مجاهدو خلق... ازمة عراقية بخلفية ايرانية

 

شبكة النبأ: في 8 نيسان/أبريل، وقعت مواجهة في "مخيم أشرف" في العراق “ موطن لنحو 3400 عضواً من منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المنشقة “ قُتل خلالها ما لا يقل عن أربعة وثلاثين شخصاً على أيدي قوات الجيش العراقي، وفقاً لـ "المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة" نافي بيلاي. وقد أبرز ذلك التصادم مشكلة مستمرة، وهي ما الذي يحسن فعله نحو وجود عدة آلاف من الأشخاص الذين تريد الحكومة العراقية التخلص منهم بشدة، بينما ليس هناك أي بلد آخر يرغبون السفر إليه ويكون مستعداً لقبولهم. وعلى قدر بؤس الموقف الحالي، قد يكون الحفاظ على الوضع الراهن هو الأفضل.

المواجهة

يقول پاتريك كلاوسون في تحليله الاخير المنشور في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، عندما دخلت القوات العراقية "مخيم أشرف" في 8 نيسان/أبريل، ادعت بغداد في البداية أنه لم تُطلَق أي رصاصة. غير أن الحكومة العراقية غيرت كلامها في وقت لاحق بقولها أن ثلاثة أشخاص قد لقوا مصرعهم في اشتباكات وقعت بين السكان الذين ألقوا الحجارة وقوات الأمن التي كان يتم فقط إعادة نشرها. وفي يوم الهجوم أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنه "على الرغم من أننا لا نعلم بالضبط ما الذي حدث في وقت مبكر من صباح هذا اليوم في 'أشرف'، إلا أن هذه الأزمة والخسائر في الأرواح قد بدءا من جانب الحكومة العراقية والجيش العراقي."

وبسبب كون الحكومة العراقية تحت ضغوط، سمحت بغداد لفريق من الأمم المتحدة بالدخول إلى "أشرف" بعد تأخير دام خمسة أيام. ووفقاً لبيلاي "يبدو من المؤكد الآن أن 34 شخصاً على الأقل قد لاقوا حتفهم....من بينهم سبعة نساء أو أكثر... قُتل معظمهم بالرصاص، والبعض يبدو أنه تعرض للدهس حتى الموت، يُفترض بواسطة مركبات...وليس هناك عذراً ممكناً لهذا العدد من الضحايا." وقد كان وصف بيلاي متوافقاً مع لقطات نشرتها منظمة "مجاهدي خلق" تظهر فيها طوابير من ناقلات الجنود المدرعة العراقية وهي تدخل "المخيم"، والمركبات وهي تسحق الأهالي، والرماة وهم يطلقون النار من مسافة قريبة، حتى على النساء. وأكد شهود "المخيم" أن 2500 جندياً من ثماني كتائب ضمن فرقتي العراق التاسعة والخامسة قد شاركوا في الهجوم.

وفي الوقت الذي تبقى فيه القوات العراقية في وضع يسمح لها بشن المزيد من الهجمات العسكرية، ثمة بيان أدلى به مؤخراً مسؤول إيراني دعا فيه إلى القيام بالمزيد من الهجمات. ووفقاً لتقرير من "وكالة أنباء فارس" “ التي غالباً ما تُعتبر مقربة من "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" “ فإن مستشار المرشد الأعلى [علي خامنئي] للشؤون العسكرية اللواء يحيى رحيم صفوي قد "أثنى على الجيش العراقي لهجومه الأخير على معاقل [منظمة "مجاهدي خلق"] الإرهابية المعادية لإيران، وطلب من بغداد مواصلة الهجوم على تلك القاعدة الإرهابية حتى تدميرها."

خلفية "مجاهدي خلق"

ويرى كلاوسون ان خلال حكم الشاه، كانت منظمة "مجاهدي خلق" جماعة معارضة سرية في إيران في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي؛ وقد صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية كمنظمة إرهابية أجنبية. وفي أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، اختلفت الجماعة مع النظام الجديد الذي سجن وعذب وقتل الآلاف من أعضائها. وقد فرَّ من تبقى منهم إلى ملاذات عراقية آمنة حيث شكلوا خلال الحرب الإيرانية- العراقية، قوة مسلحة ضد طهران. وهناك أيضاً أدلة على أن صدام حسين قد استخدم "مجاهدي خلق" ضد خصومه المحليين، على الرغم من أن الجماعة تنفي ذلك.

واليوم تكره طهران منظمة "مجاهدي خلق"، وتواصل اعتقال وسجن وإعدام أعضاءها المتهمين. كما يميل النظام إلى إلقاء اللوم على الجماعة على القدر الكبير من نشاطات [الكيانات] الإيرانية المنشقة، بما في ذلك حالات ليست فيها أدلة تذكر على أي علاقة من هذا النوع. وفي الحقيقة، تخلت الجماعة عن السلاح عقب الإطاحة بصدام حسين عام 2003، ومنذ ذلك الحين ليست هناك أدلة موثوقة تُظهر عن قيام "المنظمة" باتخاذ أي إجراء عسكري. وقد نبذت "المنظمة" العنف بصورة رسمية عام 2004 مما وفر الأساس لاعتراف أمريكي بمنحهم وضع [خاص] كـ "أشخاص محميين". وفي البداية كان "مخيم أشرف" محمياً من قبل القوات الأمريكية، إلا أنه أصبح تحت سيطرة عراقية منذ عام 2009.

البدائل

ويتابع كلاوسون، أكدت واشنطن مراراً اهتمامها بحسم موقف "مخيم أشرف". وكما عبر عن ذلك المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر في 12 نيسان/أبريل: "نحن مستعدون للنظر في أية مساعدة نستطيع تقديمها “ والتي تطلبها حكومة العراق لتنمية وتنفيذ خطة تفاوضية لمعالجة مستقبل 'مخيم أشرف'." ومع ذلك، فإن إعداد مثل هذه الخطة لن يكون سهلاً لأن كل الخيارات المتاحة قاصرة إلى حد كبير.

العودة إلى إيران. أعلن سكان "المخيم" أن خيارهم الأول سيكون الذهاب إلى إيران لكن فقط بعد أن توافق الجمهورية الإسلامية على عدم سجنهم أو اضطهادهم على جهودهم الماضية في المعارضة. غير أن تأمين ضمان يُرضي السكان ربما سيكون صعباً، كما أن إجبار أعضاء "مجاهدي خلق" على العودة إلى إيران رغماً عنهم سينتهك العديد من الاتفاقيات الدولية التي دخل العراق طرفاً فيها.

وفي عام 2007، حذرت "المفوضة السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة" نافي بيلاي، بغداد أن تمتنع عن أي تصرف من شأنه أن يعرّض حياة أو أمن السكان في "المخيم" للخطر مثل الترحيل إلى بلد آخر أو التهجير القسري داخل العراق. وبالمثل، فقد ذكَّرت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" بغداد بأن عليها الالتزام بالعمل بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية “ وذلك يعني أنه ينبغي عدم تفريقهم إلى مكان يخشون فيه الاضطهاد. وقد كررت واشنطن هذه المخاوف في 12 نيسان/أبريل، حيث ذكرت كيف أن السلطات العراقية "قدمت تأكيدات خطية بأن سكان "مخيم أشرف" سوف يعاملون معاملة إنسانية" وأنه "لن يتم نقل أياً منهم قسراً إلى أي بلد قد يتعرضون فيه للاضطهاد."

الاستيطان في دولة ثالثة. لو يظهر أن العودة الآمنة إلى إيران مستحيلة، فقد كان زعماء "المخيم" قد أكدوا أن خيارهم الثاني هو الذهاب إلى دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. لكن ليس هناك أي دولة من هذه الدول مستعدة لاستقبالهم. كما أن التصنيف المستمر من قبل وزارة الخارجية الأمريكية لـ منظمة "مجاهدي خلق" بأنها كيان إرهابي يجعل إعادة توطين أعضاء الجماعة في الولايات المتحدة مستحيلاً. كما أنه يُضعف بشكل كبير من تِأثير واشنطن في حث دول أخرى على قبولهم بدلاً منها. إن مسألة ما إذا كانت منظمة "مجاهدي خلق" تنتمي بالفعل إلى قائمة الإرهاب قد نوقشت في نشرتَي المرصد السياسي 1366 و"1643". ومن المناسب الإشارة هنا إلى أن ذلك التصنيف يفرض تعقيداً مهماً على حسم المأزق الدبلوماسي حول "مخيم أشرف".

والتطور المحيّر هو أن المتحدث باسم "المفوضة السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة" أندريه ماهيسيتش قد قال مؤخراً إن "المفوضية" مستعدة لقبول طلبات الحصول على وضع لاجئ لسكان "المخيم" لو وقعوا على بيانات فردية ينبذون فيها العنف كوسيلة لتحقيق أهدافهم. ورغم تأكيده أن سكان "أشرف" لم يكونوا راغبين للقيام بذلك، تنفي منظمة "مجاهدي خلق" هذا الإدعاء.

الوضع الرسمي في العراق. لو تبيّن أن إعادة التوطين في الغرب هي أيضاً أمراً مستحيلاً، فقد كان زعماء "المخيم" قد أكدوا أنهم يرغبون حينئذ في البقاء في العراق قرب الحدود الإيرانية لتعزيز المقاومة غير العنيفة، وإبقاء الأمل حياً في عودتهم إلى إيران عند انهيار النظام. غير أن قبول وجود سكان "أشرف" أمراً مرفوضاً سياسياً من قبل بعض من أكبر الأحزاب في الائتلاف العراقي الحاكم، بمن فيها تلك الأكثر تقرباً إلى إيران. وقد جعلت طهران من وجود "مجاهدي خلق" قضية رئيسية في العلاقات الثنائية، وعليه فإن التضييق على الجماعة هو إحدى الوسائل المتاحة أمام بغداد لبناء علاقات أفضل مع الجمهورية الإسلامية.

غير أن منظمة "مجاهدي خلق" وحلفاءها كثيراً ما تبنوا توقعات غير واقعية حول ما قد تفعله واشنطن نيابة عن سكان "أشرف"، مثل معارضتهم عام 2009 لتسليم المسؤولية الأمنية عن نطاق "المخيم" إلى الحكومة العراقية. كما يجادل مؤيدو الجماعة في الولايات المتحدة بأن الحماية المستمرة لوجود "المنظمة" في "أشرف" ينبغي أن تكون هدفاً أمريكياً في المفاوضات التي تتعلق بالتعاون مع بغداد بعد عام 2011. ومع ذلك، فمن المستبعد أن تتبنى واشنطن قضية مثيرة للجدل في السياسات العراقية نيابة عن جماعة، تُصر وزارة الخارجية الأمريكية على أنها منظمة إرهابية.

الوضع الراهن أفضل من البدائل

ويرى كلاوسون في تحليله إذا استثني ظهور بديل آخر، فإن أفضل طريقة عملية أمام أعضاء منظمة "مجاهدي خلق" هي البقاء في "أشرف" شريطة ألا تكون هناك أية هجمات أخرى ضد السكان. وعندما زار وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي أكبر صالحي بغداد في كانون الثاني/يناير، أعلن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن بغداد كانت "مصممة على التعامل مع هذه القضية ["مجاهدي خلق"] "، مضيفاً "هناك بعض الالتزامات الإنسانية تتعهد بها حكومتنا، لكن الوفاء بتلك المهمات ينبغي ألا يخل بسيادة العراق الوطنية." وهذه صيغة جيدة، وعليه فإن الأمر يرجع لواشنطن للعمل مع بغداد لضمان أن تفي الممارسة بذلك المعيار على أرض الواقع. ولتحقيق هذه الغاية ينبغي على الولايات المتحدة أن تحث "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)" على تعزيز مشاركتها. فعلى سبيل المثال، تزعم منظمة "مجاهدي خلق" وأصدقاؤها في الكونغرس الأمريكي “ بينما تنفي ذلك بغداد “ أن سكان "المخيم" قد تعرضوا للمضايقات والضغوط النفسية عن طريق مئات المكبرات الصوتية، فضلاً عن القيود الطبية. ويمكن لبعثة "يونامي" أو أية وكالة مماثلة أن تكون مفيدة كحَكماً خارجياً محايداً قادراً على تقديم تقرير عن الموقف مباشرة من المصدر.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/نيسان/2011 - 25/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م