خربشات على وجه الزمن

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: آه يا زمن... كثيرا ما يرددها الناس عند حدوث مصيبة او ضياع حق بيد السفلة والفاسدين، آه يا زمن... عتاب مفجع لمن يعتقد انه مهدور الكرامة، ويشعر انه لوحده في هذه الدوامة بعد ان كان في زمن ماض لا يجرؤ احد على الاقتراب او النيل منه.

الزمن يجري كالأنهار لا يتوقف ابدا.. لا يعترض طريقه اي عارض مهما بلغ من قوة او شموخ او عتو.. فهو سيد الاحداث والاقدار.

في لسان العرب لابن منظور، الزمن والزمان: اسم لقليل الوقت، وكثيره، وفي المحكم، الزمن والزمان: العصر والجمع ازمن وازمان وازمنة، وزمن زامن: شديد.

وازمن الشيء: طال عليه الزمان، والاسم من ذلك الزمن والزمنة وازمن بالمكان: اقام به زمانا. وقال شمر: الدهر والزمان واحد.

قال ابو الهيثم: اخطأ شمر، الزمان زمان الرطب والفاكهة وزمان الحر والبرد، قال: ويكون الزمان شهرين الى ستة اشهر، قال: والدهر لا ينقطع، قال ابو منصور: الدهر عند العرب يقع على وقت الزمان من الازمنة وعلى مدة الدنيا كلها... والزمان يقع على الفصل من فصول السنة وعلى مدة ولاية الرجل وما اشبه.

وورد في الموسوعة الامريكية (1985): يعد الزمن واحداً من الامور غير المفهومة او المعروفة للإنسان، ولا يستطيع اي كائن من كان ان يقول ما هو الزمن... وقد ادت قدرة الانسان على قياس الزمن بان تصبح حياته ممكنة ومقبولة.

فالتغيرات والتبدلات المختلفة التي تحدث من حولنا مهما كانت قصيرة او طويلة هي التي ساعدتنا ومكنتنا من معرفة ان الزمن قد مر وفات وعدى وانه موجود بالفعل.. فحدوث التغيرات والظواهر الكونية المتعددة في عالمنا الواقعي لا تتوقف ابدا عن الحدوث.

ويقول الايوبي: هذه اللفظة - الزمن - كم هي مشحونة بدلالات لا تنتهي وانفعالات لا تنفك تنتابنا كلما سمعناها او عشناها، فالزمن سر من اكبر اسرار الوجود وحوله تتمحور هموم العيش ومعاناة الانسان.. ولقد ميز كثيرون بين الوقت والزمان والزمن، فالوقت مفهوم عام وموضوعي يمكن تحديده، انه مفهوم فيزيائي شائع نستعين به بواسطة الساعات والتقاويم وغيرها، لكي نضبط حياتنا الاجتماعية. اما الزمن فهو مفهوم خاص، شخصي ذاتي، او كما يقال غالبا نفسي، او كما يقول برجسون: انه معطى مباشر في وجداننا.

ويقول الخولي: يمكننا ان نميز نوعين من الزمان: الزمان الرياضي او الفلكي، والزمان النفسي او الوجداني. اما الزمان الفلكي فهو مقياس الحركة، وهو يقاس بالسنين او الايام او الساعات او غير ذلك. وبعبارة اخرى يقاس بالمدة التي يقطعها متحرك، فهو مقياس للزمن تستغرقه حركة شيء في قطع مسافة، فهو وثيق الصلة بالمكان، ولذا يسمى الزمان المكاني... ويتكون الزمان الفلكي ما ماض ومستقبل، اما الحاضر فيه فيكاد لا يوجد. اما الزمان الوجداني فهو احساسنا الداخلي بالزمن، وللحاضر فيه وجود لأنه لا يتكون كالزمان الفلكي من مجموع لحظات كل منها صفر.

في عدد من اللغات توجد الكثير من الازمنة.. في اللغة التركية مثلا توجد خمسة ازمنة:

زمن المضارع، زمن الحاضر المستمر، زمن المستقبل، زمن الماضي (الاعتيادي)، زمن الماضي.. وفي اللغة الانكليزية:

زمن المضارع ويقسم الى:

1- زمن المضارع البسيط

2- زمن المضارع المستمر

3- زمن المضارع التام

4- زمن المضارع التام المستمر

زمن الماضي ويقسم الى:

1- زمن الماضي البسيط

2- زمن الماضي المستمر

3- زمن الماضي التام

4-زمن الماضي التام المستمر

 زمن المستقبل ويقسم الى:

1- المستقبل البسيط

2- المستقبل المستمر

3- المستقبل التام

4- المستقبل التام المستمر

يوصف زمننا الحالي بالزمن الرديء كما وصف الذين سبقونا زمنهم الذي عاشوا فيه ولم ينصفهم كما يعتقدون.

لا يلتفت الزمن في جريانه الى مسائل الانصاف والعدالة في تقدير الحظوظ وتوزيعها.. في سعادة الاخرين وشقائهم، في فرحهم واحزانهم.

وازماننا هي اعمارنا التي تترك اثارها على ملامح وجوهنا وفي عذابات قلوبنا وعلى علاقاتنا واحبتنا الراحلين منهم والباقين.

للزمن في حياتنا حكايات وحكايات، و كل انسان عبارة عن مجموعة من الحكايات المتناثرة.. بمجموعها تتشكل حياته.

حكاية للولادة، حكاية للدهشة، حكاية للانكسار، حكاية للقوة، حكاية للضعف، حكاية للمسرات، حكايات للأحزان، حكايات للآلام، حكاية للبقاء، حكايات للرحيل، حكايات للمحبة، حكاية واحدة للحب... ما تبقى منذور للنسيان.

شغل الزمن والازمنة عقول الكثير من الفلاسفة مثلما شغل العديد من الشعراء والكتاب كقول الشاعر:

نعيب الزمان والعيب فينا... ولو كان للزمان لسان لهجانا

وللمتنبي شاعر العرب:

صحب الناس قبلنا ذا الزمانا... وعناهم في شأنه، ما عنانا

وله ايضا:

رأتْ كل من ينوي لك الغدر يُبتلى... بغدر حياة او بغدر زمان

وللشاعر فاروق جويدة:

هكذا نمضي.. حيارى

تحت أقدام الزمانْ

كيف نغرقُ في زمانٍ

كل شيءٍ فيهِ

ينضحُ بالهوانْ

والزمن هو (الوكت) في الدارجة العراقية ومنه قولهم (الله يطيّح حظّه من وكت) احتجاجا على صعود من عرف بالحثالة والذل والنفاق الى مراتب عليا ونزول اعزة القوم الى مراتب دنيا.. ومثل ذلك في الاستهجان على الطبقة السياسية بعد العام 2003 (الله يطيح حظك امريكا) او قولهم (والله وكت) او (شلون وكت طايح حظه).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/نيسان/2011 - 27/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م