الاحتجاجات في العراق... نفخ في قربه مكسورة

المالكي يندد باستبداد الرؤساء العرب ويأمر بحصر التظاهرات

 

شبكة النبأ: مع انطلاق حرة الانتفاضات العربية التي غيرت من خارطة العديد من الدول، اذكيت جذوة الاحتجاجات الشعبية في العراق المطالبة بالإصلاح السياسي والقضاء على الفساد الاداري والمالي المنتشر في معظم مؤسسات الدولة. حيث شهدت معظم المدن العراقية مظاهرات سليمة حاشدة لا تزال مستمرة وان في مناطق محدودة وبأعداد اقل بكثير، اسوة بما تحقق من مطالب دعا اليها المحتجون.

وعلى الرغم من استياء الكثيرين من اسلوب تعامل القوات الامنية والسلطة السياسية مع تلك الاحتجاجات التي اتصفت بالعنف احيانا، الا ان ذلك لم يتسبب بمشاكل امنية تذكر، خصوصا بعد ان سحبت اغلب الجهات السياسية والدينية البساط من تحت اقدام المتظاهرين، بدعوى حراجه الوقت والخشية من التداعيات الامنية التي ستترتب على اي فراغ امني متوقع الحدوث.

ويتهم المحتجون السلطات العراقية والاحزاب السياسية بالتآمر على اسقاط مطالبهم المشروعة، سيما بعد قذف منظموها بتهم باطلة تحمل نوايا غير سليمة قصدها الاساءة الى العملية الديمقراطية في العراق.

فيما كانت المفارقة جلية في الموقف الرسمي العراقي الذي ادان العنف الذي تعاملت به بعض البلدان الاقليمية في التصدي للاحتجاجات الشعبية، متهما بعض الانظمة بالاستبداد، في الوقت الذي سنت الحكومة العراقية قوانين لحصر التظاهرات مؤخرا.

حظر الاحتجاجات في شوارع بغداد

فقد أدى الحظر الذي فرضته الحكومة على الاحتجاجات في شوارع العاصمة العراقية ببعض العراقيين الى التشكيك في التزام قادتهم بالديمقراطية وحكم القانون. وخرج آلاف العراقيين الى الشوارع في مظاهرات خلال الأشهر الاخيرة مستلهمين الانتفاضات الشعبية التي تجتاح الدول العربية للمطالبة بتحسين الخدمات الاساسية والقضاء على الفساد.

لكن قرار الحكومة بقصر التظاهرات في بغداد على الاستادين الرياضيين الرئيسيين فقط اعتبر غير دستوري وأثار الشكوك بشأن قدرة الحكومة على الاستجابة لمطالب المتظاهرين.

وقال علي الفريداوي الناشط في حركة 15 مارس التي ساعدت في تنسيق عدة مسيرات في بغداد مؤخرا ان الحكومة العراقية تنحرف عن الديمقراطية وان حظر الاحتجاجات وحبس المتظاهرين داخل استاد امر غير قانوني ولا دستوري. واضاف ان قرار الحكومة يكشف بوضوح عن خوفها من الغضب المتزايد بين العراقيين تجاه الاداء المتعثر لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وقال اللواء قاسم الموسوي المتحدث باسم قائد القوات المسلحة ان المظاهرات قصرت على استاد الشعب واستاد الزوراء لاسباب اقتصادية.

وقال ان اصحاب المحال التجارية في بغداد شكوا من ان الاحتجاجات الاخيرة قد بدأت تؤثر على عملهم لذا فقد قررت الحكومة حظر المظاهرات في الشوارع والمناطق التجارية.

وما زال العراقيون بعد ثماني سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق والذي اطاح بالرئيس السابق صدام حسين وادى في النهاية الى اجراء انتخابات حرة يشعرون بالاحباط تجاه نقص مياه الشرب والكهرباء وحصص الغذاء والوظائف.

وحاول السياسيون تخفيف غضب العراقيين بمنحهم حصصا مجانية من الكهرباء وبتحويل المخصصات في الميزانية من الطائرات الحربية الى السلع الغذائية. وأمهل المالكي وزراءه 100 يوم لتحقيق الاصلاح. بحسب رويترز.

وعلى خلاف دول المنطقة الاخرى التي تسعى الى اسقاط أنظمة الحكم الشمولية لم يحاول العراقيون اسقاط حكومتهم المنتخبة التي شكلت في ديسمبر كانون الاول.

وأصبحت الاحتجاجات في بغداد التي بدأت في فبراير شباط وجرى أغلبها ايام الجمعة في ميدان التحرير بوسط العاصمة مظهرا ثابتا لكن اعداد المشاركين فيها تقلصت منذ مقتل عشرة أشخاص على الاقل في مظاهرات عمت البلاد في 25 فبراير شباط.

من جهته انتقد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بشدة قرار الحكومة العراقية، معتبرا انه "سخيف ومناف للديموقراطية". وقال الصدر في بيان رد فيه على اسئلة تتعلق بمنع الحكومة للتظاهرات في ساحة التحرير والفردوس وحصرها في ثلاثة ملاعب لكرة القدم ان "الحكومة تدعي الديمقراطية وهذا ينافيه". واضاف الزعيم الشيعي المقيم في ايران "اعتبر القرار خائف من التظاهرات وهو قرار سخيف ولا معنى له ولا داعي له".

وقال الصدر "قد تتحجج (الحكومة) بالوضع التجاري (...) اقول تقديم مصالح المتظاهرين اولى ام المحال التجارية ام ماذا؟". واضاف الصدر ان "التظاهرات في الملاعب قد تؤدي الى اتلافها بالتأكيد وهذا غير مرض. هذه الاماكن معدة لامور خاصة تتنافى مع التظاهر السلمي".

ورأى الصدر ان "الحكومة تتصور ان كل صيحة ومظاهرة ضدها لذلك تحاول حصرهم والتضييق عليهم وهذا غير مقبول".

واتفق حيدر الملا النائب في البرلمان العراقي عن قائمة العراقية قائلا ان الدستور العراقي واضح في ضمان الحق في التظاهر وان هذا التقييد من جانب الحكومة يثبت انها ليست لديها القدرة على الوفاء بمطالب الشعب العراقي.

وحصل المالكي على فترة ثانية في رئاسة الوزراء في ديسمبر كانون الاول بعد اشهر من الخلافات بين الفصائل الشيعية والكردية والسنية.

وانتقدت حكومة المالكي وحكومة كردستان العراق في الشمال لتعاملهما بقسوة مع الاحتجاجات مما أسفر عن عشرات من القتلى والجرحى. وقالت منظمة العفو الدولية ان جنود الشرطة العراقية استخدموا القوة المفرطة في محاولتهم اخماد الاحتجاجات.

ولم تطبق الحكومة الحظر حتى الان. وتجمع المتظاهرون في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي ولم تعتقلهم قوات الامن.

وقال موسوي المتحدث الامني باسم المالكي ان قوات الامن لن تستخدم القوة ضد المتظاهرين الذين لا يلتزمون بالحظر لكنها ستحاول افهامهم ان اغلاق الطرق والجسور سيؤثر على الانشطة التجارية والاقتصادية في بغداد.

الاستبداد في العالم العربي

فيما برر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التظاهرات الجارية في العالم العربي "بالاستبداد" و"القمع" اللذين طالا شعوب المنطقة، وذلك في بيان نشره مكتبه. وقال المالكي في نص مقابلة اجراها مع وكالة الانباء الكورية الجنوبية نشره مكتبه السبت "نحن نعتقد ان الكثير من هذه الحركات والاحتجاجات طبيعية ومتوقعة نظرا لما تعانيه العديد من هذه الشعوب من استبداد وقمع وفساد وانعدام للتنمية".

وتابع "من حق الشعوب ان تسلك كافة السبل السلمية الكفيلة بتغيير واقعها نحو الاحسن". واكد "اننا كتجربة ديمقرطية فتية لا نستطيع الا ان نقف الى جانب الشعوب في مطالبها المشروعة". واشار النص الى ان المقابلة جرت في 20 نيسان/ابريل.

وندد المالكي في الشهر الفائت بتدخل دول الخليج في البحرين لقمع حركة احتجاج معظم المشاركين فيها من الاكثرية الشيعية في البلاد. وفي شباط/فبراير شدد على حق الشعب المصري في الديموقراطية بعد الثورة التي اطاحت بنظام حسني مبارك.

مطالب برحيل المالكي

في السياق ذاته تظاهر عشرات العراقيين وسط بغداد طالب اغلبهم برحيل رئيس الوزراء نوري المالكي فيما ناشد اخرون الحكومة اطلاق سراح المعتقلين ومحاربة الفساد.

وانقسم المتظاهرون الذين لم يتجاوز عددهم المئتين وارتدى اغلبهم قبعات بيضاء وحملوا لافتات ورقية واخرى كبيرة الى مجموعات متفرقة في نصب التحرير في قلب بغداد، وسط اجراءات امنية مشددة.

ورددت مجموعة من الشباب يحملون علما عراقيا كبيرا "كذاب كذاب نوري المالكي" و"ارحل يمعود ملينه (مللنا)" و"اخرج ..اخرج يا محتل". وقال ابو خلدون الذي وضع علما عراقيا على عنقه "نقول للمالكي لا نريدك ولا نريد من يبيع بلده لدول الجوار".

ورفع احد المتظاهرين خارطة للعراق تقطر دما رسم عليها سيوف تقطر دما تدخل من دول الجوار.

وعلق احد المتظاهرين لافتة كبيرة حول رقبته، كتب عليها "باسم الشعب: اعدام عميل ايراني نوري احمدي نجاد (وفقا) للمادة 4 ارهاب" ووضع عليها صورة للمالكي.

وكانت التجمعات في ساحة التحرير ايام الجمعة تطالب بتحسين الخدمات ومكافحة البطالة ومحاربة الفساد فقط وتشهد حضورا بلغ اوجه في 25 شباط/فبراير الماضي مع خمسة الاف متظاهر لكن الاعداد تدنت تدريجيا ولم تتجاوز المئتين هذا الاسبوع.

كما تجمع على مسافة قريبة، اخرون يمثلون نخبة من اعضاء نقابات العمال بينهم عدد من كبار السن يرتدون قبعات بيضاء وحمل احدهم علما عراقيا وسط هتافات بينها "جمعة ورة جمعة الفاسد نقلعه".

وقال لؤي الغنام متقاعد "اطالب باقالة حكومة المالكي ومحاسبة الفاسدين". واضاف "يجب فصل الدين عن السياسية وعدم منح الاحزاب الدينية الفرصة لرسم سياسية البلاد".

وفي تجمع مستقل جمع نحو عشرين متظاهر اغلبهم من النساء يحملن صورا لمعتقلين و يرتدن عباءات سوداء، طالبوا باطلاق سراح المعتقلين الابرياء وفتح ملفات المعتقلين الذين مازالوا دون محاكمة.

وقالت ام عدنان في الستينات ترتدي عباءة سوداء وتضع نظارت سميكة "اطلب من جميع العراقيين البقاء في ساحة التحرير حتى يطلقوا سراح ابنائنا الذين لانعرف مصيرهم والى متى سيبقون في السجون".

من جهتها اكدت ناهدة احمد (55 عاما) الموظفة في وزارة الثقافة "اطالب بفتح ملفات المعتقلين ومحاكمة المجرمين واطلاق سراح الابرياء لان بقاء هؤلاء يدعم الارهاب ويؤدي الى مشاكل اجتماعية كبيرة بسبب غيابهم عن اسرهم". واضافت ان "محاربة الفساد امر مهم جدا كونه الحاجز امام تطور البلاد من جميع الجوانب واحدى اسباب انهيار المجتمع".

معارضة تمديد للوجود الامريكي

من جهة اخرى احتشد الاف العراقيين في مدينة الموصل الشمالية في واحدة من أكبر الاحتجاجات حتى الان ضد أي تمديد للوجود العسكري الامريكي في العراق. وتزايدت الاحتجاجات في المدينة منذ التاسع من أبريل نيسان في الذكرى الثامنة لاسقاط القوات الامريكية تمثال الرئيس السابق صدام حسين في بغداد. لكن الاحتجاجات ما زالت سلمية.

واحتشد يوم الاحد حوالي 5000 شخص بينهم أعضاء في مجلس المحافظة وشيوخ قبائل في الساحة الرئيسية لابداء معارضتهم لتمديد وجود القوات الامريكية بعد انتهاء المهلة في نهاية العام.

وقال الشيخ برزان البدراني زعيم قبيلة البدراني في الموصل " نحاول الضغط على الحكومة كي لا تفكر مجرد التفكير في تمديد وجود الامريكيين (في العراق) الذين جلبوا الخراب لبلادنا."

واضاف "المطلب الثاني هو اطلاق سراح المعتقلين المحتجزين في السجون العراقية... والاخر هو اجراء اصلاحات في الحكومة العراقية. نحن لا نقبل المسؤولين الفاسدين ونشعر بالاسف لاننا أعطيناهم أصواتنا."

وفي مدينة ينظر اليها على أنها اخر قاعدة لتنظيم القاعدة في المناطق الحضرية مزج المحتجون الشعارات المعادية لامريكا مع دعوات مكافحة الفساد والضغط للافراج عن المعتقلين العراقيين.

كما نظمت تجمعات حاشدة مناهضة لتمديد وجود القوات الامريكية في بغداد في الايام الاخيرة من جانب أتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر المناهض للولايات المتحدة الذين تعهدوا بتصعيد المقاومة المسلحة اذا بقيت القوات الامريكية بعد 31 ديسمبر كانون الاول.

ومن المقرر أن تسحب واشنطن القوات المتبقية من العراق بحلول 31 ديسمبر كانون الاول بعد أكثر من 8 سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.

ويقول رئيس الوزراء نوري المالكي ان الجيش والشرطة العراقية قادران على توفير الامن في بلد ما زالت تقع فيه التفجيرات والهجمات بشكل يومي وانه لن تكون هناك حاجة لقوات اجنبية بعد نهاية هذا العام.

وينظم العراقيون -بوحي من المسيرات في أماكن أخرى بالمنطقة- احتجاجات منذ فبراير شباط ضد الفساد ونقص الخدمات الاساسية لكن الكثير منها لم تطالب حتى الان بتغيير كامل لحكومتهم المنتخبة ديمقراطيا.

وانتقلت قبائل من مدن عراقية أخرى بما في ذلك الرمادي والفلوجة في الغرب والنجف في الجنوب وكركوك في الشمال الى الموصل للتعبير عن تأييدهم لخروج القوات الامريكية بحلول نهاية العام.

وقالد سعيد ابو علي وهو أحد منظمي المظاهرات في الموصل ان حظرا للتجول فرض الخميس لمدة يومين في المدينة لم يمنع المحتجين من المشاركة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/نيسان/2011 - 24/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م