هزّات أرضية، فيضانات، براكين، تسونامي... كوارث تتعدد مسمّياتها،
تعصف بمجريات النظام الكوني فتهلك الحرث والنسل على حدّ سواء، وتخلف
دماراً في البُنى التحتية، يعود الإنسانُ بعدها لتجاوز الآثار التي تقع
نتيجتها، وهو بين تلك الكوارث لا يملك لنفسه رادعاً من مغبة بطشها، فلا
فكاك من أمر كان وعده مفعولاً، لكن الجميل والمفارقة أن نتناول
(التسونامي) من وجهة نظر سياسية تجعله يُؤطر بإطار الإيجابية المقبولة
من قبل الإنسان عينه، فنراه ينتفض من بطن القمقم ويصرخ بالأرجاء أن قد
حلت الكارثة على أنظمة تهرأ نظام عملها بابتزاز ظاهر، وتضييق ملحوظ
للحريات، وتخريب في البنى المجتمعية، وممارستها لانتهاكات بوليسية كانت
نتيجتها نسف تأريخ كامل لشعوب المنطقة.
فقبل أن يضرب (تسونامي) منطقة اليابان، شهدت منطقتنا العربية (تسوناميات)
كان لها تأثير بالغ في تغيير مسيرة شعوب رزحت تحت نير الظلم والاضطهاد
لسنوات قبل أن تجرفهم إرادة الإنسان، وتكتسح ما تبقى منهم، لتبدأ مسيرة
جديدة من الحياة، قائمة على احترام حق الإنسان في العيش والتكيف ليكون
عضواً فاعلاً في بناء بلاده من جديد.. وما يفرح حقاً أن تلك الكوارث
كانت محط إعجاب ودعم من قبل المجتمع الدولي، والقوى العظمى، والتي هي
الأخرى تعاطت معها بايجابية تامة جعلت كل شعب عربي يرمي لإحداث تغيير
في أنظمة الحكم التي تديره أن يلتفت إليها بعين المخذول من أبناء جلدته،
ويستنجد بالتدخل الخارجي لإزالة الحكم البوليسي لأنظمتهم.
هذا فعلاً ما بصرناه بمباركة القوى العظمى للثورة التي أجج أوارها
(البوعزيزي) في تونس، والدعم المعنوي والإعلامي لثورة ميدان التحرير
في مصر، والموقف الموحد تجاه العقيد القذافي في معركته على أبناء شعبه،
ورياح التغيير الكبرى التي تطأ أرض اليمن السعيد لإزالة الحكم الملتصق
في الجمهورية منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، لكن هل وقف المجتمع
الدولي وقفة واحدة من كل الثورات والانتفاضات والنهضات التي لا زالت
تعصف بسواحل الأنظمة العربية على حدٍ سواء؟ وإذا كان الأمر كذلك ما
موقفه المبطن والمعلن من انتفاضة شعب البحرين، وهو يطالب بمجموعة
إصلاحات هي تعد من أبسط حقوقه ضمن المواثيق والأعراف الدولية؟
ففي الوقت الذي كانت تتواصل فيه الشعوب العربية لمواصلة الطريق
الذي شقته بنفسها من أجل نيل مساحة تستطيع أن تعبر عن مطالبها المشروعة
فيما يخص الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدانها، كانت
القوى العظمى تنظر إلى ما يحصل في الوطن العربي – مع التحفظ على
التسمية - بعين المواربة؛ لأن الرياح جرت بما لا تشتهي السَفَن، فما
حصل لم يكن ضمن التخطيط القائم لشرق أوسط كبير تبنت بناء دعائمه
الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي جعلها تعيد
حساباتها وفق خطط بديلة، انطلقت من حساب ما لها وما عليها، إذا ما نجحت
كلُّ هذه الثورات، وعلى الخصوص تلك المنبثقة في منطقة الخليج العربي؛
خصوصاً وأن منطقة الخليج العربي تمثل حاضنة كبيرة لمصالح أغلب الدول
الكبرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية..!
فبعد ثورة 14 فبراير الماضي، وما شهدته الساحة البحرينية من
احتجاجات مطالبة بتحقيق المزيد من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية
والدستورية، عبروا من خلالها عن سخطهم للتلكؤ في تنفيذ الإصلاحات
المزمعة من قبل الحكومة البحرينية، والمطالبة بالعدالة الإنسانية أسوة
بإخوانهم في العراق ومصر وتونس واليمن.. ومعارضتهم لقانون التجنيس
للباكستانيين والأفغان الهنود الذين حصلوا من خلاله على امتيازات
ومزايا جعلت من الأجنبي مفضلاً على أبن البلد (البحرين) لأسباب لا يمكن
أن تترجم إلا بالطائفية المحضة، ذلك الوتر الحساس هو ما جعل القوى
العظمى تدخل من خلاله لوضع بصماتها الجرمية بحرفية عالية كما فعلتها في
العراق سابقاً، معطية الضوء الأخضر للتدخل العسكري، خصوصاً بعد الزيارة
غير المعلنة لوزير الدفاع الأميركي (روبرت غيتس) وتطمينه للحكومة
البحرينية إلى دعم واشنطن لها، إلا أنه لم يكن الهدف الوحيد من الزيارة،
فبعد ان استلمت الحكومة البحرينية شرعيتها لقمع العزل من أبنائها
الأحرار؛ دخلت قوات (درع الجزيرة) بمشاركة سعودية وإماراتية وقطرية
وربما كويتية وعمانية، وبمباركة (غيتس)، وبدأت تضرب بقوة معاقل تجمع
الثوار المسالمين في ثكناتهم المسالمة، مخلفة الكثير من القتلى، وملوحة
بعلامات النصر في إيماءة منها للبدء بعملية الفرز الطائفي (شيعة – سنة)،
تلتها الشروع بالمرحلة الثانية من الخطة المشتركة لخلق نزاع إقليمي،
يقوم بحسب توارد الأحداث في إحداث صراع عقيدي في المنطقة، بين الجارة
إيران وبين دول الخليج العربي.
وفي بادرة غير معلنة منها قامت الولايات المتحدة الأمريكية بسحب
الأسطول الخامس من منطقة البحرين، والذي يعدُّ من أكبر أساطيلها في
المنطقة، في إشارة لجذب إيران وإعلامها أن الساحة خالية للدفاع عن
البحرينيين من فتك قوات (درع الجزيرة) تحت مسمى طائفي، وما تناقلته
التصريحات الرسمية لدولة البحرين حينها - خوفاً منها على زوال معالم
وجودها - بأن لإيران تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، وهي من كانت
وراء الأحداث التي وقعت في البحرين..؟!
إلا أن الطعم نجح في ابتلاع (الدرع)، وخاب في جذب إيران وإشراكها
لتكون قطباً من أقطاب الصراع الإقليمي في المنطقة، وللأسف لم يتكرر
السيناريو مرة أخرى كما حصل للعراق ابان دخوله الكويت.. والأسف الأكبر
إن من وقع ضحية نتيجة هذا التخطيط المشترك بين دول الخليج العربي
والولايات المتحدة الأمريكية كان الشعب البحريني عينه، فالمسألة لم تعد
مجرد اعتداء على المدنيين، بل إنه نسف لمقدرات شعب كامل على كل
المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
خطأ آخر من أخطاء الإدارة الأمريكية في المنطقة، هذه المرة لا
يحتاج إلى أداة للتأويل، ومعالم الجرم واضحة للعيان، وكشف معلن عن
سياسة لا تجعل من الأعراف والمواثيق الدولية إلا مجرد شعارات تستعملها
قوى الجبروت أينما درّت مصالحها.
أما لدرع دولة البحرين وحكومتها فان المصيدة محكمة للعبث بمقدرات
دول الخليج، ولا فكاك من أبوابها الموصدة للخروج من مأزق عظيم وضعت
الجيوش الجرارة نفسها فيه، خصوصاً وأن العالم الإنساني اليوم يرى بأم
عينه كل تلك الانتهاكات التي يقوم بها (الدرع) على مرأى ومسمع،
والتلويح بالأزمة الطائفية لم يعد ينفع مع تزايد نضج العقل الإنساني
للتحكم فيما يبث إليه من الخارج، وبصرف النظر عن النتائج المخجلة التي
سينبو بها وضع البحرين القائم، فأن الخسارة ستكون ثقيلة على سمعة كل
الدول التي شاركت في حربها المعلنة غير المتكافئة على شعب أعزل لا
يمتلك من نفسه إلا شعارات سليمة ومضامين إنسانية ومطالب مجتمعية هي من
أبسط مستلزمات شعب يجاهد لأن يجنب أنظمة حكمه (تسونامي) محقق. |