عن الشروكية والمعدان والمحافظات

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في اي لقاء تكون فيه مع بعض الاصدقاء او مجموعة من الاقارب، وبالإضافة الى احاديث السياسة والحكومة والاحزاب، يتم الحديث ايضا عن (الشروكية والمعدان والمحافظات) وهي احاديث وتوصيفات لا تخلو من التعالي والذم وتوجيه اقذع العبارات لهؤلاء الناس، واكثر ما تتردد كلمة (الشروكية) على الالسنة ثم تاتي بعدها كلمة (محافظات) والمرتبة الثالثة لكلمة (المعدان) او (المعيدي).

كل شيء سيء تجده في الشارع هو بالضرورة صادر عن هذا التوصيف (شروكي)، كل جندي او شرطي يقوم بتفتيش السيارات في السيطرات وعند الحواجز هو (محافظات) فابن بغداد لا يتصرف بنفس الطريقة التي يتصرف بها ابن المحافظات.

المحافظات، اكثر ما ترد توصيفا لمحافظات الجنوب والوسط والتي هي شيعية، مثلما الشروكية والمعدان هم من الشيعة. فما الذي ساهم في تشكيل مثل هذه الصور النمطية و ترويجها على مدار عقود طويلة؟

نجد مرادفا قد يكون قريبا من تلك الاوصاف عند سكنة المحافظات، لكنه لا يرتبط بالمذهب او الطائفة، فالغريب هو (مو من الولاية) او هو (لفو) لكن هذه التوصيفات تضيع وتضمحل من خلال التعامل اليومي ولا تنسحب على المذهب او الطائفة لان الجميع من مذهب واحد وطائفة واحدة.

على العكس من بغداد، فالتوصيفات تبقى على حالها مهما تقادم الزمن ومهما مرت الايام، الصل غالب في هذه الحالة ولا مفر من تلك الوصمة الاجتماعية.

المعدان الذين كتب عنهم (ولفرد ثيسكر) هم سكنة الاهوار وهم ورثة العظمة العراقية القديمة وورثة عظماء الحضارات العراقية القديمة، جلجامش وسرجون وكوديا ونارام سين واور – نمو ولوكال زاكيزي.

وهم تجدهم في احد النصوص القديمة التي تقول:

(لقد اعطتنا الآلهة منه عظيمة

هي هذه المياه الوفيرة والسمك الكثير

فأمسك مجدافك يا رجل القصب

واذهب بعيداً

واينما حللت فقل

انا ابن الماء والقصب

ولا اهاب الحيوانات المفترسة

واعداء الآلهة

قل دائماً انا ابن الماء والقصب

وادفع بمرديك بعيداً).

والمعدان مفردها (معيدي) قد تكون مأخوذة من (المعدن) وهي اشارة الى اصالة وعراقية هذه الشريحة الاجتماعية ووجه الشبه بينهم وبين المعدن هو القدم والاصالة والعراقية فالمعادن توجد في باطن الارض منذ الاف السنين وهم – اي المعدان – سكنوا العراق منذ غابر العصور.

وهناك من الانثروبولوجيين من يعتقد انهم من بقايا السومريين ويستدل على ذلك بأن منطقة الاهوار كانت موطن السومريين حيث مدن اكد واور وكذلك من وجود بعض الادوات والعدد السومرية التي لاتزال مستخدمة عند المعدان مثل (الفالة) و(المشحوف) وهو وسيلة التنقل الوحيدة لديهم عبر المياه والادغال لكن المتفق عليه انهم من اصول سامية وهناك من يؤكد على انهم يتحدرون من ارومة عربية.

واما الرأي الثاني فيرى ان (المعيدي) مأخوذة من المعاداة اي المناكفة والرفض ويرى اصحاب هذا الرأي ان قوات الاحتلال الانكَليزي شجعت على استخدام هذه المفردة بقصد تحقير سكان الاهوار الذين قاتلوا الانكَليز عند دخولهم العراق مطلع القرن المنصرم وأبلوا في قتالهم بلاءاً حسناً فتحولت عملية احتقار هؤلاء الى عرف سياسي غير معلن وتقليد اجتماعي ظاهر للعيان وسنة الانظمة التي تعاقبت على حكم العراق.

في حين أن الباحث العراقي عباس العزاوي يقول في كتابه عشائر العراق أن المعدان أو المعادي هم مجموعة تمتهن تربية الجواميس كما أنه يقول أنه لا يرى أثراً للهنود أو الإيرانيين فيهم ويعتقد أن الزعم بوجود أصل عراقي قديم فيهم مثل الأصل السومري لا يتجاوز حدود التخرصات "والكلام للعزاوي". حيث يذكر أن الكل متفقون على أنهم عرب, وأن تربية الجاموس لا تحقق أصلاً غريباً. وإنما تعين حاجة اقتضتها الحالة ولا يبعد أن يكون الجاموس موجودة قبل الفتح (الفتح الإسلامي للعراق) فاستمر وتدرب العرب على تربيته أو أن الذين تعهدوه قد اندمجوا فلم نعد نفرق بينهم وبين السكان الأصليين. في حين يرى الرأي الثالث أنهم خليط من عدة عناصر عربية وعراقية قديمة.

لقد كان (معدان الاهوار) جزءاً من يعاربة المكان، ربما منذ النزوح السامي لأكد، الذين هم من بطون العرب الآتين من شبه الجزيرة العربية، وما دام القرآن الكريم قد تحدث عن عروبة ابراهيم ”ع“، فان انتماءه الاكدي ربما اقرب لانتمائه السومري، بعد ان نعلم ان أور السومرية خضعت في فترة من الفترات الى هيمنة الامبراطورية الأكدية، التي حكمت في القديم عصوراً وملكها العظيم (سرجون الاكدي) الملقب (ملك الجهات الاربع) والتي تلتقي قصة ولادته في الشكل والرؤية مع ولادة النبي موسى قبل ان تنهض سومر وتبني سلالتها الثالثة على يد المشرع الكبير، وصاحب العدل، وباني اكبر معبد في التاريخ القديم (زقورة اور) الملك اور - نمو ويشير الكاتب نعيم عبد مهلهل في مقالته (المعدان عرب الاهوار.. زادهم الفطرة والتشيع والكرم) الى ان الاصول الباقية في ملامح الكثير من هؤلاء القوم، اذ تنبئ السحنة والشكل والقوام على جدلية الترابط التكويني والعادات بين اولئك الذين صنعوا مجد اكد وسومر وبين سكان الاهوار، يضاف اليهم في السكن عرب اقحاح أتوا من هجرات القبائل التاريخية عبر العصور، وسكنوا مع المعدان في ذات البيئة، كما فعلت قبيلة بني اسد كبرى قبائل منطقة الجبايش، وهي قبيلة عربية من افخاذ كثيرة سكنت بطائح اهوار الجبايش جراء نزوحها من حرب لها مع المماليك عام 556هـ، بعد ان كانت تسكن الفرات الاوسط.

وعلى هذه الشاكلة نزح العديد من القبائل الكبيرة لتسكن المنطقة وحوافها على مجمل الاهوار الممتدة بين الناصرية والعمارة والبصرة، غير ان المعدان ظلوا يتميزون بنمط الحياة الاهوارية الخاصة، فيما كان افراد القبائل العربية الاخرى يمارسون اضافة الى سبل العيش في بيئة الهور يمارسون الزراعة، التي لم يقترب منها المعدان كثيراً، لانهم كما يبدو لهم نسق مميز في المعيشة وهي تربية الجاموس، والعيش منه، وما يدر من منتوج، وهنا ينقل لنا نعيم مهلهل نصاً من كتاب (الاهوار.. دراسة تاريخية ديموغرافية طوبغرافية، لمؤلفه الباحث حسن علي خلف، ص 47: (فمهما كانت التسميات التي يطلقها اهل المدن او الباحثون على سكان الاهوار، وخاصة تسمية ”المعدان“ او عرب الاهوار او سكان الاهوار فان عملية التجانس في اسلوب المعيشة بين هؤلاء السكان هي القاسم المشترك، تضاف اليها الروابط التاريخية الاخرى مثل القرابة والمصاهرة والدم والدين واللغة والتفكير المشترك).

اختم بما كتبه عالم الآثار النرويجي الأنثروبولوجي الشهير هايردال المتوفى في نيسان/2002 في كتابه (حملــة دجــلة البحث عن البداية) ما يلي نصه:

(لقد عشت مع أُناس بدائيين في بولونيزا و أمريكا و أفريقيا , و لكن عرب الأهوار ليسوا بدائيين بأي صورة من الصور. انهم متحضرون و لكن بطريقة تختلف عنا. ليس لديهم تكنولوجيا التحكم عن بعد , ولكنهم اختاروا اقصر طرق المتعة ومن مصادرها مباشرة. وقد أثبتت حضارتهم إنها قابلة للحياة والاستمرار , فيما انهارت الحضارات الآشورية واليونانية والفارسية بعد أن وصلت إلى قمة ازدهارها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/نيسان/2011 - 23/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م