدى الناس بشأن السبل التي يمكنهم بها الحصول على المساعدة.

ممثل ينتحر على المسرح

الى ذلك انتحر ممثل مسرحي شاب في بريطانيا عندما وجه طعنات قاتلة إلى نفسه وسط تصفيق الجمهور وهتافهم، دون أن يدركوا أن ما يشاهدونه هو حادث انتحار حقيقي، وذكر أن الممثل كيب راستي والكر(19 سنة) قدم أغنية "آسف على كل الفوضى، قبل أن يغرز سكيناً في صدره، ولم يدرك الجمهور في مقاطعة أوريجون البريطانية خطورةَ الموقف، إلا بعد أن سقط وسط بركة من دمائه، حيث هرعوا لمحاولة إنقاذه، ولكن بعد فوات الأوان، وشكلت الواقعة صدمة للجمهور وأثارت تساؤلات حول أسبابها وتباينت ردود الأفعال حول ما أتاه والكر، فبينما تعاطف معه البعض، شعر آخرون بالسخط عليه، لما أصابهم من صدمة. بحسب السي ان ان.

وقالت الشركة المنظمة للعرض إن "ما حدث قد يشكل نقطة تحول في حياة الكثيرين ممن شاهدوه، حيث أن معظمهم لم يتعرضوا لموقف مماثل من قبل"، وقال أحد أصدقاء والكر إنه "كان يخطط لهذا منذ فترة، لأنه كان يريد أن يثبت للناس أنه ليس هناك ما يخيف في الموت، حيث أنه سيصيب الجميع في وقتٍ ما"، وأشار صديق والكر إلى أنه "تم احتجاز الممثل الشاب للعلاج النفسي، لتهديده بالانتحار من قبل، ولكنه خرج من المستشفى بعد ذلك ليختلط بالمجتمع من جديد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/نيسان/2011 - 25/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م