يقف العراق امام تحدي، على درجة كبيرة من الاهمية وهو على اعتاب
الذكرى الثامنة لسقوط النظام البائد، مفاده ان الحرية والديمقراطية
التي انطلقت بعد عقود من الديكتاتورية وهيمنة الحزب والشخص الواحد على
مقاليد الدولة والحكم... بحاجة الى من ينميها ويحافظ على مكتسباتها.
واذا كان الشعب والمؤسسات السياسية والدستورية هم اصحاب الشأن والكلمة
الفصل في مواجهة هذا التحدي وتحمل مسؤوليته، فالسؤال الذي يطرح نفسه...
هل ادى كل فريق ما عليه؟.
اذا كانت سلسلة التضحيات التي قدمها الشعب العراقي والتي لم تتوقف
في مواجهة قمع النظام البائد تارة وقوى الارهاب تارة اخرى؛ غير كافية
لانجاز الدور واتمام المسؤولية، فان الشعب لم يبخل يوما على
الديمقراطية منذ ولادتها الاولى حينما كان تواقا لممارستها في اكثر من
مناسبة انتخابية واخرى استفتائية، وبالتالي كان وما يزال في انتظار
النتائج بعد ان اوفى بما وقع عليه من ادوار ومسؤوليات.
بينما يقف الفريق الآخر بتشكيلاته من مؤسسات سياسية ودستورية بدءا
من الاحزاب والكتل السياسية والبرلمانية مرورا بالمؤسسات الدستورية من
رئاسات وبرلمان وهيئات مستقلة ومرتبطة وصولا الى الحكومة برئاسة مجلس
وزارئها ووزرائها... حائرا امام تحدي بناء الدولة على اسس سليمة
وديمقراطية، وسط حالة من:
1. انقسام في الصف الوطني وغياب التوافق السياسي المطلوب؛ بشكل ادى
الى خلافات حادة، نجد ظواهرها عديدة؛ آخرها ما حدث في ملف تشكيل
الحكومة الحالية الذي استغرق قرابة العام وما زالت حقيبتا الداخلية
والدفاع شاغرتين، ناهيك عن المجلس الوطني للسياسات الستراتيجية الذي لم
يحظ بالقبول والتنفيذ من قبل بعض الاطراف على الرغم من كونه احد الحلول
التي تمخضت عنها مبادرة اربيل.
2. العمل بالمحاصصة ولغة المكونات شعارا لتوزيع المناصب في كافة
المؤسسات صغيرة كانت ام كبيرة.
3. تفشي الفساد المالي والاداري في الهيكل الحكومي، وانتشار صور هدر
المال العام والتفريط بالامكانيات، مقابل تراجع الخدمات وزيادة نسبة
التضخم والبطالة وارتفاع نسبة الفقر وتعثر عجلة النمو على مختلف
الاصعدة... حتى تحول العراق الى سوق مفتوح لاستقبال كافة المنتجات التي
لا يصلح بعضها للاستخدام البشري.
4. استمرار آثار الدمار والخراب مما خلفه النظام بل ومما خلفته
العمليات العسكرية التي توفقت في اواسط العام 2003، حتى ان آثار بعضها
ما زال شاخصا وسط بغداد.
فكيف السبيل للخروج من هذا الواقع مع وجود الرغبة الصادقة لدى اطراف
واسعة من الطبقة السياسية تمثله بعض الاحزاب والكتل والتيارات
والشخصيات المستقلة والمؤسسات الدستورية وعديد الرئاسات... لتجاوز
آثاره.
ان الوقوف امام هذا التحدي وتجاوز واقع المرحلة السلبية السابقة؛
تدفعها بحق معطيات ايجابية يقف على رأسها الدعم الدولي للعراق وزيادة
عائداته مع ارتفاع اسعار النفط العالمية... ناهيك عن دعم الشعب الذي
مثل رديفا لا ينضب ينبغي عدم التفريط به والتفكير بجدية في مشكلاته
وتحسس الآمه وتلمس تطلعاته؛ من خلال التالي:
• تحقيق الوفاق الوطني الناجز بتجاوز الخلافات السياسية واقرار
التعهدات السابقة والحالية واللاحقة المبرمة بين الكتل السياسية... ما
دامت تصب في خدمة الوطن والمواطن.
• توظيف المؤسسات الدستورية لترسيخ الديمقراطية وحمايتها وابعادها
عن المشاحنات والخلافات.
• الثقة بالآخر والعمل معه باعتباره شريكا في الوطن، والاقرار بان
نتائج صناديق الاقتراع هي الفيصل في توزيع المناصب لا المحاصصة او
المحسوبية والمنسوبية.
• نهوض الحكومة وهي ابنة البرلمان بالتزاماتها الحيوية في تلبية
حاجات المواطن الاساسية وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة والفساد
واعادة البناء والاعمار...
• استثمار العهد الدولي مع العراق من خلال تفعيل بنوده بكافة
المستويات خصوصا الاقتصادية منها.
وفي اليوم الذي تستوفى الملفات المذكورة او بعضها نستطيع ان نواجه
تحديات بناء الدولة وحماية الديمقراطية. لكن، هل استجابت المؤسسات
السياسية والدستورية لمتطلبات مواجهة هذه التحديات؟ وهل حققت الحكومات
المتعاقبة بعض هذه الاهداف؟
سؤال اجابته تدور منذ ثمان سنوات ماضية في مخيلة الكثيرين وما
زالت... لكنها بعيدة كل البعد عن اذهان معظم السياسيين. |