مصر والرئاسة القادمة

الجيش يخشى من ديكتاتور والبرادعي يطلبها لنفسه

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: بعد النجاح الذي حققته ثورة التغيير في مصر وما تلته من مكاسب سياسية ومعنوية وحدت صفوف المصريين وقضت على رموز الفساد فيها واستفت على اجراء تعديلات مهمة في الدستور، مازالت الامور في بدايتها ولم تصل بعد الى الغاية المنشودة التى من اجلها قامت الثورة، فنظام مبارك كان العقبة التي في طريق الاصلاح وبعد ان ازالوها بقي الاهم وهو سلوك طريق الاصلاح والتغيير حتى الوصول الى بر الامان وكما قيل فالأمور بخواتيمها.

هناك العديد من الامور التي تنغص على المصريين الوصول الى الحرية، فالمشكلة الطائفية التي تطفوا على السطح بين مدة واخرى بين المسلمين والاقباط مازالت بدون حل ولعل ما حدث مؤخراً من فتنة ادت الى احراق الكنيسة خير مثال على ذلك، وكذلك النزاع القائم بين الكتل الاسلامية التى لها ثقل لا يستهان به والعلمانيين المطالبين بالعلمانية والغاء بعض فقرات الدستور المتعلقة بدين الدولة في مصر، الى خشية الجيش من بروز ديكتاتور جديد في الانتخابات القادمة، وبرغم الموافقة على تعديل الدستور مازال الرئيس يتمتع بصلاحيات واسعة، كل هذا وغيرة بجانب الوضع الاقتصادي الصعب ومشاكل السكن والفساد والموالين لنظام مبارك ومحاولة البعض سرقة الثورة من اصحابها قد يؤدي الى صعوبة المهمة، فالمصريين وصلوا الى القمة ولكن هل يستطيعون البقاء عليها.

الجيش يخشى ديكتاتورا جديداً

من جهته أعرب عضو في المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر عن خشيته من ان تسفر الانتخابات الرئاسية اذا ما جرت قبل الانتخابات البرلمانية عن قدوم دكتاتور جديد الى رأس السلطة في البلاد، وقال اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقضائية، إن إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية يؤدي إلى تخويل جميع المهام للرئيس الجديد، واشار الى ان الرئيس الجديد سيتولى تشكيل مؤسسات الدولة، وبالتالي "نخلق ديكتاتورا جديدا"، حيث يمنح الدستور المصري حتى بعد تعديله صلاحيات واسعه لرئيس الجمهورية في مصر. بحسب يونايتد برس.

وكانت منظمات قانونية ورموز معارضة طالبوا باجراء الانتخابات الرئاسية اولا قبل البرلمانية، وذكروا ان اجراء الانتخابات البرلمانية اولا من شأنه ان يسفر عن فوز الجماعات الاكثر تنظيما، مثل جماعة الاخوان والحزب الوطني، على حساب قوى الشارع التي قادت ثورة 25 يناير، واكد اللواء ممدوح شاهين ان الانتخابات البرلمانية ربما يتم إجراؤها في سبتمبر/أيلول المقبل، والانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام، واضاف شاهين إنه تم تعطيل دستور عام 1971، وبالتالى فإن المواد المعدلة خلال الفترة الانتقالية والتي اجري الاستفتاء عليها مؤخراً، سوف تشكل دستورا موقتا لحين إعداد الدستور الجديد بعد انتخاب الرئيس القادم، وأكد شاهين أن الظروف الحالية لا تساعد على إعداد دستور جديد، حيث إن القوات المسلحة لديها مهام أخرى.

في سياق متصل وكما أصبح معروفا انتصرت "النعم" على "اللا" للتعديلات الدستورية في مصر، واعتبرت نتيجة الاستفتاء الأول بعد سقوط النظام السابق مقدمة لتحديد الاستحقاقات الرئيسية التالية في المرحلة الانتقالية، وفي أيلول/ سبتمبر المقبل ستجرى انتخابات تشريعية، ثم في كانون الثاني/ يناير سينتخَب أول رئيس جمهورية مدني، وفقاً للتعديلات الدستورية التي أقرَّت، لكن نتيجة الاستفتاء لم توقف الجدل، بل أطلقته في اتجاهات عدة، ويمكن القول أن " شهر العسل" بين القوى الشبابية التي قادت الثورة في 25 يناير/ كانون الثاني وصوّتت ب " لا" ، وبين جماعة " الإخوان المسلمين" التي صوّتت ب" نعم"، وخاضت حملة من أجلها قد انتهى، وبات الفرز الحالي للقوى السياسية يُظهر كتلتَين كُبرتين للحزب الوطني الحاكم سابقاً وجماعة " الإخوان المسلمين"، وقد شكّل ذلك في حد ذاته صدمة واقعية للقوى الشبابية، إذ أشعرتها للمرة الأولى بأن ثورتها بدأت تتسرب فعلاً من بين أيديه، لكنها حفزتها أيضاً على الاستعداد لتنظيم صفوفها وانتزاع موقعٍ لها على المسرح السياسي.

واكتشف الشباب المحبطون أنهم استطاعوا صنع الثورة، لكنهم لم يتموقعوا جيداً لقطف ثمارها السياسية. ثم إن حملتهم على " فايس بوك" ضد التعديلات لم تستقطب الجمهور الأكبر من الناخبين، ولعلهم فقدوا إمكان إحداث تغيير ملموس في قواعد اللعبة لرسم معالم النظام الجديد، وقد بيّنت معركة التعديلات كأن تفاهماً موضوعياً وضمنياً نشأ بين المجلس العسكري والحزب الحاكم سابقاً وجماعة " الإخوان"، مما أثار أيضاً مخاوف الأحزاب كافة التي ترى أنّ الوقت الفاصل على الانتخابات لا يكفيها كي ترتّب شؤونها.

ولا شك أن أكثر الفئات شعوراً بخيبة الأمل بعد الاستفتاء، تمثلت في الأقباط الذين أملوا بأن تستغلّ الفترة الانتقالية لإنجاز دستورٍ جديد وعصري، يعزز الاعتراف بالمواطنة ويعيد النظر في المادة الثانية من الدستور التي تعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع، لكن تأجيل الدستور الجديد إلى ما بعد الانتخابات، أطاح هذا الأمل وعزّز صعود الإسلاميين.

البرادعى وامال الرئاسة

من جهة اخرى إذا كانت الخبرة العملية للدكتور محمد البرادعي، الذي شغل منصب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تلك المنظمة المتعددة الأطراف، تعد تدريبا جيدا يؤهله لإدارة شؤون الدولة المصرية، بعدما أعلن مؤخراً عن ترشحه رسميا لرئاسة الجمهورية في أحد الحوارات التليفزيونية، وعلى خلفية عمل البرادعى في مناصب عديدة مثل العمل في منظمة الصحة العالمية وتوليه منصب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فهل عمل البرادعى في منظمات دولية عديدة يؤهله لإدارة مصر، حيث إن البرادعي يعد أحد الشخصيات البارزة العديدة التي حاولت شق طريقها من المناصب الدولية إلى القصور الرئاسية، مثل الحسن واتارا، الفائز المعترف به دوليا في انتخابات ساحل العاج الرئاسية، والذي شغل منصبا في صندوق النقد الدولي.

وكما أن خبرة العمل في المنظمات الدولية توفر لصاحبها بعض المميزات، فأن التعامل فى المحافل الدولية يمنح أسماء الأفراد تقديرا ومكانة اجتماعية ومصداقية في وطنه، خاصة، فى المجتمعات القمعية لافتا إلى أن المنظمات الدولية تمنح الموهوبين، فرصة تجنب الأنظمة السياسية الوطنية السلطوية، بينما يتميزون بالخارج، وهذا بالضبط ما حدث مع البرادعى الذى ترقى إلى مناصب عالمية، واكتسب سمعة عالمية، بالإضافة إلى الكثير من الخبرة الدبلوماسية دون أن يتلوث بنظام مبارك، لذلك فعندما تحين اللحظة السياسية المناسبة، يمكن لشخصيات مثل البرادعى أن تدخل للحياة السياسية الداخلية بوثائق تفويض بناء على خبرتهم وإمكانياتهم الدولية؛ والأهم من ذلك هو نظافة أيديهم مقارنة بالآخرين.

أن البرادعي كان بارعا في إدارة الضغوط السياسية، خاصة، في الفترة التي سبقت غزو العراق في 2003 وهى الفترة التي تدلل على مهاراته، مضيفا، أن الولايات المتحدة أرادت من الوكالة الدولية أن تعلن عدم امتثال العراق لقرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى نزع السلاح، بينما كان المعارضون للعمل العسكري يأملون في أن يدحض البرادعي الرواية الأمريكية بشأن أسلحة الدمار الشامل، حيث كانت المنظمة ورئيسها تعاني ضغطا مهول،  أن تصريحات البرادعي حول العراق تعد نماذجا للغموض، لأنها أعطت اللاعبين الرئيسيين كل ما كانوا يريدونه، وليس كل شيء، وبعد العراق، وخصوصا بعد الحصول على جائزة نوبل، زادت حدة تصريحات البرادعي وأصبحت أكثر جرأة، فضلا عن رغبته في العبور بين سيوف واشنطن، لكن تدريبه وخبرته يظهر جليا أنه يميل تجاه الحلول الوسط. بحسب واشنطن بوست.

أن ذلك الاتجاه يمكنه أن يمنح بعض الأشخاص إحساسا بالسلبية، حيث انتقد بعض متظاهري ميدان التحرير البرادعي، بسبب وصوله المتأخر إلى مصر، وظهوره لفترات صغيرة خلال الاعتصام، لكن مؤخراً انتقد البرادعي الجيش، وحث المصريين على رفض التعديلات الدستورية التي جهزها مجموعة من خبراء القانون، معتبرا أن تلك المواقف ليست لرجل يجهد دائما لتجنب الأخطار، أن البرادعي قضى سنوات تشكيله في بيئة غالبا ما تأنف المشاعر، والأحاسيس الوطنية التي ترتفع بشدة حاليا في مصر، مضيفا أن البرادعي ربما يمتلك المهارة الدبلوماسية والحكم التي تحتاجها البلاد، لكن هل ينجح في إقناع المصريين بأنه يشعر بما يشعرون بها.

بين العنف والعزل السياسي

الى ذلك أثار الخلاف بين جناحي المدان في قضية اغتيال السادات عبود الزمر، والقيادي المفرج عنه، أخيرا، في الجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم، وتهديدات جناح في الجماعة بالتخلي عن مبادرة وقف العنف، وقيام البلطجية من أنصار الحزب الوطني الحاكم سابقا باعتداءات، والخوف من عودة رجال الحزب الوطني ورجال الأعمال ورموز الحكم السابق في مصر، مخاوف واسعة، وحذرت أصوات من صدامات غير محمودة في المستقبل، وأكد باحثون ونشطاء ثقتهم بمواجهة طروحات العنف، عبر آليات الديمقراطية، رافضين طروحات إعمال «العزل» السياسي، تجاه أي فريق ولأي أسباب . وقال الباحث في شأن الجماعة الإسلامية سيد زايد، إن «الصراع بين جناحي عبود الزمر، وناجح إبراهيم، داخل الجماعة الإسلامية هو ما أثار الخوف من عودة العنف، وطرح تساؤل عودة العزل السياسي»، وأوضح زايد أن «ناجح ابراهيم، الذي قاد مع كرم زهدي مبادرة وقف العنف، وتمكن من الإفراج عن 12 ألف معتقل من جماعة الإسلامية، وجّه اتهامات علنية إلى الزمر المتهم باغتيال السادات، بأنه خرج من السجن لممارسة العنف مرة أخرى، والسيطرة على الجماعة لتسييد منهجه، ورفض المراجعات الفقهية التي نبذت العنف»، وأضاف «هناك احتمالات أن يكون ناجح إبراهيم قد فعل ذلك، للقضاء على الزمر والانفراد بالجماعة الاسلامية، ولكن الزمر أظهر، في تصريحاته، قدرا من التشدد الذي لا يرى ما حدث بعد ثورة 25 يناير، خصوصا أن الجماعة الإسلامية هم فقط 12 ألفاً، انقطعوا وانفصلوا عن العالم منذ عشرات السنين»، وكانت الصحف والفضائيات المصرية قد احتفت بعبود الزمر، وحل ضيفا على معظم وسائل الإعلام، ما أثار تخوفات في الساحة السياسية، وعبر المفكر القومي مصطفى الفقي عن استيائه من ظهور عبود الزمر على شاشات التلفزيون، وحديثه الذى قسم المصريين إلى درجة أولى وثانية، وقال «ما قاله كلام خطير، ورغم أني متعاطف معه لاستمرار حبسه أكثر من 10 سنوات، بعد انتهاء فترته، إلا أن الثورة استطاعت القضاء على ما كان يتم ترويجه من وجود فتنة طائفية، ويجب ألا نعيد إيقاظها.

بدوره قال نائب رئيس الوزراء يحيى الجمل، في مداخلة هاتفية لبرنامج «مصر النهاردة»، إن «الإعلام المصري أصبح يصنع من القتلة أبطالا، فلا يجوز تناول خروج عبود وطارق الزمر من السجن بهذا الشكل»، مطالباً الإعلام المصري بأن يكون صوت الشعب والمدافع الأول عن قضاياه، مناشدا الإعلاميين قول الحقيقة واضحة لأننا في عصر الحرية، وعبرت أحزاب وقوى سياسية، من مشارب شتى، عن رفضها فكرة العزل السياسي.

على صعيد مقابل، طالب نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام ضياء رشوان، بتشكيل هيئة قضائية ومحاسبة كل من ثبت عليه قضائيا الاشتراك في إفساد الحياة السياسية، وعزله عن ممارسة العمل السياسي لفترة يحددها القضاء، وتغليظ العقوبة في حالة عودته». وأضاف رشوان أنه «يرفض عزل عناصر التيارات الاسلامية على آرائهم، حتى لو اختلفت مع جميع القوى الوطنية، ولكنه يؤيد عزل كل من ثبتت إدانته قضائيا في إفساد الحياة السياسية من التيارات كافة». وقال إن «ما يقوله عبود الزمر شديد الخطورة على الأمن في مصر، وتجب مواجهته مدنيا وإعلاميا»، منبها إلى أن «الحكم عليه يتضمن نوعا من العزل السياسي»، من ناحيته، حذر الباحث في الحالة الاسلامية حسام تمام، من تنامي سيطرة التيار السلفي على البلاد، وأشار إلى أن «الاعتداء على الدكتور البرادعي يوم الاستفتاء، قامت به فلول الحزب الحاكم سابقا، ولكنه جاء في مناخ سيطر فيه الدين على السياسة».

وقال تمام إن «العزل السياسي يجب أن يقتصر على رموز النظام السابق، ممن ارتكبوا جرائم في مواجهة الشعب »، وطالب «بسرعة إصدار تشريع يمنع استخدام دور العبادة في العمل السياسي»، محذرا «من تكرار تجربة استخدام المساجد والكنائس في الاستفتاء»، وقال «تجب محاسبة دعاة العنف، وتقويض الدولة على أقوالهم، عبر القضاء وعبر المجتمع المدني»، محذرا «من عدم المسؤولية عن الكلام، والاكتفاء بالمحاسبة على الأفعال فقط»، واعتبر تمام أن «الساحة المصرية شهدت، أثناء الاستفتاء، استقطابا حادا ينذر بعودة العنف، وعودة رجال مبارك، إذا لم يتم وضع ضوابط لإنقاذ البلاد»، وكان شيخ الطريقة الصوفية الشهاوية محمد الشهاوي، قد حذر من حدوث مواجهات بين السلفيين والصوفيين، وقال إن الموافقة على التعديلات الدستورية ستتيح مساحة أكبر للسلفيين للمشاركة، بما يساعدهم على الدخول للحياة السياسية مرة أخرى، وينذر هذا بحدوث مواجهات بينهم وبين الصوفيين. مشيرا إلى أن السلفيين يرفضون الصوفية، ويعتبرون أتباعها كفاراً، وعانت مصر عمليات عنف مروعة، قامت بها عناصر الجماعة الاسلامية في منتصف الثمانينات والتسعينات، في مواجهة اجهزة الامن، وطالت الطرق الصوفية، وعناصر من جماعة «الإخوان المسلمين»، ويتخوف البعض من عودة متلازمة لرموز النظام السابق مع عودة العنف في البلاد.

دستور انتقالي وتجريم الاحتجاجات

على صعيد اخر أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يتولى السلطة في مصر، قراراً يتضمن "إعلان دستوري" لتنظيم السلطات في المرحلة الانتقالية، في ضوء نتيجة الاستفتاء بالموافقة على التعديلات الدستورية، في الوقت الذي كشفت فيه حكومة "تسيير الأعمال"، عن نيتها التقدم بمشروع "مرسوم قانون"، يتضمن تجريم الاحتجاجات، وتوقيع عقوبات مشددة على المخالفين، وجاء في بيان للمجلس العسكري، أورده التلفزيون الرسمي، أنه "في ضوء ما أسفرت عنه نتيجة الاستفتاء من الموافقة على التعديلات الدستورية المطروحة، فقد قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إصدار إعلان دستوري، لتنظيم السلطات في المرحلة الانتقالية القادمة، يتضمن أحكام المواد التي وافق عليها الشعب، للعمل بمقتضاها، وذلك لحين الانتهاء من انتخاب السلطة التشريعية، وانتخاب رئيس الجمهورية."

وأشار البيان إلى أن الإعلان الدستوري يأتي "استجابة لمطالب الشعب، باعتباره مصدر جميع السلطات، وإيماناً من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأحقية الشعب في تقرير الأسس والمبادئ، التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، وما اقتضاه ذلك من تعطيل العمل بأحكام الدستور الصادر في سبتمبر/ أيلول سنة 1971، وحل مجلسي الشعب والشورى بموجب الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 13 من فبراير/ شباط 2011"، وأشار البيان إلى أن الشعب المصري أكد "جدارته بالحرية والديمقراطية، التي ناضل طويلاً في سبيل الحصول عليها"، وذلك في إشارة إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت في 19 مارس/ آذار، والذي شهد توافد "جموع المواطنين، في مشهد حضاري غير مسبوق"، مشيراً إلى أن عدد المشاركين في الاستفتاء بلغ نحو 18 مليون و537 ألف و945 ناخب. بحسب السي ان ان.

وتابع البيان أن إجمالي الأصوات الصحيحة بلغ 18 مليون و366 ألف و764 صوت، مقابل 171 ألف و190 صوتاً باطلاً، حيث جاءت الموافقة على التعديلات الدستورية المقترحة بتأييد 14 مليون و192 ألف و577 صوتاً، أي بنسبة تصل إلى 77 في المائة، بينما بلغ عدد الأصوات التي عارضت التعديلات الدستورية أربعة ملايين و174 ألف و187 صوتاً، بنسبة 23 في المائة، وتهدف التعديلات، التي تتضمن المواد أرقام 75، و76، و77، و88، و93، و139، و148 من الدستور، بالإضافة إلى إلغاء المادة 179، وكذلك إضافة فقرة أخيرة للمادة 189، ومادتين جديدتين برقمي 189 مكرر، و189 مكرر "1" إلى الدستور، إلى فتح الطريق لانتخابات تشريعية، تليها انتخابات رئاسية، على أن يتم صياغة دستور جديد للبلاد، في موعد لاحق لتلك الانتخابات.

من جانب آخر، نقل عن المتحدث باسم حكومة تسيير الأعمال، مجدي راضي، قوله إن مجلس الوزراء وافق، في ختام اجتماع عقده على التقدم بمشروع مرسوم قانون، يتضمن توقيع عقوبات مشددة على كل من يحرض أو يدعو لتنظيم اعتصامات، تصل إلى الحبس لمدة أقصاها سنة، وغرامة مالية تصل إلى نصف مليون جنيه، وقال راضى، بحسب ما أورد موقع تابع للتلفزيون الرسمي، إن مرسوم القانون المقترح يجرم بعض حالات الاعتصام والتجمهر والاحتجاج، "إذا أدت إلى تعطل الأعمال، سواء العامة أو الخاصة، والتأثير على المال العام أو الخاص"، وأوضح أن هذا القانون، والذي من المتوقع أن يتم عرضه على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصدارها بمرسوم، سيكون ضمن القوانين التي سيتم تطبيقها في حالات الطوارئ فقط.

كما وافق مجلس الوزراء على مشروع مرسوم قانون حول نظام الأحزاب السياسية، يتضمن إنشاء الأحزاب بـ"الإخطار"، حيث سيتم تشكيل لجنة قضائية تتعلق بالنظر في الجوانب الإجرائية، والتزام الأحزاب بالشروط، التي من بينها "عدم قيام الأحزاب على أساس ديني"، ويُعد الحزب قائماً إذا لم ترد اللجنة على طلب تأسيسه، في غضون 30 يوماً من إخطارها بهذا الطلب.

التعديل الوزراي يقصي بقايا مبارك

حيث أعلنت مصر اختيار وزراء جدد للداخلية والخارجية والعدل في تعديل وزاري لبى العديد من مطالب الاصلاحيين الذين يسعون لتطهير الحكومة من المسؤولين الذين اختارهم الرئيس المخلوع حسني مبارك، واختير نبيل العربي القاضي السابق بمحكمة العدل الدولية وزيرا للخارجية خلفا لاحمد ابو الغيط الذي مثل السياسة الخارجية لمبارك منذ 2004، وهذا التعديل هو احدث حلقة من سلسلة الاصلاحات التي اجراها المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد وبدا أكثر استجابة من أي وقت مضى لمطالب المجموعات التي ثارت ضد مبارك في احتجاجات حاشدة واطاحت به يوم 11 فبراير شباط.

وعين المجلس رئيسا للوزراء يحظى بدعم من جماعات الاحتجاجات الشبابية ليخلف احمد شفيق الذي عينه مبارك في اخر اسابيعه في السلطة، وسيتطلب مجلس الوزراء الجديد موافقة المجلس الذي يرأسه المشير محمد حسين طنطاوي، ووضع المجلس مسارا لاجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ستة اشهر كي يعيد تسليم السلطة الى حكومة مدنية منتخبة، والتقى عصام شرف رئيس الوزراء الجديد بالوزراء الجدد، وقال مصطفى كامل السيد استاذ في العلوم السياسية "هذا يقطع شوطا طويلا في تلبية مطالب مجموعات الثورة."

ويأمل المجلس العسكري ان تحظى الحكومة الجديدة بقبول بين المصريين وان تستعيد الثقة مما يمكن عجلة الاقتصاد من الدوران مجدد، واحتفظ طنطاوي بمنصبه وزيرا للدفاع، وقال عز الدين شكري استاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية بالقاهرة ان التعديل الوزاري "يأتي في اطار موجة من حسن النوايا والتفاؤل لان الجميع يريدون هذه الحكومة ان تعمل"، واضاف "لكن في الوقت نفسه لديهم فترة سماح قصيرة جدا لان التوقعات عالية جد، اذا لم يبدأوا العمل الرئيسي قريبا فان هذه التوقعات ستتحطم وتتحول الى شيء اخر"، وأحد التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومة هو اعادة نشر قوات الشرطة التي تفككت الى حد كبير في الايام الاولى للثورة والتي ساهمت سمعتها باستخدام التعذيب في اشعال الاحتجاجات، وتعهد منصور العيسوي وزير الداخلية الجديد بالعمل على تحسين صورة الشرطة. بحسب رويترز.

واصلاح أجهزة الامن التابعة لوزارة الداخلية لا يزال مطلبا رئيسيا لجماعات الثورة التي تطالب بحل اجهزة امنية من بينها جهاز امن الدولة سيء السمعة، ونقل عن العيسوى قوله "انه تحدث عن العمل على تقليص دور جهاز أمن الدولة بالنسبة للمواطن العادى ليقتصر دوره على مكافحة الارهاب فقط وعدم التدخل فى الشئون الادارية فى حياة المواطن العادى."

وقال المستشار محمد عبد العزيز الجندي وزير العدل الجديد انه يتطلع لمحافحة الفساد والاشراف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستخضع للاشراف القضائي بحسب التعديلات الدستورية الجديدة، ويواجه عدد من الوزراء الذين عملوا تحت لواء مبارك تحقيقات باتهامات تتعلق بالفساد، وبات سامح فهمي وزير البترول السابق ايضاً ممنوع من مغادرة البلاد في انتظار التحقيق معه باتهامات تتعلق بمخالفات مالية حسبما ذكرت صفحة رئاسة مجلس الوزراء على موقع الفيسبوك.

من جهته اكد رئيس الوزراء المصري الجديد لالاف المتظاهرين في ميدان التحرير بوسط القاهرة انه سيلتزم بأهداف ثورتهم ووعد بالعودة الى الشوارع للاحتجاج اذا فشل في تحقيق اهداف الجماهير، وكلف المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد حاليا وزير النقل الاسبق عصام شرف بتولي رئاسة الوزراء مستجيبا لمطالب المحتجين باقالة رئيس الوزراء السابق احمد شفيق في خطوة اعتبرت محاولة لامتصاص الغضب الذي اشعل الاحتجاجات منذ تنحي الرئيس حسني مبارك يوم 11 فبراير شباط تحت ضغط انتفاضة شعبية.

ويقول محللون ان الجيش الحريص على تجنب مزيد من الاحتجاجات يبدو انه اصبح اكثر تجاوبا مع مطالب الاصلاحيين الذين ما زالوا يضغطون من اجل تغييرات أعمق ويخشون من "ثورة مضادة" من جانب بقايا نظام مبارك، وقال داعية الاصلاح محمد البرادعي انه كان اوصى باسم عصام شرف كرئيس للوزراء لمرحلة ما بعد مبارك كما أيده النشطاء الشبان المطالبون بالديمقراطية، وقال شرف لالاف الناس الذين تجمعوا في ميدان التحرير بؤرة حركة الاحتجاج التي اطاحت بمبارك "جئت الى هنا بعد تكليف من المجلس الاعلى للقوات المسلحة وبالتالي أنا أستمد الارادة والعزم من هنا من ميدان التحرير، "اخذ شرعيتي منكم. أنتم أصحاب الشرعية"، واضاف "انا كلفت بمهمة ثقيلة محتاجة صبرا وارادة وعزما"، وتابع "المهام التي احاول من كل قلبي اني احققها هي طلباتكم سوف أبذل كل جهدي وفي اليوم والوقت الذي لن اقدر احقق فيه طلباتكم سأكون هنا" مشيرا الى ميدان التحرير، وتناول مطالب المحتجين باصلاح أجهزة الامن التي ساعدت ما عرف عنها من وحشية في اشعال الانتفاضة ضد مبارك، وقال شرف "أتمنى أن أرى مصر حرة وأمن المواطن على القمة وأن تكون أجهزة الامن خادمة للمواطن والوطن وأرجو من الجميع المساعدة في ذلك"، وخلال الاحتجاجات المطالبة بانهاء حكم مبارك قاد شرف مظاهرة تؤيد المحتجين أمام مجلس الشعب ضمت زملاء له في الجامعة وطلابا وهتف المشاركون فيها ببطلان النظام. بحسب رويترز.

وقال نبيل عبد الفتاح المحلل السياسي بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان ظهور شرف في ميدان التحرير يظهر "ذكاء سياسيا"، واضاف "انها بداية جيدة لكن الامر سيتحدد (لاحقا بشأن قبوله) والناس تنتظر لترى التشكيل الوزاري الجديد وعلى أي أساس سوف يختار وزراءه"، وقال المعارض ايمن نور الذي خاض انتخابات الرئاسة في مواجهة مبارك عام 2005 ان شرف "مشى في الطريق الصحيح".واضاف "لكننا كنا نتمنى ان يحدد اجندته (جدول اعماله) ومواقفه من قانون الطواريء وجهاز امن الدولة"، وتريد الحركة الاصلاحية المصرية رفع حالة الطواريء وهي خطوة وعد المجلس العسكري باتخاذها قبل الانتخابات، ويواجه المجلس العسكري ايضا دعوات لتغيير الجدول الزمني الذي حدده لاجراء الانتخابات، ويريد الجيش تسليم السلطة الى حكومة مدنية منتخبة خلال ستة اشهر واوضح ان الانتخابات البرلمانية ستجرى قبل الانتخابات الرئاسية، ويقول اصلاحيون ان الانتخابات الرئاسية يجب ان تجرى اولا لاتاحة مزيد من الوقت للانتخابات البرلمانية بما يسمح للحياة السياسية بالتعافي من عقود من القمع تحت حكم مبارك.

وقال دبلوماسي غربي انه حين تولى الجيش المسؤولية بعد تنحي مبارك كان يأمل انجاز المهمة في ثلاث خطوات تتمثل في اجراء التعديلات الدستورية واجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ثم العودة لثكناته، وتابع "لكن يبدو ان الناس في مصر يحتاجون المزيد ولذلك نرى خطوة بخطوة المجلس الاعلى للقوات المسلحة مضطرا للتعامل مع ذلك.

صعاب تواجه عمرو موسى

من جهتها اشارت صحف بريطانية إن عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، يتمتع بخبرة كبيرة، ويتسم بالصرامة والقدرة على الدبلوماسية والتحدث بلباقة، لكنه اعتاد أن يكون فى النقطة التى تصطدم عندها الضغوط المختلفة، وتضيف فى تقرير لها، أن موسى الذى اختاره الرئيس السابق حسنى مبارك وزيراً للخارجية، هو أحد رجال السياسة القلائل فى الشرق الأوسط الذى يحظى باحترام حقيقى من قبل القادة ومن الشارع، وبفضل ذكائه، لم يتمكن موسى من أن يتسلق التسلسل الهرمى للبيروقراطية المصرية، لكنه نجح فى تحويل نفسه إلى شخص مشهور، وكان مبارك قد قام بتعيين موسى أميناً عاماً للجامعة العربية، رداً على تنامى شعبيته، والتى عبر عنها المطرب الشعبى شعبان عبد الرحيم فى أغنية بكره إسرائيل، وبحب عمرو موسى التى حققت نجاحاً كبيراً، ومنذ هذا الوقت، أثبت موسى أنه بارع فى توجيه الجامعة المنقسمة فى الحرب والأزمات التى شهدها العقد الماضى، كل ذلك مع الحفاظ على شخصيته داخل وطنه.

ويواجه موسى الآن سلسلة من المطالب الجديدة، كما تقول كلير سبنسر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى مركز أبحاث شاتم هاوس البريطانى، أحدها يتعلق باختبار رد فعل الناس العاديين على مجموعة من المواقف، نيابة عن أعضاء جامعة الدول العربيةو وتوضح سبنسر أن الجميع مدركون طبيعة الرمال المتحركة فى المنطقة، فرغم أن أحداً لم يكن يحب القذافى بشكل كبير، إلا أن جميع أعضاء الجامعة فى موقف صعب أمام شعوبهم، ومن الممكن أن يكون عمرو موسى بالون اختبار، وهو ما يفسر آراءه المتناقضة حول فرض الحظر الجوى على ليبيا، والمخاوف بشأن سقوط قتلى مدنيين.

فدائماً ما تحدث موسى بوضوح وتعبيره عن عدم الارتياح إزاء إمكانية تجاوز الأهداف الأصلية لقرار مجلس الأمن رقم 1973 يشاركه فيها الكثيرون فى المنطقة، ومن المناورات المعقدة الأخرى المتعلقة بموسى طموحاته السياسية الشخصية، فهو لم يستبعد ترشحه للرئاسة، ورغم أنه سيحظى بقدر من الدعم بلا شك، إلا أن سبنسر تقول إنه يواجه عدداً من صعاب منها أنه يفتقد التنظيم السياسى، كما أنه ينتمى إلى الجيل القديم الذى يحمله شباب مصر مسئولية العلل التى تعانى منها علل البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/آذار/2011 - 25/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م