رحلة المتقاعدين و(قسمة فنيخ)؟

تحقيق: عصام حاكم

 

شبكة النبأ: بعد أن أتمّت الحاجة أم جميل اجراءات سفرها الى مصرف الطف الكائن في شارع العباس عليه السلام وسط مدينة كربلاء، وهي تتكئ على سنوات عمرها الستين من دون ان تتجاهل مسار الترتيبات الروتينية التي اعتادت عليها منذ عشرات السنين، وهي تدخل في خانة  الوفاء لزوجها المتوفي، حيث كانت (الشيله والعصابة)، والعباءة حاضرة على الدوام وهما عبارة عن رداء يوضع على الرأس كعنوان للالتزام بالقواعد الاجتماعية والدينية.

فيقول مراسل شبكة النبأ المعلوماتية الذي كان متواجد قرب المصرف، ان أم جميل، بعد أن استنفذت خيارات المسح اليدوي على كامل جسدها عبر نقاط التفتيش النسائية المنتشرة في كافة ارجاء المدينة القديمة، حتى غدى مشوارها في غاية الصعوبة والتعقيد بحكم الضوابط المصرفية وحالة الزحام والتدافع الذي كان يسيطر على قافلة المتجمهرين على باب المصرف، وجدت نفسها في لحظات خارج الطابور وقد تبعثر كيان حشتمها ووقارها، هذا مما اضطرها الى ان تختنق بعبرتها  وتشتم الساعة التي  اخرجتها من دارها.

اما فاهم ضاحي متقاعد عسكري وله من الخدمة 28 سنة وهو يصطف ما بين المتجمهرين املا في أن يسعفه الحض ليستلم راتبه اليوم لأنه بحاجة ماسة اليه بسبب اقساط المولدة ولدفع فاتورة   الكهرباء والماء، فيقول، "أن الية توزيع الرواتب على المتقاعدين مذلة ومهينة وغير مهنية، ولم تأخذ بنظر الاعتبار عامل التقدم في العمر وان اغلب المتقاعدين ان لم نقل جميعهم هم في مرحلة الشيخوخة رجالا كانوا أم نساء".

ويتابع فاهم، "ليس هناك من مقاعد مخصص للجلوس ولا توجد قاعات للانتظار بل يترك الناس في العراء ومن بين المتقاعدين من هو مريض او صاحب عاهة، وربما يتساءل سائل ما هو دور البطاقة الذكية وما جدوى وجودها أن لم تقي المتقاعدين حرارة الصيف وبرد الشتاء".

امرأة طاعنة في السن هي الاخرى لا تقوى على المسير الا من خلال  كرسي مدولب، كانت تنتظر دورها في استلام الراتب، عبرت عن شجنها قائلة، "الاجراءات الروتينية قاهرة وغير منصفة الى حد كبير، خصوصا وانها قد عملت توكيل رسمي لابنها الاكبر من اجل استلام الراتب الا ان المصرف يرفض التعامل مع التوكيل عند نهاية كل عام".

وتقترح الحاجة، بأن تقوم الدولة بتخصيص موظف يتابع شان التوكيلات ولا يضطر الناس من كبار السن والمعوقين الى تجشم العناء والارهاق".

في حسن اثنى ابو مرتضى على تجربة فتح المكاتب الاهلية على اعتبارها تسهل عملية صرف رواتب المتقاعدين والعاطلين وافراد الرعاية الاجتماعية، فيقول، هذا الاجراء من الاجراءات السليمة التي اتخذتها الدوائر المصرفية من اجل الحد من ظاهرة الازدحام على المصارف".

وينوه خلال حديثة لمراسل شبكة النبأ المعلوماتية، الا ان محدودية تلك المنافذ قد قللت من فرص نجاحها وهي  تشهد الاخرى ازدحام وكثافة عددية لذا نرجو من المعنيين الى زيادة اعداد تلك المكاتب  وبما يتناسب مع اعداد المتقاعدين.

اما بالنسبة لكريم راهي وهو احد جرحى الحرب العراقية الايرانية، التي امتدت لثمان سنوات متتالية وقد تخلى عن احد اطرافه السفلى للحرب بحسب قوله، فقد أشكل على سلم الرواتب ويعتب على المسؤولين فيقول، "المشرع العراقي تجاهل عن قصد أمكانية التريث والوقوف طويلا أمام هذه الشريحة، (طبقة المتقاعدين)، خصوصا جرحى الحرب".

ويتابع، "من المؤسف أن هذه الحقيقة غائبة بفعل التجاذبات السياسية والمساومات الحزبية والخاسر الوحيد  في تلك المعركة هو المتقاعد، لأنه ليس هناك من جهة حزبية او تكتل سياسي يسانده او يطالب بحقوقه كي يتحاشى مستوى ارتفاع الاسعار".

اما فاضل الكعبي وهو احد الاشخاص المستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية ويتقاضى كل ثلاثة او اربعة اشهر دفعه تتراوح 120 الف دينار شهريا، فيقول، "في مثل هذا الموقف ضرورة الاستعانة بالمثل الشعبي العراقي (جسمت فنيخ)"؟!

فيسترسل الكعبي ساخرا، "يراد من تلك الحكمة القول بان هناك شخص يدعى فنيخ، احتكم له بعض المتخاصمين على عائدية حمار، وفي نهاية التحكيم اعطى الحمار الى شخص واحد واعطى الى عشرة اشخاص الرحل وهو اللباس الذي يوضع فوق ظهر الحمار".

 ويتابع فاضل، "فكرة هذا المثل يراد منها التعقيب على عدم الانصاف والمرؤة والعدالة المفقودة وهي تكاد ان تلتقي مع موضوعة الرواتب المخصصة للمتقاعدين".

ويختتم، "في الوقت الذي يصرف لعضو مجلس المحافظة راتبا تقاعديا يساوي اثنين مليون ونصف المليون دينار عراقي شهريا  وثمانية ملايين  دينار شهريا للعضو البرلماني لقاء خدمة لا تتجاوز اشهر معدودات، الا ان المتقاعد البسيط يستلم مئتان الف دينار عراقي فقط شهريا واقل من ذلك بكثير رغم الخدمة الطويلة وهذا على اقل تقدير استخفاف سافر بالمواطن العراقي واهان للخدمة الحكومية التي لا تستطيع ان توفر ابسط مستلزمات الحياة غير الكريمة للمواطن العراقي وهو ذات القانون الذي استند اليه القاضي فنيخ في قسمته المشهورة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/آذار/2011 - 21/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م