قدم الامين العام للامم المتحدة بان كي مون تقريره الثاني حول
الاوضاع في العراق بتكليف من مجلس الامن الدولي بناءا على القرار
المرقم 1936 المتخذ في الخامس من آب 2010 والذي تقرر فيه تمديد ولاية
بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق ( يونامي ) حتى 31 تموز 2011،
لتقييم التقدم المحرز نحو وفاء العراق بمسؤولياته كل اربعة اشهر.
ورغم ان التقرير لم يكن رصينا الى الدرجة التي يصنف فيها بالموضوعية
والمنطقية المستقاة من ارض الواقع، لانه اعتمد على معلومات من مصادر
غير معروفة وعلى انباء وادعاءات جهات لم يحددها كما ورد في المادة 51
من البند هـ - المساعدة الانسانية... الا انه جاء مثمرا في الرقابة
والتقييم على الاداء الحكومي في المجال الانساني ودفعه الى تصحيح
المسار او الاسراع في الاصلاح، كما انه مثل نوعا من المساعدة المفيدة
التي تقدمها بعثة المساعدة الدولية والتي يحتاجها العراق وبلا شك في
مرحلة المخاض الديمقراطي الحالية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ! هل الوضع الانساني بحاجة الى الرصد
الدولي على مستوى المعلومات فحسب؟ ان المساعدة القائمة على رفع مستوى
الوعي في المجال الحيوي الانساني؛ هو ما يحتاجه العراق فعلا؛ وذلك لن
يتم برصد المعلومات عن بعد او مجرد تبويبها، بل بالمشاركة المباشرة على
ارض الواقع مع الجهات الحكومية وغير الحكومية في التعريف والتثقيف
والتأهيل من خلال اقامة المؤتمرات والندوات وتحشيد الرأي العام للالمام
بالقضية البالغة الاهمية، وتدريب الكوادر الامنية والمجتمعية لممارسة
دور اكثر احتراما لحقوق الانسان الطبيعية في الحرية والمساواة وفي
تحسين ظروف الاعتقال وتقنين الانتهاكات...
كما ان الحكومة العراقية والتي هي محل رصد المنظمات الدولية مدعوة
الى التعامل بجدية مع التقارير ذات الشأن؛ بتحليلها اولا والاستفادة
مما يرد فيها من معلومات وحتى اتهامات ثانيا... لا انكارها او محاولة
تخفيف وطأتها او عدم الاكتراث اليها.
ان اصلاح السجون وكشف السرية منها وايقاف الانتهاكات ومحاسبة
المنتهكين وتحسين المعاملة الانسانية على كافة المستويات المدنية
والمؤسساتية واقرار الحق في التظاهر دون قيد او شرط وفقا للدستور، هو
الطريق الامثل للتعامل على اساس الفعل الايجابي وتحسين الواقع الانساني
الداخلي والصورة الخارجية، اما التعامل الحكومي الحالي القائم على اساس
رد الفعل السلبي بانكار التقارير الخارجية ومن ثم اكتشاف صحتها
ومصداقيتها؛ فيما بعد؛ مثلما حدث في سجن مطار المثنى السري قبل اشهر،
فانه لا ينفع الحكومة ولا الواقع الانساني الذي يبقى بحاجة الى اصلاح
حقيقي، ولا لسمعة العراق الدولية ومسار الديمقراطية.
ان فوائد التقارير الدولية وآخرها تقرير منظمة العفو قد يشكل منهجا
وضغطا في سبيل اصلاح الخلل كما قد يدفع الى اعادة التقييم او الى
انتهاج سياسة الشفافية في الملف الانساني، لكنه في الحقيقة يؤشر موقفا
حكوميا متصلبا وطعنا غير مبرر بمصداقية تلك التقارير والمعلومات.
والاحرى بالحكومة ان تمارس الاصلاح بذاتها وتسبق تقارير المنظمات في
هذا المجال... لان الديمقراطية في العراق لن تترسخ اذا لم ترافقها
حقوقا اصيلة للمواطن كما اقرها وكفلها الدستور. لذا فان الحلول تأتي من
مساعدة جدية للمنظمات الدولية واستجابة فعلية من البرلمان في مجال
التشريع، من خلال :
1. التشريع لمؤسسة مستقلة؛ بعيدة عن الحكومة او تشكيلتها الوزارية؛
تتولى مسؤولية رعاية حقوق الانسان من ناحية اقتراح التشريعات او
التوصيات، تكون بديلا مستقبليا عن تقارير المنظمات الدولية او معاونا
لرصدها ورقابتها. وما المفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان الا خطوة
اولى في هذا المجال، وان كان هناك شكوكا ابتداءا حول آلية الترشيح
لها... وهو ما اشار اليه تقرير كي مون في المادة 50.
2. انشاء مؤسسة فعالة تتولى تنفيذ توصيات اللجان التشريعية الخاصة
بحقوق الانسان او مراقبة توصياتها ومتابعة تنفيذها مع الجهات ذات
العلاقة.
وفي الوقت الذي تتولى الجهتين اعلاه مسؤولياتهما بمساعدة وتنسيق مع
المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، حينذاك نستطيع القول ان
الشفافية في التعاطي مع حقوق الانسان تصبح منطلقا في التعامل مع
التظاهرات وملف المعتقلين والسجون السرية والانتهاكات وحتى تقارير
المنظمات الدولية سلبية كانت ام ايجابية بشكل يبعدها عن منطق السلطة
وردود الحكومة؛ لتصب في صالح وضعا افضل للمواطن ولمستقبل الديمقراطية
في العراق... |