كيف تطيل عمرك؟... ابحث عن السعادة

 

شبكة النبأ: تشير معظم الدراسات الطبية الى كون سعادة سببا رئيسا في تعافي الانسان من الامراض والوقاية منها في الوقت ذاته، خصوصا بعد ان خلص العديد من العلماء الى كون السعادة لها اثار نفسية ومادية على جسد الانسان بشكل مباشر.

وينصح المختصون بالابتعاد علن التشاؤم وحالات القلق والتفكير السلبي كونها تعيق المرء عن مشاعر الفرح والسرور، ويرى الخبراء ايضا ان التفاؤل الطريق الاجدى لمعالجة المشاكل مهما كانت كبيرة ومعقدة.

نصف الكوب

فقد يدعم العلم فيما يبدو الان النظرة المتفائلة التي تركز على ان الكوب ممتليء الى النصف لا ان نصفه فارغ. وخلصت مراجعة لاكثر من 160 دراسة عن الصلة بين التفكير الايجابي والصحة العامة وطول العمر الى وجود "أدلة واضحة ودامغة" على ان السعداء يتمتعون بصحة أفضل ويعيشون مدة أطول.

وجاء في المراجعة التي نشرت في دورية "علم النفس التطبيقي: الصحة والسعادة Applied Psychology: Health and Well-Being" ان الادلة التي تربط بين التفاؤل والاستمتاع بالحياة وبين الصحة وطول العمر هي أقوى من تلك التي تربط بين مرض السمنة وقصر العمر.

وقال ايد داينر الاستاذ الفخري للطب النفسي بجامعة ايلينوي الذي قاد المراجعة "ذهلت لمتانة البيانات." بحسب رويترز.

وعلى الرغم من ان داينر قال ان هناك قلة من الدراسات تتحدث عن العكس الا ان "الاغلبية العظمى... تؤيد الرأي القائل بأن السعادة مرتبطة بالصحة وطول العمر."

وفي الابحاث المعملية ثبت ان التفكير الايجابي يخفض الهرمونات المتصلة بالتوتر ويعزز الجهاز المناعي ويساعد القلب على التعافي بعد اي جهد. كما ثبت ان الحيوانات التي تعيش في اقفاص مزدحمة يتدنى لديها الجهاز المناعي وتصبح اكثر عرضة للاصابة بامراض القلب وتموت في سن صغير.

من جهتها تعتزم الحكومة البريطانية استخدام مؤشر رسمي جديد لقياس مدى سعادة المواطنين ودرجة تحسن اوضاعهم الجسدية والنفسية. وتنشر الغارديان تقريرا حول عزم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على ادخال المؤشر الجديد بسرعة ضمن مؤشرات قياس الاداء الاقتصادي العام.

وسيكون المؤشر ضمن البيانات الرسمية التي تصدر عن مكتب الاحصاء الوطني ربما بشكل ربع سنوي مع ارقام النمو الاقتصادي. وتقول الصحيفة انه رغم القلق من ان استخدام المؤشر الان في ظل الميزانية التقشفية والتخفيضات الحكومية قد يكون مناسبا، الا ان كاميرون يريد ان يبدأ استخدام المؤشر في الربيع على الاكثر.

وتقول الصحيفة ان عددا من الاقتصاديين طالبوا الحكومات من قبل الا تقصر مؤشرات الاداء بالنمو الاقتصادي، وان تستخدم معايير اجتماعية اكثر. وطلبت الحكومة بالفعل من المسؤولين عن عمليات المسح والاستطلاع لاصدار المؤشرات الاقتصادية ان يحددوا اسئلة تتعلق بمدى الرضا والسعادة لدى الناس.

وسيضاف مؤشر السعادة الى المؤشرات الاخرى الموجودة حاليا والمتعلقة بالانجاز لتكوين صورة دورية عن مستوى المعيشة العام في البلاد.

السويديون.. الأكثر سعادة

في السياق ذاته قال 9 من كل 10 سويديين انهم سعداء وراضون، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو الصحة الجيدة. وأجرى باحثون سويديون استطلاعاً لآراء الناس ووجدوا ان 9 أشخاص من كل 10 يؤكدون سعادتهم ورضاهم عن وضعهم الحالي. وأضاف الباحثون ان الاستطلاع أظهر ان غالبية السويديين يقولون ان الصحة الجيدة كانت السبب الرئيسي وراء وضعهم الجيد، فيما كانت الأسباب الأخرى المهمة على التوالي هي العائلة والأصدقاء وتوفر مكان جيد وآمن للإقامة فيه والوضع المالي الشخصي الجيد.

وتبين ان العوامل الأقل إثارة للسعادة والرضا بين السويديين كانت الايمان الديني والالتزام السياسي والطلة الجميلة والحياة المثيرة وارتداء الملابس الجميلة. بحسب يونايتد برس.

وأوضح الباحثون في تقرير أصدروه ان الرضا يختلف إلى حد كبير عند شخص واحد عند سؤاله عن أمور متعددة، ومثال على ذلك فإن غالبية السويديين راضون بشكل عام عن حياتهم العائلية أكثر مما هم راضون على أعمالهم ودراساتهم وأوضاعهم المالية.

التركيز مفتاح السعادة

كما أظهرت دراسة جديدة انه حين يتشتت ذهن المرء عند القيام بمهمة أو نشاط، يكون أقل سعادة منه حين يكون مركّزاً تماماً في ما يفعله. وقال كاتب الدراسة ماثيو كيلينغسورث الذي يعد رسالة دكتوراه في علم النفس بجامعة هارفرد الأميركية ان الذهن عادة ما يتشتت عما نفعله إذ ينشغل بالأمور التي حدثت وستحدث أو قد تحدث، وهو أمر يميّز البشر. ولكنه أشار إلى أن تشتت الذهن الإدراكي يكلّف المرء سعادته.

ونقل موقع "هيلث دي" الأميركي عن كيلينغسورث قوله "يبدو ان البشر لديهم قدرة فريدة على التركيز على غير الحاضر. لديهم القدرة على تذكّر الماضي والتخطيط للمستقبل وتخيّل أمور قد لا تحدث مطلقاً".

غير أنه أكد انه في الوقت ذاته يفشل البشر في حسن استخدام هذه القدرة، حيث تقلل من سعادتهم بدلاً من أن تزيدها. وشارك 2250 شخصاً في الدراسة مستخدمين تطبيقاً يتم إنزاله على هاتف "آي فون" وطلب منهم أن يتحدثوا عما يفعلونه وإذا كانوا يفكرون بأمور أخرى غير ما يفعلونه ،وما إذا كان ما يفكرون به مرضٍ مثل التفكير بقضاء عطلة، أو غير مرض مثل القلق على علاقة أو وضع مالي ،أو ما إذا كانوا في وضع حيادي.

وبحسب النتائج تبيّن ان المشاركين يقضون 47% من وقت الاستيقاظ وأذهانهم مشتتة، كما تبيّن انه بين النشاطات الـ22 التي ذكر المشاركون أنهم يقومون بها، فإن الجنس هو النشاط الذي يركّزون فيه أكثر من غيره، فقد قال 10% فقط منهم أن أذهانهم تكون مشتتة أثناء ممارسة الجنس.

وبشكل عام قال المشاركون انهم يكونون أكثر سعادة أثناء ممارسة الجنس والرياضة والكلام، وأقل سعادة عند الاسترخاء أو النوم أو العمل أو استخدام كمبيوتر المنزل.

وتبيّن ان 42.5% من الأشخاص يفكرون بأمور ممتعة عند القيام بنشاط ما و26.5% يفكرون بأمور مزعجة، إلاّ أنه حتى الذين يفكرون بأمور ممتعة هم أقل سعادة من الذين يركزون بالكامل في ما يفعلونه.

وتوصي الدراسة بأنه حين يشعر المرء أن ذهنه بدأ يتشتت عن النشاط الذي يقوم به، عليه أن يسعى للعودة إلى الحاضر، وخلصت إلى أن على المرء أن يشغل نفسه بأمر ما ويركّز فيه من أجل إبعاد نفسه عن التفكير بأمور مزعجة أو خطط فاشلة أو أخبار سيئة.

الناس تنفق نصف وقت العمل في احلام اليقظة

فيما قالت دراسة اجريت عبر الهاتف المحمول ان الناس يقضون نحو نصف اوقات عملهم في الاحلام اليقظة، ولا يفكرون او يركزون على عملهم الفعلي. وكان نحو 2200 متطوع قد استنسخوا برمجية فيها مجموعة من الاسئلة حول افكارهم ومزاجهم في اوقات عشوائية بالليل والنهار، على هواتفهم المحمولة. وتبين من خلال تحليل تلك المعطيات ان الاستغراق في التفكير بعيدا عن متطلبات العمل، حتى تلك التي تتطلب انتباها وتركيزا شديدا، يأخذ نحو 30 في المئة من وقت العمل.

ويقول خبير بريطاني ان دراسات اخرى كانت قد اظهرت سهولة صرف انتباه الناس عن اعمالهم ووظائفهم ومهامهم. يشار الى ان طريقة استخلاص المعطيات والمعلومات عبر الهاتف المحمول، وتحديدا هاتف آي فون، هي اسلوب جديد توفر اخيرا لمعدي البحث من جامعة هارفارد الامريكية.

بعض المشاركين كانوا مستعدين للاجابة على تلك الاستفسارات حتى وهم يمارسون الجنس. وقد وافق المشاركون فيه على الاتصال بهم لمعرفة ما كانوا يفكرون فيه بتلك الاثناء، وما اذا كانوا سعداء او حزينين في ذلك الوقت تحديدا.

كما تبين، لدهشة الباحثين، ان بعض المشاركين كانوا مستعدين للاجابة على تلك الاستفسارات حتى وهم يمارسون الجنس. وعلى الرغم من ان الدراسة غطت فقط شريحة معينة من الناس ممن يملكون هاتف آي فون، يقول الباحثون ان النتائج تلقي ضوءا على طريقة عمل الدماغ وكيفية استغراقه في امور دون اخرى اثناء اليوم.

وبعد استخلاص نتائج الاستبيان، الذي غطى نحو 250 ألف مشارك، قال فريق البحث من جامعة هارفارد ان الناس تنفق نحو 50 في المئة من اوقاتها في ما يعرف باحلام اليقظة.

كما اظهرت معطيات الاستبيان حول السعادة وجود علاقة ضعيفة بين درجة احلام اليقظة والشعور بالسعادة. وتبين ان اكثر الناس عرضة للاستغراق بعيدا عن مهام العمل التي بايديهم هم الذين عبروا عن شعور بعدم السعادة.

اما من كانوا يشعرون بالسعادة فهم ممارسي التمارين البدنية، او المنخرطين في الحديث والدردشة، او من يمارسون الجنس. اما فاقد هذا الشعور فهو من كان يرتاح او يعمل او يستخدم الكومبيوتر. لكن البحث لم يثبت وجود صلة بين الاستغراق باحلام اليقظة وعدم الشعور بالسعادة.

الأطفال استثمار جيد في السعادة

في حين خلصت دراسة ألمانية أمريكية إلى أن الأطفال "استثمار جيد في السعادة". ورأى الباحث الألماني في علوم السكان، ميكو ميرسكيله، أن سعادة الآباء بدءا من سن الأربعين تزداد كلما زاد عدد أطفالهم وأنه على العكس من ذلك فإن سعادة الآباء الشباب تتراجع كلما كثر عدد أولادهم.

وشملت الدراسة أكثر من مئتي ألف امرأة ورجل في 86 دولة. وأعلن عن نتيجة الدراسة في جامعة روستوك شمال ألمانيا. وبينما تتراجع سعادة الآباء تحت سن 30 عاما بعد الطفل الأول فإن سعادة الآباء فوق 50 عاما تزداد مع كل طفل جديد بغض النظر عن عدد الأطفال وذلك مقارنة بنظرائهم الذين ليس لهم أطفال.

وخلص الباحث الألماني إلى أن الآباء في سن 30 إلى 39 عاما والذين ينجبون ما يصل إلى ثلاثة أطفال في نفس سعادة الآباء الذين ليس لهم أطفال. وأكدت الدراسة التي شارك فيها باحثون في معهد ماكس بلانك لأبحاث السكان التابع لجامعة روستوك وباحثون من جامعة بنسيلفانيا أن دراستهم توضح ولأول مرة التعارض بين تصور البعض بأن الأطفال يجلبون السعادة وحقيقة أنه لم تثبت حتى الآن علاقة بين عدد الأطفال والسعادة في الحياة.

وغلبت العوامل السلبية التي تخفض السعادة في السنوات الأولى من الإنجاب مثل قلة نوم الآباء وخوفهم على أطفالهم والقيود المادية التي يعانون منها إيجابيات الإنجاب "ولكن كلما تقدم الآباء والأمهات في السن كلما قلت الأعباء التي يمثلها الأطفال على آبائهم وكلما تقدم الأطفال السن وازداد استقلالهم عن آبائهم" حسبما أوضح ميرسكيله. بحسب الوكالة الالمانية للانباء.

ورأى الباحثون أن باستطاعة المجتمع دعم سعادة الآباء الكبار في السن حيث تتراجع سعادة الآباء والأمهات الشبان مع تزايد عدد أطفالهم مقارنة بأقرانهم الأقل أطفالا في الدول الشيوعية السابقة مثل روسيا وبولندا والمجر.

وفي الوقت ذاته تزداد سعادة الآباء بدءا من سن 40 عاما بقوة مع تزايد عدد أطفالهم وذلك لاعتمادهم في الأنظمة الضعيفة اجتماعيا على كسب هؤلاء الأطفال.

6% من الصينيين فقط .. سعداء

من جهة أخرى أظهر استطلاع للرأي انه بالرغم من كل الجهود التي تبذلها الحكومة في الصين فإن 6% فقط من الصينيين يقولون انهم سعداء. وأفادت صحيفة "شاينا ديلي" الصينية اليوم الخميس ان استطلاع معدل السعادة في الصين الذي شمل 1350 شخصاً يستخدمون موقع "china.com.cn" بين ان 6% من الصينيين فقط يصنفون أنفسهم بأنهم سعداء، فيما يقول 36% ان حياتهم تحسنت خلال السنوات الـ5 الماضية. وأضافت ان حوالي 40% من الصينيين يعتقدون ان السعادة تحدد بحسب ثروة المرء.

وأظهر الاستطلاع ان الذين يقيمون في المدن الكبرى كانوا الأقل سعادة لأنهم يشعرون بالضغط من زيادة أسعار السكن وزحمة السير أكثر من المقيمين في بلدات أو مدن صغيرة.

يشار إلى ان استطلاعاً لمركز "غالوب" الأميركي شمل 155 بلداً أظهر ان سكان الدنمارك هم الأكثر سعادة بحيث يقول 82% من الدنماركيين أنهم سعداء، فيما حلت الصين في المركز الـ125.

وذكرت الصحيفة ان الحكومة الصينية تزعم بأنها انتشلت ملايين الصينيين من الفقر خلال العقود الثلاثة الماضية من النمو الاقتصادي، فيما قال رئيس الوزراء الصيني ون جياباو ان الأمور الأساسية لضمان سعادة الناس تشمل العدالة والمساواة الاجتماعية.

السعادة مرتبطة بالوطنية

وكشفت دراسة جديدة شملت 128 بلداً وجود رابط بين رضا الناس عن أوطانهم والشعور بالسعادة. وذكر موقع «لايف ساينس» الأميركي أن الدراسة التي أجراها مركز غالوب الأميركي، وشملت 1000 شخص في 128 بلداً أظهرت أن ثمة ارتباطاً بين الوطنية والسعادة، خصوصاً في الدول التي تنخفض فيها مداخيل الناس وفي الدول الفقيرة. وتبين ان الشعور الإيجابي بشأن الوطن مرتبط بنظرة زاهرة إلى الحياة الشخصية.

وقال معد الدراسة مايك موريسون من جامعة إيلينوي ان هذا الارتباط موجود في مختلف أنحاء العالم، ولكنه أقوى في الدول الفقيرة وغير الغربية. وأشار موريسون إلى ان الأشخاص ذوي الدخل المنخفض وفي الدول الفقيرة قد يجدون الوطنية جذابة باعتبارها طريقة لتعزية أنفسهم في الأوقات العصيبة. بحسب يونايتد برس.

وأضاف أن الناس في الدول غير الغربية يميلون لأن يكونوا أقل حباً للفردية، ولذا قد يشعرون باندفاع شخصي أكبر نتيجة المشاعر الحارة التي تبرز من العمل الجماعي. وربط المستطلعون الأثرياء وفي الغرب سعادتهم أكثر من أبناء الدول الفقيرة وغير الغربية بعوامل فردية مثل الصحة والرضا عن العمل ومعايير الحياة.

مؤشر "السعادة"... مرتفع في أميركا اللاتينية!

وفي كتاب "اقتصاد السعادة في الأميركتين"، ترسم مارجريتا كورال صورة للرخاء الذاتي في منطقة أميركا اللاتينية بناء على دراسة "قياس الأميركتين". وباستثناء هايتي، ترى أغلبيات في البلدان الستة والعشرين التي شملتها الدراسة أنها تعيش حياة سعيدة هنيئة. أما البلدان الخمسة الأوائل في هذا الصدد، فهي البرازيل (71.6 في المئة)، وكوستاريكا (67.7 في المئة)، وفنزويلا (65.6 في المئة)، وباناما (65.1 في المئة)، ثم ترينيداد آند توباجو وهندوراس معاً بنسبة 63.3 في المئة. وإذا ما استثنينا هايتي مرة أخرى، فالبلدان الخمسة الأقل سعادة هي جامايكا، وجمهورية الدومينيكان، والسلفادور، وبيليز، والبيرو، وإن كانت جميعها فوق خط الخمسين في المئة.

غير أن الدراسات التي أجريت خلال الآونة الأخيرة فنّدت ما بدا مفارقة وردت في بحث سابق: إن الدخل مهم فقط بالنسبة للرضا الفردي. والحال أن السعادة حالة ذهنية نسبية؛ ذلك أنه إذا رأينا أنفسنا أقل غنى من الأشخاص المحيطين بنا مباشرة، فإننا نميل إلى الشعور بقدر أقل من الرضا عن النفس. وبالمقابل، فالناس في البلدان الأكثر فقراً قد يشعرون بالرضا إذا كانت ظروفهم المعيشية أفضل مقارنة مع جيرانهم.

وتجادل كورال بأن العوامل الاقتصادية مهمة على المستويين الفردي والوطني؛ ذلك أن الطريقة التي ينظر بها المرء إلى وضعه المادي الشخصي، وثروة العائلة، والاقتصاد الوطني كلها مؤشرات قوية للسعادة؛ على أن هناك عوامل أخرى مهمة مثل الحالة العائلية، وما إن كان لدى المرء أطفال أم لا، وحضور الكنيسة، والسن، والثقة في الأشخاص المحيطين، والهوية السياسية... هذا إضافة إلى عوامل أخرى مثل النوع، والتعليم، وحجم المدينة.

وتؤكد معطيات "مقياس الأميركتين" أن للعوامل الاقتصادية - الدخل ونظرة المرء للأوضاع الفردية والوطنية- ارتباطاً إيجابياً مع مستويات الشعور بالرضا عن الذات. فبالنسبة للمنطقة عامة، يُعد تصور الناس للظروف الاقتصادية الشخصية أقوى مؤشر على السعادة الفردية حتى الآن. والواقع أن تصورنا للاقتصاد الوطني مهم أيضاً، لكن ليس بالقوة نفسها. وهنا تشدد كورال على ما يتعين على المتخصصين في العلوم الاجتماعية أن يضعوه دائماً في الذهن: أن التجربة الذاتية مهمة.

وبالتالي، فليس مفاجئاً أن تتصدر البرازيل بلدان الأميركتين على مؤشر السعادة. فبعد أن "كانت بلد المستقبل وستظل دائما كذلك"، أصبحت البرازيل اليوم سابع أكبر اقتصاد عالمي، وتمكنت على نحو لافت من تقليص الفقر، ووسعت الطبقة الوسطى، وذلك بفضل الإصلاحات الاقتصادية والسياسات الاجتماعية التقدمية الذكية التي تبنتها. وفضلاً عن ذلك، فالبرازيل ستستضيف بطولة العالم لكرة القدم عام 2014، والألعاب الأولمبية عام 2016.

وعلاوة على ذلك، فللزواج تأثير إيجابي -وإن لم يكن مهماً- على الشعور بالرضا عن الذات بين مواطني المنطقة. كما يسجل مرتادو الكنائس، والأشخاص المحاطون بأناس يثقون فيهم مستويات مرتفعة من الشعور بالرضا. وبالمثل، يعبر كبار السن، والنساء، والحاصلون على تعليم جيد، والأشخاص الذين يعيشون في مدن كبرى... عن مستويات عالية من السعادة. وبالمقابل، فالتوفر على أطفال أو البطالة يؤثران سلباً على الرضا الفردي.

ومثلما ورد في دراسات أخرى، فقد وجد "مقياس الأميركتين" أن الأشخاص الذين يحملون آراء محافظة يميلون لعيش حياة أكثر سعادة مقارنة بنظرائهم في اليسار. ذلك أن لدى المحافظين في المنطقة اليوم أسباباً أكثر للشعور بالسعادة مقارنة مع ما قبل ثلاثة عقود مضت عندما كانت السياسات الاقتصادية المركزية تتسبب في الكوارث والأزمات. وإلى ذلك، فقد تعلم معظم الناس أن يكونوا ديمقراطيين، إذ يتعين عليهم الفوز في الانتخابات أولاً، ثم الخضوع للمحاسبة من قبل الناخبين لاحقاً على أمل الفوز في الجولة التالية. غير أن الأميركيين اللاتينيين على اليسار يواجهون اليوم مجتمعات مازالت في حاجة لعدة سنوات من الأداء الاقتصادي الجيد والسياسات الاجتماعية السليمة حتى تحقق تقدماً دائماً بخصوص الفقر واللامساواة.

لقد عاد أوباما للتو من جولة في أميركا اللاتينية شملت البرازيل والشيلي والسلفادور. وعامة، ينظر الأميركيون اللاتينيون إلى الولايات المتحدة بإيجابية. لكن، وعلى نحو يمكن تفهمه، لا يولي أوباما اهتماماً كبيرًا للمنطقة؛ لأنها هذه المرة، وخلافاً للمرات السابقة، تسير على الطريق الصحيح؛ والإدارات الأميركية تولي اهتماماً أكبر عندما تكون الأمور ماضية في الاتجاه الخاطئ.

أما الولايات المتحدة، فقد جاءت في مرتبة متأخرة على مؤشر الشعور بالرضا عن النفس؛ حيث سجلت 58.7 في المئة، وجاءت بين جويانا وبوليفيا. وغني عن البيان أن تلك مرتبة متدنية لا تليق بها!

أطلس لأكثر الدول سعادة فـي العالم

على صعيد متصل بيّنت دراسة حديثة أن الحالة الصحية الجيدة والتعليم والمال هي آهم مرتكزات سعادة البشر في عصرنا الحالي، وانه استنادا إلى استطلاع تضمنته الدراسة وشمل آراء 800 ألف شخص في مختلف ارجاء المعمورة، فإن الدنمارك تحتل المركز الاول في قائمة الدول الاكثر سعادة في العالم.

وقام بالدراسة الباحث في علم النفس الاجتماعي في جامعة ليسيستر البريطانية أدريان وايت، الذي عمل بدأب لكي يقدم لنا أول «خريطة للسعادة في العالم»، وتضم 178 دولة تتصدرها الدنمارك ولكسمبورغ وسويسرا والنمسا وايسلندا، بينما تأتي زيمبابوي وبوروندي في آخر القائمة الطويلة.

ويقول وايت «هذا ليس امرا مفاجئا فمن الطبيعي ان تكون الدول التي تركز اهتمامها على ضمان الحالة الصحية لمواطنيها وخلوهم من الامراض وتأمين الرعاية لهم ويجنون المال ويبتعدون عن الفقر ويحصلون فيها على مستويات عالية من التعليم هي الأكثر سعادة»، مشيرا إلى أن عدد سكان الدولة يلعب دورا مؤثرا كأحد عناصر السعادة، فكلما كان عدد السكان اقل كلما كان التضامن الاجتماعي اقوى والاحساس بالهوية الوطنية والانتماء اكثر عمقا».

وطبقا للدراسة فإن الولايات المتحدة جاءت في المركز الـ23 وبريطانيا في المركز الـ41 والصين في المركز الـ82 واليابان في المركز الـ90 والهند في المركز الـ،125 بينما جاءت روسيا في المركز الـ،167 وأنه ليس غريبا او مستهجنا أن تكون الدول الافريقية اكثر بؤسا مثل زيمبابوي التي يعاني 25٪ من سكانها ولا يزيد متوسط العمر فيها على 39 عاما، ويربو معدل الفقر فيها على 80٪ ما يضع هذه الدولة في الدرك الاسفل من القائمة حيث المركز الـ177 لتأتي بعدها بوروندي في المركز الـ178 رغم أن معدل الفقر فيها 68٪.

كما يعترف وايت بأن السعادة مسألة موضوعية ليس فيها اي حيز لأهواء الناس وآرائهم، لكنه يدافع في دراسته بقوة عن الاسس والقواعد التي اعتمدها كعناصر لقياس السعادة ومدى رضا الاشخاص الذين شملهم الاستطلاع عن مجمل حياتهم .

وقال في هذا الشأن: إن «الاحباطات في حياتنا الحديثة وبواعث القلق ومسبباته فيها تبدو كثيرة ولكن اهميتها وتأثيراتها تقل بكثير عن عناصر الصحة والمال والتعليم التي اعتمدت عليها في دراستي لأنها ضرورية ولا يمكن لأي شخص في اي مكان او دولة الاستغناء عنها».

ولرسم خريطته للسعادة حلل وايت كثيرا من المعلومات الموجودة في مطبوعات منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو» ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي اي إيه» و«ذا نيو ايكونوميك فاونديشن» ومنظمة الصحة العالمية إضافة الى تحليل آراء جميع من شملهم الاستبيان الخاص بالدراسة.

وأظهرت دراسة أخرى، قادها استاذ العلوم السياسية في جامعة متشيغان البرفيسور رونالد إنغلهارت وتمت ادارتها من العاصمة السويدية استوكهلم أن حرية الاختيار ونوع الجنس وتفهم الاخر وقبول الاختلاف معه من العناصر المسؤولة عن ازدياد معدل السعادة في العالم بعد العناصر التي ذكرها وايت.

وذكرت الدراسة التي اعتمدت على تحليل اكوام من المعلومات والبيانات التي تراكمت على مدى أكثر من 27 عاما نتيجة لعملية مسح للآراء بشأن القيم والافكار والمبادئ بدأت من عام 1981 وشملت 350 ألف شخص من 97 دولة في العالم، أن الدنمارك جاءت ايضا في الصدارة بلا منازع في قائمة الدول الاكثر سعادة، وان زيمبابوي جاءت في المركز الاخير وانه كان مفاجئا ان تأتي السلفادور في اميركا الوسطى في المرتبة الـ11 متقدمة على مالطا ولكسمبورغ، بينما جاءت الولايات المتحدة في المركز الـ.16

ويقول انغلهارت: إن «المال له سطوته وتأثيره القوي بلا شك ولكنه ليس كل شيء وليس المعيار الوحيد للابتسام والرضا فهناك امور ومعايير اخرى في الدول النامية تبعث على السعادة والقناعة كالتضامن والتكافل الاسري والشعور بالاقتناع والرضا عن النفس من حيث الايمان الديني وكذلك الشعور الوطني، ولاسيما في دول اميركا اللاتينية».

ويختم قائلا «في الماضي لو سألتني عن السعادة كنت سأقول لك اعمل بكد وجد واجتهد ووفر المال قدر ما تستطيع ولكن الامر اصبح مختلفا في هذه الايام ولم اتمكن من حسم امري او التوصل الى قرار ».

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/نيسان/2011 - 27/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م