شبكة النبأ: من المؤكد أن الانتفاضات
والاحتجاجات التي اجتاحت معظم دول الشرق الاوسط لها أسبابها الواقعية
المقنعة التي جعلت من ملايين الناس يخرجون من صمتهم ويأسهم ومجاراتهم
لحكوماتهم، الى حالة أخرى هي حالة العصيان والاحتجاج والمطالبة
بالاصلاح والتغيير الحتمي للحكومات التي لم تنصف هذه الشعوب ولم تقم
بواجباتها المطلوبه تجاه شعوبها.
ولعل السبب الأكبر الذي يقف وراء اشتعال فتيلة التظاهرات وانتشار
نارها وسعيرها في ارجاء واسعة ودول عديدة في المنطقة، هو الطابع القمعي
المتسلط لحكومات هذه الدول، وابتعادها عن السمة الشعبية الواقعية التي
تعبر عن تلعات وأمنيات وحاجات الشعوب، ولذلك كانت معظم حكومات هذه
الدول قمعية فردية تحرص أشد الحرص على مصالحها ومناصبها وعروشها وتهمل
أشد الاهمال شعوبها واستحقاقاتها في التحرر والعيش بكرامة، لهذا السبب
إندلعت التظاهرات وتزايدات المطالبات بالتغيير من واقع حكومي قمعي الى
ضرورة صعود حكومات شعبية تعبر عن روح الشعب، فالحكومة القمعية لايمكن
أن تحرص على شعبها ولا يمكن أن تهتم بحاجاته المادية والمعنوية، على
العكس من الحكومة الشعبية.
يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه
الله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (السبيل الى استنهاض المسلمين) في
هذا الخصوص:
(الحكومة الشعبية غير سلطوية، فإن هناك خطين في الدولة تبتدئ من
الحركة أية حركة، وأية دولة: خط شعبي يكون من الناس وإلى الناس ومع
الناس، لا بالإعلام والشعار والدعاية، فلا يجلس الحاكم في برج عاجي
ويلف حوله جماعة من المرتزقة ويستند إلى السلاح والاستخبارات والإعلام،
ثم يدعي أنه شعبي، وإنما يكون الحاكم مع الناس في أحزانهم ومسراتهم، في
مأكلهم ومشربهم، بل ربما كان يتمتع بأقل مما يتمتع الناس).
والحكومة الشعبية لابد أن تكون هناك خطوات تمهيدية لها، أي أنها من
الصعب أن تتحول من قمعية الى شعبية إلا من خلال الازاحة والاتيان
بالبديل الأفضل، لذلك لابد من التمهيد للحكومة الشعبية، إذا يقول
الامام الشيرازي في هذا الصدد:
(إذا اتسمت الحركة بالواقعية والشعبية، لابد وأن تنتهي إلى حكومة
واقعية شعبية، فإن هناك الحكومة الشعبية، وهناك الحكومة السلطوية، وهما
مزاجان متناقضان إلى أبعد الحدود).
بهذا المعنى لايمكن الجمع بين صفات ومواصفات الحكومتين السلطوية
والشعبية، فكل منهما لها طريقها ومسارها واسلوبها الذي يختلف عن
الاخرى، ولهذا السبب يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه على:
(إن السلطة الاستعلائية والشعبية الواقعية صفتان متناقضتان
متعارضتان بينهما بون بعيد، ولا يمكن لإحداهما أن تؤدي إلى الأخرى، ولا
يمكن للصفات والعمليات الواقعية أن تؤدي إلى السلطوية وكذلك العكس).
وهذا الاختلاف بين السلطتين هو الذي يجعل منهما متناقضتان تماما،
فحكومة القمع والتسلط تبيح لنفسها استخدام كل ما يسيء لشعبها من اجل
البقاء على عرشها محميا وسالما، وهذا ما دفع بشعوب المنطقة الى
الانتفاض على حكوماتها، لأن مثل هذه الحكومات لاتعرف سوى اسلوب القتل
والتشريد والاقصاء وما شابه لاسكات صوت الشعب، فالحكومات السلطوية كما
يقول عنها الامام الشيرازي:
(تنتهي إلى ذبح الأبناء، واستحياء النساء، بل وأحياناً إلى ذبح
النساء أيضاً كما نشاهد ذلك في الحكومات المعاصرة السلطوية القومية
والشيوعية والبعثية وما أشبه).
ولعل مشكلة الحكومات السلطوية الأصعب، هو قلة الخيارات أمامها
للحفاظ على مصالحها، فهي تظطر لتجيير كل شيء من أجل حماية عرشها،
كالاعلام والاقتصاد وعلم العلماء، وطاقات الكتاب وما شابه كلها تحاول
السلطة تكريسها لاسنادها، إذ يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه في هذا
المجال:
(من الواضح أن من طبيعة القوى السلطوية، سواء كانت في حركة أو حكومة
أنها هي التي تحدد كل شؤون الناس حتى علم العلماء، ولذا نجد أن
السياسيين في الغرب والشرق هم الذين يحددون النموذج العلمي لأسباب
سلطوية محضة، مثل ضرورات الردع وشن الحروب وصنع الأسلحة وكسب المزيد من
المنافع).
لكن الحقائق الواقعية والتاريخية كلها تثبت وتؤكد خطأ السلوك
السلطوي مع الشعوب، وعدم إمكانية استمراره كونه لايمثل تطلعات الشعوب،
وهو ما تثبته الآن الانتفاضات الراهنة التي تؤكد الوقائع بأنها لن
تتوقف ما لم تصل الى غاياتها في الحريات والحقوق كافة، ولهذا السبب
الواضح، لابد للحكام أن يقرؤوا الحقائق كما هي ويميلوا الى صالح
الشعوب، يقول الامام الشيرازي في هذا الخصوص:
(إن العقل يقضي أن يكون الحاكم شعبياً، مهما جرت عليه من الويلات
والمآسي، لا أن يكون الحاكم سلطوياً، مهما سبب ذلك راحته ولذته). |