
الكتاب: مملكة جبران
الكاتب: ابراهيم الهطلاني
الناشر: دار رياض الريس للكتب والنشر
عدد الصفحات: 166 صفحة متوسطة القطع
عرض: جورج جحا
شبكة النبأ: قراءة رواية "مملكة جبران"
للكاتب السعودي ابراهيم الهطلاني وما تثيره في نفس القارىء ممتعة
وقراءة ملاحظته عن الرواية على غلاف الكتاب قد تحملنا الى احدى قصص
الاخوين رحباني المغناة عن قرية او ضيعة كما يقال بالمحكية اللبنانية
وحيث تختم فيروز بصوتها الرائع قائلة "لا القصة صحيحة ولا الضيعة
موجودة".
ويخرج "المستمع" هناك ومع كلام الكاتب بفحوى تدخلنا في عالم فلسفة
القصص الواقعي وتحديده لنصل الى الرأي الذي يقول ان الواقعي ليس
بالضرورة ما قد حصل فعلا في مكان وزمان معينين بل هو المحتمل الحدوث.
يعني هذا انه ربما حدث اكثر من مرة واحدة وفي اكثر من مكان وزمان.
هنا ربما يقول البعض ان الضيعة في المغناة تصبح واقعية اكثر من الواقع
نفسه الذي قد لا تراه عين الانسان العادي كما تراه عين الفنان وهي
الاكثر نفاذا وان جنحت الى المبالغة في بعض الاحيان. اذن هناك اكثر من
ضيعة موجودة والقصة صحيحة.
يعمد ابراهيم الهطلاني كما نجد عند اكثر من كاتب سعودي او كاتبة الى
الرموز او الى خلق عالم يقول انه ليس بالضرورة من عالمه الواقعي. يقول
الكاتب على صفحة الغلاف في حديثه عن الرواية "هذه الرواية تناقش فكرة
وقضية لا تعني مجموعة بعينها. تتناول حالة اجتماعية وسياسية واقعة في
المشرق او المغرب العربي. لا يهم المكان او الزمان بقدر اهمية المشكلة
وفداحتها واستفحال العلة التي يعيشها مجتمع سلبت منه كل ادوات الكشف
والعلاج وقد شلت ارادته وشطبت مصطلحات الحرية والاختيار من كتبه
ودفاتره ورفعت اقلامه من كل حياته. لا يهم ان كان هذا مجتمعي او مجتمعك
او مجتمع صديقك او مجتمعا قرأت عنه.. المهم اننا نعرفه ونعترف بوجوده."
وخلص الى قول مهم ختم به وهو "وفي الخاتمة اذكرك عزيزي القارىء انني
لست مسؤولا عن اي احوال او اسماء او صفات جغرافية او سياسية او
اجتماعية خطرت في بالك نتيجة تأويلك او تشبيهك او تمثيلك لاي حادثة
مررت بها في الرواية."
الرواية التي صدرت عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت وردت في
166 صفحة متوسطة القطع. اما الاهداء فقد جاء كما يلي "مع فائق التحية..
وخالص الدعوات الرحيمة.. الى روح عبد الله القصيمي.. لقد عاد." بحسب
رويترز.
ايضاح ذلك -اي من هو الذي عاد- يأتي في الصفحة التالية اذ يأخذ
المؤلف من الكاتب السعودي الراحل عبد الله القصيمي في كتابه "لئلا يعود
هارون الرشيد" قولا هو "اني اخاف مجيء هارون الرشيد الجديد لانني قرأت
عن هارون الرشيد القديم. كان يقاتل بابائي ويقاتلهم بالسيوف والرماح
والسهام والنبال.
"كان ينفق قوت ابائي على الجواري والشعراء والمغنين. كان يعرض ذاته
وهيبته ووحشيته وكبرياءه فوق المنبر وفي المسجد وفي مواكبه البدوية
المنطلقة من القصر الى المصلى ومن المصلى الى القصر ومن هذا القصر الى
ذلك القصر ومن مخدع هذه الجارية الى مخدع الجارية المنافسة الاخرى.
"كان يحارب ذكاء ابائي وحرياتهم بالمشايخ وبالآيات والاحاديث
وبالأنبياء وبالسلف وبالقبور."
الكاتب يكتب بمهارة وذكاء وبلغة جذابة ويقدم معلومات وتحليلات لا
تتوفر الا لصاحب خبرة عريقة في مجالات الحياة المختلفة من سياسية
واجتماعية وصحافية وغير ذلك. يحبك الاحداث بعضها ببعض والموضوعات
والحوارات حيث تجري. انه مقنع موهوب دون شك وان لم تحتو الرواية -لكونها
قصة مجتمع- شخصيات مطورة نوعا ما الا في نهايتها ونعني شخصيتين هنا هما
ياسمينة واختها غزالة التي يفترض ان نعتبرها من بعض النواحي بطلة
الرواية.
يتناول الكاتب حياة الفسق وسرقة اموال الناس والتحالف مع رجال الدين
في حلف غريب وفولاذي يصعب فكه.
نبدأ بفصل هو "في القصر" وفيه نتعرف الى غزالة التي "رغم بلوغها
الخمسين من عمرها ما زالت... تحن الى لحظات المراهقة القديمة وتشعر بأن
في قلبها بعض الاماكن ما زالت شاغرة وفي جسدها اجزاء لم تلمس بعد...
"سيدة التناقض بين قلبها وعقلها مسافات شاسعة واشارات متناقضة تناقض
الوطن الذي تتراكم في باطنه الام وايات محترقة وهياكل عظمية صنع من
رفاتها قبلة للشعب. لا يكل المتسلطون في الوطن من نهب باطنه وبطون
ابنائه ليتجملوا به ويقنعوا الاخرين بانه ما زال شامخا.. فقط بوجودهم..
كوجه غزالة المشدود بفعل المشارط وحقن التجاعيد ومساحيق التجميل حتى
يقنع العيون الغائرة.. والثائرة على كل شيء بانه وجه ملاك."
وقال "ذلك هو الوطن بتاجه الورقي.. وتلك هي غزالة الزوجة الثالثة
للوزير سهران الذي فقد قدرته الجنسية منذ عقد ونيف... وظل يستعين بكل
ما يصل الى سمعه من ادوية واعشاب... فقد الامل فلجأ الى تدخين الحشيش
بحثا عن متعة بديلة.
"الوزير سهران هو احد ابناء السلطان جبران (الخامس) من سلالة جبران
( الاول) بن فطام الشاطر الذي اجبره الغزاة على ترك واحته التي كان
يحكمها على الساحل الغربي للخليج العربي وهاجر... الى جنوب شرق اسيا في
منتصف القرن السابع عشر حيث تزوج هناك بوريثة احد السلاطين" لتنتقل
اليه السلطنة لاحقا "ومنذ ذلك الوقت ظل الحكم مستمرا في ابناء واحفاد
جبران (الاول)... حتى وصل الامر الى جبران (الخامس) الذي خلف وراءه
عشرين وريثا يتقاسمون ثروة كبيرة تحت الارض وفوقها.
"ورغم الازمات والمواجهات الخطيرة التي وقعت بين ورثة العرش الجديد
الا ان الحكم كان ينتقل بين ابناء جبران في الغالب بطريقة سلمية متفق
عليها عرفا في وجود اصطفاف وتنافس مستمر بين اركان عائلة جبران. وبوفاة
الوريث الرابع السلطان حواس بن جبران انتقلت مقاليد الحكم الى ولي عهده
واخيه غير الشقيق مرطان بعد صبر طويل وانتظار ممل غالبه اليأس."
وقال الكاتب "الدين والمال والاعلام اسلحة نافذة يستخدمها ابناء
جبران ويطوعونها في كل الاحوال للابقاء على حكمهم وللسيطرة على شعبهم."
ويتحدث عن الصفقات والرشى. وزير الامن سهران هو شقيق وزير الجيش
شاهين. ومن الامثلة ان عزيز شقيق غزالة القي القبض عليه في مطار بباريس
بتهمة تهريب الهيروين في طائرته الخاصة وهو في طريقه الى الوطن. اما
سهران فقد ثار غضبا وخشية وذهب الى مكتبه في وزارة الامن "وبين غضبه من
وجود الهيروين في الشحنة وخشيته من تسرب اي معلومة عن علاقته" بالشحنة.
اضاف "وكان مصرا على انهاء هذه القضية بأي ثمن حتى ولو اضطرت حكومته
للانسحاب من صفقة السلاح التي تم الاتفاق عليها مع الحكومة الفرنسية
وكانت تقدر بعشرين مليار دولار وهذا الخيار نوقش مع شقيقه شاهين وزير
الجيش والمسؤول المباشر عن عقود التسلح." وتم التوصل الى حل للمشكلة
بعد الافراج عن عزيز.
اضاف "وقد جرت العادة في مثل هذه العقود الضخمة او المضخمة التي
تبرمها السلطات العسكرية في سلطنة جبران على ان يحصل الوزير شاهين
والوسيط المحلي على نسبة الربع من قيمة العقد وغالبا ما يكون هذا
الوسيط ابن الوزير او احد افراد عائلته المقربين وكذلك وزير الامن
فنسبته ثابتة في كل العقود المتعلقة بتجهيزات المؤسسة الامنية." ومن ثم
كلام كثير عن علاقات غزالة الجنسية وعن معرفة زوجها بالامر.
ينتقل ابراهيم الهطلاني من ثم الى موضوع اخر هو موضوع الاعتقالات
والتعذيب في السجن وحتى عمليات اغتصاب الرجال من اجل اذلالهم واجبارهم
على الاعتراف بتهم.
في حديثه عن الصديقين مالك ومازن اللذين كانا يسعيان الى معاكسة
الفتيات قرب قصر غزالة وبسبب اخبار تأتي عادة من خلال الامريكيين عن
عمليات اغتيال لمسؤولين ستقع اعتقل الشابان وعذبا. وتعرفا في السجن الى
اشخاص من المتهمين بانهم من "الارهابيين" ليطلعا منهم على ان بعضهم لم
يكن اكثر من مطالب بالاصلاح داخل النظام وان عددا منهم كان من
المجاهدين الذين شجعتهم السلطنة على القتال في افغانستان ثم في الشيشان
ولما عاد بعضهم الى بلده متقاعدا من هذه الانشطة زج في السجن وعذب واذل
واهين بعد ان "تغيرت قواعد اللعبة." وسرعان ما ينقلب الشابان المظلومان
ايضا بعد التعذيب والاذلال الى اصحاب افكار متطرفة.
وقال الكاتب في مجال اخر "ان العلاقة الحميمة المستمرة حتى الان بين
ابناء جبران ورجال الدين تمثل نموذجا فريدا من نوعه يثير علامات التعجب
ويستقطب الباحثين والكتاب على المستويين الداخلي والخارجي. ومن ابرز
تلك النماذج الغريبة في سلطنة جبران ما يجمع بين قضاة وفقهاء مشهورين
بتشددهم الديني حتى في ابسط القضايا الفرعية وبين شخصيات منفتحة من كل
الجهات وبكل المعايير." واظهر حالة الثراء التي يعيش فيها رجال الدين
الكبار وقصورهم الفخمة.
وقال "تعلم الابناء من والدهم المؤسس جبران خطورة الشعارات والنصوص
الدينية واهمية السيطرة على مصادرها والتفرد بقراراتها... والاعتماد
المفرط على النصوص القديمة والمصطلحات التراثية."
وتحدث عن دور "حراس الفضيلة" وسلطاتهم الرهيبة في مراقبة الناس
والنساء السافرات وعمليات الاعتقال وفرض اغلاق المتاجر والحوانيت في
اوقات الصلاة بينما يجري غض النظر عن حفلات السكر وتعاطي المخدرات
والحفلات الجنسية لكبار القوم من عائلة جبران وكيف يستوردون هم الخمور
المحرمة على الناس العاديين ويتجرون بها وبالمخدرات.
ويتحدث عن المظلومين والمظلومات في السجون من اجانب ومحليين وعن
العقوبات الصارمة مثل قطع يد السارق او اصبعه وغير ذلك بينما يجري
التغاضي عن سرقة مال السلطنة ونفطها وغازها.
تنتهي القصة بوفاة غزالة بمرض عضال وباظهار تعاسة شقيقتها ياسمين
زوجة الوزير شاهين الطيبة التي حرمت في حياتها من كل سعادة في الحياة.
انها هنا هي وغزالة الشخصيتان الوحيدتان اللتان كانتا على قدر من
التطوير الروائي.
العمل ككل جذاب اسر لكنه اقرب الى تحقيقات وابحاث صحافية حية محركة
منه الى نص روائي متكامل. ولعل ابراهيم الهطلاني واحد من اقدر الكتاب
العرب على جعل العمل القصصي ينوب عن دراسات شاملة مطولة عن بلد ما سواء
كان متصورا او واقعيا وذلك دون ان يفقد هذا العمل جاذبيته القصصية. |