شبكة النبأ: يعاني الشعب الباكستاني
من العديد من الارهاصات المؤلمة التي جعلت منه مجتمع متردي الاحوال،
خصوصا بعد سنوات طويلة من الصراع العقائدي والعسكري الذي تقوده الحكومة
ضد المتشددين حتى الان.
فيما كان لتردي الاوضاع الاقتصادية اثرا فاعلا في بلورة بعض
السلوكيات المنحرفة، والثقافات الجاهلة على اكثر من صعيد اجتماعي، قبل
ان تطفو الى السطح فضائع وفضائح لا تكاد يصدقها العقل، واعراف متخلفة
ما انزل بها من سلطان، مما زاد من حجم ما تتعرض بعض شرائح ذلك المجتمع
المكبوت.
وتسعى الحكومة الباكستانية والمجتمع الدولي الى نشر الثقافة
القانونية شبه المغيبة، بعد ارتفاع معدلات العنف والجريمة، كما تسعى
الى حصر انتشار الافكار المتعصبة ممن عملت على تفشيها بعض الجهات
المتظرفة.
من أجل الشرف
فهل صرخت سايما بيبي البالغة من العمر 22 عاماً بينما كان يتم صعقها
بالكهرباء في منزل والديها في قريتهم بالقرب من مدينة باهاولبور
الواقعة في جنوب إقليم البنجاب في باكستان؟ هل دافعت عن حياتها أمام
أسرتها؟ هل طلبت الرحمة؟
لن تعرف الإجابات عن تلك الأسئلة أبداً. فقد قتلت سايما على يد
أقاربها في واحدة من أكثر جرائم الشرف ترويعاً خلال الأشهر الأخيرة في
البلاد، طبقاً لما ذكرته تقارير وسائل الإعلام. وقد تم ارتكاب الجريمة
في أعقاب حكم صدر عن شيوخ القرية بإعدامها عن طريق الصعق الكهربي
لهروبها مع رجل اختارت الزواج منه. وتقوم الشرطة بالتحقيق في جريمة
القتل هذه في الوقت الذي قام فيه رئيس الوزراء بإصدار أوامره لإظهار
نتائج التحقيقات على وجه السرعة.
ويشير تقرير تشريح الجثة إلى أن الفتاة لقت حتفها بسبب إصابتها
بحروق شديدة ولكن أقاربها أفادوا أنها انتحرت. وقال أفضل لودي، وهو
ضابط شرطة في قرية هاكرا حيث ماتت سايما، أنه بعد تلقي الشرطة بلاغاً
عن طريق الهاتف، "قامت بشن غارة لاستعادة جسد سايما".
ولا يعد هذا النوع من الجرائم استثنائياً في البلاد، فطبقاً للجنة
حقوق الإنسان في باكستان، قتلت أكثر من 600 امرأة من أجل "الشرف" في
عام 2009. ويتضمن هذا العدد النساء المشتبه في إقامتهن لعلاقات جنسية
خارج الزواج أو اللواتي يخترن شريك حياتهن بدلاً من قبول قرارات الزواج
التي تتخذها أسرهن أو اللواتي يتصرفن بطرق ينظر إليها على أنها "غير
أخلاقية". كما لا يتم التبليغ عن عدد آخر من جرائم الشرف التي تحدث في
مناطق ريفية بعيدة.
وقال آي. إيه. رحمن، الأمين العام للجنة حقوق الإنسان في باكستان،
أن "جرائم القتل هذه تحدث عند الشعور بأن شرف أفراد الأسرة الذكور قد
جُرح.
وعلى الرغم من أنه يحق للفتيات فوق سن الثامنة عشر قانوناً الزواج
بمحض إرادتهن إلا أن التقاليد تتوقع منهن الموافقة على اختيارات أسرهن.
وقالت بشرى سهيل، البالغة من العمر 42 عاماً، لشبكة الأنباء
الإنسانية (إيرين) "لقد قامت أسرتي ’بالترتيب‘ لزواجي وأخطط أنا أيضاً
للترتيب لزواج بناتي اللائي تبلغ أعمارهن 15 و13 عاماً عندما يكبرن لأن
تلك المصاهرات تحقق التقارب بين الأسر".
مسامحة الجناة
وعلى الرغم من أن جرائم الشرف تعتبر جريمة قتل من وجهة نظر القانون،
إلا أن الأحكام الإسلامية تسمح لأقارب الضحية بالعفو عن الجاني واختيار
دية الدم بدلاً من طلب عقوبة الإعدام، وهو ما يصعب وضع حد لهذه الجرائم،
وفقاً لناشطي حقوق الإنسان.
بالنظر إلى ما أوردته التقارير الإعلامية، فإن معظم أعمال العنف
المروعة تصيب النساء وقالت فوزية سعيد، مدير منظمة مهيرجار غير
الحكومية وعضو اللجنة الوطنية للمرأة التابعة للحكومة "أعتقد أنه ما لم
ينص القانون على عدم العفو لا يمكننا أبداً التعامل مع ما نسميه جرائم
الشرف. يجب اعتبار هذه الجريمة ضد الدولة وليس ضد الفرد. ولكن ما يحدث
هو أن والد الفتاة يقتل ويقوم ابنه بالعفو أو يقوم الابن بالقتل ويقوم
الأب بالعفو. وهذا يحدث مراراً وتكراراً". بحسب شبكة ايرين.
وبصرف النظر عن جرائم الشرف، تعاني النساء أيضاً من أنواع مختلفة من
الوحشية بعد اتهامهن بالقيام بسلوك غير أخلاقي. ويشمل ذلك حلاقة شعر
الرأس أو التعرض لحوادث تسبب لهن التشويه. وعدد هذه الحوادث غير معروف.
وقالت جلنار تابوسام، المنظمة لمنتدى عمل المرأة وهي منظمة مناصرة
لحقوق المرأة: "بالنظر إلى ما أوردته التقارير الإعلامية، فإن معظم
أعمال العنف المروعة تصيب النساء. يبدو أن هذا التوجه يزداد ربما بسبب
تنامي التوترات والإحباط الاجتماعي نتيجة المصاعب الاقتصادية والعوامل
ذات الصلة".
وأخبرت آسيا بتول، البالغة من العمر 19 عاماً، شبكة الأنباء
الإنسانية (إيرين) قائلة: "العديد من الفتيات الصغيرات اليوم متعلمات
ويرغبن في أن يكون لهن رأي في اختيار الشخص الذي سيتزوجنه. ولكن حوادث
مثل الصعق بالكهرباء والتعذيب لسايما بيبي تجعلنا خائفات. فنحن نتردد
حتى في المطالبة بهذا الحق".
احقاق الحق
في السياق ذاته ريحانة ياسمين (19 عاما) وثقت بالنساء اللواتي اتين
لمساعدة سكان بلدتها الباكستانية التي دمرتها الفيضانات الصيف الماضي
الا انها سلمت الى رجلين وتعرضت للاغتصاب تحت تهديد السلاح.
وقد تعرضت ريحانة شأنها في ذلك شأن نحو الف امرأة اخرى للاغتصاب في
باكستان خلال العام 2010 وهو رقم مستقر مقارنة بالعام 2009، فيما تم
خطف اكثر من 2200 واغتيال 1500 وفق مؤسة "اورات" التي تحاول حمايتهن.
وقد أقدمت اكثر من 600 على الانتحار فيما اشتكت 500 اخريات من عنف
منزلي.
ريحانة التي تسكن بلدة في اقليم راجنبور في وسط البلاد، صدقت النساء
الثلاث اللواتي اتين لاصطحابها واعدات اياها بمساعدة لضحايا الفيضانات.
وتقول الشابة باكية وقد غطى وشاح اسود وجهها "الا انهن اقتدنني الى
منزل بعيد عن دياري وسلمنني الى نجلي احداهن". وقد ارغمت على توقيع
وثائق تجعل زواجها رسميا واغتصبت مرتين.
وتشدد مؤسسة "اورات" في تقريرها السنوي ان "الارقام لا تعكس الا
صورة جزئية عن واقع العنف الذي تتعرض له النساء في هذا البلد".
وتقول ربيعة هادي المنسقة الوطنية للمؤسسة "المشكلة الرئيسية في
باكستان هي سوء تطبيق القانون، فلا دولة قانون والناس يتلاعبون
بالقانون".وتندد هادي خصوصا بتقليد "كاروكاري"، وهو بمثابة جريمة الشرف.
بحسب فرانس برس.
في ولاية السند (جنوب) خطفت غوشان بيبي واغتصبت بعدما رفض والدها
الاذعان لاحد الوجهاء المحليين. وكان احد اقاربها اتهم غولشان بتأثير
من الزعيم القبلي، خطأ باقامة علاقة مع احد افراد قبيلة ثانية في حين
كانت تزوجت قبل اشهر قليلة.
ورفض والدها تسليمها فنقلها الى منطقة اخرى. الا ان الزعيم القبلي
عثر علها وخطفها واحتجزها قبل ان يغتصبها على مدى سنة. وقد افرج عنها
في نهاية المطاف وقد انجبت بعدها طفلة من مغتصبها.
وتقول غولشان التي لجأت الى مكان آمن حيث يتم الاهتمام بها "حتى
زوجي لم يدعمني ودعم موقف الزعيم القبلي". وتضيف "لقد كنت متحجزة مع
نساء اخريات كثيرات. ورأيت بعضهن يقتلن".
وتقول مختار ماي التي انشأت ملجأ لاستقبال هذه الضحايا "ثمة عشرات
الحالات مثل ياسمين وبيبي". وتضيف "لا يمكننا ان نحارب هذه الظاهرة
طالما ان النظام القضائي ليس عادلا ولا تتمكن الضحايا من الحصول على
حقهن".
وقد تعرضت مختران هي ايضا للاغتصاب العام 2002 من قبل اربعة رجال
امام "جيرغا" وهو مجلس قبلي، وهي تناضل منذ ذلك الحين من اجل احقاق
الحق. وتجري المحكمة العليا مداولات بشأن الحكم في قضيتها منذ الشهر
الماضي.
لكن طاهرة عبدالله المدافعة الرئيسية عن حقوق المرأة في باكستان ترى
ان حركات الدفاع تشك في ارادة السلطات على تسهيل شكاوى الضحايا علما ان
"85% من النساء يتعرضن للعنف المنزلي مرة واحدة على الاقل في حياتهن".
وتقول طاهرة "الزعماء القبليون يدفعون المال لعناصر الشرطة. فعندما
تخطف امرأة وتغتصب من قبل نجل احد هؤلاء الزعماء او اصدقائه اين عساها
تلجأ؟"
التحويلات النقدية
الى ذلك في شهر ديسمبر من العام الماضي، أجريت لنظير سليمان البالغ
من العمر 65 عاماً جراحة قلب مفتوح في باكستان. وقد تمكن سليمان، وهو
موظف مصرفي متقاعد يأمل في الحصول على عمل بدوام جزئي، من تدبير مصاريف
العملية والأدوية بفضل عمل ابنه الأكبر في الخارج. وعن ذلك قال: "تم
دفع تكاليف الجراحة التي كنت بحاجة إليها والأدوية التي أتناولها الآن
من المال الذي أرسله ابني من الكويت. فبدون ذلك المال لما استطعنا دفع
تكاليف هذه العملية التي مكنتني من المشي أكثر من ذي قبل بدلاً من
البقاء في السرير".
وأضاف قائلاً: "لقد كنت مريضاً ولم أكن قادراً على العمل. بالكاد
كنا نستطيع تغطية نفقاتنا من دخل ابني الأصغر البالغ حوالي 25,000
روبية [295 دولاراً] في الشهر. ولكن هجرة ابني الأكبر إلى الخارج غيرت
حياتنا وضاعفت دخلنا".
وأسرة سليمان ليست الوحيدة التي تغير حالها بسفر أحد أفرادها إلى
الخارج. ولذلك تقوم دراسة جديدة تجريها المنظمة الدولية للهجرة
بالتعاون مع المعهد الباكستاني لاقتصاديات التنمية بدراسة تأثير
التحويلات النقدية من المملكة العربية السعودية على 500 أسرة في تسع
مناطق تكثر فيها الهجرة.
وتهدف الدراسة، المعدة بتكليف من الحكومة الباكستانية، إلى تجميع
بيانات تجريبية عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للتحويلات على الأسر
التي تتلقاها. ووجدت الدراسة أن متوسط إجمالي التحويلات الواردة للأسرة
الواحدة منذ رحيل أفرادها للعمل في الخارج يبلغ 1.5 مليون روبية [3,145
دولاراً]، وأن نسبة كبيرة من التحويلات تستخدم في أربعة مجالات هي:
العقارات والآلات الزراعية، والمواد الغذائية، والزواج والادخار.
وصرح سليم رحمت، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة في إسلام أباد،
أن الدراسة "وجدت أيضاً أن التحويلات تقلص من ظاهرة عمالة الأطفال
وتدعم قطاعات التعليم والصحة وغيرها".
والمزايا التي يمكن الحصول عليها من هجرة أحد أفراد الأسرة مترسخة
في أذهان في العديد من الأسر. بل إن المحاولات اليائسة للوصول إلى بلاد
أجنبية أدت في بعض الأحيان إلى اتخاذ تدابير مأساوية. ففي يناير من هذا
العام، توفي رجل حاول على ما يبدو الوصول إلى دبي عن طريق الاختباء في
معدات الهبوط الخاصة بطائرة تجارية بعد سقوطه على الأرض بعد وقت قصير
من إقلاع الطائرة. ويحاول عشرات الآلاف من الأشخاص الآخرين الرحيل بشكل
غير شرعي سنوياً، ويحاولون أحياناً السفر على طرق خطرة عبر الحدود
الدولية. بحسب شبكة ايرين.
ويوصي تقرير المنظمة الدولية للهجرة، في ضوء المنافع الإنمائية
للتحويلات النقدية، بخفض تكاليف الهجرة من خلال تحسين نظام التوظيف
وتضييق الخناق على الممارسات الاستغلالية من قبل الوسطاء. ووفقاً
لدراسة المنظمة الدولية للهجرة، يلعب مثل هؤلاء الوسطاء دوراً مهماً في
حياة مناطق مثل غوجرانوالا في إقليم البنجاب، وهي منطقة تكثر منها
الهجرة.
وقال منير أحمد*، البالغ من العمر 22 عاماً: "لقد دفعت لأحد الوكلاء
150,000 روبية ليتم ترتيب وصولي إلى أوروبا. دعونا نأمل في أن أتمكن من
الذهاب قريباً". ويأمل أحمد في أن تساعد الأموال التي يعتزم إرسالها
إلى أسرته على دفع تكاليف زواج شقيقتيه، اللتين تبلغان من العمر 20 و18
عاماً. وأضاف أن ذلك يشكل مصدر قلق حقيقي بالنسبة له ولأسرته، حيث قال:
"نحن لا نعرف أين سنجد المال الكافي لدفع تكاليف الزفاف".
وقد ساعدت التحويلات النقدية المرسلة من الخارج الأسر على تعليم
الأطفال وجمع المدخرات وتحسين مستوى حياتهم. وقال راجا أمجد غول، رئيس
منظمة اتحاد الشباب التي تعمل من أجل رفاه المجتمع في بلدة خاريان في
مقاطعة غوجرات في إقليم البنجاب، التي تضم معدلات هجرة مرتفعة، "يحدث
المال الذي يأتي إلى الأسر من الخارج فرقاً هائلاً في نوعية حياة الناس.
كما يصبح الحصول على تعليم مدرسي أفضل وتعليم عالي ممكناً. لقد تمكن
الناس من جمع مدخرات والانتقال إلى مساكن أفضل، لقد رأينا هذا يحدث
أمام أعيننا".
ووفقاً لوزارة العمل، يوجد حالياً 4.5 مليون مهاجر باكستاني في
مختلف البلدان. وقد غيرت الأموال التي يرسلونها حياة الملايين في
بلادهم ومكنت الأسر من تسلق السلم الاقتصادي من مستوى الكفاف إلى وضع
يمنحهم فيه وجود المال في حسابات مصرفية مزيداً من الخيارات والفرص
الجديدة.
تأثير الإقطاع على الفقراء
من جهة اخرى غطت الفيضانات التي اجتاحت مساحات شاسعة من الأراضي من
يوليو إلى سبتمبر 2010 العديد من الحقول والمنازل والطرق في بحر من
دوامات المياه، ولكنها لعبت أيضاً دوراً في الكشف مدى الفقر والحرمان
الذي يعاني منه الكثير من الأشخاص في باكستان.
وأخبر شرشاه سيد، وهو طبيب أمراض نسائية كرس نفسه لرعاية النساء
الفقيرات اللائي يتطلبن رعاية أثناء الحمل والولادة، قائلاً: "إن سوء
التغذية الذي نشهده ليس بجديد ولا علاقة له بالفيضانات. ولكننا نراه
الآن لأن الناس يتواصلون مع الفرق الطبية".
وقد تم توثيق بعض الطرق التي استخدمتها الأسر الإقطاعية ذات النفوذ
- والتي ترتبط في الكثير من الحالات بالنخبة السياسية والبيروقراطية -
لحماية مصالحها الخاصة على حساب القرويين العاديين توثيقاً جيداً. وقد
وجهت اتهامات لكبار الإقطاعيين في جنوب البنجاب وولاية السند بالتأثير
على القرارات المتعلقة بتحويل مسار مياه الفيضان أو خرق السدود التي
غمرتها المياه لحماية أراضيهم. بحسب شبكة ايرين.
ويتواصل التحقيق القضائي في المزاعم التي تتهم ملاك الأراضي
الأثرياء بخرق السدود الواقية في أماكن أخرى لإنقاذ مزارعهم، الأمر
الذي أدى إلى إغراق أراضي القرويين الفقراء والمستضعفين. وقد بدأت
الطرق الأكثر مكراً التي يستخدمها نظام باكستان الإقطاعي ضد الناس -
حتى عندما لا تكون هناك كوارث طبيعية - بالتكشف الآن وقد جاءت بعض
الحالات نتيجة للاستقصاءات التي أجريت لتقييم محنة المتضررين من
الفيضانات.
وتنتشر المزارع الشاسعة التي تملكها الأسر الإقطاعية في جميع أنحاء
البلاد حيث تصل مساحتها في بعض الأحيان إلى مئات الفدادين. ووفقاً
للبنك الدولي، يسيطر نحو 2 بالمائة من الأسر على أكثر من 45 بالمائة من
المساحة الكلية للأراضي. ويضيف البنك أن كبار المزارعين يحتكرون الدعم
في مجالي المياه والزراعة، في الوقت الذي يسهم فيه النظام الإقطاعي
بشكل كبير في الفقر المتفشي في المناطق الريفية.
ويعمل ملايين الفلاحين في جميع أنحاء باكستان في زراعة أراض لا
يملكونها، ويعطون ما بين نصف وثلثي محاصيلهم إلى الملاك، وقال طارق
فاروق، المتحدث باسم حزب العمال في باكستان، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين):
"في بلد تشارك فيه حوالي نصف القوة العاملة في الزراعة، فإن المفتاح
لتحسين مستوى المعيشة هو نهاية الإقطاع من خلال القيام بالإصلاح
الزراعي الفعال" مضيفاً انه "لا ينبغي لأحد أن يمتلك أكثر من 12 فداناً
(4.86 هكتاراً) من الأراضي الزراعية".
وأوضح بالقول: "يعمل ملايين الفلاحين في جميع أنحاء باكستان في
زراعة أراض لا يملكونها، ويعطون ما بين نصف وثلثي محاصيلهم إلى الملاك.
ويتم استغلال الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين الذين لا يملكون أرضاً
بطرق متعددة. ففي الكثير من الأحيان ينتهي بهم الحال مرتبطين بالأرض،
بعد أن يأخذوا قروضاً من أحد ملاك الأراضي ويعرضون تسديدها عن طريق
العمل. وفي أحوال أخرى، ينتهي المطاف بأسر بأكملها في هذا النوع من
عبودية الدين والعمل على سداد القرض الذي تتراكم فوائده. وهذا النظام
هو أحد الطرق العديدة التي تربط الفلاحين بالفقر المدقع".
وتاريخياً، ترجع العراقيل التي تحول دون القيام بالإصلاح الزراعي
إلى حقيقة أن العديد من البرلمانيين هم أنفسهم من كبار ملاك الأراضي،
وبالتالي هم غير مستعدين للبدء في إعادة تقسيم الأراضي.
ولا يوجد توثيق جيد لتأثير الإقطاع والفقر الناتج عنه، ولكن بعد
مرور ستة أشهر على أكثر الفيضانات تدميراً في تاريخ البلاد، حيث كانت
ولاية السند الأكثر تضرراً، كشف تقرير صادر عن الحكومة المحلية استناداً
إلى دراسة استقصائية أجريت بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)،
عن أزمة خطيرة في مجال التغذية. وقد وجدت الدراسة الاستقصائية أن معدل
سوء التغذية الحاد العام بلغ 23.1 بالمائة بين الأطفال الذين تتراوح
أعمارهم بين 6 و59 شهراً في المناطق المتضررة بالفيضانات في شمال السند
و21.2 بالمائة في جنوب السند – وهي أعلى من السقف الذي حددته منظمة
الصحة العالمية في حالات الطوارئ والبالغ 15 بالمائة.
كما كشفت الدراسة أن معدل سوء التغذية الحاد الشديد بلغ 6.1 بالمائة
في شمال السند، بينما قدرت حكومة السند أن 90,000 طفل تقل أعمارهم عن
خمس سنوات يعانون من سوء التغذية.
وسوء التغذية الحاد الشديد هو حالة متقدمة من سوء التغذية الحاد،
وفقاً لليونيسف. ويحتاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد
الشديد إلى علاج فوري، واحتمال وفاتهم قبل بلوغهم سن الخامسة أكبر عشر
مرات من الأطفال الأصحاء. كما كشفت الدراسة عن مستويات مرتفعة من سوء
التغذية بين النساء.
مع ذلك، يعتقد الخبراء العاملون في هذا المجال أن هذا الوضع هو نتاج
حرمان مترسخ، وليس الفيضانات، حيث قال أندرو شيلاكادزه، وهو من كبار
المسؤولين الميدانيين لدى اليونيسف في السند، لشبكة الأنباء الإنسانية
(إيرين) أن "سوء التغذية [الذي كشفت عنه الدراسة] لم يكن ناجماً عن
الفيضانات، بل سببه الفقر، فغالبية النازحين داخلياً في المخيمات
ينتمون إلى أدنى درجات الفقر".
وأضاف سيد، الطبيب النسائي الذي شارك في عمليات إنقاذ الحياة في
ظروف بدائية للغاية في المناطق التي ضربها الفيضان في السند، والذي
يدير أيضاً مخيماً للإغاثة من الفيضانات، أن "نساء السند يعانين من مثل
هذه الأحوال منذ آلاف السنين بسبب النظام الإقطاعي في الولاية، وبالطبع
صحة الأم تؤثر على الطفل".
وأضاف أن "النساء يؤدين أعمالاً شاقة في الحقول والمنازل، ولا يحصلن
إلا على ما تبقى من الطعام بعد أن يأكل باقي أفراد الأسرة، إذ يتم
تقديم الطعام للرجال أولاً، ثم الأطفال، ثم النساء في نهاية المطاف".
وقالت سوموندري بيبي، وهي أم لستة أطفال يبدو عليها الضعف، في مخيم
الإغاثة من الفيضانات في بلدة تاتا بجنوب السند: "كان الأمر دائماً على
هذا النحو. نأكل نحن النساء بعد الآخرين، لأننا الأقل أهمية". وأضاف
سيد: "إنها ثقافة ذكورية والنساء يعانين بسببها".
وقال جيمس كينغ أوري، منسق التغذية باليونيسف، لشبكة الأنباء
الإنسانية (إيرين) من إسلام أباد أن "النساء، لاسيما أولئك في سن
الإنجاب (بين 15 و49 عاماً)، يحتجن لتغذية إضافية، ليس فقط للحفاظ على
نمو الجسم وتمكينهن من تحمل الأعباء اليومية، ولكن لدعم الحمل والرضاعة
الطبيعية كذلك. كما يعد التصدي للفقر بطريقة استراتيجية لصالح المرأة
أمراً أساسياً".
ولكن لا يبدو ذلك ممكناً دون حدوث انفصال عن نظام ملكية الأراضي غير
المتكافئ والاستغلال المصاحب له. وأفاد طارق أن "ملكية الأرض تستطيع
كسر حلقة الفقر بسرعة. وقد شهدنا أمثلة على ذلك في الأماكن التي سيطر
فيها المزارعون المستأجرون على الأرض".
وقالت سوموندري: "لا أعلم شيئاً عن ملكية الأرض. أعرف فقط أننا
نناضل من أجل إطعام أطفالنا، ونأكل أقل منهم حتى يتوفر لهم طعام أكثر".
جميلة لدرجة "الفتنة"
من جهتها قررت عائلة باكستانية مهاجرة في إيطاليا منع ابنتها
البالغة من العمر 19 عاماً من الذهاب إلى المدرسة بحجة أنها جميلة
لدرجة "الفتنة"، ولكن الفتاة عادت إلى مدرستها بعد أيام من مفاوضات مع
الأهل تدخّل فيها قنصل باكستاني ونقابات عمالية والشرطة.
وذكرت وسائل إعلام إيطالية أن أهل الفتاة الباكستانية "جميلة"
منعوها من الذهاب إلى الثانوية في بريشيا شمال إيطاليا خوفاً من أن
يثير جمالها إعجاب شباب إيطاليين وتقيم علاقات معهم، في حين أنهم
يفكرون في تزويجها من شاب باكستاني.
وأثارت قضية الفتاة جدلاً في المدينة لدرجة تشبيهها بقضية
الباكستانية هينا سليم التي قتلها والدها عام 2006 بعد أن ارتدت ملابس
غربية وأقامت علاقة مع إيطالي.
وتوسطت الشرطة ونقابات عمالية ومنظمات تعنى بالهجرة وحتى القنصل
الباكستاني محمد فاروق لدى أهل الفتاة لإعادتها إلى مدرستها، ونجحت
المفاوضات بعد أيام تغيبت فيها الفتاة عن المدرسة، في إقناع الأهل
بعودتها اليوم.
واصطحب جميلة أثناء عودتها، القنصل الباكستاني في ميلانو وممثل عن
الجالية الباكستانية وممثل عن الاتحاد العمالي العام في إيطاليا ـ فرع
بريشيا. وكانت جميلة ترتدي ملابس بيضاء وغطت وجهها أمام عدسات المصورين.
وصرح القنصل الباكستاني للصحافيين "هذه القضية حظت بتضخيم بالغ ولا
علاقة له مع حالة هينا سليم". |