عابرون في دروب الحياة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الحياة مسرح كبير، الجميع ممثلون ومتفرجون في وقت واحد، هو ممثل حين يقوم بالسير في دروب الحياة، وهو متفرج اذ يشاهد الاخرين يسيرون في دروبهم، انه الناظر والمنظور اليه. والحياة تشبه مسرح الفرجة حيث يتبادل الممثلون والمتفرجون ادوارهم ويشتركون جميعهم في الحوار والاخراج وجميع المؤثرات المسرحية الاخرى.

والحياة دراما مستمرة منذ وجد الانسان على وجه الارض، فيها الحب والكره، الايثار والانانية، الزهد والطمع، الطموح الجامح والخمول، فيها الحروب والقتال، العنف والتسامح، العفو والقدرة، وكل الاشياء الاخرى، جميلها وقبيحها، مضيؤها وقاتمها، وكل ما يلوب في قلب الانسان وعقله.

دروب الحياة دراما انسانية فيها جميع العناصر المسرحية الناجحة، والحياة نهر عابر كدروبها التي يسير فيها العابرون، لا تتوقف ولا تتأخر في سيرها، والجميع يلهثون خلفها، حتى الوصول الى نهاية الدرب والنهاية مخيفة، قاهرة، حتمية، لا يفكر السائر فيها ولا يتأمل او يتعظ بمصائر السائرين قبله.

منهم من يتيه في تلك الدروب، ومنهم من يقف عند التقاطعات حائرا اي اتجاه يسلك، ومنهم من يعود الى البداية وينطلق من جديد، ومنهم من يقدم خطوة ويؤخر اثنتين، او يتسمر في مكانه ينتظر من يقوده من يده،

دروب الحياة تختلف باختلاف السائرين عليها.

درب مقفر تحيط به الوحشة، درب مليء بالحجارة والاشواك، درب سلس وناعم والخضرة تمتد على جانبيه، والنهاية واحدة رغم تعدد الدروب والطرق، قاهرة وحتمية، انت الان تتخلى عن دورك وتجلس في صفوف المتفرجين، ما الذي يمنحه لك مقعد المتفرج؟

المشاهدة، مشاهدة الناس في ادوارهم وهم يمثلون، هم غير واعين لهذا التمثيل، انهم يعيشون الدور، يعيشون حياتهم، وانت مثلهم حتى لو كنت متفرجا تعيش دورك وتعيش حياتك، كيف تنظر الى السائرين في دروب الحياة وتشاهدهم؟

احيانا تراقب بعينك المجردة كما فعلت الاعلامية ديانا مقلد في برنامجها الشهير من على شاشة تلفزبون المستقبل (بالعين المجردة)، احيانا تركّب عدسات مكبرة، بعض الاوقات تمارس التلصص كما فعل هنري بارباروس في رواية (الجحيم)، واحيانا اخرى تخرق المألوف في زوايا النظر وتدويراته، وتضع عينا ثالثة تشاهد فيها ما خلفك ويشاهدك الجميع من حولك في وقت واحد، كما فعل احد الفنانين العراقيين في تجربة مثيرة على مدار عام كامل اطلق عليها (العين الثالثة).

في رواية الجحيم يلجأ بطل الرواية، وهو الذي يمثل انسان العصر الحديث بكل غربته ووحشته وكابته وضعفه وقسوته، وانقطاع التواصل الانساني مع من حوله، يلجأ الى مراقبة حياة الاخرين عبر ثقب الباب، هذا الثقب الذي ينفتح على المجهول، والحياة التي تضيق لتتسلل عبره لتلتقي دروب حياته مع دروب الاخرين.

انه يطل من أعماق ذاته على أبطال الغرفة المجاورة المتغيرين والمتنوعين، يتابع بشغف ما يجري من أحداث، لينقل بأمانة صوراً من الحياة، ويصف بدقة المشاعر التي تربط بين البشر.

متخطياً الجزئي إلى الكلي والخاص إلى العام، متجاوزاً الوجود إلى العدم، مستعيناً بالعلم والأدب، مستثمراً الفطرة والفطنة، مستشفاً الإحساس والحدس، بحثاً عن الحقيقة، حقيقة الحياة وحقيقة الكون، نشداناً للراحة والخلاص، راحة الضمير وخلاص النفس.

أنه (اللا منتمي) ذلك الانسان الذي لا يستطيع الحياة في عالم المترفين المريح المنعزل أو قبول ما يراه ويلمسه في الواقع، لأن المترف يرى العالم مكاناً منظماً تنظيماً جوهرياً وتمنعه دقائق حياته اليومية من الاهتمام بعنصر القلق المرعب الذي يحيط به. أما اللا منتمي فإنه لا يرى العالم معقولاً ولا منظماً، ويقذف بمعانيه الفوضوية في وجه دعة المترف وهو يحس الكآبة العميقة ويشعر بأن الحقيقة يجب أن تقال مهما كلف الأمر، وإلا فلن يكون الإصلاح ممكناً.

يتيح لك دور المتفرج ان تشاهد اداء الاخرين وتدلي بتعليقاتك حول ما تشاهده، احيانا تتذمر مما تشاهد، او تتعاطف مع بعض الممثلين، او تشعر بالكره نحوهم، او بالغضب منهم، او النفور، وتنسى نفسك وانت تشاهد وتعلق انك واحد من هؤلاء، في معرض الفرجة، وانهم ايضا يدلون باراهم حولك، انت الناظر والمنظور اليه.  

تلك هي الحياة ودروبها التي نسير فيها، منهم من يصل متأخرا، ومنهم من يصل سريعا، لكن الجميع في المحصلة النهائية يصلون مجبرين مقهورين..

لا شيء

لا شيء لتبقيه

لا شيء لتمسكه

لأنه بأكمله يتغير في اللحظة..

 ماذا اعددت لساعة الوصول؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/نيسان/2011 - 13/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م