شبكة النبأ:
كان الاعلام ولايزال عاملا أساسيا في بلورة الرأي العام،
وتوجيهه نحو الصواب أو خلافه، ومع تقادم الزمن أصبح تأثير الاعلام أشد
وقعا، بسبب حداثة وسائل الاتصال، ولا يخفى على احد، حجم الماكنة
الاعلامية للدول والشعوب المتطورة، وتوظيفها لخدمة اهدافها المتعددة
الجوانب، كالأهداف الثقافية والفكرية والسياسية والحربية وغيرها.
ويأخذ الاعلام تسميات مختلفة، تبعا للأهداف التي يتحرك نحوها، وقد
أكد الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه
الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: الاجتماع ج1) بهذا الخصوص
على: (ان الإعلام لو كان لأجل الهداية إلى الحق والإرشاد إلى الصحيح،
سمي [تبليغاً] وإن كان لأجل التحريف والإضلال سمي [دعاية] وإن كانت هذه
اللفظة تطلق على الأول أيضاً).
وغالبا ما توّظف الانظمة السياسية، لاسيما القمعية منها، أموالا
طائلة لجعل الاعلام في خدمتها، وتحسين صورتها أمام الملأ، وتزييف
الحقائق لصالحها، أملا بالبقاء على سدة الحكم، وتهميش الآراء المناهضة
لها، كما يحدث في عدد من دول وشعوب الشرق الاوسط، حيث تستميت الحكومات
في هذه الدول، من اجل السيطرة على الاعلام، وتوجيهه تبعا لمصالحها
واهدافها، فتدفعه كي يحرّف الحقائق، ويتحول من وسيلة صادقة ومؤثرة، الى
دعاية لا تمت للاعلام الحقيقي بصلة.
يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب نفسه: (الدعاية السيئة
تلبس الحق بالباطل، وتزيف الحقائق، وتستفيد من جهل الناس، فتحملهم
الأباطيل في صورة حقائق، سواء في العقيدة، أو في العمل، أو في البضاعة،
أو في غيرها، وأخشى ما يخشى منه الدعائي هو النور، حيث يظهر الزيف عن
الواقع).
وهذا هو نهج الانظمة القمعية، التي لا تريد الخير لشعوبها، ولا تسمح
لها بالاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة، إلا بالقدر الذي يخدم النظام
لا اكثر، فلجأت الى طرق التزييف والالتفاف على الحقائق، وتحول الاعلام
الى أبواق ودعاية تخدم السلطة أولا، وتحاول خداع الشعب، إذ يقول الامام
الشيرازي في هذا الصدد: (للدعاية المزيفة طرق كثيرة، وقد كتبت في هذا
الشأن كتب سخرت لها أقلام اجتماعية ونفسية وتربوية).
لذلك ترصد الحكومات القمعية أموالا طائلة، من أجل تحريف الحقائق،
وتزيين أعمال ووجوه السلطة القائمة، وذلك من خلال استخدام أساليب
الترغيب، بتقديم الهبات والمنح والاموال، لكل من يضع نفسه في خدمة
السلطة وأهدافها، ويؤكد الامام الشيرازي، على أن هناك طرقا عديدة
لأصحاب الدعاية السيئة، من اجل تحقيق أغراضهم منها: (استغلال مواضع
الضعف عند الإنسان، مثل حالة المرض، والفقر، والفوضى، وما أشبه، حيث أن
الإنسان في هذه الأحوال هش النفس، سريع القبول، ولذا يشكلون من أمثال
هؤلاء طابوراً خامساً لنيل أهدافهم).
وهذا ما يمكن أن يلاحظه المراقبون عن كثب، فيما يحدث الآن للحكومات
التي بدأ تتساقط من عروشها، حيث لم يعد الاعلام ولا الدعايات المغرضة،
رغم الاموال الكبيرة المرصودة لها، بقادرة على إنقاذ الانظمة المتهاوية
من السقوط، لسبب بسيط أنها تعاملت مع الاعلام بنوايا سيئة مسبقا، في
محاولة منها لحجب الحقائق عن شعوبها، وهو الامر الذي لا يمكن أن يستمر
في ظل الاعلام المعاصر، ووسائله الحديثة التي لا تستطيع السلطة، مهما
بلغت من بطش وقوة، ان تمنعها من الوصول الى العالم أجمع، ومن الاساليب
الرخيصة التي تلجأ إليها الحكومات، هي تقديم الاغراءات المختلفة
والرشا، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي، حيث تقوم الحكومات القمعية:
(بتسخير الألسنة المقبولة مثل أرشاء خطيب، أو مدرس، أو مذيع أو ما
أشبه، لينشر في المجتمع ما يريدونه).
وهناك الكثير من الاساليب المرفوضة، التي يوضحها الامام الشيرازي،
في كتابه نفسه ومنها أيضا:
(خلط الباطل بالصحيح، حتى ينخدع السامع والقارئ والناظر بالصحيح
الموجود في البين، فيظن أن كل ما يرى ويسمح صحيح.. إلى غير ذلك من
الأساليب).
لذلك لابد أن ينبذه المعنيون من نخب القوم، وقادته الذين يعارضون
الانظمة المستبدة، على ضرورة التعامل مع اساليب الخداع الحكومية
وغيرها، بعلمية وعقلية حكيمة، ترصد مكامن الخلل لتعالجها، من اجل
التعجيل بإسقاط الحكومات المستبدة الآيلة للسقوط فعلا، فيؤكد الامام
الشيرازي في الصدد قائلا بالكتاب نفسه: (اللازم على أصحاب الحق
والفضيلة، أن يفتحوا الطريق أمام البحوث الحرة، ويهتموا بمختلف الوسائل
لفضح الباطل اللابس ثوب الحق، ويكشفوا عن مواضع الإعلام الباطل، ومكامن
الدعاية الزائفة، وبذلك يكون إنقاذ الضحايا).
إذن هي مهمة جميع المعنيين، بضرورة التعامل السليم مع الاعلام
الحكومي القمعي، الذي يستميت من اجل تزييف الحقائق، خدمة للحكومات التي
لم تراع شعوبها كما يجب، فواجهت ولا تزال تواجه مصيرها المحتوم،
بالسقوط من العروش العالية الى حضيض الذل والهوان. |