(البلطجية أو البلطجة) هو نوع من (التنمر) يستخدمها البعض لأغراض
شخصية خاصة يحاول من خلالها الحصول على مكاسب او فوائد معينة او فرض
وضع ما بالقوة او السيطرة على الآخرين، وإرهابهم والتنكيل بهم، وهي لفظ
دارج يعود أصله إلى اللغة التركية، ويتكون من مقطعين: (بلطة) و(جي)؛ أي
حامل البلطة، و(البلطة) كما هو معروف أداة للقطع والذبح.
وتتمثل خطورة هؤلاء البلطجية في كونهم (أدوات عنف بلا عقل)، فهي
عصابات شبه منظمة يتم تدريبها و تمويلها من قبل جهات او شخصيات حكومية
او رأسمالية او سياسية عادة، يكون الهدف الاساس منها قمع المعارضين او
المنافسين عن طريق التصفيات الجسدية بالقتل او المعنوية بالتسقيط
والتشهير.
رغم كون الظاهرة موجودة منذ ازمنة ليست بالقصيرة خصوصا في عالمنا
الشرق اوسطي والعربي بالذات الا انها ظهرت بشكل حثيث وواضح خلال موجة
التظاهرات التي عمت الدول العربية، فبعد تراجع الجيش والشرطة في اغلب
هذه الدول من مواجهة مواطنيهم او الانضمام اليهم في بعض المناطق لم يجد
رؤساء وحكام هذه الدول بُد من انزال رصيدهم البلطجي لمواجهة الازمة
ولقمع المتظاهرين ومحاولة ترهيب حتى اجهزة الامن والجيش خوفا من عدم
تنفيذ الاوامر، وهذه الظاهرة تعبر بشكل دقيق عن حقيقة غياب الدولة
المدنية وسلطة القانون لصالح مافويات فاسدة ولدت من زواج السلطة
الاستبدادية ونهب المال العام.
هذه الطريقة رغم رفض كل ذي عقل لها فهي تشير الى نقاط مهمة اخرى
منها:
1- الدليل القاطع على وجود الفساد المالي والاداري وسوء استخدام
السلطة والتلاعب بمقدرات الشعوب من خلال تمويل وانشاء مليشيات سرية
بشكل كبير وباذخ من اجل منافع شخصية وبناء منظومات قمعية خاصة، فاغلب
هؤلاء هم بمثابة المرتزقة لا يهمهم شيء بقدر نهم المال والسلطة والتقرب
من الحكومة ممثلة بشخص الحاكم او الحزب المتسلط.
2- تنامي القناعة لدى اغلب الحكام بموقعهم المهزوز والمرفوض من
شعوبهم وتنبئهم بان يوم المواجهة مع شعوبهم قادم لاريب فيه وتهيئة مثل
هذه العصابات انما هو عمل احترازي لفقدانهم الثقة بباقي اجهزة الامن
الرسمية.
3- بناء مثل هذا النوع من الاجهزة غير القانونية، ينافي بالكامل
التوجه لبناء الدولة المدنية او مؤسساتها فهو جزء من عسكرة المجتمع
وبناء دولة السجون السرية والقمع والارهاب الحكومي.
4- الاساءة الى المؤسسات الامنية بسبب تمتع مثل هذه المليشيات
بصلاحيات واسعة خصوصا خلال فترة الازمات وتجاوزهم حتى على الجهات
الرسمية العسكرية القانونية والدستورية، والخضوع مباشرة لشخصية الحاكم
او من يمثله في تنفيذ الاوامر.
5- محاولة اثارة الفوضى والاقتتال الداخلي عن طريق نقل الصراع من
(الشعب مع السلطة او الحاكم) الى اقتتال (اهلي قومي او طائفي) كون اغلب
هؤلاء البلطجية هم من فئات من الشعب خصوصا اذا كانوا يمثلون قومية او
طائفة او جهة معينة.
هذه الطريقة التي يستخدمها الحكام في كثير من دول الشرق اوسطية تمثل
خطرا كبيرا في وجودهم وبعد رحيلهم، فمرحلة الانتقال لما بعد
الدكتاتورية سترسم مرحلة لتصفية هؤلاء البلطجية بطرق قد يكون بعضها
قانوني عن طريق المحاكمات او غير قانوني بالتصفيات الجسدية من قبل
المتضررين من افعالهم، خصوصا ممن يتم تشخيصهم من قبل ابناء جلدتهم،
وهذا ينذر بوقوع معارك مستمرة على فترات زمنية متواصلة او متقطعة عن
طريق (الثائر والثائر المضاد) وهو ما يدفع البلاد عموما الى مآسي اخرى
غير التي جنتها من تسلط الحكومات السابقة وما قدمته سنوات الدكتاتورية
والقمع.
من ذلك يجب الاخذ بنظر الاعتبار هذه الافة الخطرة التي يتبعها بعض
الحكام ومعالجتها بطرق شتى منها:
اولا: سن قوانين خاصة بمثل هكذا حالات تجعل جميع ممن تثبت ادانتهم
(بالانتماء او المشاركة او المساعدة) على ايجاد هذه العصابات بمثابة
(المرتكبون للإبادة الجماعية) كونهم ساهم عن قصد ومعرفة بإيجاد ارهاب
منظم لسنوات وارتكاب مجازر سرية او علنية.
ثانيا: اشراك جميع القنوات والمؤسسات الدينية والمدنية والعلمية
والاعلامية بالتنويه لهذه الظاهرة والتحذير منها، والعمل على محاولة
رفع مستوى الوعي العام وخصوصا لدى الطبقات التي تعيش تحت خط الفقر.
ثالثا: تعزيز القناعة لدى الشعوب بان لا جريمة تمر دون عقاب وان من
يحاول الاعتداء على حقوق الشعوب فسينال عقابه عن طريق المؤسسات
القانونية لا بطريقة التصفيات الشخصية فتقديم جميع المشتركين في هذه
العصابات الى محاكم مختصة وبشكل علني يدفع بهذا الاتجاه وبإيجاد ثقافة
المجتمع المدني المؤسساتي القائم على سيادة القانون.
رابعا: التركيز على بناء دولة المؤسسات والتي تجعل من الانسان قيمة
عليا وهدف اساس في البناء، والعمل على بناء وتقوية اجهزة الامن الرسمية
والتأكيد على مهنيتها واستقلاليتها.
خامسا: تحديد الطبقات والعناصر التي تميل لاستخدام العنف قبل
تورطها، ومحاولة اصلاحها وتأهيلها ومعالجتها بالطرق العلمية
والاجتماعية والنفسية ودراسة الاسباب التي تؤدي لظهور مثل هكذا حالات.
سادسا: الاسراع بمعالجة المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة تحصينا
لها، وغلق الباب امام من يريد استدراجها او توريطها في هذه الجرائم.
ثقافة البلطجية التي اوجدتها الحكومات الدكتاتورية تمثل مشكلة
حقيقية حتى لما بعد التحول، فلا يمكن ترك المتورطين بدماء الابرياء
ينعمون بثمرة ما قدمه ضحاياهم في انشاء دولة تعددية وديمقراطية، وفي
نفس الوقت لا يمكن لهذه الدولة ان تطلق ايدي الناس في اخذ الثائر فتعم
الفوضى ليذهب البريء بجريرة المجرم، ومن هذا المنطلق فلابد من اخذ
القضية على اهمية كبرى حفظا للدماء وتأسيسا لدول متمدنة تؤمن بحقوق
الانسان واقامة العدل.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com/index.htm |