تونس... بعد الثورة وافرازات ما قبلها

شبكة النبأ: منذ ثورة الشعب في تونس، يمر ماخور العاصمة بمرحلة صعبة قد تؤدى إلى اندثاره بعد تنظيم متشددين مسيرة عنيفة مطالبة بإغلاقه، مما أدى إلى انخفاض وتيرة العمل فيه بشكل كبير.

حيث هاجمت مجموعة من المحتجين ناهز عددها 2000 شخص في 18 فبراير/ شباط 2011، ماخور تونس العاصمة الواقع في المدينة العتيقة، بعد أن قامت مجموعات مماثلة بإغلاق وطرد العاملين في مواخير أخرى في مدن داخلية تونسية كمدنين وصفاقس والقيروان وسوسة. بحسب ما نقل مراسل فرانس برس في تونس.

وتأتي عمليات إغلاق المواخير في تونس بعد دعوات نظمها إسلاميون وسلفيون في المساجد وعلى الانترنت، مستغلين رياح التغيير التي هبت على تونس بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي القمعي والسماح بتنظيم التجمعات والاحتجاجات وتلاشي أجهزة الدولة القمعية التي رحلت برحيل بن علي وحل أجهزة أمن الدولة.

حرية التعبير شماعة تعلق عليها تجاوزات خطيرة

مناخ يبدو مستعدا لتحول فعلي على مستوى حق التعبير والتظاهر، إلا أن التونسيين الذين لم يعتادوا بعد على هذه الزخم المفاجئ من الحرية غلب على تصرفاتهم التشتت والتسرع والعاطفة. وأصبحت حرية التعبير شماعة تعلق عليها تجاوزات خطيرة، على حد تعبير إحدى العاملات في ماخور العاصمة، التي عبرت لفرانس 24 عن مخاوفها من تصاعد هذه الموجة من العداء والعنف تجاه المومسات اللواتي يعملن في الماخور الأكثر شهرة في تونس، وخارجها.

وتقول نجوى، وهي في الأربعين من عمرها، إنها تشعر منذ الثورة بالخطر على حياتها والخوف من المستقبل في ظل تعبئة مستمرة من قبل الإسلاميين لغلق المواخير في تونس باعتبارها رمزا للفساد والمجون على حد تعبيرهم. وتكشف نجوى عن منشور قالت إن إسلاميين وسلفيين وزعوه على نطاق واسع في المدينة العتيقة وخلال صلاة الجمعة للتجمع والمطالبة بغلق الماخور. وقد استجاب عدد كبير من المواطنين لهذه الدعوة واقتحموا في 18 فبراير/شباط الماخور، مرددين هتافات وشعارات وأدعية دينية.

وتضيف بأن هذه المجموعة من المحتجين ضمت خصوصا رجالا ملتحين ومرتدين للزي الإسلامي ونساء مرتديات الحجاب أو النقاب، اقتحمت الماخور الواقع في نهج "عبدالله قش" بوسط المدينة العتيقة، وسرعان ما تحولت المسيرة إلى أعمال عنف مرعبة، حيث عمد المحتجون إلى تعنيف و ترويع رواد الماخور والعاملات فيه، كما حاولوا سكب الوقود وإحراق أحد العاملين فيه.

توجيه أصابع الاتهام للسلفيين

وتقول نجوى إن عملية الاقتحام تم الإعداد لها بشكل جيد وأن المحتجين كانوا مصممين على تنفيذ تهديدهم ما دفع ببائعات الهوى إلى الفرار وترك محلاتهم مفتوحة لتعيث بها هذه المجموعة خرابا ولولا تدخل الجيش لكانوا أحرقوا الماخور بمن فيه.

ويشار إلى أن الماخور الذي يعود إلى أوائل القرن 20 هو عبارة عن زقاق لا يضم سوى مدخلا واحدا ولا توجد فيه منافذ للنجاة، ولو أحرق فإن عشرات قوارير الغاز كان من الممكن أن تشتعل محدثة كارثة حقيقية في المدينة العتيقة.

وتؤكد لطيفة (26 سنة) هذه الرواية وتوجه أصابع الاتهام إلى السلفيين والمتشددين الإسلاميين، وترى أنهم سيستمرون في الدعوة إلى غلق الماخور وأنهم سيعودون بعد كل صلاة جمعة للمطالبة بغلق مصدر رزقنا الوحيد.

وتطالب لطيفة بعودة قوى الأمن إذ أنه منذ الثورة أخلت قوات الأمن في المدينة العتيقة مكانها لعدد قليل من جنود الجيش لا يبدو مصير الماخور من أولوياتهم.

وتقول لطيفة إنه في حال تم إغلاق الماخور استجابة لهذه المسيرات، ستعم الفوضى وستجد المومسات أنفسهن مجبرات على العمل بشكل سري بما يحمله ذلك من مخاطر صحية واجتماعية خاصة أن الماخور تحت إشراف وزارة الصحة وتتم متابعة العاملات بصفة يومية. ويؤكد مسؤول في بلدية تونس صحة هذه المعلومات، ويؤكد لفرانس 24 أن المصالح الطبية تسخر إمكانيات كبيرة لمنع ظهور وانتشار أمراض منقولة جنسيا. فالماخور مجهز بمركز طبي كان مغلقا يوم زيارتنا، يعمل طيلة أيام الأسبوع ويستقبل يوميا قرابة 50 مومسا من أصل 238 مومسا يعملن في الماخور لإجراء فحوصات طبية شاملة. ويؤكد المسؤول أن معدل الإصابات بأمراض جنسية داخل الماخور متدن جدا بفضل هذه المتابعة الطبية المستمرة.

الخوف من انتشار الاعتداءات الجنسية وعمليات الاغتصاب

تقول أم زياد وهي مشرفة على إحدى دور الماخور، إن إغلاق الماخور سيسبب مشاكل اجتماعية كبرى، فإضافة إلى الدعارة السرية، التي قد تلجأ إليها المومسات اللواتي يعشن الآن أوضاعا مادية مأساوية، فإن من اعتاد ارتياد الماخور سيجد نفسه مجبرا على تلبية احتياجاته الجنسية دون مراعاة للقيم والأعراف والعادات. وستتفشى الاعتداءات الجنسية وعمليات الاغتصاب وحتى سفاح القربى، خاصة أن الوضع الأمني في البلاد لم يستتب تماما. وأشارت أم زياد إلى أن العمل داخل الماخور خاضع لمصلحة الضرائب "فنحن ندفع مبالغ كبيرة من الضرائب تصل أحيانا إلى 60 ألف دينار سنويا - قرابة 30ألف يورو- كما ندفع مبالغ مرتفعة جدا مقابل إيجار هذه البيوت القديمة والتي تفتقر في أغلب الأحيان لمقومات الصحة الضرورية" ومدتنا أم زياد ببعض إيصالات الإيجار في الماخور والتي تصل إلى 2500 دينار شهريا - الحد الأدنى للأجور في تونس نحو 280 دينار -.

ولم تخف أم زياد مخاوفها من توقف نشاط سوق البغاء العلني ، وقالت إنه منذ حادثة الاقتحام انخفضت وتيرة العمل داخل الماخور بشكل ملحوظ .حيث غادر عدد من المومسات الماخور وهجره الزبائن. ورغم اعتراف بعض العاملات بخفض أسعار الخدمة إلا أن ذلك لم يحرك وتيرة العمل التي أصابها الجمود. الأمر الذي دفع مالك المحل الذي تستأجره إلى طلب إخلائه بسبب عدم دفعها الإيجار منذ ثلاثة أشهر، أي منذ سقوط نظام بن علي.

سمة من سمات العار التي وصمت تونس

ويقول سالم وهو أحد الذين شاركوا في المسيرة لإغلاق الماخور إن هذا المكان الذي تمارس فيه الدعارة بصفة قانونية منذ 1942 هو "سمة من سمات العار التي وصمت تونس، خاصة أنه يروج للرذيلة والفساد"، وطالب الحكومة الجديدة بإغلاقه فورا خاصة أنه يقع في منطقة إستراتيجية في مدينة تونس العتيقة، على بعد مئات من الأمتار من جامع الزيتونة المعمر ويحاذي أهم وأكبر شارع في العاصمة ، وهو شارع الحبيب بورقيبة كما يحاذي أشهر أسواق العاصمة وهو سوق مدينة تونس الذي يعتبر قبلة السياح والتونسيين على حد السواء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/آذار/2011 - 15/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م