مستقبل الطاقة النووية بعد الزلزال الياباني

شبكة النبأ: الزلزال الياباني طرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل الطاقة النووية واخطارها الكبيرة على البشرية، العلماء اليوم يبحثون عن طاقة اكثر امانا قد يجدونها في الشمس او مكان وهو امر بعيد المنال حين تكون لغة الطاقة النووية اكثر صخبا.

طاقة الاندماج النووي

 عادة ما تولد الطاقة في المفاعلات النووية عن طريق شطر ذرات عنصر اليورانيوم الثقيلة. ولكن هناك طريقة أخرى تمّكن من اكتساب الطاقة النووية، وهي عكس الطريقة الأولى وتتمثل في دمج الذرات وليس في شطرها. ولهذه الطريقة، التي يستخدم فيها عنصر الهيدروجين، مزايا عديدة: فقضبان الوقود، وهو في هذه الحال غاز الهيدروجين، هي مصدر متوفر في الطبيعة ولا ينتهي، وهذا بعكس عنصر اليورانيوم. كما أن خطر حصول كارثة أو حادث في المفاعل النووي غير وارد، لأن الطاقة المخزنة في المفاعل النووي الذي يدمج ذرات الهيدروجين ضئيلة جداً. ومن مزايا طاقة دمج النوى الذرية أنه لا تنتج عنها مخلفات نووية ضارة، ولا يضطر المرء إلى التخلص من هذه التفايات النووية كما هو الحال في مفاعلات الطاقة التي تشطر نواة ذرات اليورانيوم. بحسب تقرير للإذاعة الالمانية- دويتشه فيله.

ولكن هنالك مشكلة في توليد الطاقة الناجمة عن دمج الذرات، تتلخص في حقيقة أنه لا يوجد حتى الآن مفاعل للدمج يمكن استخدامه لتوليد الطاقة. ويعود ذلك إلى أن التقنية اللازمة لهذا الأمر معقدة جداً. المفاعل الوحيد القادر على الدمج هو مفاعل تجريبي يُدعى إيتر ITER، وهو أكبر مفاعل دمج تجريبي بناه الإنسان حتى الآن.

بدأ العمل بتجارب دمج نوى الهيدروجين في عام 1991، حيث نجح علماء فيزياء بريطانيين في دمج ذرات الهيدروجين وتحويلهاإلى غاز الهيليوم، ولو لمدة قصيرة لا تتجاوز الثانيتين، مستخدمين مفاعلا صغيراً أسموه جِتJET. وعملية الدمج هذه هي عملية كيماوية وفيزيائية معقدة تنتج عنها كمية كبيرة من الطاقة. هذه التجربة الصغيرة أنعشت آمال العلماء وجعلتهم يتطلعون للاستفادة في المستقبل القريب من دمج الذرات واستغلال هذا المصدر الذي لا ينضب للطاقة. وانطلاقاً من هذا التفاؤل شرع العلماء ببناء مفاعل إيتر الأكبر حجماً. ومن المخطط أن يكون بوسع هذا المفاعل التجريبي أن يوّلد 10 أضعاف الطاقة التي يستهلكها. "هذه التجربة ستكون بمثابة الاختبار الحاسم لمبدأ توليد الطاقة بطريقة الاندماج"، كما يقول هارتموت تسوم، وهو عالم فيزياء الاندماج في معهد ماكس بلانك لفيزياء البلازما بالقرب من مدينة ميونخ. 

وبمشاركة الإتحاد الأوروبي، واليابان، وروسيا، والصين، وكوريا الجنوبية، والهند والولايات المتحدة الأمريكية بُدئ العمل عام 2005 ببناء مفاعل إيتر في جنوب فرنسا. ويتكون المفاعل من غرفة ضخمة مفرغة من الهواء دائرية الشكل. ومبدأ عمل المفاعل هو أن يتم ضخ مزيج من غاز الهيدروجين إلى داخل هذه الغرفة. هذا الخليط يسيطر عليه مجال مغناطيسي يمنعه من التلامس مع جدران الأنبوب المحيط به. بعد ذلك يتم تسخين غاز الهيدروجين إلى 150 مليون درجة مئوية، فيتحول الهيدروجين بدوره إلى بلازما، وهو ما تيسمى بالحالة الرابعة للمادة. ونظراً لدرجات الحرارة العالية هذه، تندمج نوى الهيدروجين وتتحول إلى هيليوم، منتجة بذلك كميات هائلة من الطاقة.

تكاليف هذا المفاعل قُدرت في البدء بخمسة مليارات دولار، وكان من المفروض أن تنتهي أعمال بنائه عام 2018. إلا أن سرعان ما تم تعديل هذا المخطط، حيث تقدر التكاليف الآن بخمسة عشر مليار يورو، ويتوقع المشرفون على المشروع أنه لن يتم البدء بتوليد الطاقة في المفاعل قبل عام 2026. وقد تعددت أسباب هذا التأخير: فالمواد الخام الخاصة واللازمة لبناء المفاعل ارتفع سعرها في الأعوام الأخيرة بشكل كبير، كما أن حسابات التكاليف التي أجريت في المراحل الأولى من المشروع لم تكن دقيقة، كما يقول هارتموت تسام. غير أن المخططين أدركوا الآن أن التقنية أدق وأكثر تعقيدا وتكلفةً مما كانوا يتوقعونه.

ومن أحد أسباب التأخير أيضاً هو إدارة المشروع: فالشركاء السبع في المشروع موزعون في أنحاء مختلفة من العالم، وهذا ما يجعل التنسيق بينهم أمراً صعباً، خصوصاً وأن كلاً من هؤلاء الشركاء يطمح إلى إشراك مصانع محلية في بلده في  عملية إنتاج القطع اللازمة لبناء المفاعل. وينتج عن هذا أن عدة مصانع تنتج قطعا من طراز واحد في نفس الوقت، بدل أن ينتجها مصنع واحد موفراً بذلك الجهد والمال. وتفاديا لأن تستمر تكاليف بناء المفاعل بالارتفاع، قام المسؤولون عن المشروع بتعيين فريق إدارة جديد لحل مشكلة تمويل المشروع.

ويدفع هذا التأخير والمشاكل المالية لمفاعل الاندماج النقاد للدعوة إلى التفكير مجددا في مدى جدوى هذا المفاعل، وحسب رأي هاينتس سميتال، وهو خبير في علم الذرة وعضو في منظمة حماية البيئة غرين بيس Greenpeace، فإن "الفكرة من وراء الاندماج النووي هي فكرة مثيرة للاهتمام علمياً، ولكنها ليست لها علاقة بإمدادات الطاقة على أرض الواقع، لأن مفاعل إيتر هو مفاعل تجريبي ونموذج علمي معقد، وليس مفاعلاً نووياً جاهزاً يوفر الطاقة للمستهلك." ولذلك يطالب سميتال بإيقاف المشروع واستثمار المبالغ الضخمة في مشاريع أخرى لتوليد الطاقة من مصادر أخرى رفيقة بالبيئة ومتجددة، مثل المولدات العاملة بالطاقة الشمسية.

ثورة شمسية بعد الزلزال الياباني

بالرغم من أن العالم العربي مشغول بثوراته ولم يول اهتماما كبيرا للحدث الياباني، فإن بعض العلماء دقوا ناقوس الخطر مطالبين الحكومات العربية بأخذ العبر والكف عن الاستثمار في الطاقة النووية.

فقد رفعت اليابان تصنيف الحادثة النووية في محطة فوكوشيما إلى المستوى الخامس على المقياس الدولي للحوادث النووية والمؤلف من سبعة مستويات، واصفة إياه بالحادث ذي النتائج الواسعة. وكانت الحكومة اليابانية قد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في وقت سابق، أن ما تعرضت له محطة فوكوشيما وصل إلى المستوى الرابع ما يعني تصنيفه في إطار "حادث ذي آثار محلية". وحسب الرسالة الجديدة للحكومة اليابانية، التي رفعت فيها تصنيف حادث فوكوشيما، فإن تداعيات هذه الكارثة تتجاوز اليابان وأن آثارها ستكون أخطر مما كانت طوكيو تتوقعه. بحسب دويتشه فيله.

وطرح زلزال اليابان، وما تعرضت له محطة فوكوشيما النووية من موجات تسونامي، علامات استفهام قوية حول جدوى الاستمرار في الاعتماد على الطاقة النووية وخصوصا في مجال الكهرباء. فقد تراجعت الحكومة الألمانية عن قرار اتخذته في وقت سابق هذا العام، أي قبل الكارثة اليابانية، بتمديد العمل في المفاعلات النووية، وقررت تجميد تطبيق القرار المذكور لمدة ثلاثة أشهر للتفكير بهدوء في تداعيات حادث فوكوشيما ولوضع برنامج جديد لآليات الأمان في مفاعلاتها.

حتمية الطاقة النووية

لكن من كان يتوقع أن تطيح "الطبيعة" بكل إجراءات الأمان اليابانية؟ لا أحد! يجيب كمال الدين الأدهم، الرئيس السابق لمركز الأمان المصري. ويضيف الأدهم، في سؤال لـ دويتشه فيله، أن ما حدث في محطة فوكوشيما باليابان تجاوز كل احتمالات إجراءات الأمان. فقد أدى الزلزال، وما تبعته من موجات المد البحري تسونامي، إلى توقف المفاعل وتوقف أجهزة التبريد الثانوية أيضا. وهذا أمر غير مسبوق، أو لنقل إن نسبة حدوثه كانت واحد في المليون أو واحد في العشرة ملايين.

وبالرغم من عدم صمود إجراءات الأمان في دولة متطورة تقنيا كاليابان أمام غضب الطبيعة والقرار الذي اتخذته الحكومة الألمانية، فإن الأدهم يصر على القول "إن الطاقة النووية حتمية ولا يمكن إدارة الظهر لها حتى بعد الكارثة اليابانية، إن جاز لنا القول". والدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه مما جرى، حسب الأدهم، هو تطوير أو تغيير فلسفة الأمان النووي في الفترة المقبلة. وينادي الباحث المصري بتأسيس هيئة أمان نووي دولية، بجانب الهيئات المحلية، تراجع تصميمات المفاعلات النووية والأماكن التي ستبنى فيها بدقة، مضيفا بأنه يمكن تأسيس هيئة أمان عربية مشتركة أيضا تضع معايير صحيحة للأمان النووي، حتى نضمن أن "المراجعة تتم من قبل أكثر من جهة".

أما علاء الحمارنة، الأستاذ المساعد في مركز أبحاث العالم العربي بقسم الجغرافيا في جامعة ماينتس الألمانية فيرى بأن كارثة محطة فوكوشيما أثبتت أنه "لا يوجد أمان مطلق للطاقة النووية مهما كانت الإجراءات ومهما شكلنا من لجان محلية وعالمية". ويضيف الحمارنة، في حوار مع دويتشه فيله، أن مشكلة هذه الطاقة أن الإنسان غير قادر على السيطرة عليها والتحكم بها في حال وجود خلل ما، سواء كان تقنيا، كما هو الحال في مفاعل تشرنوبيل عام 1986 أو لأسباب طبيعية، هزة أرضية أو تسونامي، محطة فوكوشيما اليابانية مثلا.

وإذا كان الحمارنة يؤكد استحالة وجود أمان نووي كامل فإن فؤاد حمدان، الرئيس السابق لفرع منظمة غرين بيس في لبنان، يمضي إلى أبعد من ذلك، إلى إعلان "سقوط ونهاية أسطورة الطاقة النووية". ويضيف حمدان أن أصحاب شركات إنتاج الطاقة والساسة في الغرب كانوا يشيعون بعد كارثة تشرنوبل أن المفاعلات الغربية، أي تلك التي تصنعها أوروبا واليابان والولايات المتحدة، تختلف عن الروسية وهي آمنة تماما، واليوم جاءت حادثة مفاعل فوكوشيما لتثبت بطلان هذه النظرية.

ويتساءل علاء الحمارنة كيف يمكن لبعض الدول العربية، بعد الزلزال الياباني وتخلي الغرب تدريجيا عن الطاقة النووية، أن تقنع شعوبها بامتلاك مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة خصوصا أن أغلبية المناطق العربية مهددة بالهزات بسبب الوضع الجيولوجي والقاري لهذه البلدان؟. ويدعو الحمارنة الحكومات العربية إلى الاستثمار في الطاقة البديلة وتطوير إمكانيات الحصول عليها بدل السعي وراء الطاقة النووية، خاصة وأنها تشتري المفاعلات النووية، داعيا إلى إنتاج الطاقة وربطها بالبحث العلمي وبناء الكوادر العلمية.

وبدوره يرفض فؤاد حمدان ما يشاع من غياب بدائل للطاقة النووية في الوقت الحالي أو أن الطاقة البديلة مكلفة جدا معتبرا أنها دعاية تقوم بها شركات إنتاج الطاقة القوية في الغرب. فالبدائل موجودة وخصوصا "في العالم العربي حيث الشمس والصحراء". وبالفعل "قامت عدة دول عربية كالمغرب والأردن بإنشاء مصانع للطاقة الشمسية في الصحراء". ويحذر حمدان الدول العربية قائلا "إن أمامها بضعة عقود قبل أن تنفذ الاحتياطات النفطية، والمطلوب الآن: ثورة شمسية، أي الاستثمار في الطاقة البديلة والتقنيات الصديقة للبيئة لأن الواقع أثبت أنه لا أمان مع الطاقة النووية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/نيسان/2011 - 29/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م