الغرب والخيار المر... المنفى الآمن للقذافي

شبكة النبأ: بعد معارك كر وفر حامية الوطيس، تخللها تدخل دولي منحاز للثوار، بات المجتمع الدولي يبحث في خيارات اقل تكلفه تضمن انزياح القذافي عن منصبه، بغض النظر عن تبعات ما قد تترتب على خلاص الشعب الليبي من تداعيات معنوية وقانونية واعتبارية ايضا.

حيث بدء بعض الحلفاء البحث عن حلولا وسط تضمن تنحي الطاغية تؤمن عدم انزلاق ذلك البلد في حرب مدن مكلفة قد تفضي الى صومال جديد، سيما مع اصرار القذافي على القتال.

القوى العالمية تزيد الضغوط

فقد صعد ائتلاف دولي الضغوط على الزعيم الليبي معمر القذافي كي يتنحى وتعهد بمواصلة العمل العسكري ضد قواته الى ان يذعن لقرار لمجلس الامن الدولي يدعو لحماية المدنيين من هجمات القوات الحكومية.

واشارت الولايات المتحدة وبريطانيا وقطر الى امكانية السماح للقذافي وعائلته بالذهاب الى المنفى اذا قبلوا العرض وانهاء ستة سابيع من اراقة الدماء. وأثارت واشنطن وباريس أيضا امكانية تسليح المعارضين وان كان البلدان أكدا أنه لم يتخذ قرار في هذا الشأن.

واتفق المؤتمر الذي عقد في لندن وضم 40 حكومة ومنظمة دولية واستمر يوما واحدا على تشكيل مجموعة اتصال لتنسيق الجهود السياسية بشان مستقبل ليبيا على ان تعقد أول اجتماع لها في قطر قريبا.

وحث رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني الزعيم الليبي معمر القذافي على التنحي حقنا للدماء وقال انه ربما تكون امامه بضعة ايام فقط للتفاوض بشأن الخروج. وقال الشيخ حمد في مؤتمر صحفي "نحث القذافي والمحيطين به على الرحيل."

وقالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي ختامي ان أي قرار سياسي يمكن ان يشمل مغادرة القذافي البلاد. وقالت ان مبعوثا خاصا للامم المتحدة سيزور طرابلس قريبا لاستكشاف هذاالخيار وحث الزعيم الليبي الذي تحوطه المشاكل على تنفيذ وقف حقيقي لاطلاق النار. بحسب رويترز.

وقالت "لست واثقة اننا نعلم تماما متى سيحدث أي تغيير في الاتجاه من جانب القذافي والذين حوله." وأضافت "كما تعلمون يوجد كثير من الاتصالات التي تجري وكثير من المحادثات المستمرة ومثلما قالت الجامعة العربية من الواضح أيضا للجميع ان القذافي فقد شرعية تولي القيادة."

وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج ان بريطانيا لا تشارك في جهود التوصل لجهة يذهب اليها القذافي لكن الدول الاخرى لها حرية أن تفعل ذلك.

ووعد المعارضون الذين يقاتلون ضد القذافي ببناء دولة حرة وديمقراطية اذا ظفروا بالسلطة في طرابلس.

واتهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وهو يفتتح المؤتمر بشأن ليبيا مؤيدي القذافي بشن "هجمات اجرامية" على مدينة مصراتة ثالث أكبر المدن الليبية.

وقالت كلينتون ان الضربات العسكرية التي تشنها قوات الائتلاف على ليبيا يجب أن تستمر الى أن يذعن القذافي تماما لمطالب الامم المتحدة بوقف العنف ضد المدنيين وسحب قواته. وأضافت كلينتون متحدثة أمام المؤتمر "يتحتم علينا جميعا أن نستمر في تكثيف الضغوط وتعميق عزلة نظام القذافي من خلال انتهاج وسائل اخرى أيضا."

وقالت "ويشمل هذا جبهة موحدة من الضغوط السياسية والدبلوماسية التي توضح للقذافي انه يتعين عليه ان يرحل." وقالت أيضا ان الولايات المتحدة فسرت قرار مجلس الامن الدولي الذي صدر هذا الشهر على انه يسمح بتسليح المعارضين وان كانت واشنطن لم تتخذ قرارا بأن تفعل ذلك. وقالت انها بحثت سبل تقديم مساعدة مالية للمجلس الوطني الانتقالي المعارض.

وقال وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه يوم الثلاثاء ان بلاده مستعدة لمناقشة مسألة تسليح المعارضة الليبية مع شركائها في الائتلاف على الرغم من ان ذلك ليس ضمن تفويض الامم المتحدة.

وقال محمود شمام وهو متحدث باسم المعارضين في لندن لرويترز " ليس لدينا أسلحة على الاطلاق والا كنا قضينا على القذافي خلال بضعة ايام... اننا نطلب دعما سياسيا أكثر مما نطالب بأسلحة لكن اذا حصلنا على الاثنين فان هذا سيكون أمرا عظيما."

وعلى الشريط الساحلي الليبي الذي يتركز فيه القتال يبدو ان قوات القذافي الافضل تسليحا تمكنت من صد اندفاع للمعارضين تجاه الغرب - مستفيدين من الضربات الجوية لقوات الائتلاف- للاستيلاء على عدد من البلدات الاسبوع المنصرم.

واتهم القذافي القوى الغربية بارتكاب مذابح في حق المدنيين الليبيين بالتحالف مع المعارضين الذين قال انهم اعضاء في تنظيم القاعدة.

وعبر البيان الختامي للمؤتمر عن التأييد لعرض من قطر للالتفاف على عقوبات الامم المتحدة بأن تتولى بيع نفط من انتاج الاجزاء التي يسيطر عليها المعارضون لسداد تكاليف الاحتياجات الانسانية.

وقبل مؤتمر لندن -الذي وجهت الدعوة لعقده لبحث العمل الراهن ضد حكومة طرابلس وعهد ما بعد القذافي- أشار المجلس الوطني الانتقالي الى امكانية اقامة "دولة موحدة حديثة وحرة" اذا أمكن الاطاحة بالقذافي.

وكان محمود جبريل وهو زعيم من المجلس الوطني الذي يتخذ من بنغازي مقرا له موجودا في لندن لعقد اجتماعات مع كاميرون وكلينتون وان كانت المعارضة لم تحضر المؤتمر.

وجاء في بيان للمجلس من ثماني نقاط ان الاقتصاد الليبي سيتم توظيفه لمصلحة كل الليبيين. وقال أيضا انه سيعد مسودة دستور وطني يسمح بتشكيل أحزاب سياسية ونقابات عمالية.

وتشمل تعهداته ان يكفل لكل مواطن ليبي بلغ السن القانونية حق التصويت في انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية حرة ونزيهة وحق الترشح لتولي السلطة.

وعندما طلب من كلينتون ان تعقب على تصريحات الاميرال جيمس ستافريدس القائد الاعلى لقوات حلف شمال الاطلسي في اوروبا وقائد القيادة الاوروبية للقوات الامريكية بأن معلومات المخابرات عن المعارضة المسلحة التي تقاتل قوات الزعيم الليبي معمر القذافي اظهرت " دلائل" على وجود تنظيم القاعدة او جماعة حزب الله ردت وزيرة الخارجية الامريكية بقولها "معرفتنا لا تصل الى القدر الذي نود ان نعرفه والذي نتوقع ان نعرفه."

وفي حين يضغط الموالون للقذافي على المعارضين للتقهقر قدمت ايطاليا القوة الاستعمارية السابقة في ليبيا اقتراحا باتفاق سياسي لانهاء الازمة يشمل وقفا سريعا لاطلاق النار وذهاب القذافي الى المنفى واجراء حوار بين المعارضين وزعماء القبائل.

وقال مصدر دبلوماسي ايطالي "يوجد اتفاق ضمني بين الجميع على ان افضل شيء سيكون ذهاب القذافي الى المنفى لان سبب مواصلة الحرب هو وجود القذافي."

وأضاف ان الاتحاد الافريقي الذي بقي بعيدا عن اجتماع يوم الثلاثاء ليؤكد حياده هو الجهة الوحيدة التي يمكنها اقناع القذافي بالذهاب الى المنفى.

ولمح وزير الخارجية البريطاني هيج لفكرة احتمال أن يكون النفي وسيلة لاخراج القذافي من الصورة وتسوية الاوضاع في البلاد بعد ستة اسابيع من الانتفاضة ضد حكمه المستمر منذ أكثر من 40 عاما.

وقال هيج لهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "نريده أن يترك السلطة وهذا ما قلناه بشكل متواصل للنظام الليبي. لسنا نتحكم بالطبع في المكان الذي ربما يتوجه اليه" مضيفا أنه يعتقد أن القذافي يجب أن يواجه المحكمة الجنائية الدولية.

وتريد تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي التي اعترضت في البداية على العمل العسكري وقفا سريعا لاطلاق النار والتوصل الى حل عن طريق التفاوض.

وحضر وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مؤتمر لندن. ولم تكن الدعوة وجهت الى تركيا لحضور الاجتماع الاول للائتلاف الدولي في باريس قبل عشرة أيام. وقال بعض الدبلوماسيين والمحللين ان عرض حصانة على القذافي من المحاكمة امام المحكمة الجنائية الدولية والخروج الامن الى دولة مضيفة يمكن ان يصبح حافزا له كي يسرع بالرحيل.

القذافي والمخرج الاخير

في السياق ذاته قال سعد جبار وهو خبير مقيم في لندن عمل وسيطا في المحادثات مع ليبيا بخصوص حادث تفجير الطائرة الامريكية فوق لوكربي عام 1988 ان المؤتمر يجب ان يتفق على استراتيجية لخروج القذافي.

وقد يتضمن هذا ان يعرض الغرب عليه فرصة للتنحي مع التمتع بالحصانة من المحاكمة شريطة ان يتوقف عن القيام باي نشاط سياسي ويقيم في موقع متفق عليه خارج ليبيا على الارجح وان تبرم الصفقة على وجه السرعة.

وقال "ستكون الرسالة هي ان الصفقة مطروحة على الطاولة لفترة صغيرة فحسب. وبعد تلك الفترة المحدودة سيتغير كل شيء." وكرر المحرر والناشط الليبي المعارض عاشور شميس المقيم في المملكة المتحدة وجهة النظر القائلة بضرورة ان تعرض على القذافي استراتيجية للخروج.

وقال "قد يخرجون بعرض ما. وقد يقدم ذلك العرض علنا.. ونعم سيكون ذلك مهينا للقذافي لكن هل هو في وضع يتيح له الاعتراض.."

وسينظر المؤتمر في المستقبل الاطول امدا اخذا في اعتباره تقاعس المجتمع الدولي عن التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في العراق عام 2003. وقد تأخر الاتفاق على تولي حلف شمال الاطلسي السيطرة الكاملة على العملية العسكرية بسبب بواعث القلق التركية بخصوص الخسائر في الارواح بين المدنيين ومن ثم فستحرص القوى الغربية على منع تفكك الاجماع السياسي بين الشركاء الدوليين.

وقال فوزي جرجس من مدرسة الاقتصاد في لندن لتلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي.) ان فترة ما بعد القذافي ستكون حافلة بالاضطراب أكثر مما يعتقد الائتلاف الغربي. واضاف "لا أعرف مدى قوة المعارضة المسلحة ولا نعرف تركيبها ولا نعرف ان كانت ستقدر على ادارة ليبيا ولا نعرف مدى الفوضى التي ستحل."

وتابع متسائلا "ماذا ستفعل بريطانيا وفرنسا عندما يصل الامر على الارجح الى مقتل القذافي او اعتقاله."

وكان وزير الخارجية البريطاني وليام هيج عبر عن قلقه بشأن محنة قرابة 80 الف ليبي أجبروا على الفرار من منازلهم. وقال هيج ايضا انه كثف الاتصالات مع المجلس الوطني الانتقالي المعارض في بنغازي بشرق ليبيا. ودعا هيج زعيم المجلس محمد جبريل الى لندن لكن من غير الواضح ما اذا كان سيحضر المؤتمر.

التوصل الى هدنة

من جهته قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قبل مؤتمر عن ليبيا في لندن ان حلف شمال الاطلسي يجب أن يستغل قوته عند الحاجة اليها لضمان توقف القوات الموالية للعقيد معمر القذافي عن مهاجمة المدنيين وتنفيذ وقف لاطلاق النار.

وقال داود أوغلو للصحفيين الذين رافقوه الى بريطانيا لحضور الاجتماع "لهذا الغرض بالطبع يجب ان تكون هناك ضغوط أكبر." وأضاف ان حماية الشعب الليبي ليتمكن من اختيار مستقبله بنفسه هو ما يحظى بالاولوية الاولى وليس اجبار القذافي على ترك السلطة.

وكان الاتفاق على تولي حلف شمال الاطلسي السيطرة الكاملة على العمليات العسكرية في ليبيا قد تأخر بسبب مخاوف تركيا من سقوط ضحايا مدنيين.

وقال داود أوغلو انه يتوقع استكمال التحضير الفني لتولي الحلف المهمة خلال يوم أو يومين. بحسب رويترز.

وقال داود أوغلو "بالطبع اذ تم التوصل الى وقف لاطلاق النار سيكون ذلك بمثابة اختبار له... اذا احترم وقف اطلاق النار وتوقف عن مهاجمة المدنيين فان اشياء أخرى ستستتبع ذلك."

وكان داود أوغلو في بغداد يوم الاثنين ضمن وفد يرأسه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع العراق. وقال داود أوغلو "شعب العراق عانى الكثير ويجب أن نتعلم الدرس من ذلك."

وتابع أن سقوط المزيد من القتلى وحدوث فراغ في السلطة وتقسيم ليبيا كلها احتمالات واردة اذا لم تكن هناك استفادة من دروس العراق وأفغانستان. وقال ان هذه المرة يجب أن يكون هناك حل نهائي. وتابع "في العراق وأفغانستان مارسنا تجربة عمل عسكري بدون هدف سياسي."

وأقامت تركيا الدولة الاسلامية الكبيرة الوحيدة العضو في حلف شمال الاطلسي علاقات قوية مع بقية الدول الاسلامية في عهد أردوغان في حين توترت علاقاتها مع صديقتها القديمة اسرائيل.

وتعليقا على الاضطرابات وقتل المحتجين في سوريا المجاورة قال داود أوغلو ان اردوغان اتصل مرتين بالرئيس السوري بشار الاسد في الايام الثلاثة الماضية. وأضاف "التحول أو الاصلاح السياسي الناجح في سوريا أمر مهم للغاية ... هذا أيضا اختبار." ومضى يقول "يجب ان يحققوا التحول بأسلوب سلمي... رسالتنا قوية للغاية وواضحة."

المحكمة الجنائية

من جهة أخرى قد تمثل الاضطرابات في العالم العربي واحالة مجلس الامن التابع للامم المتحدة العنف في ليبيا للمحكمة الجنائية الدولية تحولا هاما في مدى التأييد لهذه المحكمة ويعطيها فرصة لاقرار العدالة "في حينها".

وعانت أول محكمة جرائم حرب دائمة في العالم من ضعف التأييد الرسمي حين رفضت قوى عالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين التوقيع على ميثاق تأسيسها بينما تتردد بعض الدول الافريقية في تنفيذ اوامر الاعتقال التي تصدرها. وانتابت الدول العربية والاسلامية الشكوك ازاء المحكمة خشية ان تكون اداة للعدالة الغربية. ولكن كل شيء بدأ يتغير.

ووصفت منظمة العفو الدولية احالة مجلس الامن قمع ليبيا العنيف للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية للمحكمة الجنائية الدولية بانه "سابقة تاريخية" لانها المرة الاولى التي وافقت فيها الولايات المتحدة والصين معا على احالة قضية للمحكمة.

ويجري لويس مورينو اوكامبو المدعي في المحكة الجنائية تحقيقا في القضية الليبية حاليا ويتعاون مع الجامعة العربية في التحقيق في الوقت الذي تفرض فيه قوى غربية حظرا على الاسلحة وحظرا جويا على ليبيا. بحسب رويترز.

وفيما تعيد حركات شعبية مطالبة بالديمقراطية تشكيل المشهد السياسي في العالم العربي وشمال افريقيا يؤكد ريتشارد ديكر من منظمة هيومان رايتس ووتش ان نطاق اختصاص المحكمة يتوسع كثيرا.

وقال ديكر "نرى توسعا كبيرا في مناطق جديدة ودول جديدة حيث لم تكن المحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية عاملا قائما في واقع الامر." ويمكن ان تنضم الدول لعضوية المحكمة بالتصديق على معاهدة روما التي أسست المحكمة ومن ثم تخضع لولايتها.

والاردن هو الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا الموقع على المعاهدة وهو عضو في الجامعة العربية. وهناك عضوان اخران فقط من الجامعة العربية صدقا على المعاهدة هما جزر القمر وجيبوتي.

وفي تونس حيث اطاح محتجون بحكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير كانون الثاني اشارت الحكومة الجديدة في البلاد لعزمها الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية الان. ويتردد بان مصر حيث تنحى رئيسها حسنى مبارك في فبراير شباط ستحذو حذوها.

وقال ديفيد دونات كاتين من منظمة برلمانيون من اجل التحرك العالمي "انه مؤشر على ان الدول التي بها اغلبية مسلمة مستعدة لقبول المحكمة الجنائية الدولية." وفي منطقة اسيا ربما تصدق ماليزيا والفلبين على معاهدة روما لعام 1998 وهما حجر زاوية تترقبهما جماعات حقوق الانسان.

والمحكمة الجنائية الدولية مخولة بالتحقيق في جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب ولكنها تفتقر لقوة شرطة خاصة بها وتجد صعوبة في تنفيذ اوامر الاعتقال.

فعلى سبيل المثال لا يزال الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي وجهت اليه المحكمة تهمة الابادة الجماعية في درافور بعد احالة مجلس الامن القضية اليها مطلق السراح وقد رفضت ببساطة بعض الدول الافريقية القاء القبض عليه.

ولكن يبدو ان المحكمة تسلك منهجا اكثر اتساقا في التحقيق الليبي حيث اجتمع مورينو اوكامبو مع مسؤولين من مصر وجامعة الدول العربية في الاسبوع الماضي وهو على اتصال بمنظمة الوحدة الافريقية.

وقال ستيفن راب السفير الامريكي المتجول لجرائم الحرب لرويترز ان سرعة احالة الامم المتحدة القضية الليبية "تبعث برسالة واضحة بان العالم يراقب" ومنع ذلك بعض انصار القذافي من ارتكاب جرائم.

وتنبأ بدعم قوي لتنفيذ اوامر اعتقال يتوقع ان يصدرها مورينو اوكامبو في أواخر مايو ايار وقد تستهدف الزعيم الليبي معمر القذافي وابناءه ومعاونيه الرئيسيين.

وقال راب "هل اتوقع ان يجيء اليوم الذي يمثل فيه الافراد المسؤولون عن مثل هذا السلوك امام المحكمة الجنائية الدولية.. نعم والسؤال ليس هل سيحدث بل متي سيحدث."

وعلى الرغم من انه يحق لمجلس الامن تعليق جلسات المحكمة لمدة 12 شهرا لعدد من المرات لمصلحة اقرار السلام فان مراقبين قانونيين يرون انه امر مستبعد في حالة ليبيا كما لا يحق للمجلس وقف قضايا المحكمة الجنائية الدولية بشكل دائم. ولن يغير اتساع نطاق المساندة للمحكمة حقيقة ان اقرار العدل "في حينها" امر صعب.

وفي مواجهة التطهير العرقي في كوسوفو في عام 1999 وجهت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا سابقا الاتهام للرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش في مايو ايار من نفس العام بينما كانت حملة القصف التي ينفذها حلف شمال الاطلسي تجري على قدم وساق. لكن لم يتم القبض على ميلوسيفيتش حتى ابريل نيسان 2001 .

وقال ديكر "ليس من الممكن اقرار العدل في حينه دوما. تسير عجلة العدالة ابطأ كثيرا من تطورات العمل السياسي والعسكري والدبلوماسي." وأضاف "حتى في ظل هذه المسالب تنظر دول جديدة للمحكمة الجنائية الدولية كاداة لتحقيق العدالة وهو تطور هام يبعث على التفاؤل."

مهمة صعبة

الى ذلك حقق المعارضون المسلحون الليبيون نجاحا كبيرا في الايام القليلة المنصرمة على قوات الزعيم الليبي معمر القذافي لكنهم يواجهون مهام صعبة ستظهر ما اذا كانوا قد بلغوا مداهم.

وكانت الغارات الجوية لقوات التحالف عاملا حاسما في تقدمهم عبر أكثر من 300 كيلومتر في الصحراء ليقفوا الان على مسافة 80 كيلومترا من سرت معقل الموالين للقذافي.

ويوم الجمعة الماضي كان المعارضون ما زالوا يحاولون اخراج قوات القذافي من اجدابيا على مسافة نحو 150 كيلومترا جنوبي بنغازي التي أصبحت عاصمتهم. وتحت وطأة الغارات الجوية صباح يوم السبت تقهقرت قوات القذافي بسرعة تاركة خلفها كل شيء من معدات في دبابات محترقة ومخازن ذخيرة الى حصص الجنود. وفي يوم واحد تراجعت القوات أكثر من 250 كيلومترا واصبح الخط الامامي الان بالقرب من بلدة بن جواد.

ويتقدم موكب المعارضين كيلومترا بعد كيلومتر وسط تبادل لاطلاق النار مع قوات القذافي لكن يبدو أنه لا يمكنه تحقيق تقدم كبير اخر دون المزيد من الغارات الجوية.

وفي سرت قصف المعارضون البلدة بالصواريخ لساعات مساء الاثنين. وكان من الصعب بالنظر من فوق كثبان رملية على مسافة بضع كيلومترات تحديد ما اذا كانت الضربات تصيب بدقة قوات القذافي على مشارف البلدة أم أن النيران تسقط على البلدة ذاتها. واذا كانت مهمة الغرب كما تعهد بها هي حماية المدنيين في الصراع فان ذلك قد يمثل مشكلة.

وقد تزداد أهمية هذا السؤال في حال وصول قوات المعارضين الى سرت. فمن المعروف ان البلدة أكثر ولاء للقذافي وهي مسقط رأسه واستفادت من سخائه.

وقد تجد قوات التحالف التي ما زالت مختلفة بشأن الحدود التي يجب ان تقف عندها مهمتها صعوبة في تبرير الغارات الجوية. وقد تتمكن كذلك قوات القذافي من الحصول على امدادات وتعزيزات في سرت.

ويبدو أن المعارضين يعتمدون على الحماس أكثر من الخبرة. فيمتد موكب المركبات العسكرية والسيارات المدنية على مسافة أميال على الطريق الساحلي السريع الذي يحده البحر المتوسط من جانب والصحراء الممتدة من الجانب الاخر.

والبلدات ما هي الا مجموعات من المباني المهجورة بنية اللون ومنازل دمرها القتال بعضها في حالة يصعب معها اصلاحها. ويتقدم المعارضون بشكل متقطع وغير منظم وتظهر قلة خبرتهم.

وأصيبت طليعة الموكب في كمين على الطريق تم الرد عليه باطلاق نار وصواريخ ومدافع الية هزت الصحراء لفترة طويلة.

وفي وقت لاحق بعد الظهر طوقت قوات تابعة للقذافي خارجة من سرت مقدمة قوات المعارضين فتراجع خط المواجهة بضعة كيلومترات.

وقال مصطفى محرك (39 عاما) أحد مقاتلي المعارضين والذي يقود مركبة عسكرية "حالفنا الحظ على مدى ثلاثة أيام... بالنسبة للغالبية هذه أول مرة يخوضون فيها قتالا."

انه جيش شعبي حقيقي. فالمعارضون الذين تحدثت معهم رويترز على خط المواجهة منهم محام ومهندس وعامل في مقهى وطلاب وعاطلون.

وقالوا ان معهم ضباط محترفين لكن كان من الصعب ايجاد مركز قيادة وقرارات التقدم يبدو انها اتخذت بشكل جماعي من وحي اللحظة. وقال سعد ساتي أحد المقاتلين وهو يتابع زملاءه وهم يطلقون النار في الهواء احتفالا "لدينا ضباط ولدينا قيادة لكن هناك مجموعات كثيرة."

وتبقى المعنويات مرتفعة في بعض الاحيان عن طريق نشر أنباء بين المقاتلين بشكل غير رسمي عن معارك وهمية. وصباح الاثنين كان مقاتلون معارضون في الصفوف الخلفية في اجدابيا يحتفلون بسقوط سرت. ولم يكن هذا قد حدث.

نقص حاد في الغذاء والدواء

من جانبهم قال سكان وعمال مساعدات ان الليبيين في المناطق التي حوصرت في حرب أهلية مستمرة منذ ستة أسابيع يعانون من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء فضلا عن المدن التي تخضع لحصار قوات معمر القذافي.

وفي مدينة مصراتة ثالث كبرى المدن الليبية حيث تستمر الاشتباكات بين القوات الموالية للقذافي ومقاتلي المعارضة المسلحة غص المستشفى الرئيسي بالمدينة بالمصابين وقال السكان ان امدادات المياه والكهرباء مقطوعة. وينفي المسؤولون الليبيون قطع المياه والكهرباء عن المدينة عمدا.

وقال سامي وهو متحدث باسم المقاتلين عبر الهاتف "الوضع الانساني كارثي. هناك نقص في الغذاء والدواء. المستشفى لم يعد قادرا على مواجهة الوضع... نطلب مساعدة عاجلة لحماية المدنيين وتحسين الوضع الانساني."

وتمكنت وكالات الاغاثة التي تتمركز في الشرق الخاضع لسيطرة المعارضة من نقل امدادات عبر ميناء مصراتة على البحر المتوسط الاسبوع الماضي لكن من غير الواضح ان كانت ستتمكن من نقل مزيد من المساعدات لان قوات القذافي والمعارضة تتبادل السيطرة على الميناء.

وقالت ايمان منقار المتحدثة باسم عمليات اللجنة الدولية للصليب الاحمر في شرق ليبيا "يساورنا قلق بالغ (بشأن مصراتة) ... تداعيات هذا القتال تقلقنا."

وفي مدينة الزنتان تحدث عبد الرحمن أحد سكان المدينة أيضا عن نقص في الامدادات مع تمركز القوات الموالية للقذافي خارج المدينة الواقعة بغرب ليبيا. وقال عبد الرحمن "من الصعب الحصول حتى على المياه من الابار خارج المدينة بسبب تمركز قوات (القذافي)."

وتصل المساعدات الى مدينة بنغازي في شرق ليبيا الخاضع لسيطرة المعارضة لكن في ظل الوضع الامني الذي يحد من وصولها غربا تقول وكالات الاغاثة التابعة للامم المتحدة انها تراجع الظروف وتأمل أن تحدد الخطوات القادمة في الايام المقبلة.

وقالت ميليسا فليمنج المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة "تمكنا من ارسال بعض الامدادات بالتعاون مع الهلال الاحمر الليبي. (لكنها) بالطبع تصل فقط الى مناطق معينة من البلاد.

واضافت "بالطبع المدن التي تخضع للحصار أو تحت سيطرة القذافي لا يمكن الوصول اليها."

وقالت ان المفوضية لديها تقارير عن الكثير من عمليات النزوح حيث تقيم الاف الاسر في أماكن ايواء مؤقتة لا تصل اليها اي نوع من المساعدات. وقال برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة انه يشعر بالقلق تجاه نقص الغذاء في ليبيا.

وقالت المتحدثة باسم البرنامج ريم ندا من على الحدود الليبية التونسية "ليبيا تعتمد على واردات الغذاء... الامدادات مقطوعة والمخزون ينفد."

ونقل ممثلو منظمة الصحة العالمية الموجودون على الحدود الليبية مع مصر وتونس أدوية ومعدات طبية الى هناك. وقالت فضيلة الشايب المتحدثة باسم المنظمة "فور أن نتمكن من دخول ليبيا مثل وكالات الامم المتحدة الاخرى سنساعد بتقديم هذه الادوية الى المستشفيات والمراكز الطبية."

وفي العاصمة طرابلس معقل القذافي وقاعدة قوته الرئيسية يواجه السكان أيضا ظروفا عصيبة. فالاسعار ترتفع ويندر وجود المواد الاساسية مثل الحليب وغاز الطهي كما يضطر الناس للوقوف ساعات في صفوف طويلة بعد أن تأثرت الحياة اليومية بفعل الحرب.

وقال أحد السكان الذي رفض ذكر اسمه عبر الهاتف "طرابلس تعاني .. هذه هي الحياة في طرابلس. انها تسوء يوميا." واضاف "الكثير من المنتجات اختفت الان .. منها على سبيل المثال حليب الاطفال."

ومع اندفاع السكان لتخزين المواد الغذائية استعدادا لحرب يقول مراقبون دوليون انها قد تستمر عدة أسابيع أو اشهر ارتفعت الاسعار الى حد كبير.

ومثلما يحدث دائما في اقتصاد الندرة وخاصة في بلد يخضع لعقوبات دولية يضطر الليبيون لقضاء ساعات في صفوف للحصول على المواد الاساسية. ومما يزيد المعاناة تقليص عدد الساعات التي تفتح فيها المتاجر عن المعتاد.

وقال الساكن "هناك صفوف طويلة للغاية أمام البنوك وأحيانا لا يكون بها أموال. لذا هناك صفوف أمام البنوك وصفوف أمام محطات الوقود وصفوف أمام المتاجر."

ولا يعرض التلفزيون الليبي شيئا عن معاناة المواطنين في حياتهم اليومية ويعرض بشكل أساسي المسيرات المؤيدة للقذافي وللاحداث التي تستغرق ساعات طويلة من بثه اليومي.

وقال شكري غانم رئيس مؤسسة النفط الليبية ان انتاج النفط انخفض بشكل كبير وان هناك نقصا في البنزين. واضاف في تصريحات نقلها التلفزيون الليبي ان هناك أزمة بسبب ما يحدث في ليبيا. وعبر عن أمله في التوصل الى حل قريبا.

وقال غانم ان الكثير من حقول النفط توقف بسبب مغادرة القوة العاملة الاجنبية البلاد. كما توقفت الكثير من مصافي النفط عن الانتاج بما في ذلك مصفاة البريقة. وأضاف ان من الصعب العودة الى الوضع الطبيعي في فترة قصيرة لان ذلك سيستغرق وقتا. ولا تعمل خدمة الانترنت في طرابلس لكن الصحف التي تسيطر عليها الحكومة مازالت تصدر.

وقال احد سكان طرابلس "معظم الناس غير مهتمين بهذا الامر. انهم يهتمون بظروفهم المعيشية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/آذار/2011 - 25/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م