حضر الجميع... وغاب الشعب

جواد العطار

مرة اخرى يعجز البرلمان عن ممارسة دوره الرقابي على الاداء الحكومي امام اول اختبار حقيقي يتعرض له منذ تشكيله بعد انتخابات آذار من العام الماضي، ذلك ما افرزته جلسة الخميس المصادف 10 / 3 / 2011 التي استضافت رئيس مجلس الوزراء بناءا على طلبه، من خلال الكلمات التي غلب عليها الطابع البروتوكولي والمجاملات... بعيدا عن الدخول الى جوهر الموضوع الذي عقدت من اجله الجلسة.

ومرة اخرى يثبت مفهوم الشراكة القائم على مشاركة الجميع في الحكم فشله امام اول عقدة تواجهه، على خلفية ذات الجلسة البرلمانية؛ حينما عجزت كلمات ممثلي الكتل السياسية عن تحليل الواقع او توجيه الاسئلة الموضوعية او حتى المجازفة بتوجيه النقد الى كلمة رئيس الوزراء التي تضمنت برنامجا اصلاحيا من مائة يوم يمثل مهلة نهائية للوزراء فقط، لاداء اعمالهم على اكمل وجه... والا.

ومرة ثالثة... اثبت النواب انقطاعهم عن مواكبة طلبات المتظاهرين وهم ممثليهم، لان الطلبات العشرين التي طرحتها اللجنة البرلمانية؛ المكلفة بمتابعة الاحداث والاتصال؛ باعتبارها مطالب المظاهرات الشعبية التي اجتاحت اغلب المحافظات خلال الاسبوعين السابقين لانعقاد الجلسة؛ كانت في الحقيقة التفاف عليها، لانها تضمنت آليات وطلب تشكيل لجان ودعوات لتفعيل بعض مفاصل الحكومة، دون الخوض المباشر بالمطالب الملحة والدعوة العاجلة لتنفيذها؛ والتي منها ضرورة ترشيق الجهاز الحكومي؛ ومحاربة الفساد المالي والاداري دون محاباة؛ ومعالجة ارتفاع معدلات البطالة او محاسبة المحافظين ومجالس المحافظات او عزلهم او توفير الخدمات ومفردات البطاقة التموينية.

اذن انتجت الجلسة اختلالا واضحا في ميزان النظام البرلماني القائم على حكومة في السلطة ومعارضة بالبرلمان، الاولى تعمل والثانية تراقب تقوم وتصحح؛ وفي الدول المتقدمة؛ تقدم المشورة استباقا لوقوع الخطأ. اختلال سببه غياب المعارضة الحقيقية عن الدورة البرلمانية الحالية بناءا على مشاركة كافة الكتل السياسية حتى الصغيرة منها في السلطة والحكم واقتسام المناصب، فمن يراقب اذن؟ ومن يحقق؟ ومن يحاسب؟

اسئلة توجه الى كافة النواب والى رئاسة البرلمان، اسئلة افرزتها عقبة بسيطة في مظاهرات صغيرة هنا وهناك، ممكن ان تواجه اي نظام برلماني ام رئاسي كان يكفل ويصون الحريات. اسئلة حجبت اجابتها الاسباب التالية :

1. خلافات الكتل السياسية التي اضحت كالنار تحت الرماد، والدليل ان جلسة البرلمان لم تستمر الى نهايتها بل لم يستطع النواب منفردين توجيه الاسئلة الى رئيس مجلس الوزراء حول حزمة الاصلاحات التي طرحها، ناهيك عن ازمة تسمية الوزراء الامنيين التي ما زالت مستمرة رغم اهميتها العالية في مثل هذه الظروف.

2. ابتعاد النواب طوال الفترة الماضية عن ممثليهم وقواعدهم الشعبية، والدليل ان التظاهرات انطلقت دون التحاق ايا منهم او علمه بها او حتى قبول المتظاهرين انفسهم التباحث مع اعضاء المجلس او الوفود التي ارسلتها رئاسته.

3. افتقار مفهوم شراكة الجميع في الحكم لآلية تضمن التوازن وتحول دون اختلال النظام البرلماني، بل حول هذا المفهوم الدولة الى غنيمة ووليمة تقاسمتها الكتل؛ ما ادى الى ترهل كبير في هيكلها ومؤسساتها واستشراء الفساد في مفاصلها؛ بعيدا عن رغبات ومطالب الشعب.

ان الشمس لا يحجبها الغربال، وما رأيناه في جلسة البرلمان يوم الخميس الماضي او يوم السبت حضورا مميزا للنواب ولقضاياهم ومصالح كتلهم السياسية، في حين لم نر حضورا للشعب الا ما ندر في بعض الكلمات او المداخلات. اما محاولات تقليل رواتب النواب او الرئاسات او تخدير المواطنين بمشاريع ووظائف او انتخابات اقضية ونواحي ليست هي الدواء الشافي ولا العلاج الكافي.

ان العلاج الحقيقي يكون في انبثاق او تصدي مجموعة كبيرة من النواب لمسؤوليتهم في اكمال مشاريع القوانين المعطلة والرقابة على السلطة التنفيذية والاداء الحكومي؛ رقابة جدية تنبع من نبض الجماهير والشارع وتتجاوب معه؛ رقابة لا تعرف المجاملات والخطابات؛ رقابة تتولى تشكيل تكتل داخل قبة البرلمان بعيد عن الانتماء السياسي قريب من الانتماء الوطني غايته تشخيص الخلل في الاداء الحكومي والدعوة الى تقويمه وعلاجه، وصولا لملامسة معاناة المواطن وحلا لازمة الوطن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/آذار/2011 - 13/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م