المثقف الهجومي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في مقالات ثقافية سابقة، تم التأكيد على أهمية لياقة الحوار، واللجوء الى اللغة الهادئة في التوصيل وتبادل الآراء، مع احتفاظ الاطراف المتحاورة بأوجه النظر كافة، حتى لو اختلفت مع بعضها، هذا النوع من الحوار، والايمان به، يُسهم بصناعة أجواء حاضنة لآراء الجميع، ويوظّف التقاطع كعنصر داعم للحوار وليس كابحاً له.

لكن اللغة الهادئة، لا تعني تراجعا في موقف المثقف، تجاه الوضع السياسي للبلد، او تجاه الجوانب الحياتية المهمة، التي لا يصحّ معها، السكوت أو تسويف المواقف، كما أن اللغة الحوارية الهادئة، أو مهمة المثقف على نحو عام، لا تسوّغ الاختباء في الأدراج المخفية، او الخلفية، بحجة هدوء الطرح، وما شابه من أعذار، لا ترقى الى الصدق، فأنْ تكون هادئا في حوارك، وفي طرح وجهة نظرك، وتثبيت موقفك حيال قضايا الشعب والحياة عامة، هذا لايعني أنك تدس رأسك في الرمال، بانتظار ما تسفر عنه الوقائع المحتدمة في ميادين الحياة.

هل يعني هذا أن المثقف ينبغي أن يتسم بالهجومية، وهل يمكن أن يكون الرأي الهادئ هجوميا ؟.

إن المثقف الهجومي، لا نعني به المثقف الذي يطرح رأيه خارج المعايير الاخلاقية، والضوابط الانسانية المتفق عليها، ولا هو المثقف الذي يتجاوز على كرامة الآخر  (أفرادا أو مؤسسات)، ولا هو الذي يلجأ الى لغة الخدش، والقذف، والتشهير بالآخرين، كما أنه أبعد الناس (أو ينبغي أن يكون كذلك)، عن مس الكرامة الانسانية، سواء باللغة الحوارية أو بمضمونها.

إنه من أوائل النخب التي تعلن مواقفها من دون تردد، أو تراجع وبوضوح تام، كما أنه يتسم (بالهجومية الاخلاقية) التي تحتم عليه إعلانا سريعا وواضحا، لموقف المثقف من المفاصل المحورية الخطيرة، التي تتحكم برسم الحركة المجتمعية ومصيرها، وهذا ما يفرض عليه، عدم الانضواء تحت الهاجس التبريري، الذي يجعله خارج الدور الثقافي القيادي المطلوب، في تصحيح حركة المجتمع.

بهذا المعنى وهذا الفهم، سنكون بحاجة ماسة الى (المثقف الهجومي)، وأقصد بـ (نحن) الشعوب التي لاتزال تخطو بصعوبة وتردد، نحو بناء منظوماتها السياسية والحياتية عموما، فالمثقف الهجومي، يترفّع عن الخلط بين نقاء المبدأ وخبث الوسيلة، ويتجرد تماما من الاهداف الخفية (الماورائية)، التي قد تلوّث بعض المثقفين، حين يكون المُضْمَر، مختلفا عمّا يطفو على السطح، من مواقف وأفكار ودعوات، قد يتبناها المثقف لأسباب مصلحية.

ولكن ستظهر تساؤلات محقة، قد يطرحها الآخرون ( منتسبو النخب أو غيرهم)، كيف نبني المثقف الهجومي وفقا للمعايير الدقيقة التي تضبط عدم الخلط بين نقاء المبدأ وخبث الوسيلة ؟ وكيف نضمن ذلك الفصل الصعب بين الهجومية ولغة التطرف والتجريح ؟.

إنها أسئلة حقيقية تفرض نفسها بقوة، فالمثقف الهجومي هو بناء ذاتي أولا، حتى لو انتمى الى حيز او منظومة أوسع، بهذا المعنى، تبقى الرقابة الذاتية هي التي تحمي هذا النوع من المثقفين، وتبعدهم عن الطيش، والخروج الى هاوية التطرف، واعتماد الرأي الهجومي المدعوم بلغة هجومية رعناء، هنا سيتحول المثقف الى صوت متغطرس ومسيء ليس للثقافة او أهدافها فحسب، بل سيشكل إساءة كبيرة للمجتمع ومكوناته كافة.

إذن الموازنة تبدو دقيقة في هذا المضمار، بين أن تتصدر (كمثقف) النخب في فعالياتك كافة حيال المجتمع، وبين أن تنتهج الهدوء معيارا دقيقا، يوصِل صوتك ورأيك وموقفك أولا، ويحميك من التطرف والطيش بالمستوى نفسه من الاهمية.

هذا يعني أننا نحتاج المثقف الهجومي، بالمواصفات التي تؤكد إقدامه على غيره من النخب، وتثبِّت هدوءه وحكمته وبراعته في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/نيسان/2011 - 8/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م