في العام الذي ولدت فيه، كتب الأستاذ المرحوم سلامة موسى مقالته
الموسومة " الصحفي كما يجب أن يكون" أختصر بها الى حد كبير معنى أن
يكون الإنسان صحفياً أو كاتباً في صحيفة أو كاتب لمقالة إخبارية وأشار
الى نوع الترابط الذي يجب أن ترسمه العلاقة بين الصحفي وعمله وباختصار
شديد يقول " أن على الصحفي أن يتقن فن الاشتباك وأن لايبالي الى أين
يؤدي به هذا الاشتباك من التورط في الاضطهاد أو الحبس إذ أن على الصحفي
أن ينهض في وجه الظلم والفساد ولو أدى هذا الى إفلاسه ودماره.. أي أن
على الصحفي أن يتبع شرف المهنـة.. والقول هنا للأستاذ موسى.. فالصحفي
تنتقل صفاته الى قاريء مقالته فأذا كان الكاتب مكافحاً ثائراً على
الفساد أنتقل كفاحه وثورته الى القارئ حتى ليصبح أشد منه كفاحاً وثورة
وإذا كان الكاتب متفرجاً محايداً أصبح القارئ محايداً متفرجاً وهبطت
فيه روح الثورة والنضال لتحقيق مطالبه.. وأكبر رذائل العمل الصحفي هي
أن يقوم بخداع القارئ ويضلله ويكذب عليه في نقله للوقائع الصحفية.
وعطفاً على ما كتبه الأستاذ موسى فنحن في العراق نعاني وبشدة من عدم
وجود معارضة سياسية واضحة المعالم لغاية الآن ونحن ندخل السنة الثامنة
من عمر العملية السياسية وهذا ما أنعكس سلباً على تأسيس معارضة صحفية
ذات توجهات إعلامية واضحة المعالم ومنظمة وفق ضوابط العمل الصحفي وشرف
المهنة لتقوم تلك الصحافة بعمل المعارضة في التصدي للواقع الفاسد.. بل
المشبع بالفساد حد الثمالة باعتراف الجميع.. ولتقوم بنقل وقائع حقيقية
قد يكون لها الأثر يوماً في تدوين تأريخ واضح لما يجري على الساحة
السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق أمام الرأي العام وتساعده
على الانتفاضة على طريق التغيير وتساعده أن يشن حربه على رؤوس الفساد
التي لا تزال تتطاول على الرغم من أنها في قبضة الشعب دائماً.. فحكم
الشعب قاطع ولا يخضع لدستور يمكن أن تُخرق بنوده أو تؤجل أحكامه.
نقول وبعد مرور ثمان سنوات من العمر الحقيقي للأعلام العراقي الحّر
نرى أن الكثير من الصحفيين والإعلاميين يخوضون في وحل الرذيلة الصحفية
في التضليل والتستر على أشد فصول الخديعة تأثيراً على واقعنا الحالي بل
ويقومون بالتستر على الاستبداد الداخلي المقيت تنسج خيوطه من فرط
عذابات الشعب الباحث عن أمنه وسط تلاطم التيارات المتحاربة على السلطة
والمدعومين من ذوي الأقلام الصفراء التي لا تكترث إلا للجيوب المترهلة
والبطون التي أرهقها المال الحرام.
لقد سعى اغلب أولئك الصحفيين الى إفساد ذهن المواطن العراقي بما يتم
طرحه من أخبار ومقالات وبرامج فضائية، وتخليهم عن الكفاح ضد الاستبداد
السياسي الذي تحاول بعض الكتل السياسية الوصول إليه عبر الأعلام وإقامة
القنوات الفضائية على الرغم من كلفتها وإدارتها الكبيرة.. ففي الوقت
الذي يتطلب من الصحفي أن يكون في مقدمة جحافل الشعب السائرة على طريق
تحقيق مطالبه المشروعة نرى الكثير منهم وهم يفشلون في نقل الحقائق عن
تلك المسيرات الاحتجاجية والسبب يعود الى أنهم قد امتهنوا الصحافة
وأصبحت لديهم كمهنة يعتاشون منها وليست كمهنة وحياة يتنفسون منها عبق
حريتهم وحرية أقلامهم وخلاص شعوبهم من ربقة الحكومات الغافلة عن حقوقهم
فكل قلم يخرج من دائرة الدجل الإعلامي ليدخل في خضم الصراع من أجل
المطالب الشعبية سيصبح نصراً كبيراً لثورات التغيير الشعبية.
فالصحفي أيها السادة يجب أن يكون مجاهداً لإيهاب الموت في سبيل
مهنته وقد ترسخت فيه عقيدة أهم ما فيها أن ضميره حيٌّ لدرجة يصعب معها
شراء قلمه مهما كانت الأسعار المعروضة في مزاد الكتابة الصفراء.
لقد أسهمت الصحافة العالمية الحقيقية المبنية على المهنية والاحتراف
البعيد عن السيطرة الحكومية والاستحواذ الكبيرة في بناء الرأي العام
العالمي وسهلت عملية تحريك تكتلاته الكبيرة بالاتجاهات الصحيحة وبناءه
لسلطته المشهود لها بالتأثير والفعالية في توجهات بلدانها السياسية..
ونحن في العراق لا زالت الصحافة لدينا تعاني من عدم قدرتها على
الانفلات الكلي من الدوران في فلك الحكومة ووزاراتها والخروج من أفق
التكتلات السياسية الكبيرة مما يجعلها بحاجة دائمة، وكأنها في عوز
مناعي، لهبات الحكومة وعطف الأحزاب السياسية.
علينا أن نبدأ بجد في بناء إعلام قوي حرّ متمكن من مهنته على قدر
كبير من المسؤولية وعلى الحكومة ان تساهم في هذا البناء بشكل جدي
بعيداً عن الاستبداد وأن تكون الصحافة بالنسبة لها معين لا ينضب من
الرؤى والأفكار التي تساعدها في استكشاف مكامن الخلل وأن تُحِسن هي
الأخرى قواعد الاشتباك مع كراديس الإعلاميين الذي لايبغون من كتاباتهم
إلا إحقاق حق وإزهاق باطل يطال إبناء الشعب.
zzubaidi@gmail.com |