هل فقد اليمن مستقبله؟

مظاهر العنف والجوع والطفولة الضائعة

شبكة النبأ: في خضم الصراع السياسي القائم والازمات اليمنية المستفحلة اقتصاديا واجتماعيا، باتت الطفولة هناك الحلقة الاكثر تأثرا بتلك الاحداث على صعيد المجتمع والدولة، فما يتعرض له الاطفال اليمنيين من اهمال مستمر وظروف معيشية صعبة، قد يفاقم من مشكلات تلك البلاد المضطربة في المستقبل لا محالة، سيما مع توالي الضغوط النفسية التي يتعرض لها الاطفال على اكثر من صعيد، مع تزايد مشاهد العنف والتطرف المتزايدة مؤخرا.

تصاعد العنف

فقد أصيبت بنات محمد منيف الثلاث بحالة من الذهول عندما رأين معلمتهن تنزف من رأسها بعد إصابتها بحجر خلال مظاهرة احتجاج، وعانين من صدمة أخرى عندما أصيب شقيقهن أحمد البالغ من العمر 12 عاماً برصاصة طائشة في مدينة تعز الجبلية في اليمن يوم 3 أبريل.

وقال أحمد، الذي كان يتلقى العلاج في عيادة محلية: "كنت في طريق عودتي من المدرسة عندما كان رجال الشرطة يطلقون النار على المتظاهرين في الحي، فأصابتني رصاصة طائشة في ظهري أسفل عنقي". وأضاف أحمد، الذي كان لا يزال يرتدي زيه المدرسي الملطخ بالدماء، أن الرصاصة أُطلقت عندما كانت قوات الأمن تستخدم الذخيرة الحية لتفريق مظاهرة مناهضة للحكومة كانت في طريقها إلى القصر الرئاسي.

وقد ضاعف الحادث مخاوف أخوات أحمد الثلاث، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 7 و11 عاماً، حيث قال والدهن محمد البالغ من العمر 40 عاماً: "رأت ابنتي الكبرى سارة معلمتها تنزف من رأسها بعد أن ألقى البلطجية الحجارة على المدرسات المحتجات مؤخرا. وهي الآن خائفة وترفض الذهاب إلى المدرسة دون مرافقتي".

كما تأثر العديد من الأطفال اليمنيين الآخرين جراء أعمال العنف التي صاحبت الاحتجاجات المنتشرة على الصعيد الوطني ضد حكم الرئيس علي عبدالله صالح، والتي بدأت في فبراير الماضي.

ويشعر مديرو المدارس بالقلق من التأثير السلبي لتصاعد العنف ليس فقط على حضور الطلاب، ولكن على سلوكهم وتحصيلهم الدراسي أيضاً. وفي هذا الإطار، قالت جميلة المجاهد، مديرة مدرسة معاذ بن جبل في صنعاء، لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) "أصبح الأطفال أكثر عدوانية ولديهم ميول للشجار".

وأضافت قائلة: "لقد وجدت شعارات سياسية مرسومة على أذرع الأطفال. الاطفال ليسوا معتادين على رؤية ومعاينة عنف من هذا القبيل. وما يجري الآن هو جريمة ضد الطفولة".

وأفاد زعيم المقطري، نائب مدير مدرسة عمر المختار في مدينة تعز، أن "الطريق إلى مدرستنا أصبح محفوفاً بالمخاطر بسبب المواجهات العنيفة والمتكررة بين القوات الحكومية والمتظاهرين، ولذلك أصبحت نسبة حضور الطلبة إلى مدرستنا ضعيفة".

مقتل حوالي 20 طفلاً

ووفقاً لمنظمة سياج لحماية الطفولة، وهي منظمة غير حكومية محلية، لقي ما لا يقل عن 22 طفلاً حتفهم، وأصيب أكثر من 200 بجروح خلال الاحتجاجات في مارس 2011.

وتقدر اليونيسف العدد الإجمالي للأطفال الذين قتلوا منذ بدء الاحتجاجات بنحو 19 طفلاً. "هذا يُقدر بنحو 20 بالمائة من العدد الكلي للخسائر في الأرواح وهو أمر مقلق للغاية،" كما أفاد جورج أبو زلف، أخصائي حماية الأطفال في اليونيسف.

ومن بين 52 شخصاً قتلوا بأعيرة نارية خلال حملة ضخمة ضد المتظاهرين أمام جامعة صنعاء يوم 18 مارس، قُتل طفلان على الأقل على بعد حوالي 250 متراً من منزلهما. وفي 28 مارس، لقي مهيب عبد الله حسين البالغ من العمر 15 عاماً حتفه على أيدي قوات الأمن أمام والده في شارع تعز في صنعاء. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية.

وقد اتهمت منظمة سياج لحماية الطفولة الشرطة "باستغلال حالة الطوارئ المعمول بها حالياً في البلاد" لإرتكاب انتهاكات ضد الأطفال. وعندما طُلب من ضباط في مركز شرطة السبعين المسؤولة عن الأمن في الحي الذي قتل فيه مهيب، التعليق على ما حدث، قالوا أن الحادث قيد التحقيق وأنه لم يتم تحديد الجناة بعد.

استغلال الأطفال

وفي حديث لصحيفة يمن أوبزرفر، اتهم سمير المتحاجي، الأمين العام للمنظمة غير الحكومية طفولتي، المنظمات السياسية المختلفة، بما فيها ائتلاف المعارضة السداسي المعروف باسم أحزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، باستخدام الأطفال في المظاهرات.

وأضاف أن "هذا يعتبر خرقاً لجميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، لأن الأطفال ليسوا على دراية بمقاصد هذه المظاهرات،" داعياً قيادات "ثورة الشباب" وأحزاب اللقاء المشترك والقوى المتحالفة مع الحكومة إلى عدم السماح للأطفال بالانضمام إلى المتظاهرين.

وقال أحمد القرشي، رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أن بعض الآباء أرسلوا أطفالهم أيضاً للمشاركة في المظاهرات. وأضاف "إنهم لا يدركون أنهم يعرضونهم للخطر، ويزيدون من تعرضهم لأخطار قاتلة".

وحذر وزير التربية عبد السلام الجوفي من أن الحكومة ستعاقب أي شخص يشرك الأطفال في الاحتجاجات، ودعا الجميع إلى احترام المدارس. وأضاف بعد ورود تقارير تفيد أن بعض المتظاهرين في عدن قد هددوا بحرق المدارس، إذا رفض المعلمون والتلاميذ الانضمام إلى الاحتجاجات: "لن نتساهل مع الأفراد غير المسؤولين الذين يحاولون تقويض العملية التربوية".

كما أعلنت بعض جماعات حقوق الإنسان المحلية في 2 أبريل أنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد المتظاهرين لاستخدامهم الأطفال في المسيرات السياسية. وحثوا مجلس حقوق الإنسان في جنيف على النظر في هذه القضية.

الجوع

في السياق ذاته قال مسؤول بالامم المتحدة ان الاطفال غالبا ما يعانون من الجوع في اليمن. وحصل اليمن فجأة على اهتمام عالمي ومساعدات إضافية من الغرب معظمها لمكافحة الارهاب بعد ان حاول متشدد من تنظيم القاعدة مقره اليمن تفجير طائرة ركاب متجهة الى الولايات المتحدة يوم 25 ديسمبر كانون الاول عام 2009.

وقال جيرت كابيليري ممثل صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة (يونيسيف) في اليمن ان هذا الامر يمكن تفهمه لكن تجاهل محنة الصغار اليمنيين الذين يعانون من نقص في الغذاء والتعليم والأمن ليس قاسيا فقط وانما خطير.

والتقاعس عن تلبية الاحتياجات الأساسية لليمنيين الذين تقل أعمار 54 في المئة منهم عن 18 عاما يمكن ان يسحق قدرتهم على المثابرة. وقال كابيليري لرويترز بالتليفون "انت تغامر بخلق مجموعة متزايدة من الصغار الذين سيتمردون ويتسمون بعنف بالغ." وأضاف "وعواقب ذلك لن تكون مهمة بالنسبة لليمن فقط وانما للمنطقة العربية وللعالم ككل."

ويمثل اليمن الذي يعاني من العديد من الحالات الانسانية الطارئة في انحاء البلاد تحديات معقدة لحكومة الرئيس علي عبد الله صالح والمانحين الاجانب ووكالات المساعدات. وقال كابيليري "اننا نعلم انه في أجزاء بشمال البلاد الوضع أليم للغاية."

وعندما حصل صندوق رعاية الطفولة (اليونيسيف) على فرصة نادرة للوصول الى صعدة وهي المحافظة الشمالية التي يسري فيها وقف هش لاطلاق النار بين الجيش اليمني والمتمردين منذ فبراير شباط العام الماضي وجد ان 45 في المئة من 26 ألف طفل تم مسحهم يعانون من سوء تغذية حاد.

وقال كابيليري "اننا نتحدث عن سوء تغذية مزمن" مشيرا الى ان نصف الاطفال اليمنيين يعانون من تلك الحالة. وأضاف "هذه الارقام لم نشاهدها على الاطلاق في العالم."

وقال ان نحو 300 ألف شخص ثلثهم من الاطفال فروا من الصراع في الشمال. وعاد عدد ضئيل منهم. ودمر القتال العديد من المنازل وحياة الناس. ويخشى بعض النازحين من الانتقام لان 70 في المئة من صعدة مازال في أيدي المتمردين.

ومن بين حالات الطواريء التي تلوح في الأفق التي أشار اليها مسؤول الامم المتحدة أثار ارتفاع أسعار الغذاء العالمية على اليمن الذي يستورد الغذاء بالكامل وهو من أقل الدول الامنة غذائيا في العالم.

وقال "نحتاج لان نعطي لليمن اهتماما عاجلا يستحقه يتجاوز مخاطر الامن ومكافحة الارهاب." وأضاف "انني امل في انه من خلال حكومة ملتزمة ومساعدات دولية يمكننا ان نحدث تغييرا في اليمن لكن لا تنتظروا طويلا لكي يحدث هذا."

أطفال يحملون ندوب القتال في الشمال

من جانب آخر أجبر النزاع بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية ما يقدر بنحو ثلث سكان المنطقة الشمالية الغربية من محافظة صعدة – التي تعد مركز القتال - على الفرار من ديارهم. لكن خلال هذه الفوضى، انفصل أطفال عن أسرهم، وتم تجنيد بعضهم واحتجاز بعضهم الآخر، كما تعرض البعض منهم للإصابة أو القتل خلال الاشتباكات، وما زال الناجون يحملون تلك الندوب، وفقاً لمنظمة "إنقاذ الطفولة".

وقال أندرو مور، مدير عمليات "إنقاذ الطفولة" في اليمن أن "أطفال صعدة يعانون من مجموعة متنوعة من الآثار النفسية والاجتماعية بسبب الصدمة الناجمة عن الصراع. وتتراوح هذه الصدمات بين مشاهدة العنف مباشرة واضطرارهم إلى الفرار من البيئة الآمنة في ديارهم وبدء حياة جديدة في أماكن مختلفة تماماً، تتسم أحياناً بالعدوانية".

وأضاف أن "نظم الدعم التي يعتمد عليها الأطفال في معظم الأحيان، مثل المدارس والأسر والمجتمعات، قد تتدهور وتفشل في توفير احتياجاتهم الأساسية كالبقاء على قيد الحياة والحماية بالإضافة إلى الاحتياجات النفسية والاجتماعية. وقد يكون لهذه الحالات المتغيرة تأثير هائل على نمو الأطفال الفوري والطويل الأجل والأداء المناسب لسن وجنس الطفل". بحسب رويترز.

وقد وجدت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في أغسطس أن 28 بالمائة من الأطفال قد شاهدوا شخصاً يقتل أو يجرح خلال الصراع. كما أصيب طفل من كل 10 أطفال نازحين كنتيجة مباشرة للقتال بين الجانبين، ومر نتيجة لذلك "بمستويات عالية من التوتر النفسي والاجتماعي". كما عانى نصف الأطفال الذين تمت مقابلتهم من أعراض الاكتئاب وقيل أن 30 بالمائة منهم يعانون من "فقدان الأمل".

الانجراف نحو التطرف

وأحد أعراض الضغط النفسي هو الميل المتزايد نحو أشكال عنيفة ومدمرة من السلوك، وفقاً لشارلوتا لاند، وهي خبيرة في مجال حماية الطفل في اليونيسف، التي أضافت: "بالنسبة للعديد من الأطفال في صعدة، كان العنف وما يزال محور حياتهم، فقد شهدوا القتال في صعدة والعديد منهم يواجهون العنف في منازلهم".

وقال 68 بالمائة من الأطفال الذين جرت مقابلتهم في أغسطس أنهم تعرضوا إلى العنف المنزلي. وهناك أيضاً مخاوف من أن يؤدي الصراع الذي طال أمده إلى تطرف الأجيال القادمة من الشباب اليمني.

وأفاد غيرت كابيليري، ممثل اليونيسف في اليمن أن "جزءاً كبيراً من الأطفال والشباب معرض لخطر أن يصبح أكثر تطرفاً بسبب الظروف التي اضطر للمرور بها... فأنت تغذي جيلاً أكثر عنفاً، ولديه مشاعر سلبية وكراهية أقوى تجاه السلطة".

كما أصبح بعض الأطفال الآن جزءاً من النزاع نفسه. فأكثر من 15 بالمائة من المقاتلين الحوثيين والميليشيات القبلية هم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وفقاً لتقييم مشترك بين الوكالات حول حماية الأطفال صدر في أغسطس 2010.

وأوضح كابيليري أنه "من الواضح جداً أن جميع الأطراف - الحوثيون والقبائل المتعاطفة مع الحكومة - تستخدم الأطفال كجنود".

ويعود تاريخ الصراع إلى عام 2004، حيث يطالب المتمردون الشيعة بقيادة الحوثي بحكم ذاتي للشيعة الزيدية في الشمال، رداً على ما يعتبرونه تهميشاً لهم، واحتجاجاً على نفوذ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على سياسات الحكومة.

فجوات في الدعم

بدورها، قالت فاطمة العجل، مسؤول الإعلام والمناصرة في منظمة إنقاذ الطفولة، أن محدودية الدعم الإنساني الذي يصل إلى أكثر المناطق المتضررة من الحرب (مثل مديرية حرف سفيان في عمران، ومديريات رازح وشدا وحيدان في محافظة صعدة) حيث تم تدمير بيئات الأطفال أو تلويثها بالألغام الأرضية، أضعف قدرة الأطفال على الوصول إلى التعليم الجيد والرعاية الصحية. 

وأوضحت لاند أن "ثلث البنين فقط في المناطق المتأثرة بالحرب ذهبوا إلى المدرسة في العام الماضي، وهذه النسبة أقل بكثير بين الفتيات. فالوضع النفسي للأطفال في شمال اليمن مشابه لوضعهم في غزة، فيما يتعلق بالتعرض للأحداث الصادمة والوصول المحدود إلى الخدمات الأساسية والبيئات الصديقة للتنمية". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية.

من جهته، قال مور أن "هناك فجوة في الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين يعانون من الصدمة الشديدة. فعلى سبيل المثال، لا يوجد أطباء ومختصون نفسيون واجتماعيون في صعدة، وهذا يعني أنه على الأطفال المصابين بصدمات نفسية شديدة الذهاب إلى صنعاء لتلقي العلاج. من المهم أن يتم إحضار الخدمات إلى الأطفال وليس الأطفال إلى الخدمات".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/نيسان/2011 - 13/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م