شبكة النبأ: يبدو ان مشوار الميل لا
يبدأ بخطوه واحده، هذا ما ألمح اليه معتنقي الديانة البرلمانية البالغ
عددهم حاليا 325 عضوا، وهم موزعين في المنطقة الخضراء الواقعة على ضفاف
نهر دجلة في العاصمة العراقية بغداد، الا ان ما يميز تلك الديانة عن
الديانات الاخرى السماوية والوضعية هي قدرتها على تجاهل مصائب البلاد
والعباد، تحت ذريعة المؤمن مبتلى وان الماء والكهرباء والخدمات ليست
ذات اهمية قصوى من وجهة نظر عقائدية ولا تدخل في خانة الاصول او الفروع،
وسوف لن نسئل عنها يوم القيامة وان صفات المؤمن الحقيقي وبحسب
التشريعات واللوائح البرلمانية قد تتركز على تعفير الجبين بأوسمة
الطاعة وان تخضب اللحى بحناء الايمان والتقوى، وان تكون المسبحة هي
الرفيق الدائم في ثنايا الاستغفار والتوسل بأسماء الله الحسنى المحددة
بتسعة وتسعين اسما، وهناك ثمة خرزتين اضافيتين مخافة السهو او
الاسترجاع، وهذا بطبيعة الحال مما يعطي لمعتنقي هذه الديانة فرصة أخذ
مئة مليون دينار عراقي لكل واحد منهم، كسلفة بالتقسيط المريح وان توزع
عليهم قطع الاراضي مجانا امتنانا لدورهم الإيماني والتعبدي وامتيازات
اخرى توفى اليهم اثناء وجودهم في داخل قبة البرلمان او في حالة احالتهم
على التقاعد وليس بالاخرة، كما هو معمول به في بقية الاديان.
ومن اجل فهم واستيعاب تلك الديانة الجديدة وسبل الانتماء اليها
وفحوى وجودها على الارض العراقية حصريا كانت لنا هذه الجولة مع بعض
المواطنين لمعرفة آرائهم الشخصية بذلك الدين الجديد.
يقول سعد الرواف مسؤول الاخبار والبرامج السياسية في اذاعة كربلاء:
أن الديانة التي ينتهجها اعضاء مجلس النواب تحلل لهم ما هو محرم على
غيرهم وذلك من خلال نشر ثقافة مفادها التغاضي على سرقة المال العام،
والبحث عن الامتيازات الخاصة والتصارع على الكراسي، والبحث عن القرارات
والقوانين التي تخدم المصالح الخاصة لبعض المسؤولين، دون الاهتمام بشكل
مباشر بإقرار القوانين التي تصب في خدمة المواطن الذي عانى ما فيه
الكافية خلال الحقبة المظلمة للحكم الدكتاتوري البائد.
ويتابع حديثه لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): كذلك الفترة التي تلت
سقوط الصنم، لذى نرى اعضاء مجلس النواب في موقف ضعيف جدا ازاء الوعود
التي قطعوها للناخب العراقي وهذا التصرف سوف يزعزع الثقة بين المواطن
والمرشح في الدورات المقبلة.
اما أحمد صكب مدير وحدة البرامج الاذاعية في اذاعة كربلاء وهو من
المؤيدين لأصل التسمية وذلك كون الديانات من وجهة نظره ما هي الا
مجموعة قوانين وتشريعات، فيقول: ان الدين الجديد له من التشريعات
والقوانين ما يكفي لكي يصنف مع بقية الاديان الوضعية الاخرى، وكان من
المفترض ان تقع على عاتق المنتمين الى هذه العقيدة مسؤولية الاهتمام
بالناس واغاثتهم ومتابعة شؤونهم لانهم هم من اوصلهم الى دينهم الجديد.
ويضيف: ان ما يتم مناقشته اليوم هو في الاساس قانون ومشروع اقتصادي
اوجده المشرعين لانعاش الحياة الاقتصادية لمن لا يستطيع ان يقاوم هذه
الحياة، لكن ما يحدث الان في العراق عكس ذلك تماما فالشعارات تتحدث ان
المال للشعب والنفط للشعب والوطن للشعب، الشعب هو من يقوم بوضع الرؤساء
والبرلمانين وتسميات اخرى.
ويقول: بالتالي عندما تصدر الحكومة او البرلمان قانون التسليف
الاعضاء وانى من حقي كمواطن ان اتسائل من قام بتشريع هذا القانون هل ان
العضو البرلماني لديه اولاد لا يستطيع على تزويجهم وبالتالي هو يحتاج
الى هذا المبلغ؟ هل يحتاج الى شراء دار سكنيه مثلا كونه يسكن بالايجار؟
هل العضو البرلمان العراقي عندما يسلف 100 مليون دينار عراقي هل لديه
اطفال مثلا وهو يسعى الى شراء حاجيات او شراء ملابس لهم، في الواقع هذا
ضحك على الذقون وهذه سرقه مبطنه تحت مظلة القانون وانى استذكر بهذا
الشان بيت لاحد الشعراء
كنى لكم حطبا في كل نائبة فلا تكونوا لنا حمالة الحطب
ويضيف لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): ان الطامة الكبرى وخيبة الامل
التي اصيب بها الشعب العراقي اليوم لا تحتمل في كل الحسابات وان ما كان
يحسبهم مدافعين عنه اصبحوا ضده، ونحن نتسائل اذا ما كان العضو البرلمان
يحتاج الى 100 مليون دينار عراقي كسلفة فما الذي تحتاجه امراءه تستلم
راتب من الرعاية الاجتماعية مقدره 50 الف دينار عراقي؟ واين هم علماء
الاقتصاد وكيف سينصفون هذه المرأة خصوصا ونحن نعيش هذه الايام ذكرى
سقوط الصنم فليجعلوا هذا الامر نصب اعينهم وليكونوا منصفين مع ابناء
شعبهم، نحن من نحتاج الى هذه الاموال والخزينة العراقية ليس بحاجة الى
هذا الهدر بالمال، وفي الحقيقة نحن امام مسئلة مضحكة ومبكية ونتمنى من
اصدر هذا القرار ان يقوم بزيارة لكل بيوت العراقي ليرى من يستحق
التسليف هل يستحق رئيس الجمهورية او العضو البرلماني لانه ليس لديه
تلفزيون مثلا او مكوي او يحتاج الى مبردة، واقتراحي الاخير ان تخصص
ميزانية الدولة العراقية ولمدة عام واحد من اجل ان يسد السادة
المسؤولين كل متطلباته الحياتية والمعيشية وبعد ذلك ينظرون الى الفقراء.
من جهته أنمار البصري وهو اعلامي ايضا، كان من أشد المعارضين لثقافة
التحجيم التي يمارسها بعض المندسين الذين لا يسرهم سرعة انتشار تلك
الديانة خصوصا ما بين الاوساط الحكومية والبرلمانية وبعض الدرجات
الخاصة، فيقول: ان فاعلية تلك الديانة وقدرتها على الصمود متأتية من
فيض المكتسبات المادية والمعنوية، وعلى اغلب الظن فان التظاهرات التي
خرجت الى الشارع كانت تطالب بزيادة الرواتب والمخصصات البرلمانية هذا
مما جعل السادة المسؤولين امام مسؤولية كبيرة من اجل التصدي لتلك
التظاهرات وتحقيق مطالب الناس المشروعة على وجه السرعة ومن اجل ذلك تم
تسليف السادة الاعضاء 100 مليون دينار عراقي وان هذا القانون مرر بسرعة
فائقة لانه مستوفي للشروط المطلوبة وكل الاعضاء كانوا حاضرين ولم يتغيب
أي فرد منهم وتحقق النصاب بالكامل، وكان التصويت وهذا عكس ما يجري في
كل الجلسات التي يراد منها اقرار قانون لغير المنتمين الى الديانة
البرلمانية كون النصاب لا يكتمل نهائيا بسبب الاقامة والسفر الى خارج
وداخل البلاد.
المراسل الاخباري والصحفي عباس المالكي ينتقد بدوره الاوضاع
المعيشية المتردية التي شملت اعداد وشرائح كبيرة من السكان، فيقول: منذ
سنوات طويلة والواقع السياسي العراقي يوصف بأنه شعاراتي بامتياز، وتقلب
الحقائق فيه بشكل لافت وعجيب لا يمكن حصوله حتى في قصص ألف ليلة وليلة.
ويتابع حديثه لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): فمثلا وطوال ثماني سنوات
من الحرب مع إيران كانت الآلة الإعلامية لنظام صدام المقبور تصور كل
أيام تلك الحرب على أنها انتصارات خوالد، وراح النظام آنذاك يسمي تلك
الهزائم بأسماء كبيرة مثل أم المعارك، والحصاد الأكبر ويوم الأيام
والقائمة تطول، ومع استطالة القائمة كانت مقابرنا تتسع يوميا لتستوعب
راحلين جدد بسبب تلك الحرب اللعينة.
وقبل دقائق من دخول دبابات التحالف ساحة الفردوس كان وزير الإعلام
في نظام صدام محمد الصحاف يسطر صحفا بالكذب المفضوح ويدعي أن"العلوج"
يتقهقرون ويحرقون عند أسوار مزعومة لبغداد.
والمؤسف أن عجلة الكذب السياسي هذه لم تتوقف حتى بعد أن سقط صدام
وتبعثرت كل ماكنته الإعلامية البغيضة المبنية على الدجل والشعاراتية
والوعود.
اليوم وبعد سنوات من التغيير ما زالت عجلة الكذب تدور ونقرأ يوميا
على أشرطة الأخبار عن إنجازات عمرانية واقتصادية وتصريحات لمسؤولين
وبرلمانيين مسبوقة دائما بسين التي هي في الواقع سين للماطلة والتسويف
والوعود التي لا تتحقق.
رئاسة البرلمان وعدت الناس بأنها ستدرس طلباتهم وتخفض امتيازات
النواب، ووعدت بدراسة الاوضاع الاقتصادية لشريحة الفقراء في المجتمع،
كما وعدت بمراقبة أداء الوزراء والوقوف على سبب الإخفاق في وزاراتهم
وتشريع القوانين التي تمكنهم من العمل. لكن ما الذي تحقق من كل هذه
الوعود؟.
ما تحقق هو أن البرلمانيين الكرام حصلوا على قرض بمئة مليون دينار،
والعهدة على الراوي، وطبعا تسديد هذا القرض يتم بشكل يسير، حتى لا يضطر
البرلماني المسكين الى الإستدانة من أحد جيرانه لتسديد أقساطه.
ويتابع، الذي تحقق من تلك الوعود أيضا أن البرلمان صار يناقش موضوع
تخفيض امتيازات اعضائه ويقلب هذه المصيبة يسره ويمنه عله يخرج من هذا
المأزق بأقل الخسائر، والغريب أن قانون الامتيازات الفلكي الذي يتقاضى
بموجبه السادة البرلمانيون حفنة من الملايين أقر بسرعة البرق ودون أن
تتمكن حتى وسائل الإعلام الرقمية من رصد النواب وهم يقرؤونه أو يصوتون
عليه، وبعكس الحال مع كل القوانين التي فيها منفعة للفقراء والمعوزين
والمتقاعدين. وبت حين اسمع بمماطلة البرلمان في اقرار قانون تخفيض
امتيازات اعضائه أقارن بين حالنا وحال الليبيين، فالعقيد القذافي أكد
لشعبه وحلف لهم أغلظ الإيمان أنه شكل لجنة تضم خبراء كبار دوليين لوضع
دستور للبلاد وفقا لمواصفات عالمية. لكن اللجنة والكلام للقذافي لم
تنجز هذا الدستور بعد رغم مرور سبعة أعوام على تشكيلها.
ويشير سرحان، على الليبيين ان ينتظروا سبعة اعوام اخرى ليروا دستورا
جديدا وربما علينا ان ننتظر قرنا آخر قبل ان ننتهي من الكذب
والشعاراتية المزيفة. ولكن من أين لنا بأعمار أخرى لنرى ماذا يكون عليه
الحال بعد قرن؟. |